الطعن رقم 2728 لسنة 43 بتاريخ : 1999/10/31
___________________________________
نص الحكم:
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / حنا ناشد مينا رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية السادة الاساتذة المستشارين : جودة عبد المقصود فرحات ومحمد عبد الرحمن سلامة وسعيد احمد محمد حسين برغش ومحمود اسماعيل رسلان مبارك ( نواب رئيس مجلس الدولة )
* الإجراءات
في يوم الثلاثاء الموافق 25/3/1997 أودع الاستاذ الدكتور مصطفي أبو زيد فهمي المحامي بصفته وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2728لسنة 43ق ع في حكم محكمة القضاء الإداري المشار إليه والذي قضي برفض الدعوى وإلزام المدعى المصروفات، وطلب الطاعن في ختام تقرير طعنه وللأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء قرار النائب العام الصادر بإحالة أوراق المحضر رقم 2369 لسنة 1994 إداري العامرية إلى النيابة العسكرية وما يترتب علي ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا في الطعن طلبت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب علي ذلك من أثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون علي الوجه المبين بالأوراق حيث قررت الدائرة بجلسة 4/1/1999 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولي موضوع لنظره بجلسة 7/3/1999 حيث تم تداول الطعن أمام المحكمة إلى أن قررت حجزه لأصدر الحكم فيه لجلسة اليوم وفيه صدر وأودعت مسودته المشتملة علي أسبابه عند النطق به .
* المحكمة
بعد الإطلاع علي الأوراق والمداولة .
من حيث إن الطعن قد استوفى اوضاعه الشكلي .
ومن حيث إن واقعات النزاع تتحصل في أنه بتاريخ 24/9/1995 أقام الطاعن الدعوى رقم 5842 لسنة 49ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار النيابة العامة بإحالة أوراق المحضر رقم 2369 لسنة 1994 إداري العامرية إلى النيابة العسكرية وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار مع ما يترتب علي ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات .
وقال المدعي شرحا لدعواه أن نيابة غرب الإسكندرية باشرت التحقيق في المحضر رقم 2396 لسنة 1994 إداري العامرية بشأن ما نسب إلي عبد العزيز العسكري وآخرين من الحصول علي حكم قضائي نهائي بملكية أرض بناحية كينج مريوط استنادا إلى شهادة صادرة من حي العامرية تفيد أن هذه الأرض داخلة في كردون وزمام مدينة الإسكندرية لم يراع بشأنها أخذ رأي التخطيط العمراني وأشار المدعي أنه تأسست من وقائع المحضر أنه لا يوجد بين أطراف النزاع من يخضع لقانون الأحكام العسكرية كما أن الأرض ليست مملوكة للقوات المسلحة، وأضاف المدعي أن نيابة غرب الإسكندرية الكلية انتهت في الواقعة بمذكرتها المؤرخة 14/2/1995 إلى قيد الواقعة جناية ضد عبد العزيز محمد العسكري، لأنه اشترك مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في محرر رسمي الشهادة المؤرخة 21/5/1997 المنسوب صدورها إلى حي العامرية وأنه أستعمل المحرر المزور في الدعوى رقم 373 لسنة 35 ق والتقرير في الأوراق بألاّ وجه لإقامة لدعوى الجنائية قبل المتهم لإنقضائها بمضى المدة، وأيدت ذلك نيابة استئناف الإسكندرية بمذكرتها المؤرخة16/7/1995 , و انتهى المكتب الفنى للنائب العام بمذكرته المورخة 12/8/19995 إلى طلب إقامة الدعوى الجنائية قبل المتهمين بعد اسباغ القيد والزحف المنطبقين علي الواقعة، إلا أنه فوجئ باعتباره أحد المتهمين بقرار صادر من النيابة العامة باحالة المحضر المشار إليه إلى القضاء العسكري دون سبب يبرر ذلك .
ودعى المدعي علي قرار النيابة العامة أنه صدر مخالفا للدستور والقانون مشوبا بالانحراف في استعمال السلطة القضائية فإن عملها يتجرد من الصيغة القضائية ويكون بمثابة تصرف إداري يخضع للقواعد العامة المقررة في هذا الشأن بما في ذلك الطعن في القرارات الإدارية أن المحضر قد خلا من أي عنصر أو سبب يعقد للاختصاص للقضاء العسكري وحرم المدعي من المحكمة أمام قاضيه الطبيعي .
وخلص فى ختام صحيفة دعواه إلى طلباته سالفة البيان ونظرت المحكمة الشق العاجل في الدعوى علي النحو الثابت بملف الطعن.
وبجلسة 1/11/1995 قضت المحكمة في الشق العاجل بوقف تنفيذ قرار النائب العام بإحالة ملف القضية رقم 2369 لسنة 1994 إداري العامرية إلى نيابة الإسكندرية العسكرية وما يترتب علي ذلك من اثار.
وبجلسة 3/2/1997 صدر الحكم في موضوع الدعوى برفضها وألزمت المدعى المصروفات.
وأقام الحكم المطعون فيه قضاءه علي سند من القول بأنه في ضوء الإحكام الواردة في المادة 83 من دستور جمهورية مصر العربية الصادر سنة 1971 والتى تنص علي أن ينظم القانون القضاء العسكريي ويبين اختصاصاته في حدود المبادئ الواردة في الدستور واستعرض الحكم المطعون فيه الأحكام الواردة بقانون الأحكام العسكرية رقم 25لسنة 1996 وتعديلاته واشار إلى أن مفاد تلك النصوص أن المشرع الدستوري قد اعتد بالقضاء العسكري كجهة قضائية مستقلة إلى جانب القضاء الإداري والعادي وعهد إلى السلطة التشريعية بوضع القواعد التى تنظم تشكيله واختصاصاته في حدود المبادئ العامة الواردة في الدستور وأن قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وهو بصدد تحديد اختصاصات القضاء العسكري قد تضمن ثلاثة معايير لتحديد هذه الاختصاصات المعيار الأول هو المعيار الشخصي الذي ينظر فيه إلى شخص مرتكب الجريمة والثاني معيار مكاني ويقوم علي أساس مكان وقوع الجريمة والثالث معيار محل الجريمة، واستطرد الحكم المطعون فيه أن النيابة العامة بصفتها من الجهات المخاطبة بقانون الأحكام العسكري تملك قانون إحالة اية جرائم من الجرائم التى يتبين لها خضوعها لأحكام هذا القانون وفقا لأي من المعايير سالفة الذكر إلى النيابة العسكرية دون أن يعتبر ذلك تلكأ أو تعطيلا للدعوى الجنائية أو انتزاعا لاختصاص المحاكم الجنائية، وأضاف الحكم المطعون فيه أن المدعى ساهم في ارتكاب جريمة التزوير في محررات رسمية للاستيلاء بغير وجه حق علي الأرض محل النزاع والمخصصة للقوات المسلحة واستعمال هذه المحررات فيما زورت من أجله وهذه الجريمة تدخل في نطاق الجرائم المنصوص عليها في المادة 5 فقرة ب من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 علي أساس أن الأرض المستولي عليها تندرج في مفهوم عبارة متعلقات القوات المسلحة كما تندرج في نطاق الفقرة أ من ذات المادة باعتبارها من الاماكن التى يشغلها العسكري ولما أسفرت عنه معاينة النيابة العامة لموقع الأرض .
وأشار الحكم المطعون فيه أنه لا يغير من ذلك القول بأن في ذلك خروجا من النيابة العامة عن سلطتها في تحريك الدعوى الجنائية وحرمان المدعى من قاضيه الطبيعي أو أن ملكية الارض ثابتة للمتهمين في القضية رقم 2369 لسنة 1994 بأحكام قضائية نهائية متي كان قد ثبت للنيابة العامة أن هذه الأحكام قد صدرت بناء علي مستندات ثبت للنيابة العامة تزويرها بحسبان أن هذه الأرض مملوكة للدولة ومخصصة للقوات المسلحة .
وخلص الحكم المطعون فيه من ذلك إلى رفض الدعوى .
ومن حيث إن الطاعن قد أسس طعنه علي سند من القول أن الحكم المطعون فيه فاته أن يدرك أن القرار المطعون فيه قرار إداري وأن هذا القرار الإداري قد صدر مشوبا بمخالفة القانون وأن قوة الأمر المقضي به لحكم صدر من قضاء غير مختص و من جهة قضائية معينه لا يغير المحاكم المخصصة التابعة لجهة قضائية أخرى .
واستطرد الطاعن إلى القول بأن النيابة العامة شعبة من شعب السلطة التنفيذية ولا يجيز عمل النيابة العامة بوصفة عمل قضائي إلا إذا انتهت في نهاية التحقيق إلى اتصاله بحكم قضائي، كم أشار الطاعن إلى أن الحكم المطعون فيه قد فاته أن السلطة القضائية العسكرية لا يمكن أن تتسلط دكتاتوريا علي اختصاص الهيئات القضائية الأخرى وأضاف أن قانون الأحكام العسكرية قد أخذ بمعيار شخصي في تحديد اختصاص القضاء العسكري يتعلق بشخص الخاضع لهذا الاختصاص وأن المدعى لم يكن ينطبق عليه هذا الوصف كما أن المادة 5 من القانون المشار إليه لا تسعف في الأخذ بالمعيار الموضوعي المتعلق بالمكان كما أن الأحكام النهائية الصادرة في شأن الأرض موضوع النزاع وقد أصبحت نهائية فقد كان يتعين علي النائب العام احترام حجية تلك الأحكام .
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جري علي أنه متي اتصلت ولاية المحكمة بالمنازعة الإدارية فإن كل عناصر المنازعة تكون مطروحة أمام هذه المحكمة التى عليها أن تنزل في شأنها حكم القانون ما دام المراد هو مبدأ المشروعية نزولا علي سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام وتختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص بحيث يفتح الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا الباب أمام المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون بعد أن أصبح النزاع مطروح أمامها بكافة أشطاره، فإذا ما تبين للمحكمة بعد قيام الطعن أمامها أن شطرا من النزاع يتعلق بالاختصاص الولائي الذي هو من النظام العام يتعين عليها أن تنزل في شأنها صحيح حكم القانون ومن ثم فإنه في ضوء تلك المقدمة يغدو مقطع النزاع في الطعن الماثل هو تحديد طبيعة القرار الصادر من النيابة العامة بإحالة التحقيق للنيابة العسكرية.
ومن حيث إن الثابت أن قرار النيابة العامة موضوع النزاع قد صدر بمناسبة التحقيق الذي كانت تجريه في المحضر رقم 2369 لسنة 1994 إداري العامرية بشأن ما نسب إلى عبد العزيز العسكري وآخرين من الحصول علي حكم قضائي نهائي بملكية أرض بناحية كينج مريوط استنادا إلى شهادة صادرة من حي العامرية تفيد أن هذه الأرض ومساحتها 320 فدان داخلة في كردون وزمام مدينة الإسكندرية علي حين أنه قد تبين من تقرير هيئة الرقابة الإدارية أنه قد تبين من الرجوع إلى المسئولين بالشهر العقاري ومديرية المساحة بالإسكندرية أن الأرض موضوع النزاع كانت خارج زمام وكردون مدينه الإسكندرية وأن الأحكام التى استندت إلى تقرير الخبير سمير بولس حزين والذي تعمد أغفال الحقائق واستند إلى مستندات غير حقيقية وانتهت إلى نتيجة تتفق وما يخدم مدعي الملكية بدون وجه حق مما أضاع علي الدولة قيمة هذه الأراضي التى تربو علي ستين مليون جنيه.
وكانت نيابة غرب الإسكندرية الكلية قد أجرت معاينة للأرض محل النزاع في 31 /10/1994 وأثبت في محضر المعاينة أن هذه الأرض تقع بمنطقة كينج مريوط بين أراض شاسعة خاصة بالقوات المسلحة وجميعها محاطة بأسلاك شائكة ومحصورة بين عدة وحدات عسكرية ومقام علي الارض منشآت وثكنات عسكرية ووحدات بأسلحتها ومعداتها ولا توجد عليها أية مبان خاصة بمجندين, ومن ثم فلدى مخاطبة اللواء مدير القضاء العسكري للنائب العام بالكتاب رقم 70/3/246/13 في 26/8/1995 بطلب إحالة أوراق التحقيق إلي نيابة الإسكندرية .الإسكندرية العسكرية ذلك أن الموضوع يتعلق بأراضي للقوات المسلحة فوافق المستشار النائب العام علي ذلك بتاريخ 30/8/1995 وأرسلت أوراق القضية المذكورة إلى النيابة العسكرية للاختصاص وتم محاكمة المتهمين بموجب الحكم الصادر بجلسة 25/3/1995 من المحكمة العسكرية الدائرة / 2 في القضية رقم 391لسنة 1995 جنايات عسكرية إسكندرية وقد صدّق علي الحكم في 28 / 10 /1995.
ومن حيث يبين من استعراض الوقائع السالف بيانها أن قرار النيابة العامة بإحالة التحقيق إلى النيابة العسكرية قد صدر في إطار اختصاص النيابة العامة كسلطة تحقيق ومن ثم فإنه ينحسر عن مثل هذه القرارات رقابة القضاء الإدارى على مثل هذه القرارات بحسبان أن مثل هذه القرارات التى تصدر عن النيابة العامة كسلطة تحقيق تخرج عن مفهوم القرارات الإدارية النهائية التى يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري برقابة مشروعيتها.
ومن حيث إنه لا سند لما قال به الطاعن في تقرير طعنه من أن قرارات النيابة العامة لا تكتسب صفة القرارات القضائية التى يمتنع على القضاء الإداري رقابة مشروعيتها إلا إذا انتهي بها المطاف بصدور حكم قضائي كأثر لها إذ إن الأصل أن القرار تحدد طبيعته وقت صدوره ولا يتراخى تحديد تلك الطبيعة إلى ما بعد معرفة الأثر الذي يسفر عنه القرار.
ومن حيث إنه لا ينال من ذلك ايضا ما أورده الطاعن في تقرير طعنه أيضا من أن قرار النيابة العامة موضوع النزاع قد انطوي علي مساس بأحكام قضائية نهائية تتعلق بالملكية إذ ان صدور أحكام قضائية نهائية بالملكية لا يغل يد النيابة العامة في إجراء تحقيق في واقعة انطوت علي تشكيل جريمة حتى لو تمثلت تلك الواقعة في مستند كان أساسا لصدور حكم نهائي كما لا تغل سلطة النيابة العامة في أن تصدر في شأن هذا التحقيق قرارا من القرارات التى تملك إصدارها كسلطة تحقيق بإحالة الواقعة إلى النيابة العسكري للاختصاص .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد أخذ بغير هذا الفهم لصحيح حكم القانون وتناول مشروعية قرار النيابة العامة موضوع النزاع حتى ولو كان قد خلص إلى مشروعيته فإنه يكون بذلك قد جانب الصواب مما يتعين الحكم بإلغائه .
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى وألزمت الطاعن المصروفات.