الدعوى 193 لسنة 19 – دستورية – المحكمة الدستورية العليا – مرفوعة علنية رقم 193 لسنة 19 بتاريخ 06/05/2000

Facebook
Twitter

الدعوى 193 لسنة 19 – دستورية – المحكمة الدستورية العليا – مرفوعة علنية رقم 193 لسنة 19 بتاريخ 06/05/2000

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 6 مايو سنة 2000 الموافق 2 صفر سنة 1421ه.
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وحمدى محمد على والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله.
وحضور السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 193 لسنة 19 قضائية دستورية.

المقامة من
السيد المستشار/ حمدى فتح الله جاد الدويك
ضد
1- السيد رئيس الجمهورية بصفته الرئيس الأعلى للهيئات القضائية
2- السيد رئيس مجلس الوزراء
3- السيد المستشار وزير العدل
4- السيد المستشار رئيس هيئة قضايا الدولة
الإجراءات
بتاريخ السادس والعشرين من أكتوبر سنة 1997، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة (25) من قانون تنظيم هيئة قضايا الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم، أصلياً: بعدم قبول الدعوى واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
وبجلسة 4/3/2000 طلب أربعة من أعضاء هيئة قضايا الدولة قبول تدخلهم خصوماً منضمين إلى المدعى فى طلباته.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع- على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى وقد كان يشغل وظيفة نائب رئيس هيئة قضايا الدولة – كان قد أقام الدعوى رقم 3469 لسنة 50 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية ضد المدعى عليهم طالباً إلغاء قرار رئيس هيئة قضايا الدولة بعدم الموافقة على تجديد إعارته، والقرار السلبى للمجلس الأعلى للهيئة بالإمتناع عن عرض طلب تجديد إعارته على رئيس مجلس الوزراء، وكذا قرار وزير العدل رقم 5194 لسنة 1995 باعتباره مستقيلاً، وأثناء نظر تلك الدعوى دفع بعدم دستورية نص المادة (25) من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية فقد أقام الدعوى الماثلة.

وحيث إنه عن طلبات التدخل، فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن شرط قبولها أن تكون مقدمة ممن كانوا أطرافاً فى الدعوى الموضوعية ، التى يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الحكم فيها، وإذ كان طالبو التدخل غير ممثلين فى تلك الدعوى ، ولا يعتبرون بالتالى من ذوى الشأن فى الدعوى الدستورية الماثلة ؛ فإن الحكم بعدم قبول تدخلهم يكون متعيناً.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى ، تأسيساً على أن هذه المحكمة ، سبق أن حسمت المسائل الدستورية المثارة فيها بحكمها الصادر بجلسة 7/3/1998 فى القضية رقم 162 لسنة 19 قضائية دستورية.

وحيث إن هذا الدفع مردود بأن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية – على ماجرى عليه قضاء هذه المحكمة – يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها، أما مالم يكن مطروحاً على المحكمة ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية.
لما كان ذلك وكان الحكم الصادر فى الدعوى رقم 162 لسنة 19 قضائية دستورية المشار إليها، قد اقتصر على الفصل فى دستورية اختصاص لجنة التأديب والتظلمات المنصوص عليه فى المادة (25) المطعون فيها بنظر الدعاوى التأديبية المتعلقة بأعضاء هيئة قضايا الدولة ، فإن حجية الحكم السابق تكون- بدورها- مقصورة على هذا النطاق وحده، ولا تمتد إلى ما يجاوز ذلك من اختصاصات اللجنة الأخرى.

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية التى تدعى هذه المحكمة لحسمها، لازماً للفصل فى الطلبات المثارة فى الدعوى الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان المدعى قد أقام دعواه الموضوعية أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية طالباً إلغاء قرار رئيس هيئة قضايا الدولة بعدم الموافقة على تجديد إعارته، والقرار السلبى للمجلس الأعلى للهيئة بالامتناع عن عرض طلب تجديد إعارته على رئيس مجلس الوزراء، وكذا قرار وزير العدل رقم 5194 لسنة 1995باعتباره مستقيلاً؛ فإن نطاق الدعوى الماثلة – بقدر ارتباطها بالطلبات المطروحة فى النزاع الموضوعى – يتحدد بنص المادة (25) من قانون هيئة قضايا الدولة فيما تضمنه من إسناد الفصل قضائياً بصفة نهائية فى طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هذه الهيئة وفى طلبات التعويض المترتبة عليها إلى لجنة التأديب والتظلمات- المشار إليها؛ ولا يتناول غير ذلك من أجزاء النص الأخرى.

وحيث إن قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963- قبل تعديله بالقانون رقم 88 لسنة 1998- ينص فى المادة الأولى على أن هيئة قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة ، تلحق بوزير العدل ؛ وفى المادة (25) على أن تشكل لجنة التأديب والتظلمات من رئيس هيئة قضايا الدولة أو من يحل محله رئيساً، ومن عشرة أعضاء بحسب ترتيبهم فى الأقدمية من بين نواب الرئيس والوكلاء والمستشارين.
وتختص هذه اللجنة بتأديب أعضاء الهيئة ، وبالفصل فى طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئونهم، وفى طلبات التعويض المترتبة عليها مما يدخل أصلاً فى اختصاص القضاء.
كما تختص اللجنة دون غيرها بالفصل فى المنازعات الخاصة بالمرتبات والمكافأت المستحقة لأعضاء الهيئة.

وتفصل اللجنة فيما ذكر بعد سماع أقوال العضو والاطلاع على ما يبديه من ملاحظات. وتصدر قراراتها بالأغلبية المطلقة إلا فى حالة التأديب، فتصدر قراراتها بأغلبية ثلثى أعضائها. ويكون قرار اللجنة فى جميع ماتقدم نهائياً، ولا يقبل الطعن بأى وجه من الوجوه أمام أية جهة.

وحيث إن المدعى ينعى على النص المشار إليه- محدداً نطاقاً على النحو المتقدم- أن المشرع إذ أسند بموجبه ولاية الفصل فى المنازعات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة إلغاءً وتعويضاً إلى لجنة التأديب والتظلمات؛ فقد حرمهم من اللجوء إلى مجلس الدولة بحسبانه القاضى الطبيعى صاحب الولاية العامة بنظر المنازعات الإدارية وفقاً للمادة (172) من الدستور، الأمر الذى يخل بمبدأ المساواة بينهم وبين أقرانهم من أعضاء مجلس الدولة وهيئة النيابة الإدارية الذين عهد المشرع بمنازعاتهم الإدارية إلى إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة ؛ كما يخالف مسلك المشرع بالنسبة لرجال القضاء والنيابة العامة ، الذين ناط قانون السلطة القضائية الاختصاص بنظر منازعاتهم الإدارية بالدوائر المدنية والتجارية بمحكمة النقض على استقلال فى ذلك عن الدعاوى التأديبية المتعلقة بأعضاء هذه الهيئات جميعهم.
وحيث إن الدستور عقد الفصل الرابع من بابه الخامس الخاص بنظام الحكم للسلطة القضائية ، ونص فى المادة (165) على أن السلطة القضائية مستقلة ، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون، وفى المادة 167 على أن يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم، وفى المادة (172) على أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ، ويختص بالفصل فى المنازعات الإدارية وفى الدعاوى التأديبية ، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى ، وفى المادة (173) على أن يقوم على شئون الهيئات القضائية مجلس أعلى يرأسه رئيس الجمهورية.
ويحدد القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه، ويؤخذ رأيه فى مشروعات القوانين التى تنظم شئون الهيئات القضائية.
فدل بذلك، على مفارقته- فى الاصطلاح- بين السلطة القضائية من جهة ، وبين الهيئات القضائية من جهة أخرى ، والهيئات ذات الاختصاص القضائى من جهة ثالثة.
فالأولى : هى إحدى سلطات الدولة الثلاث، وتقوم على ولاية القضاء، وتستقل بشئون العدالة ، فى مقابلة السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وأما الثانية فجامعها أنها هيئات تسهم فى سير العدالة ، ويقوم على شئونها المشتركة ، وينسق بينها مجلس أعلى يرأسه رئيس الدولة ، وقد فوض الدستور المشرع فى بيان طريقة تشكيله واختصاصاته بما لا يخل باستقلال هذه الهيئات، ولا يتعارض واختصاصات مجالسها الخاصة ، فضلاً عن لزوم أخذ رأيه فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، وطبقاً لقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 82 لسنة 1969، يضم هذا المجلس فى عضويته رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس محكمة النقض، ورئيس مجلس الدولة ، ورئيس هيئة قضايا الدولة ، ورئيس هيئة النيابة الإدارية.
وأما الثالثة : فهى الهيئات التى خولها المشرع ولاية الفصل فى خصومات محددة حصراً، بأحكام تصدرها بعد اتباع الإجراءات القضائية ، وفى إطار من ضمانات التقاضى ، فهى جهات ذات اختصاص قضائى استثنائى.

ومؤدى ما تقدم، أن هيئة قضايا الدولة تعد هيئة قضائية ؛ وأن لجنة التأديب والتظلمات المنصوص عليها فى المادة (25)- الطعينة – هى هيئة ذات اختصاص قضائى ، تفصل فى الدعاوى التأديبية المتعلقة بأعضاء هيئة قضايا الدولة ، بما لا مخالفة فيه لأحكام الدستور.
وحيث إن البين من قوانين الهيئات القضائية المختلفة ، أن المشرع- بعد أن جمع الدستور بينها فى إطار مجلس أعلى واحد يقوم على شئونها، ويتولى التنسيق بينها- وضع لأعضائها قواعد موحدة تنتظم شئونهم الوظيفية ، وحصنهم بضمانة عدم القابلية للعزل، كما حظر عليهم الاشتغال بالعمل السياسى بكافة صوره، مساوياً بذلك بينهم فى الحقوق والواجبات؛ ونظم مساءلتهم تأديبياً على نحو يكفل للخصومة التأديبية – فى مجال العمل القضائى – خصوصيتها ودقائقها التى ينافيها أن يطرح أمرها على غير أهلها، لتظل خفاياها وراء جدران مغلقة فلا يُهتك سترها، فعهد بولاية التأديب إلى مجلس أو لجنة خاصة مشكلة من أعضاء يمثلون من الهيئة التى ينتمون إليها أعلى مواقعها، توكيداً لأولويتهم فى مجال البصر بأمورها، وضماناً لاستقلالها بشئون أعضائها؛ وتقديراً بأن الدستور لا يحول- وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة – دون أن يعهد المشرع بالفصل فى الدعوى التأديبية – فى مجال العمل القضائى – إلى هيئة ذات اختصاص قضائى.

وحيث إنه فى مقام المنازعات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة ؛ وعلى الأخص منها طلبات الإلغاء والتعويض، فقد استحدث قانونها الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963 المشار إليه، لجنة التأديب والتظلمات، واختصها- فضلاً عن تأديب أعضاء تلك الهيئة – بالفصل بقرارات قضائية نهائية فى طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئونهم، وفى طلبات التعويض المترتبة عليها، وقد استمد هذا النظام فى جوهره مما كان متبعاً بالنسبة لأعضاء مجلس الدولة ، وهو ما دعا المحكمة العليا أن تقضى فى الدعوى رقم 21 لسنة 6 قضائية دستورية برفض المطاعن الدستورية الموجهة إلى نص المادة (25) من قانون تلك الهيئة.
بيد أن مسيرة التشريع لم تتوقف عند هذا الحد بالنسبة للاختصاص بالمنازعات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء مجلس الدولة – الذين قيس عليهم أعضاء هيئة قضايا الدولة عند صدور قانونها سالف الذكر- ولا بالنسبة لأعضاء هيئة النيابة الإدارية ، فقد صدر القانون رقم 50 لسنة 1973 الذى تناول بالتعديل نص المادة (104) من قانون مجلس الدولة بحيث أصبحت تقضى بأن تختص إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا دون غيرها بالفصل فى الطلبات التى يقدمها رجال مجلس الدولة بإلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بأى شأن من شئونهم وفى طلبات التعويض عنها؛ وبمثل هذا جرى نص المادة (40 مكرراً/1 ) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية بعد تعديله بالقانون رقم 12 لسنة 1989. أما قانون السلطة القضائية فقد عهدت المادة (83) منه- معدلة بالقانون رقم 35 لسنة 1984- بهذا الاختصاص فى شأن رجال القضاء والنيابة العامة إلى دوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض. وقد دلت هذه القوانين جميعها؛ على أن رد هذا الاختصاص إلى المحاكم، يمثل ضمانة لازمة لأعضاء تلك الهيئات عند نظر طلبات الإلغاء والتعويض المتعلقة بشئونهم؛ مما لا مدعاة معه للجمع بين الاختصاص بالدعاوى التأديبية ، والمنازعات الإدارية فى صعيد واحد. ولا كذلك الحال بالنسبة للجنة التأديب والتظلمات بهيئة قضايا الدولة ، فقد ظلت تجمع بين اختصاصاتها سالفة الذكر بل أضاف إليها القانون رقم 10 لسنة 1986، ومن بعده القانون رقم 88 لسنة 1998- المعدلان لقانون هذه الهيئة – طائفة أخرى من المنازعات هى تلك المتعلقة بالمرتبات والمكافأت والمعاشات الخاصة بأعضاء الهيئة أو بورثتهم. والبين من مضبطة الجلسة السادسة والسبعين من دور الإنعقاد العادى الثالث لمجلس الشعب المعقودة بتاريخ 3 من مايو سنة 1998 أن أحد أعضاء المجلس كان قد تقدم- عند مناقشة مشروع القانون رقم 88 لسنة 1998 المشار إليه- باقتراح بمشروع قانون بتعديل قانون هيئة قضايا الدولة ليصبح على غرار قانون النيابة الإدارية سواء فى شأن الاختصاص بالدعاوى التأديبية أو بالمنازعات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة ؛ إلا أن هذا الاقتراح لم يحظ بالأغلبية اللازمة لإقراره.
وحيث إن تنظيم الحقوق منوط بالمشرع، وكان استعما له لسلطته فى هذا الشأن رخصة يباشرها، كلما اقتضاها الصالح العام، وفى الوقت الذى يراه مناسباً؛ إلا أن تدخله يغدو عزيمة إذا ما دعاه الدستور إلى تنظيم حق من الحقوق، كما هو الحال بالنسبة لحق التقاضى ، فإن أدى مسلكه إلى الإخلال بهذا الحق، كان ذلك مخالفاً للدستور.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساساً للعدل والسلام الاجتماعى ، غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها، أو تقيد ممارستها، وباعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة للحقوق جميعها؛ إلا أن مجال إعما له لا يقتصر على ما كفله الدستور من حريات وحقوق وواجبات، بل يمتد- فوق ذلك- إلى تلك التى يقررها التشريع. وإذا كانت صور التمييز المجافية للدستور يتعذر حصرها؛ إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة ، أن مناط دستورية أى تنظيم تشريعى ألا تنفصل نصوصه أو تتخلف عن أهدافها؛ ومن ثم، فإذا قام التماثل فى المراكز القانونية التى تنتظم بعض فئات المواطنين، وتساووا بالتالى فى العناصر التى تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التى ينبغى أن تنتظمهم، ولازم ذلك، أن المشرع عليه أن يتدخل دوماً بأدواته لتحقيق المساواة بين ذوى المراكز القانونية المتماثلة ، أو لمداركة ما فاته فى هذا الشأن.
وحيث إن المادة (65) من الدستور تنص على أن تخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات وكان الدستور قد أكد فى المادة (165) أن المحاكم هى التى تتولى السلطة القضائية ، فإذا ما قدر المشرّع ملاءمة إسناد الفصل فى بعض الخصومات إستثناء إلى إحدى الهيئات ذات الاختصاص القضائى ، فإن سلطته فى هذا الشأن تكون مقيدة بعدم الخروج على نصوص الدستور، وعلى الأخص تلك التى تضمنتها المواد (40، 68، 165، 172) بل يتعين عليه التأليف بينها فى مجموعها، وبما يحول دون تناقضها فيما بينها أو تهادمها؛ ومن ثم فلا يجوز إيلاء سلطة القضاء فى منازعات معينة إلى غير قاضيها الطبيعى إلا فى أحوال استثنائية تكون الضرورة فى صورتها المُلجِئة هى مدخلها، وصلتها بالمصلحة العامة – فى أوثق روابطها- مقطوعاً بها، ومبرراتها الحتمية لا شبهة فيها؛ وهذه العناصر جميعها ليست بمن أى عن الرقابة القضائية لهذه المحكمة ، بل تخضع لتقييمها بما لايُخرج نص أى من المادتين (86، 172) من الدستور عن أغراضها التفافاً حولها، بل يكون لمضمونها مجاله الطبيعى الذى حرص المشرع الدستورى على عدم جواز إهداره. ذلك أن ما يقرره الدستور فى المادة (168) لا يجوز إتخاذه موطئاً لاستنزاف اختصاص المحاكم أو التهوين من تخصيص الدستور بعضها بمنازعات بذواتها باعتبارها قاضيها الطبيعى وصاحبة الولاية العامة بالفصل فيها.
وحيث إن القانون، وإن عهد قبلُ بطلبات الإلغاء والتعويض سالفة الذكر إلى اللجنة المشكلة بالنص الطعين، بحسبانها هيئة ذات اختصاص قضائى ، إلا أن المشرع وقد قدَّر بعُد بنفسه- على ما اتضح من مسلكه إزاء تحديد الاختصاص بنظر المنازعات الإدارية المتعلقة بأعضاء الهيئات القضائية الأخرى – أن المحاكم وحدها هى الأقدر على الفصل فى هذا النوع من المنازعات؛ بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التى تلابسها عادة ، لكى ينال أعضاء هذه الهيئات الترضية القضائية إنصافاً؛ فإن افراده أعضاء هيئة قضايا الدولة وحدهم بالابقاء على اختصاص اللجنة المشار إليها فى النص الطعين، فى هذا الشأن، يعد إخلالاً بمبدأ المساواة فى مجال حق التقاضى رغم توافر مناط إعماله، مكرساً بذلك تمييزاً غير مبرَّر بينهم وبين أعضاء الهيئات القضائية الأخرى فى هذا المجال، معطلاً مبدأ خضوع الدولة للقانون، ومن ثم فإنه بذلك يكون قد خالف أحكام المواد (40، 65، 68، 165، 172) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (25) من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 75 لسنة 1963، فيما تضمنه من إسناد الفصل فى طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة وطلبات التعويض المترتبة عليها للجنة التأديب والتظلمات، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

اشترك في القائمة البريدية