الدعوى 23 لسنة 9 – دستورية – المحكمة الدستورية العليا – مرفوعة علنية رقم 23 لسنة 9 بتاريخ 04/05/1991
صورة التشريع
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة 4 مايو سنة 1991م الموافق 19 شوال سنة 1411 ه .
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مصطفى حسن رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين/ الدكتور عوض محمد المر والدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف. أعضاء
وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى عبد المطلب المفوض
وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 23 لسنة 9 قضائية دستورية .
المقامة من
السيد / أحمد عبد الرحيم محمد سالم
ضد
1. السيد رئيس الجمهورية .
2. السيد رئيس مجلس الوزراء
3. السيد رئيس مجلس الشعب
4. السيد وزير العدل
5. السيد النائب العام
الإجراءات
بتاريخ 26 مارس سنة 1987 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً القضاء بعدم دستورية القانون رقم 116 لسنة 1983 بخصوص المادة (152) وخاصة بالنسبة للفقرتين ب، ه من هذه المادة .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها أصلياً عدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق والمداولة .
حيث إن وقائع الدعوى – على ما يبين من صحيفتها وسائر أوراقها – تتحصل فى أن النيابة العامة أحالت المدعى إلى المحاكمة الجنائية متهماً فى الجنحة رقم 572 لسنة 1985 منيا القمح بإقامة مبان على أرض زراعية بغير ترخيص، فقضى غيابياً – فى 2 يونيو سنة 1986 – بحبسه ستة أشهر مع الشغل وتغريمه عشرة آلاف جنيه والإزالة ، فعارض فى هذا الحكم، وبجلسة 19 أكتوبر سنة 1986 قضى بقبول المعارضة شكلاً وفى الموضوع بتأييد الحكم المعارض فيه، فطعن فى هذا الحكم بالاستئناف رقم 12596 جنح مستأنف الزقازيق، وبجلسة 2 مارس سنة 1987 دفع بعدم دستورية القانون رقم 116 لسنة 1983، فقررت محكمة الموضوع التأجيل لجلسة 30 مارس لسنة 1987 وصرحت له برفع الدعوى الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المستفاد من صحيفة الدعوى الدستورية أن المدعى يطعن بعدم دستورية المادة (152) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 معدلاً بالقانون رقم 116 لسنة 1983 وذلك فيما يتضمنه صدرها من حظر إقامة أى مبان أو منشآت فى الأرض الزراعية وكذلك البندين ب، ه من هذه المادة .
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى على سند من أن البنود من أ إلى ه من المادة (152) المشار إليها إنما تتضمن إستثناءات من قاعدة حظر إقامة المبانى والمنشآت الواردة بصدر المادة ، ومن ثم فإن القضاء بعدم دستورية البندين ب، ه يؤدى بالضرورة إلى إتساع دائرة الحظر الوارد على إقامة المبانى والمنشآت على الأرض الزراعية ، وهو ما يتعارض ومصلحة المدعى .
وحيث إن المادة (152) المطعون عليها تنص على أن يحظر إقامة أى مبان أو منشآت فى الأراضى الزراعية ….و تعتبر فى حكم الأراضى الزراعية ، الأراضى البور القابلة للزراعة داخل الرقعة الزراعية ، ويستثنى من هذا الحظر:
أ-…………………..ب- الأراضى الداخلة فى نطاق الحيز العمرانى للقرى ، والذى يصدر بتحديده قرار من وزير الزراعة بالإتفاق مع وزير التعمير . ج- …………… د- ……….ه- الأراضى الواقعة بزمام القرى التى يقيم عليها المالك مسكناً خاصاً به أو مبنى يخدم أرضه، وذلك فى الحدود التى يصدر بها قرار من وزير الزراعة، وفيما عدا الحالة المنصوص عليها فى الفقرة (ج) يشترط فى الحالات المشار إليها آنفاً صدور ترخيص من المحافظ المختص قبل البدء فى إقامة مبان أو منشآت أو مشروعات، ويصدر بتحديد شروط وإجراءات منح هذا الترخيص قرار من وزير الزراعة بالاتفاق مع وزير التعمير. ومؤدى هذا النص أن ما ورد بالفقرة الأخيرة من المادة (152) من اشتراط الحصول على ترخيص مسبق من المحافظ المختص قبل البدء فى إقامة أى مبان أو منشآت أو مستودعات فى الأرض الزراعية، إنما يلحق كل بند من البنود الواردة بالمادة عدا البند (ج) الخاص بالمشروعات ذات النفع العام التى تقيمها الحكومة، بحيث لا يتسنى ممارسة أى من الإستثناءات الواردة بالبنود أ، ب، د، ه من المادة سالفة الذكر إلا مشروطاً بالحصول على الترخيص المنصوص عليه بتلك الفقرة الأخيرة، ومن ثم يشكل نص هذه الفقرة جزءاً لا يتجزأ من نص كل بند من البنود الأربعة المشار إليها فيقرأ كل بند منها مقترناً بما تتضمنه من ضرورة سبق الحصول على ترخيص من المحافظ المختص يحدد شروط وإجراءات منحه قرار من وزير الزراعة بالإتفاق مع وزير التعمير.
ومن حيث إن مؤدى ما تقدم أن المدعى إنما يستهدف من دعواه الدستورية الماثلة الحكم بعدم دستورية ما يتضمنه صدر المادة (152) المشار إليها من حظر إقامة أى مبان أو منشآت فى الأرض الزراعية وبعدم دستورية البندين ب، ه من هذه المادة فيما يتضمنه كل منهما – مرتبطاً بحكم اللزوم بالفقرة الأخيرة من ذات المادة – من إشتراط الحصول على ترخيص مسبق من المحافظ المختص قبل البدء فى إقامة أى مبان أو منشآت على الأرض الزراعية، ومن ثم فإن نعى المدعى على البندين ب، ه المشار إليهما لا ينصب على ما يتضمنه كل منهما من قاعدة حظر إقامة المبانى والمنشآت، وإنما على إشتراط الحصول على ترخيص مسبق قبل إقامتها، لما كان ذلك وكان الفصل فى دستورية النص المطعون عليه – بالتحديد السالف – من شأنه التأثير فى الاتهام الموجه إلى المدعى والمطروح على محكمة الموضوع، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى الذى أبدته هيئة قضايا الدولة يكون فاقداً لأساسه حقيقاً بالإلتفات عنه.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه إخلاله بالحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة وذلك من خلال ما فرضه النص من قيود على البناء فى الأرض الزراعية مما يحول دون إستعمالها وإستغلالها على الوجه الأكمل وبما يعتبر فرضاً ضمنياً للحراسة عليها.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الملكية الخاصة التى كفل الدستور صونها بنص المادة (34) منه ليست حقاً مطلقاً وإنما أقامها الدستور على أساس أن لها وظيفة اجتماعية ينظم القانون أداءها، وقد حددت المادة (32) من الدستور ملامح هذه الوظيفة باستلزامها أن تعمل الملكية الخاصة – وبوصفها ملكية غير مستغلة – فى خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية وألا تتعارض فى طرق استخدامها مع الخير العام للشعب، وتقتضى الوظيفة الاجتماعية للملكية وجوب مراعاة اعتبارات المصلحة العامة عند ممارسة السلطات التى يخولها حق الملكية ، وتبرز هذه الوظيفة بوجه خاص فى مجال الإنتاج حيث يتدخل المشرع لتنظيم النشاط الفردى ضماناً لعدم انحرافه عن الغايات المقصودة من مباشرته، لما كان ذلك، وكان التنظيم التشريعى محل الطعن الماثل قد توخى مواجهة ظاهرة البناء فى الأرض الزراعية بما ينتقص فى النهاية من رقعتها ويحد من غلتها ويحول دون استغلالها الكامل فى أغراضها الإنتاجية التى يعتبر الحفاظ عليها لازماً للتنمية الاقتصادية فى مجال الإنتاج الزراعي، تعميقاً لدوره فى تحقيق التقدم والرخاء وإضطلاعاً بأهم تبعاته متمثلة فى إشباع احتياجات المواطنين للغذاء، وكان هذا التنظيم التشريعى – من جهة أخرى – لا يحول كلية دون البناء على الأرض الزراعية وإنما تغيا أن يكون استغلالها فى هذا النطاق فى أحوال محددة تمليها الضرورة وبعد الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة، وذلك ضماناً لأن تظل الأرض الزراعية مرصودة فى استخداماتها على الأغراض المهيأة لها أصلاً والمقصودة منها أساساً، وكان هذا التنظيم لا يؤدى بحال إلى غل يد مالك هذه الأرض عن إدارتها أو التصرف فيها – وإن إستلزم عدم بنائه عليها إلا فى أحوال محددة وبعد الحصول على ترخيص – فإن قالة إخلال النص المطعون عليه بالحماية التى فرضها الدستور للملكية الخاصة وفرضه الحراسة عليها، تكون على غير أساس.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه مخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية التى إعتبرتها المادة الثانية من الدستور المصدر الرئيسى للتشريع، وذلك بمقولة أن حظر البناء على الأرض الزراعية يقيد حق الملكية بما يناقض هذه المبادئ.
وحيث إن هذا النعى بدوره مردود بأن النص المطعون عليه لا ينتقص – على ما سلف البيان – من الحماية الدستورية لحق الملكية ولا يجاوز نطاق الوظيفة الإجتماعية له، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية – التى كفل الدستور رد النصوص التشريعية إليها لضمان توافقها معها – لا تتعارض والتنظيم التشريعى محل الطعن الماثل، بل أنها تظاهره، إعتباراً أن لولى الأمر أن يتدخل لتنظيم الملكية إذا أساء الناس إستخدام أموالهم كى يوجهه وجهة رشيدة تحقيقاً لمصلحة الجماعة ووفاء باحتياجاتها ودفعاً للضرر عنها وهى مصالح مشروعة يستهدفها النص المطعون عليه بما تضمنه من قيود على البناء فى الأرض الزراعية التى لا ينبغى تقليص مساحتها أو إخراجها عن إستخداماتها الأصلية التى يتعين التركيز عليها وعدم الحد منها، بحسبان أن الأرض الزراعية تمثل أحد الروافد الرئيسية للتنمية الشاملة .
وحيث إن المدعى ينعى كذلك على النص المطعون عليه حرمانه ملاك الأراضى الزراعية من البناء عليها مما يشكل إخلالاً بمبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه فى المادة الثامنة من الدستور.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن النص المطعون عليه وقد وضع تنظيماً للبناء على الأرض الزراعية، فإن هذا التنظيم قد قام على قواعد عامة مجردة لا تتضمن تمييزاً بين المخاطبين بأحكامها، وأن القيود التى فرضها هذا التنظيم – فضلاً عن قيامها على سند من الوظيفة الاجتماعية للملكية – تسرى فى مواجهة أصحاب الأرض الزراعية دون تمييز بإعتبارهم جميعاً فى مراكز قانونية متماثلة بالنسبة للإلتزام بتلك القيود والخضوع لأحكامها، ومن ثم فإن الإدعاء بإخلال النص المطعون عليه بالفرص المتكافئة يكون قائماً على غير أساس.
وحيث إن المدعى ينعى أيضاً على النص المطعون عليه إخلاله بالمادة التاسعة من الدستور التى تتطلب الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد، قولاً منه بأن مواجهة ضرورات الحياة مع التزايد المستمر فى عدد السكان، كانا يقتضيان من المشرع عدم فرض القيود على البناء فى الأرض الزراعية، تلك القيود التى كان يغنى عنها التوسع فى استصلاح الأراضى الصحراوية وزيادة الإنتاج بالطرق العلمية الحديثة، وهذا النعى مردود أيضاً بأن الأصل فى سلطة المشرع فى تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وجوهر هذه السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم، ومن ثم فإن ما ينعاه المدعى فى هذا الصدد إنما ينحل إلى موازنة بين البدائل المختلفة وتعقيباً من جانبه على ما ارتآه المشرع منها ملبياً لصالح الجماعة فى إطار تنظيمه لحق الملكية بما لا مخالفة فيه للحماية الدستورية المقررة له، الأمر الذى يجعل منعى المدعى فى هذا الشأن فاسد الأساس حرياً بالإلتفات عنه.
وحيث إن البين مما تقدم أن النص المطعون عليه – حسبما سلف بيانه – لا يتضمن مخالفة لأحكام الدستور، فإن الدعوى الماثلة تغدو حقيقة بالرفض.
لهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة .
أمين السر رئيس المحكمة
رأفت محمد عبد الواحد ممدوح مصطفى حسن