الدعوى 1 لسنة 19 – منازعة تنفيذ – المحكمة الدستورية العليا – مرفوعة علنية رقم 1 لسنة 19 بتاريخ 03/10/1998

Facebook
Twitter

الدعوى 1 لسنة 19 – منازعة تنفيذ – المحكمة الدستورية العليا – مرفوعة علنية رقم 1 لسنة 19 بتاريخ 03/10/1998

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 3 اكتوبر سنة 1998 الموافق 12 جمادى الآخرة سنة 1419 هـ.

برئاسة السيد المستشار / محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : فاروق عبد الرحيم عنيم وحمدى محمد على وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين.
وحضور السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 1 لسنة 19 قضائية منازعة تنفيذ دستورية
المقامة من
السيد / بدرى عبد اللاه خليل
ضد
1- السيد / رئيس الجمهورية
2- السيد / رئيس مجلس الوزراء
3- السيد / وزير العدل
4- السيد / وزير الإسكان
5- السيد / النائب العام
الإجراءات
بتاريخ العشرين من اكتوبر 1997،أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ،طلبا للحكم :
أولا : بفض النزاع القائم حول تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 22 فبراير سنة 1979 فى القضية رقم 48 لسنة 17 قضائية دستورية ؛ والحكم الصادر من الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض بتاريخ 13 ابريل 1979 فى الطعن رقم 11838 لسنة 60 قضائية ،مع إلزام محكمة النقض بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا · وثانيا : بوقف تنفيذ حكم محكمة النقض سالف الذكر؛ فيما تضمنه من عدم اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدنى على الأماكن التى لم يسبق تأجيرها،هو القانون الأصلح للمتهم.
وبتاريخ العاشر من ديسمبر سنة 1997 قرر المستشار رئيس المحكمة رفض طلب وقف التنفيذ.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى ،أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ،وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق،والمداولة.

حيث إن الوقائع- على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى – وإبان نظر قضية الجنحة المستأنفة رقم 7204 لسنة 1993الجيزة – التى كان متهما فيها بتقاضى مقدم إيجار يزيد على أجرة سنتين- كان قد أقام الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية ؛ التى تحدد نطاقها بالفقرة الأولى من المادة 6 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. بعد ربطها بالعقوبة المقررة على مخالفتها طبقا للمادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وبجلستها المعقودة فى 22 فبراير سنة 1997 قضت هذه المحكمة بعدم قبول الدعوى.
وأقامت قضاءها على أن الواقعة محل الاتهام الجنائى إذ لم تعد معاقبا عليها- بصدور القانون رقم 4 لسنة 996 المشار إليه- فقد تعين الحكم بانتفاء مصلحة المدعى بعد أن غض المشرع بصره عن بعض التدابير الاستثنائية للعلائق الإيجارية التى انبنى التجريم عليها وخرج من صلبها؛ وأن قضاءها باعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 أصلح للمتهم وقد انبنى على التطبيق المباشر للقواعد الدستورية التى تناولها ذلك الحكم يسبغ عليه الحجية المطلقة المقررة قانونا للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية بما تعنيه من إلزام للناس كافة ولكل سلطة فى الدولة بما فى ذلك جهات القضاء على اختلافها،وقد نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية بتاريخ 6 مارس 1997. ثم أصدرت الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض بتاريخ 13 ابريل 1997 حكما فى الطعن المقيد بجدولها برقم 11838 لسنة 60 قضائية ؛ على خلاف حكم المحكمة الدستورية العليا السابق عليه؛ مستندا إلى نظر حاصله أن القانون رقم 4 لسنة 6991 المشار إليه؛ لاينعطف بأثره إلى الوقائع السابقة على صدوره، بما مؤداه عدم اعتبار هذا القانون قانوناً أصلح للمتهم مما حدا بالمدعى – وقد أعادت سلطة الإتهام تقديمه إلى المحاكمة – إلى اقامة الدعوى الماثلة.

وحيث إن المقرر قانونا أن المحكمة – بما لها من هيمنة على الدعوى – هى التى تعطيها وصفها الحق وتكييفها القانونى الصحيح متقصية فى سبيل ذلك طلبات الخصوم مستظهرة حقيقة مراميها وأبعادها،وكان ما يقصده المدعى فى واقع الأمر إنما يتحصل فى طلب الاستمرار فى تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا السالف الإشارة إليه والذى بنى على اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 قانوناً أصلح للمتهم فى الدعوى الموضوعية التى أثيرت الدعوى الدستورية بمناسبتها، وباعتبار أن حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض المشار إليه إنما يمثل عقبة قانونية تحول دون جريان تنفيذ مقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا سالف الذكر بالنسبة للمدعى ، ومن ثم فإن طلبات المدعى تندرج- بهذه المثابة – فى عداد المنازعات التى عنتها المادة 50 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 9791 بنصها على اختصاص هذه المحكمة دون غيرها بالفصل فى كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قوام منازعة التنفيذ أن يكون تنفيذ الحكم القضائى لم يتم وفقا لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه،بل اعترضته عوائق تحول قانونا- بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه؛ وتعطل بالتالى ؛ أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان. ومن ثم،تكون عوائق التنفيذ القانونية هى ذاتها موضوع منازعة التنفيذ؛ تلك الخصومة التى تتوخى فى غايتها النهائية إنهاء الآثار القانونية المصاحبة لتلك العوائق؛ أو الناشئة عنها؛ أو المترتبة عليها؛ ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها، وإعدام وجودها لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقا بحكم صادر فى دعوى دستورية ؛ فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التى احتواها؛ والآثار المتولدة عنها،هى التى تحدد جميعها شكل التنفيذ،وتبلور صورته الإجمالية ؛ وتعين كذلك ما يكون لازما لضمان فعاليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها؛ وتنال من جريان آثارها فى مواجهة الكافة ودون تمييز؛ بلوغاً للغاية المبتغاه منها فى تأمين الحقوق للأفراد؛ وصون حرياتهم؛ إنما يفترض أن تكون هذه العوائق- سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- حائلة فعلا دون تنفيذ أحكامها تنفيذاً صحيحا مكتملا أو مقيدة لنطاقها.
وحيث إنه يبين من الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 22فبراير 1997 فى الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية أنه قد تناول تحديد نطاق الدعوى الدستورية فحصره فى نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981 بعد ربطها بالعقوبة على مخالفتها المقررة بنص المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977؛ ثم عمد إلى تحقيق شرط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى ؛ استمساكا بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن عينية الدعوى الدستورية لا تعنى اعتبار هذا الشرط منفكا عنها؛ بل هو مناط قبولها،فلا يكفى أن يتوافر عند رفعها بل يتعين أن يظل قائماً إلى حين الفصل فيها،توكيداً لمبدأ حاصله أن المصلحة الشخصية المباشرة هى شرط ابتداء واستمرار لقبول الدعوى الدستورية.
واستظهاراً لهذا الشرط فى إطاره ذاك؛ وبمراعاة أن الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية – الصادر فيها الحكم المطلوب الاستمرار فى تنفيذه- قد صادفها أثناء نظرها القانون رقم 4 لسنة 1996 فقد أقامت المحكمة منطوق قضائها بعدم قبول الدعوى على خمس دعامات رئيسية ؛ لا قوام لهذا المنطوق دونها وتكون معه كلاً واحدا لا يقبل التجزئة ؛ مدادها الدستور؛ نصا وروحا؛ لحمتها مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات،وسداها صون الحرية الشخصية ؛ وبنيتها تقدير الضرورة الاجتماعية التى أملتها سياسة تشريعية يتعين على المحكمة استنباط مقاصدها؛ ورصد غاياتها،متلائمة معها،ملتزمة بها؛ غير قاصرة على مفاهيم حرفية عفا عليها الزمن،بمنهجية تأخذ فى اعتبارها دوما أن الدستور وثيقة تقدمية نابضة بالحياة ؛ فلا تصد عن التطور آفاقه الرحبة · وحاصل تلك الدعامات :
أولا: أن ثمة قاعدتين تجريان معا وتتكاملان: أولاهما: أن مجال سريان القانون الجنائى ينحصر أصلا في الأفعال اللا حقة لنفاذه · وثانيتهما : سريان القانون اللا حق على وقائع كان يؤثمها قانون سابق كلما كان القانون الجديد أكثر يسراً. وتكامل هاتين القاعدتين مؤداه أن الثانية فرع من الأولى ونتيجة حتمية لها. وكلتاهما معا تعتبران امتداداً لازما لقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات، ولهما معا القيمة الدستورية ذاتها ·
ثانيا : أن صون الحرية الشخصية التى كفلها الدستور بنص المادة 41 منه هى التى تقيم قاعدة القانون الأصلح للمتهم وترسيها؛ ومن ثم يحل القانون الجديد. وقد صار أكثر رفقا بالمتهم وأعون على صون الحرية الشخصية التى اعتبرها الدستور حقا طبيعيا لا يمس- محل القانون القديم؛ فلا يتداخلان، بل ينحى ألحقهما أسبقهما؛ إعلاءً للقيم التى انحاز إليها القانون الجديد؛ بعد أن صار أكفل لحقوق المخاطبين بالقانون القديم وأصون لحرياتهم.
ثالثا : أن القوانين الجزائية التى تُقارن ببعضها تحديدا لأصلحها للمتهم؛ تفترض اتفاقها جميعا مع الدستور. وتزاحمها على محل واحد؛ وتفاوتها فيما بينها فى عقوباتها يقتضى ألا تُغَّلِب المحكمة من صور الجزاء التى تتعامد على المحل الواحد؛ إلا تلك التى تكون فى محتواها أو شرائطها أو مبلغها أقل بأسا من غيرها؛ وأهون أثراً.
رابعا : أن الضرورة الاجتماعية التى انطلق منها الجزاء المقرر بالقانون القديم وتولد عنها،قد اسقطتها فلسفة جديدة – تبناها المجتمع فى طور أكثر تقدما- قوامها حرية التعاقد؛ فلايكون الجزاء الجنائى – وقد لابس القيود التى فرضها القانون القديم على هذه الحرية – إلا منهدماً بعد العمل بالقانون الجديد.
خامسا : أن إعمال الأثر الرجعى للقانون الأصلح للمتهم يعتبر ضمانة جوهرية للحرية الشخصية ؛ تبلورها السياسة العقابية الجديدة للسلطة التشريعية التى تتحدد على ضوء فهمها للحقائق المتغيرة للضرورة الاجتماعية ؛ وهى بعد ضرورة ينبغى أن يحمل عليها كل جزاء جنائى ؛ وإلا فقد علة وجوده. وإذ كانت الواقعة محل الاتهام الجنائى فى الدعوى الموضوعية التى إقيمت بشأنها الدعوى الدستورية لم تعد معاقبا عليها- بصدور القانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه- فقد تعين الحكم بانتفاء مصلحة المدعى فى الدعوى الدستورية المشار إليها؛ بعد أن غضَّ المشرع بصره عن بعض التدابير الاستثنائية للعلائق الإيجارية التى انبنى التجريم عليها؛ وخرج من صلبها.
متى كان ذلك؛ وكانت المحكمة الدستورية العليا؛ قد شيدت حكمها بانتفاء مصلحة المدعى فى الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 6 من القانون 136 لسنة 1981 وما يرتبط به من نص المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 ،على انهدام الجزاء الجنائى الذى فرضه النص الأخير- من منظور دستورى – منذ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996- المشار إليه؛ فإن حكمها هذا يكون مرتبطا بهذين النصين فى الإطار الذى حددته لهما؛ بما مؤداه وجوب القضاء- فى أية منازعة متعلقة بتنفيذ ذلك الحكم- بإهدار جميع أشكال العوائق التى يكون من شأنها إعادة إحياء العقوبة المقررة بنص المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977، وهى تلك العقوبة التى انتهى الحكم سالف الذكر إلى سقوطها فى مجال تطبيق الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981. وإذ عاد سيف الاتهام يتهدد المدعى بسبب صدور حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية المشار إليه؛ وتوافرت للمدعى بذلك مصلحة شخصية ومباشرة فى منازعة التنفيذ الراهنة ؛ فإنه يكون متعينا القضاء بالاستمرار فى تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا على الوجه المبين بأسبابه؛ وأخصها سقوط نص المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى مجال تطبيق نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981؛ اعتبارا من تاريخ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996؛ دون ما حاجة إلى التعرض لما تضمنه حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية المشار إليه فى تدويناته من تقريرات لا تطاول الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية سواء كان الحكم قد قضى بعدم دستورية النص الطعين أو برفض الدعوى أو بعدم قبولها فصلا فى مسألة دستورية ؛ بما يلزم كل سلطة فى الدولة – بما فيها الجهات القضائية على اختلافها- باحترام قضائها وتنفيذ مقتضاه على وجهه الصحيح امتثالا للمادتين 72 و 178 من الدستور، والفقرة الأولى من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 وبما مؤداه عدم الاعتداد بأى عقبة تكون قد عطلت من هذا التنفيذ أو انحرفت بجوهره أو حدت من مداه.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بالاستمرار فى تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 22 من فبراير 1997 فى الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية فيما فصل فيه من اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه قانوناً أصلح للمتهم مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

اشترك في القائمة البريدية