الدعوى 126 لسنة 20 – دستورية – المحكمة الدستورية العليا – مرفوعة علنية رقم 126 لسنة 20 بتاريخ 02/10/1999
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 2 أكتوبر سنة 1999 الموافق 22 من جمادى الآخرة سنة 1420 هـ.
برئاسة السيد المستشار / محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين / ماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى •
وحضور السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 126 لسنة 20 قضائية دستورية
المقامة من
1 – السيدة / سميرة محمد كمال محمد
2 – السيدة / خديجة محمود زكى خورشيد
3 – السيد / محمد محمود زكى خورشيد
ضد
1 – السيد / رئيس الجمهورية
2 – السيد / رئيس مجلس الوزراء
3 – السيد / وزير العدل
4 – السيد / رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب
5 – السيد / أمين عام مكتب الشهر العقارى بشمال القاهرة
الإجراءات
بتاريخ السادس عشر من يونيو سنة 1998، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طلباً للحكم بعدم دستورية البند (ج) من المادة (21) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 70 لسنة 1964 بشأن رسوم التوثيق والشهر – قبل تعديله بالقانون رقم 6 لسنة 1991.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث أن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن مكتب الشهر العقارى بشمال القاهرة أصدر أمراً بتقدير الرسوم التكميلية المستحقة عن المحرر المشهر رقم 8281 لسنة 1986 شمال القاهرة بواقع 18590 جنيهاً بالنسبة للمدعية الأولى ومبلغ 7646 جنيهاً بالنسبة لباقى المدعين عن التعامل فى أرض معدة للبناء، فتظلم المدعون من هذا الأمر بتقرير فى قلم كتاب محكمة شمال القاهرة الإبتدائية قيد برقم 4899 لسنة 1994 تأسيساً على أن الثمن الحقيقى هو المثبت بالعقد المشهر. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعون بعدم دستورية البند (ج) من المادة (21) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 70 لسنة 1964 بشأن رسوم التوثيق والشهر قبل تعديلها بالقانون رقم 6 لسنة 1991. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقاموا الدعوى الماثلة ، إلا أن المحكمة الإبتدائية مضت فى نظر الدعوى وحكمت فيها بجلسة 30/7/1998.
وحيث أن الفقرة الأولى من البند (ج) من المادة (21) المطعون فيها – قبل تعديلها بالقانون رقم 6 لسنة 1991 – كانت تنص على أنه بالنسبة للأراضى الفضاء والمعدة للبناء والأراضى الزراعية الكائنة فى ضواحى المدن ورفعت عنها الضريبة لخروجها من نطاق الأراضى الزراعية ، تقدر قيمتها على أساس الثمن أو القيمة الموضحة فى المحرر بحيث لا تقل عن 150 جنيهاً للمتر المربع فى المناطق السياحية و 50 جنيهاً للمتر المربع فى المناطق غير السياحية كحد أدنى ، كما كانت الفقرة قبل الأخيرة من المادة (21) المشار إليها تنص على أنه فى جميع الحالات المتقدمة يجوز لمصلحة الشهر العقارى والتوثيق – بعد اتخاذ إجراءات التوثيق أو الشهر – التحرى عن القيمة الحقيقية للعقار أو المنقول، ويحصل الرسم التكميلى عن الزيادة التى تظهر فى القيمة.
وحيث أن من المقرر أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية مؤثراً فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
وحيث أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها، لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة ، ذلك أن الأصل فى تطبيق القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التى تتم من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها. فإذا استعيض عنها بقاعدة قانونية أخرى ، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها. وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من هاتين القاعدتين. فما نشأ فى ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية ، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل خاضعاً لحكمها وحدها.
وحيث أن المدعين قصروا مناعيهم على البند (ج) من المادة (21) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 70 لسنة 1964 بشأن رسوم التوثيق والشهر، وكان القانون رقم 6 لسنة 1991 وإن أعاد تنظيم الأسس التى تبنتها المادة (21) من هذا القرار بقانون فى شأن تقدير قيمة الرسم النسبى المستحق، إلا أن النص المطعون فيه – وقبل تعديله – هو الذى جرى تطبيقه فى شأن المدعين وتم استناداً إليه استصدار أمر تقدير تكميلى للرسوم المستحقة ، فلا يكون إبطاله من خلال الدعوى الدستورية ، إلا كافلا لمصلحتهم الشخصية المباشرة.
وحيث أن المدعين ينعون على البند (ج ) من المادة (21) بنصها المتقدم، الإخلال بالحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة ، تأسيساً على أن المشرع فرض فى شأن العقارات موضوع المحررات التى تقدم للشهر حداً أدنى لقيمة المتر المربع مايز فيه بين المناطق السياحية وغيرها، وأن تقديره فى هذا الشأن كان تحكمياً، متضمناً افتئاتاً على ملكيتهم، لا سيما وأن المشرع أقام نظاماً للتحرى عن القيمة الحقيقية للعقار بعد تسجيل المحرر المتعلق به، حال أن هذه القيمة ينبغى تحديدها على ضوء بياناتها الواردة فى المحرر المطلوب شهره.
وحيث أن هذا النعى سديد فى جوهره، ذلك أن البند (ج) المطعون عليه، كان قد عدل بالقانون رقم 94 لسنة 1980، وقد أعدت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية تقريراً عن مشروع هذا التعديل تضمن أن القواعد التى أتى بها قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 70 لسنة 1964 بشأن رسوم التوثيق والشهر لتقدير قيمة الأراضى الزراعية والأراضى الفضاء والمعدة للبناء، لم يعد تطبيقها ملائماً بالنظر إلى ما طرأ على الأوضاع الاقتصادية من تغيير جوهرى ، وأن التعامل فى هذه الأراضى بأقل من قيمتها الحقيقية بكثير، وأضاع على الدولة نحو أربعين مليون جنيه كان يمكن أن توجهها إلى استثماراتها وخدماتها، لا سيما وأن بموازنتها عجزاً يقتضى إسهام المواطنين فى أعبائها – وفق قدراتهم – وبما يكفل تضامنهم اجتماعياً. هذا فضلا عن أن الحق فى ندب خبراء لتقدير القيمة الحقيقية للعقار أو المنقول، كان مقصورا فى ظل العمل بنص المادة (21) من قانون رسوم التوثيق والشهر – قبل تعديلها وفقاً لأحكام هذا المشروع – على الأحوال الواردة فى البند (ج) منها. بيد أن المشروع عمم هذا الحكم، مجيزاً – ولو بعد تمام الإجراءات – ومن خلال التحريات التى يقوم بها خبراء وزارة العدل أو خبراء الجدول ممن يندبون للعمل لهذا الغرض، تقدير هذه القيمة تقديراً حقيقياً ضمانا لتحصيل رسم تكميلى على الزيادة التى تظهر فيها.
وحيث أن مؤدى ما تقدم، أن الرسم النسبى – فى الأحوال التى يقدر فيها على أساس قيمة العقار أو المنقول – إنما يقدر مبدئيا وفق القواعد التى فصلها البند (ج) من المادة (21) من قانون رسوم التوثيق والشهر قبل تعديلها بالقانون رقم 6 لسنة 1991، وأن إتمام التقدير على هذا النحو، لا يعنى أن يصير نهائياً، بل يجوز إعادة النظر فيه من قبل خبراء يتحرون عن القيمة الحقيقية للعقار أو المنقول. بما مؤداه: أن القواعد التى يتضمنها البند (ج) من المادة (21) المطعون عليها، إنما تمثل حداً أدنى لقيمة العقار التى يحصل الرسم النسبى على مقتضاها، وهى بعد قيمة يجوز تكملتها بما قد يظهر من زيادة فيها، ليوازيها الرسم المستحق، فلا يكون منسوباً إلا إليها.
وحيث أن الحماية التى فرضها الدستور للملكية الخاصة ، تمتد إلى كل أشكالها، وتقيم توازناً دقيقاً بين الحقوق المتفرعة عنها، والقيود التى يجوز فرضها عليها، فلا ترهق هذه القيود تلك الحقوق بما ينال من محتواها أو يقلص دائرتها، لتغدو الملكية فى واقعها شكلاً مجرداً من المضمون، وإطاراً رمزياً لحقوق لا قيمة لها عملا، فلا تخلص لصاحبها، ولا يعود عليه ما يرجوه منها إنصافاً، بل تثقلها تلك القيود لتنوء بها، مما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التى لا يجوز استنزافها من خلال فرض قيود لا تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، وهو ما يعنى أن الأموال بوجه عام ينبغى أن توفر لها من الحماية ما يعُينها على أداء دورها، ويكفل اجتناء ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، وبما يقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها. ولم يعد جائزاً بالتالى أن ينال المشرع من عناصرها، ولا أن يغير من طبيعتها، أو يجردها من لوازمها، ولا أن يفصلها عن بعض أجزائها، أو يدمر أصلها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية.
ودون ذلك تفقد الملكية ضماناتها الجوهرية ، ويكون العدوان عليها غصباً أدخل إلى مصادرتها.
وحيث أن الدستور، وإن قرن العدل بكثير من النصوص التى تضمنها كالمواد (4، 23، 53، 57) وخلا فى الوقت ذاته من كل تحديد لمعناه، إلا أن مفهوم العدل – سواء بمبناه أو أبعاده – يتعين أن يكون محدداً من منظور اجتماعى ، باعتبار أن العدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التى لا تنفصل الجماعة فى حركتها عنها، والتى تبلور مقاييسها فى شأن ما يعتبر حقاً لديها، فلا يكون العدل مفهومً مطلقاً ثابتاً باطراد، بل مرناً ومتغيراً وفقاً لمعايير الضمير الاجتماعى ومستوياتها، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجاً متواصلاً منبسطاً على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازناً بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدواناً، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافاً، وإلا صار القانون منهياً للتوافق فى مجال تنفيذه، وغدا إلغاؤه لازماً.
وحيث أن الأعباء التى يجوز فرضها على المواطنين بقانون أو فى الحدود التى يبينها – وسواء كان بنيانها ضريبة أو رسماً أو تكليفاً آخر – هى التى نظمها الدستور بنص المادة (119)؛ وكانت المادة (38) من الدستور، وإن خص بها النظام الضريبى متطلباً أن تكون العدالة الاجتماعية مضمونا لمحتواه، وغاية يتوخاها، فلا تنفصل عنها النصوص القانونية التى يقيم المشرع عليها النظم الضريبية على اختلافها، إلا أن الضريبة بكل صورها، تمثل فى جوهرها عبئاً مالياً على المكلفين بها، شأنها فى ذلك شأن غيرها من الأعباء التى انتظمتها المادة (119) من الدستور، ويتعين بالتإلى – وبالنظر إلى وطأتها وخطورة تكلفتها – أن يكون العدل من منظور اجتماعى ، مهيمناً عليها بمختلف صورها، محدداً الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائياً عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التى كفلها الدستور للمواطنين جميعاً فى شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها.
وحيث أن البند (ج) من المادة (21) المشار إليها، لم يحدد قيمة العقار – فى الأحوال التى يحصل الرسم النسبى على أساسها – وفق ما هو مدون بشأنها فى المحرر محل الشهر، ولا هو استعاض عنها – وعلى ما جاء بالأعمال التحضيرية للقانون رقم 6 لسنة 1991 – بمعايير دقيقة تنضبط بها أسس التقدير، فلا يكون تطبيقها محل نزاع، وإنما اتخذ من الجباية منهاجاً، متوخياً أن يوفر عن طريقها – وعلى غير أسس موضوعية – موارد للدولة تعينها على إشباع جانب من احتياجاتها، بل إنها أدرجتها فعلاً بموازنتها على ضوء توقعها الحصول عليها من خلال رسومها عن أعمال التوثيق والشهر. وهو مايعنى ملا حقتها الممولين من أجل استئدائها تأميناً لمبلغها، ورغم ما دل عليه العمل من تباين القيم التى قدرتها لأموال عقارية تتماثل مواقعها ومكوناتها، وجنوحها بالتالى إلى المغالاة فى تقدير رسومها، وعلى الأخص من خلال ما قرره هذا البند من التمييز بين الأموال التى يتناول الشهر محرراتها، تبعاً لموقعها، فلا يقل سعر المتر المربع بشأنها عن مائة وخمسين جنيهاً فى الأماكن السياحية ، ولا عن خمسين جنيهاً فيما عداها، ورجوعها كذلك فى تحديد هذه الأماكن إلى القرارات الصادرة بشأنها، ودون ما اعتداد بتعلقها بغير الأغراض التى صدر قانون رسوم التوثيق والشهر من أجلها، ولا بأن الأصل فى تلك الأماكن هو احتواء مكوناتها على قيم تعكس تراثاً تاريخياً أو حضارياً أو جمالياً أو بيئياً أو دينياً، ولا شأن لها بالتالى بأموال يتم التعامل فيها من خلال قيمتها السوقية.
وحيث أن المشرع عزز اتجاه الجباية التى استهدفها بالبند المطعون فيه – والتى كان من شأنها وقوع منازعات عديدة بين مصلحة الشهر العقارى والتوثيق والمتعاملين معها. بنظام التحرى عن القيمة الحقيقية للعقار بعد تمام عملية الشهر واستكمال إجراءاتها، تمهيداً لإخضاع ما قد يظهر من زيادة فى هذه القيمة لرسوم تكميلية يكون طلبها من ذوى الشأن مصادماً لتوقعهم المشروع، فلا يكون مقدارها معروفاً قبل الشهر، ولا عبؤها ماثلا فى أذهانهم عند التعامل، فلا يزنون خطاهم على ضوء تقديرهم سلفاً لها ولا يعرفون بالتالى لأقدامهم مواقعها، بل تباغتهم المصلحة بها، ليكون فرضها نوعاً من المداهمة التى تفتقر لمبرراتها، ومن ثم حرص القانون رقم 6 لسنة 1991 بتعديل قانون رسوم التوثيق والشهر على اقتلاعها بإلغاء رخصتها، ضماناً لاستقرار الملكية العقارية التى لا يجوز زعزعتها بما يلحق الضرر بأوضاع بيئتها الاقتصادية والاجتماعية والقانونية ، ويرتد بنظم شهرها على أعقابها إذا أحجم المواطنون عن ولوجها، وإخلا لاً – فوق هذا – بحقائق العدل الاجتماعى التى احتضن بها الدستور الأعباء المالية على اختلافها، محدداً على ضوئها شروط اقتضائها، فإذا أهدرها المشرع – مثلما هو الحال فى النص المطعون فيه – كان ذلك عدواناً على الملكية الخاصة من خلال اقتطاع بعض عناصرها دون مسوغ.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم يكون البند (ج) الطعين، مخالفاً لأحكام المواد (32، 34، 38، 65، 119، 120) من الدستور.
وحيث أن البين من الأوراق أن المحكمة الإبتدائية – بعد تقديرها لجدية الدفع المثار من المدعين، وتصريحها لهم باتخاذ إجراءات رفع الدعوى الدستورية ثم رفعها بالفعل، عادت لنقض قرارها هذا، ثم مضت فى نظر دعواهم وحكمت فيها بجلسة 30/7/1998، وهو ما يعتبر عدواناً من جانبها على الولاية التى أثبتها الدستور للمحكمة الدستورية العليا. ذلك أن الأصل المقرر قانوناً – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن اتصال الخصومة الدستورية بها من خلال رفعها إليها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها، يعنى دخولها فى حوزتها لتهيمن عليها وحدها، فلا يجوز بعد انعقادها، أن تتخذ محكمة الموضوع إجراء أو تصدر حكماً يحول دون الفصل فى المسائل الدستورية التى تثيرها. ذلك أن الدفع بعدم الدستورية الذى طُرح أمام محكمة الموضوع، كان محركاً للخصومة الدستورية ، وعليها بعد تقديرها لجديته، وتعلُّق المسائل الدستورية التى أثارها بالمحكمة الدستورية العليا، أن تتربص قضاءها فيها باعتباره فاصلاً فى موضوعها، كاشفاً عن النصوص القانونية التى ينبغى تطبيقها فى النزاع الموضوعى ، بما مؤداه: أنه فيما عدا الأحوال التى تنتفى فيها المصلحة فى الخصومة الدستورية بقضاء من المحكمة الدستورية العليا، أو التى ينزل فيها خصم عن الحق فى دعواه الموضوعية من خلال تركها وفقاً للقواعد المنصوص عليها فى قانون المرافعات، أو التى يتخلى فيها عن دفع بعدم الدستورية سبق لها تقدير جديته، أو التى يكون عدول محكمة الموضوع فيها عن تقديرها لجدية دفع بعدم الدستورية ، مبناه إعما لها للآثار المترتبة على قضاء المحكمة الدستورية العليا فى شأن النصوص ذاتها التى قام عليها هذا الدفع سواء بتقرير هذه المحكمة لصحتها أو بطلانها- فإن على محكمة الموضوع أن تلتزم قضاءها بتقدير جدية الدفع فلا تنحيه، وإلا كان ذلك نكولاً من جانبها عن التقيد بنص المادة (175) من الدستور التى تخول المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح ؛ وتسليطاً لقضاء أدنى على قضاء أعلى بما يناقض الأسس الجوهرية التى يقوم التقاضى عليها ؛ وتعطيلاً للضمانة المنصوص عليها فى المادة (68) من الدستور وما يتصل بها من حق اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسائل الدستورية التى اختصها الدستور بها، بوصفها قاضيها الطبيعى ؛ ولأن القواعد التى ينتظمها الدستور، هى التى يتعين ترجيحها فى النزاع الموضوعى ، إذا عارضتها قاعدة قانونية أدنى نزولاً على مبدأ خضوع الدولة للقانون على ما تقضى به المادة (65) من الدستور.
متى كان ذلك، وكان إنفاذ نصوص الدستور السابق بيانها، يقتضى ألا تعاق المحكمة الدستورية العليا بقرار من محكمة الموضوع، عن مباشرة ولايتها التى لا يجوز لها أن تتخلى عنها، وإلا كان ذلك منها تحريفاً لاختصاصها، وإهداراً لموقعها من البنيان القانونى للنظام القضائى فى مصر، وتنصلاً من مسئولياتها التى أولاًها الدستور أمانتها ؛ وكان الحكم الصادر من محكمة الموضوع فى النزاع الماثل، وإن ترتب عليه انحسار ولايتها بشأنه، إلا أن تعلق الخصومة الدستورية بالمحكمة الدستورية العليا قبل هذا الحكم ووفقاً لقانونها، والتزامها دستورياً بأن تقول كلمتها فيها، يقتضيها إسباغ الولاية من جديد على محكمة الموضوع لتفصل فى النزاع الذى كان مطروحاً عليها على ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا الراهن، ودون تقيد بالحكم الصادر عنها فى النزاع الموضوعى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولاً: بعدم دستورية ما تضمنه البند (ج) من المادة (21) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 70 لسنة 1964بشأن رسوم التوثيق والشهر – قبل تعديلها بالقانون رقم 6 لسنة 1991- فى شأن الأراضى الفضاء والمعدة للبناء، من تقدير قيمتها بحيث لا تقل عن مائة وخمسين جنيهاً للمتر المربع فى المناطق السياحية وخمسين جنيهاً للمتر المربع فى غيرها كحد أدنى.
ثانياً: بعدم دستورية نظام التحرى عن القيمة الحقيقية لهذه الأراضى وتحصيل رسم تكميلى – بعد اتخاذ إجراءات الشهر – عن الزيادة التى تظهر فى هذه القيمة.
ثالثاً: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.