الطعن رقم 1648 لسنة 47 بتاريخ : 2000/11/06 الدائرة الأولي

Facebook
Twitter

الطعن رقم 1648 لسنة 47 بتاريخ : 2000/11/06 الدائرة الأولي

______________________________________________

نص الحكم:
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / محمد أمين المهدى رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين / د. فاروق عبد البر وأحمد عبد الفتاح حسن ومصطفى سعيد حنفى وأحمد عبد الحميد عبود نواب رئيس مجلس الدولة

* الإجراءات

بتاريخ 31/10 / 2000، أودع الأستاذ / لبيب أحمد عطاره المحامى بصفته وكيلا عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقريرا بالطعن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة، فى الشق العاجل من الدعوى رقم 33 لسنة 23 القضائية بتاريخ 22/10/2000، القاضى بقبول الدعوى شكلا وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المدعى المصروفات، وبإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة، للقديم تقرير بالرأى القانونى فى موضوعها. وطلب الطاعن للأسباب الواردة فى تقرير الطعن، إحالته إلى دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، لتقضى بقبول الطعن شكلا، وبصفة مستعجلة الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، والحكم باستبعاد المطعون ضده من الترشيح لعضوية مجلس الشعب عام 2000 عن الدائرة السابعة ومقرها مركز شرطه بلقاس مع تنفيذ الحكم بمسودته الأصلية وبدون إعلان. وفى الموضوع بإحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى بإلغاء الحكم المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام المطعون ضده الأول المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد قيد هذا الطعن برقم 1648 لسنة 47 القضائية عليا.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة – تقريرا مسببا بالرأى القانونى فى الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبوقف تنفيذ قرار قبول ترشيح المطعون ضده الأول لعضوية مجلس الشعب عن دائرة بلقاس مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزامه المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو الوارد بمحاضر جلساتها، وقررت إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى – موضوع بالمحكمة الإدارية العليا، لنظره بجلسة 6/ 11/ 2000. وبهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعن على النحو المبين بمحضر جلستها، وقررت إصدار الحكم آخر الجلسة. وصدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.

* المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – فى أنه بتاريخ 7/ 10/ 2000، أقام المدعى الدعوى رقم 33 لسنة 23 القضائية بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة ضد المطعون ضدهم، طالبا الحكم بقبول الدعوى شكلا وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار لجنة فحص الطعون الانتخابية بمحافظة الدقهلية بالموافقة على ترشيح المدعى عليه الأول لعضوية مجلس الشعب عن دائرة مركز بلقاس، وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار. وقال المدعى شارحا دعواه : إن المطعون ضده الأول تقدم للترشيح لعضويه مجلس الشعب عن دائرة مركز بلقاس، فكان أن قام فى 26/9/2000 بالاعتراض على ترشيحه، ورفض اعتراضه بالمخالفة لأحكام القانون. ذلك أن المطعون ضده الأول يتوافر فى حقه ارتكاب إحدى الجرائم المخلة بالشرف لقيامه بتقديم خطاب يفيد قيده بالفرقة الرابعة بكلية الطب البيطرى رغم تركه الدراسة بالكلية لمدة تزيد على عشر سنوات، الأمر الذى يستوجب فصله فصلا نهائيا. وارتكب تدليسا على الجمهور بوضع لافتات دعاية تفيد صفته طبيبا على خلاف الواقع. وفضلا عن ذلك، حصل على جواز سفر فى عام 1985 بالتزوير فى محررات رسمية، استخدمه فى السفر إلى الولايات المتحدة دون موافقة إدارة التجنيد، متهربا من أداء الخدمة العسكرية، كما أنه لم يحصل على موافقة وزارة الداخلية على ترشيحه، فضلا عن سقوط حقه فى القيد بالجداول الانتخابية وحصوله بطريق التزوير على بطاقة انتخابية قدمها مع طلب الترشيح. وخلص مما سبق إلى طلب الحكم بطلباته سالفة الذكر. وبجلسة 22/10/2000 قضت المحكمة بقبول الدعوى شكلا، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وشيدت المحكمة قضاءها على أن الأوراق جاءت خالية مما يستظهر منه صحة الأسباب التى نعاها المدعى على قرار ترشيح المدعى عليه الأول لعضوية مجلس الشعب، وجاعت أقواله مرسلة ومناقضة للظاهر من الأوراق التى حوت ما يفيد قيد المدعى عليه الأول بكلية الطب البيطرى على خلاف ما زعمه المدعى فى هذا الشأن. وكذلك ما زعمه من حصول المدعى عليه الأول على جواز سفر بطريق التزوير وما ادعاه بشأن تهرب المدعى عليه الأول من أداء الخدمة العسكرية، وذلك لأن الظاهر من الأوراق استثناؤه من أداء الخدمة العسكرية لكونه قد اكتسب الجنسية الأمريكية مع احتفاظه بالجنسية المصرية، وهو أمر لا يسقط عنه الاحتفاظ بحقوقه باعتباره مواطنا مصريا، بما فيها الحق فى الترشيح لعضوية مجلس الشعب، ولا يسقط عنه هذا الحق، استثناؤه من أداء الخدمة العسكرية والوطنية على فهم أن المادة الخامسة من القانون رقم 38 لسنه 1972 قد اشترطت فيمن يرشح لعضويه مجلس الشعب وجوب أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفى من أدائها طبقا للقانون، ذلك أن الاستثناء من أداء الخدمة العسكرية يعد فى حكم الإعفاء منها ويرتب ذات الأثر المترتب على الإعفاء منها فى شأن جواز التقدم للترشيح لعضوية مجلس الشعب.
ومن حيث إن هذا الحكم لم يلق قبولا لدى الطاعن، فقد طعن عليه على سند من القول بأن تمتع المطعون ضده الأول بالجنسية الأمريكية يفقده حقه فى الترشيح لعضوية مجلس الشعب ذلك أنه إذا كان لا يجوز له دخول الخدمة العسكرية و الكليات العسكرية وكليه الشرطة، محافظه على أسرار القوات المسلحة، فإن الأولى من ذلك عدم قبول ترشيحه لعضويه مجلس الشعب، حتى لا يطلع على الخطة الاقتصادية لمصر والميزانية العامة للدولة، وميزانيه الوزارات وأسرار القوات المسلحة داخل مجلس الشعب، والاطلاع على جميع أسرار الدولة. وخلص الطاعن إلى طلب الحكم له بطلباته سالفة الذكر.
ومن حيث إنه بتاريخ 2/11/2000 حضر الطاعن جلسة المحكمة واثبت فى محضر الجلسة أنه يتنازل عن الطعن لانتفاء مصلحته، بعد أن فشل فى الانتخابات التى أجريت فى يوم 29/10/2000. ووافق المطعون ضده الأول على التنازل، كما لم يعترض الحاضر عن المطعون ضدهم الآخرين على طلب الطاعن.
ومن حيث انه عن ترك الخصومة، فإن قانون المرافعات المدنية و التجارية ينص فى المادة (141) على أن يكون ترك الخصومة بإعلان من التارك لخصمه على يد محضر أو ببيان صريح فى مذكرة موقعة من التارك أو من وكيله مع اطلاع خصمه عليها أو بإبدائه شفويا فى الجلسة وإثباته فى المحضر. وتنص المادة (142) على أنه لا يتم الترك بعد إبداء المدعى عليه طلباته إلا بقبوله، ومع ذلك لا يلتفت لاعتراضه على الترك إذا كان قد دفع بعدم اختصاص المحكمة، آو بإحالة القضية إلى محكمة أخرى، أو ببطلان صحيفة الدعوى أو طلب غير ذلك مما يكون القصد منه منع المحكمة من المضى فى سماع الدعوى.
ومن حيث إنه وإن كان ترك الخصومة جائزا فى كل الأحوال متى تنازل المدعى عن خصومته بغير تحفظ متخذا الشكل إلى يقضى به القانون، ومتى قبل المدعى عليه هذا الترك أو لم يكن فى ميسوره الاعتراض عليه طالما لم تكن له مصلحه قانونية فى المضى فى الدعوى، إلا أنه يرد على هذا الأصل استثناء لم يتضمنه نص المادة (142) من قانون المرافعات، قوامه عدم إجازة الترك إذا تعلق موضوع الدعوى بالنظام العام، باعتبار أن الحقوق المتصلة به ينبغى ألا يجعل مصيرها متوقفا على اتفاقات متروك مصيرها لإرادة الأفراد (حكم محكمة النقض فى 24/11/1976، الطعن رقم 32 لسنه 45 القضائية – أحوال شخصية).
ومن حيث إن النظام العام هو مجموع المصالح الأساسية للجماعة، فهى مجموع الأسس والدعامات التى يقوم عليها بناء الجماعة وكيانها، بحيث لا يتصور بقاء هذا الكيان سليما دون استقراره عليها. ولذلك كانت القواعد القانونية المتعلقة بالمصالح الأساسية للجماعة أى المتعلقة بالنظام العام، قواعد آمرة لا تملك الإرادة الفردية إزاءها أى سلطان أو قدرة على مخالفتها، إذ تعرض مخالفتها، كيان المجتمع بأسره للانهيار والتصدع، فلا يسمح لأى من كان أن تجرى إرادته على خلافها.
ومن حيث إنه فى الطليعة من القواعد المتعلقة بالنظام العام، أى من القواعد الآمرة المتعلقة بالحقوق والحريات العامة، التى تنص عليها الدساتير عاده، كالحرية الشخصية وحرية العقيدة وحرية الرأى وحقى الانتخاب والترشيح.
ومن حيث إنه إذ كان موضوع الطعن الماثل متعلقا بالنظام العام؛ باعتباره متصلا بحق الترشيح للمجلس النيابى الذى يتطلب ضرورة توافر شروط معلنة فى المرشح حتى يمكن قبول ترشيحه، لذا فإن مصير ترشيح المطعون ضده الأول ينبغى ألا يكون متوقفا على إرادة الطاعن، إن شاء أفسح المجال له للترشيح بتركه الطعن الذى أقامه، وإن شاء حجبه عن الترشيح باستمراره فى خصومته . ذلك أن حق الترشيح باعتباره من الأمور المتعلقة بالنظام العام ينبغى – طبقا لمذهب محكمة النقض – الذى يتفق ومذهب المحكمة الإدارية العليا – ألا يترك مصيره لإرادة الخصم. وبالتالى فإن الطاعن وقد أعلن عن رغبته فى ترك الطعن بما من شأنه إفساح المجال للمطعون ضده الأول للاستمرار فى الترشيح استنادا للحكم المطعون فيه، وقد لا يكون متوافرا فيه شروطه، فإن هذا الترك يكون غير جائز قانونا .
ومن حيث إنه فضلا عما سبق، فليس فى وسع المحكمة أن تقضى بترك الخصومة فى الطعن الماثل، لأن إثبات الترك قد يؤدى إلى تضارب فى الأحكام. ذلك أن ترك الخصومة فى الطعن الماثل سوف يترتب عليه بحكم الضرورة عودة الخصوم إلى الحالة التى كانوا عليها قبل بدء الطعن، أى بقاء حكم محكمة القضاء الإدارى المطعون فيه بما قضى به من رفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وهو ذات القرار المطعون فيه فى الطعن رقم 1960 لسنة 47 القضائية والمنظور بذات الجلسة . وتلافيا لما قد يبدو من تعارض بين الأحكام، فإن الأمر يقتضى من المحكمة الالتفات عن ترك الطاعن للخصومة فى هذا الطعن والتعرض له والقضاء فيه .
ومن حيث إنه لما سبق، فإن طلب الطاعن ترك الدعوى وقبول المطعون ضدهم ذلك، لا يحول دون استمرار نظر الطعن للأسباب المشار إليها .
ومن حيث إن الطاعن طعن على الحكم على سند من أن جمع المطعون ضده الأول بين الجنسية الأمريكية والجنسية المصرية يحول دون ترشيحه لعضويه مجلس الشعب، وبالتالى فإن قرار قبول ترشيحه غير سليم .
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المطعون ضده الأول قد جمع بين الجنسيتين المذكورتين وقت تقدمه بأوراق ترشيحه لعضويه مجلس الشعب ووقت صدور القرار المطعون فيه، وبالتالى فإنه لا يعتد بأى تغير يطرأ على حالته بعد تقدمه بطلب الترشيح .
ومن حيث إن المادة الخامسة من القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب، تشترط فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب:
1- أن يكون مصرى الجنسية من أب مصرى .
2- أن يكون اسمه مقيدا فى أحد جداول الانتخاب، وألا يكون قد طرأ عليه سبب يستوجب إلغاء قيده طبقا للقانون الخاص بذلك .
3- ان يكون بالغا من العمر ثلاثين سنة ميلادية على الأقل يوم الانتخاب .
4- أن يجيد القراءة والكتابة .
5- أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفى من أدائها طبقا للقانون .
ومن حيث إنه يتعين بداءة تحديد مفهوم الجنسية التى تعنى رابطة تقوم بين فرد ودولة، يدين فيها الفرد بولائه للدولة التى ينتمى إليها بجنسيته، وفى المقابل يكون. بل يتعين، على تلك الدولة أن تحميه بإسباغ الحماية عليه إذا ما تعرض فى دولة أخرى لأى مساس أو تعد. فإذا كان ذلك فإن مفاد ما تقدم ومؤداه الحتمى والمنطقى أن يكون الشخص الذى ينتمى إلى دولتين بحكم تمتعه بجنسيتين، متعدد الولاء بتعدد الجنسية .
ومن حيث إن القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب، عندما يشترط فى المادة الخامسة فيمن يرشح نفسه لعضوية مجلس الشعب، أني يكون مصرى الجنسية من أب مصرى، فإنه لم يكتف بحيازة الشخص للجنسية المصرية، وإنما تطلب فضلا عن ذلك أن يكون من أب مصرى. وفى ذلك دلالة ينبغى استيعابها، إذ المشرع إنما يريد ممن يرشح نفسه للنيابة عن الشعب المصرى، أن يكون انتماؤه عميق الجذور فى تربه الوطن، مهموما بمشاكله وقضياه، حاملا لها دائما فئ عقله وقلبه حتى ولو رحل إلى آخر الدنيا، عاملا بيده وعقله وقلبه ولسانه على أن يكون وطنه أول أمم الأرض عزة ورفعة وتقدما، غير مشرك فى ولائه، قانونا، لمصر آى وطن آخر حتى لو كان فى الفرض الجدلى أكثر منها تقدما سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا. وحيازة الشخص لجنسية أخرى غير الجنسية المصرية، معناه أن الولاء المطلق والكامل والواجب من قبله لمصر قد انشطر قانونا إلى ولاءين، أحدهما لمصر والآخر لوطن أجنبى آخر . وإذا تعدد الولاء لمصر ولغيرها فقد تراجعت كل المعانى السابقة التى أراد المشرع المصرى بالنص المذكور بلوغها، لأن الولاء الكامل لمصر ولشعبها وآمالها وترابها يصير منقوصا إذا قسمناه على مصر وعلى غيرها من الأوطان. والنيابة عن الشعب تتطلب ولاء كاملا لمصر، خاصة وأن مهمة مجلس الشعب طبقا للمادة (86) من الدستور هى تولى سلطة التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة وممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية.
ومن حيث إنه إذا كان الأصل فى القانون رقم 26 لسنة1975 بشأن الجنسية المصرية أنه يترتب على تجنس المصرى بجنسية أجنبية، متى أذن له فى ذلك، زوال الجنسية المصريه (م 2/10)، إلا أنه استثناء من ذلك أجاز أن يتضمن الأذن بالتجنس احتفاظ المأذون له بالجنسية المصرية، وذلك لاعتبارات أملتها الضرورة العملية، تتمثل فى طمأنة المصريين الذين استقروا فى الخارج واكتسبوا جنسيه المهجر، أنهم مازالوا مرتبطين بوطنهم الأصلى، وأن لهم العودة اليه وقتما يشاءون، بما يمنحهم ذلك من قوة نفسية وروحية كبيرة فى نضالهم بالمهجر، على نحو ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 26 لسنة1975 وتقرير اللجنة التشريعية فى شأنه . وعلى ذلك فالسماح بازدواج الجنسية، هدفه أساسا تعضيد المصريين المستقرين فى الخارج واكتسبوا جنسية المهجر، وتشجيعهم على الاستمرار فى النضال فى البلاد التى استقروا فيها. لكن إذا عاد المصرى مزدوج الجنسية من الخارج وأقام فى مصر ومارس عملا فيها، فإن العلة من احتفاظه بالجنسية الأجنبية تزول، إلا إذا كان حمل الجنسية الأجنبية بجانب الجنسية المصرية يمثل من وجهة نظره ميزة له لا يريد النزول عنها، أو يمثل حماية له من قبل دولة أجنبية لا يريد أن يفقدها، وكلا الأمرين يزعزع من يقين الانتماء لمصر وحدها، حيث إن المصرى الحق هو من يعتز بمصريته ويرفض تماما أن ينازعه فى ولائه لها أى وطن آخر مها كان .
ومن حيث إن قانون الخدمة العسكرية رقم 127 لسنة 1980 ينص فى المادة (1) على أن: تُفرض الخدمة العسكرية على كل مصرى من الذكور أتم الثامنة عشرة من عمره……. ونصت المادة (6) على أن يستثنى من تطبيق حكم المادة (1): أولاً- ….. رابعا – الفئات التى يصدر بقواعد وشروط استثنائها قرار من وزير الدفاع طبقا لمقتضيات المصلحة العامة أو أمن الدولة. ويصدر بالاستثناء قرار من وزير الدفاع …… وإذ أدرك السيد وزير الدفاع حساسية موضوع ازدواج الجنسية بالنسبة للتجنيد فى القوات المسلحة المصرية، فعالجه على نحو يحفظ مصالح مصر ولا يعرض أمنها للخطر. فقد أصدر القرار رقم 280 لسنة 1986 بشأن قواعد وشروط الاستثناء من أداء الخدمة العسكرية والوطنية، ونص فى المادة الأولى على أن: تضاف للمادة (1) من قرار وزير الدفاع والإنتاج الحربى رقم 115 لسنة 1981 المشار إليه فقرة جديدة (د) نصها كالآتى: المصريون المقيمون فى دولة أجنبية الذين اكتسبوا جنسية هذه الدولة مع احتفاظهم بجنسيتهم المصرية، ويزول هذا الاستثناء فى حالة فقد الفرد لجنسيته الأجنبية. وإذا كان القرار المذكور قد استثنى المصرى مزدوج الجنسية من أداء الخدمة العسكرية جنديا فى القوات المسلحة. وإذا كان هذا هو الشأن بالنسبة للجندى، فان ذلك يكشف عن وجوب انسحاب هذا الحكم – من باب أولى – على مرشحى مجلس الشعب مزدوجى الجنسية الذين يتولون سلطة التشريع ويقرون السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، فإذا كانت المهمة التى يقوم بها الجندى جليلة ومقدسة وحساسة باعتبارها كذلك حسب وصفها الوارد بنص المادة (58) من الدستور، فإن مهمة عضو مجلس الشعب على ذات القدر من القداسة، ذلك أنه إذا كانت المادة (58) من الدستور المشار إليها تنص على أن الدفاع عن الوطن وأرضه واجب مقدس. والتجنيد إجبارى وفقا للقانون، فإن عضوية مجلس الشعب مما يشملها الواجب المقدس المفروض أن يتصدى له عضو المجلس دفاعا عن سلامة الوطن فى اضطلاعه بمهامه المتعلقة بإدارة العلاقات الدولية لمصر إعمالا لحكم المادة (151) من الدستور التى تنص على أن رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان. وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة. على أن معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة أو التى تتعلق بحقوق السيادة أو التى تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات الواردة فى الموازنة، تجب موافقة مجلس الشعب عليها . أو فى إسهامه بتقرير السياسة العامة للدولة وممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية على النحو الذى تنظمه أحكام المادة (86) من الدستور.
ومن حيث إنه مما يؤكد هذه البداهة الدستورية أن قوانين بعض الجهات تشترط فيمن يعين فيها أو يستمر فى العمل فيها ألا يكون متزوجا من أجنبية، مثل قانون السلك الدبلوماسى والقنصلى رقم 45 لسنة 1982 الذى ينص فى المادة (5/2) على أنه: يشترط فيمن يعين فى إحدى وظائف السلك : 1-………. 2- ألا يكون متزوجا من غير مصرية …… . والقانون رقم 232 لسنة 1959 فى شأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة الذى ينص فى المادة (108) على أنه لا يجوز للضابط الزواج من أجنبية……… وإذا كانت الجهات السابقة لحظر أن ينتمى إليها أو يستمر فى الانتماء إليها من يكون نصفه مصريا ونصفه الآخر أجنبيا بالزواج من أجنبية، فإنه يتعين أن يمتد هذا الحكم إلى من كان نصفه مصريا والنصف الآخر أجنبيا بسبب التجنس، ويريد أن ينتسب إلى هيئة نيابية، ذلك أنه إذا كان العمل فى السلك الدبلوماسى والقوات المسلحة أمراً شديد الحساسية بحيث يحظر على من يتزوج أجنبية، ممارسته، فأن مهام عضو الهيئة النيابية لا تقل حساسية، وبالتالى يتعين القول كذلك بحظر الترشيح لعضوية مجلس الشعب على من يجمع مع جنسيته المصرية جنسية أجنبية. كل ذلك بالإضافة إلى الإشارة الواجبة، دون خوض فى تفاصيل، لمتطلبات العمل بأجهزة الأمن القومى التى تقوم حارسة على أمن مصر وعلى أمان المواطنين، والتى تستلزم اشتراطات خاصة فيمن يشرف بالانتماء إليها، منها وأولها الولاء الخالص لمصر بلا منازعة أو منافسة أو شراكة.
ومن حيث إن النتيجة السابقة هى التى انتهت إليها هذه المحكمة قبلا حينما رأت أن المادة (90) من الدستور تحتم أن يقسم عضو مجلس الشعب أمام المجلس قبل أن يباشر عمله قسما قوامه أن يحافظ العضو مخلصا على سلامة الوطن وأن يرعى مصالح الشعب، مما لا يتصور معه، فى الاستخلاص المنطقى، أن يكون الولاء للوطن شراكة مع وطن غيره أو لشعب خلاف شعب مصر. وإذا كانت التشريعات المنظمة لأحكام الجنسية تجيز، فى الحدود وبالشروط التى تقررها، اكتساب المصرى جنسية أجنبية مع احتفاظه بالجنسية المصرية، إلا أن هذا الجواز لا يمكن أن يصلح سنداً أو يقوم أساسا لخلخلة مفاد أحكام الدستور التى لا يمكن حملها، لا تفسيراً ولا تأويلا، على أنها تجيز أن ينوب عن الشعب ويعبر عن إرادته وينطق بنبضه ويحس بآلامه ويلتحم مع آماله، إلا من كان مصريا خالص المصرية، فلا تشارك هذه الرابطة المقدسة رابطة معها، فكل ذلك يتعارض ويتصادم مع صريح عبارة القسم المنصوص عليه بالمادة (90) من الدستور المشار إليها، فلا يستقيم للمواطن من وطنين فى قلبه يستويان لديه. فالجنسية المصرية المتطلبة شرطا للترشيح لعضويه مجلس الشعب لا تحتمل شركة مع غيرها ولا تقبل معها فى القلب والنفس مزاحما ولا منافسا ولا شريكا (حكم المحكمة فى الطعن رقم 1259 لسنة 47 القضائية عليا فى 27/10/2000). فالقسم يجب أن يفهم على حقيقته، فهو ليس طقسا من الطقوس، فارغ المضمون، وإنما هو بحق عميق الدلالة ويرتب بذاته التزامات ويفترض توافر شروط موضوعية فيمن يكون له حق عضوية مجلس الشعب؛ أولها وأهمها تفرد الولاء لمصر، الأمر الذى يزعزع منه توافر جنسية أخرى للفرد، إذ، على نحو ما سبق البيان، أن الجنسية رابطة ولاء وواجب حمالة من قبل الدولة المنتمى إليها الشخص بجنسيته. ومن بديهيات أصول التفسير أن يكون للألفاظ معنى، ولا معنى لعبارة القسم المشار إليه إلا معنى واحداً لا يحتمل غيره وهو خالص الولاء للوطن، ولا يكون الولاء خالصا إلا إذا كان متفرداً.
ومن حيث أن هذه المحكمة ترى لزاما عليها، وهى تنزل حكم الدستور، التأكيد على أن بيان الحكم الدستورى المستمد من عبارات القسم الذى على عضو مجلس الشعب أن يقسمه قبل تولى شئون العضوية، إنما هو استخلاص موضوعى مجرد يتأبى على التخصيص بالنسبة لما قد يقوم من حالات فى التطبيق. فالولاء المتفرد المتطلب دستوراً يسمو، فى تجرده، على الحالات الواقعية فى التطبيق، وهو بعد الولاء بالمعنى القانونى المستمد، على ما سبق البيان، من التكييف القانونى لرابطة الجنسية.
ومفاد ذلك، أن هذه المحكمة لا تتعرض، ولا شأن لها فى ذلك، للولاء الفعلى لما يعرض أمامها من حالات؛ لأن الأمر لا يتعلق بإثبات الولاء الفعلى فى كل حاله على حدة. وإنما الأمر مرده إلى حكم موضوعى قائم من مفاد أحكام الدستور يجد له سنداً من التكييف القانونى المجرد لرابطه الجنسية؛ فالجنسية الأجنبية تفترض، قانونا، ولاء وانتماء هو الذى ينتج تصادما مع متطلبات الحكم الدستورى، دون إمكان التحدى فى كل حالة على حدة بقيام الدلائل التى تفيد غير ذلك، أى أنه ليس ثمة ولاء أصلاً لتلك الجنسية الأجنبية، إذ الأمر، على ما سلف، يتصل بالتكييف القانونى لرابطة الجنسية، وهذا التكييف القانونى المجرد يتأبى على التخصيص.
ومن حيث إنه ليس صحيحا القول بأن تطلب الجنسية المصرية المتفردة فى عضو مجلس الشعب يمثل إخلالا بقاعدة المساواة المقررة للمصريين جميعا، وهى التى نص عليها الدستور فى المادة (40) منه، أساس ذلك، أنه فضلا عن أنه من المسلم به أن المساواة تفترض تطابقا فى المراكز القانونية، فإنه لا تجوز المحاجة بذلك فى شأن الأمر الماثل المعروض على هذه المحكمة، إذ إن تطلب شرط الجنسية المصرية المتفردة، مستمد من أحكام الدستور ذاتها، وبالتالى فلا يمكن أن يُدعى بأن فى ذلك إخلالا بقاعدة المساواة التى نص عليها ذات الدستور، إذ يتعين دائما تطبيق نصوص الدستور على نحو ما يحقق التناسق والانسجام بينها، وهو ما فتئت المحكمة الدستورية العليا على تأكيده فى قضاء مستقر لها. ويكون ما يطلب دستوراً من شرط يتعلق بتفرد الجنسية المصرية فيمن يجوز له اكتساب عضوية مجلس الشعب، غير متصادم مع القاعدة الأصولية اللى تقضى بالمساواة بين المصريين، ذلك أن المركز القانونى للمصرى الذى يرتبط، فى ذاد الوقت، بجنسية دولة أخرى لا يتماثل، فى الواقع القانونى المجرد، مع غيره ممن يتفردون بجنسية مصر. وترتيبا على ذلك، فإنه يتعين دائما، فى تفسير ما قد يرى بأى تشريع، لا يرقى إلى مرتبة الدستور، من معاملة المصرى الذى يرتبط بجنسية أخرى، فضلا عن جنسيته المصرية معاملة المصرى، ألا يخل ذلك بحكم دستورى قطعى الدلالة يجد له، فى الواقع والقانون، تطبيقا مباشراً. والحكم الدستورى القائم على مفاد عبارات القسم – بينة المضمون وواضحة الدلالة -، ينصرف إلى الحق فى عضوية المجلس النيابى، ذلك الحكم الذى إن هو إلا محض تطبيق للقواعد العامة التى تحكم صحة أعمال الوكيل أو النائب، وهو حال عضو المجلس النيابى الذى يمثل شعبا بأسره، تلك القواعد العامة اللى تستلزم عدم قيام شبهة تعارض فى المصالح فى حق الوكيل أو النائب. وعلى ذلك جميعه فإن الشرط الدستورى المستفاد صراحة من حكم المادة (90) من الدستور لا يمكن أن يكون متعارضا أو متصادما مع حكم المادة (40) من ذات الدستور، التى تنص على القاعدة العامة فى المساواة بين المواطنين.
ومن حيث إنه لا يخل بما سبق القول بأن المادة (9) من قانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975 تخول للأجنبى الذى اكتسب الجنسية المصرية حق الترشيح للهيئات النيابية بعد عشر سنوات من اكتساب الجنسية، وأن مكتسب الجنسية المصرية بذلك يكون أفضل حالا وأعمق ولاء من المصرى صاحب الجنسية الأصلية الذى يؤذن له بحمل جنسية أجنبية، ذلك أن نص المادة (9) سالف الذكر يواجه مصريا ولو بالتجنس لكنه غير مزدوج الجنسية. هذا فضلا عن أن المتجنس ليس من حقه الترشيح لعضوية مجلس الشعب، لأنه لم يولد لأب مصرى وفقا لما اشترطته المادة الخامسة من القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب.
ومن حيث إنه لا ينال مما سبق كذلك ما نصت عليه المادة (1) من قانون الهجرة ورعاية المصريين فى الخارج من أن للمصريين فرادى أو جماعات حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج وسواء أكان الغرض من هذه الهجرة مما يقتضى الإقامة الدائمة أم الموقوتة فى الخارج وفقا لأحكام هذا القانون وغيره من القوانين المعمول بها. ويظلون محتفظين بجنسيتهم المصرية طبقا لأحكام القانون الخاص بالجنسية المصرية. ولا يترتب على هجرتهم الدائمة أو الموقوتة الإخلال بحقوقهم الدستورية أو القانونية التى يتمتعون بها بوصفهم مصريين طالما ظلوا محتفظين بجنسيتهم المصرية. ذلك أن من البداهة أن النص السابق يخول المصرى المقيم فى الخارج ويحتفظ بجنسيته المصرية، التمتع بالحقوق الدستورية والقانونية التى لا تتعارض مع مقتضيات المصلحة العامة أو أمن الدولة. إذ إن هذه الحقوق تختلف باختلاف وضع المصرى فى الخارج، أى بحسب ما إذا كان محتفظا بالجنسية المصرية وحدها أو أضاف إليها جنسية أجنبية. ففى الحالة الأولى يتمتع المصرى بكافة الحقوق الدستورية والقانونية التى يتمتع بها المواطن المصرى صاحب الجنسية المصرية فقط. وفى الحالة الثانية يتمتع بالحقوق الدستورية والقانونية المقررة للمواطن المصرى فيما عدا تلك التى تقتضى المصلحة العامة أو أمن الدولة عدم تمتعه بها، كالتجنيد فى القوات المسلحة، وشغل الوظائف الحساسة فى أجهزة الدولة، والترشيح لعضوية المجالس النيابية.
ومن حيث إنه لما سبق، فإنه يشترط للترشيح لعضوية مجلس الشعب المصرى أن يكون المرشح صاحب جنسية وحيدة هى الجنسية المصرية، بحيث إنه إذا جمع بينها وبين جنسية أجنبية، فقد الحق فى الترشيح. وهذا الشرط ليس فقط شرطا للانتساب إلى مجلس الشعب، وإنما هو شرط صلاحية للاستمرار فى عضوية هذا المجلس، مما يتعين معه أن يصاحبه طيلة فترة عضويته.
ومن حيث إنه وقد ذهب الحكم الطعين غير المذهب السابق، فإنه يكون قد أخطأ السبيل، مما يتعين معه الحكم بإلغائه، والقضاء مجدداً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه بقبول ترشيح المطعون ضده الأول لعضوية مجلس الشعب، وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن ما يمس بالحريات العامة التى كفلها الدستور أمر عاجل ينجم عنه من النتائج ما يتعذر تداركها .
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلتزم بمصروفاتها.

* فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة :
أولا: بعدم جواز ترك الخصومة فى الطعن الماثل.
ثانيا: بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه بقبول ترشيح المطعون ضده الأول لعضوية مجلس الشعب وما يترتب على ذلك من آثار، مع تنفيذ الحكم بموجب مسودته ودون إعلان، وألزمت المطعون ضدهم المصروفات.

اشترك في القائمة البريدية