الطعن رقم 3020 لسنة 39 بتاريخ : 1999/03/06 الدائرة الثانية
______________________________________________
نص الحكم:
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد يسرى زين العابدين عبد الله نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة: مصطفى محمد عبد المنعم صالح لبيب حليم لبيب أسامة محمود عبد العزيز محرم عطية عماد الدين نجم نواب رئيس مجلس الدولة
* إجراءات الطعن
بتاريخ 27/5/1992 أودع الأستاذ/ رمضان محمد البيومى المحامى نائباً عن الأستاذ/ محمد صبرى عامر المحامى بصفته وكيلاً عن السيد/ سمير على محمد قنديل تقرير طعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا قيد بجدولها تحت رقم 3020/39 ق.ع ضد السيد/ رئيس مجلس إدارة البنك الرئيسى للتنمية والإئتمان الزراعى بصفته فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بجلسة 2/3/1992 فى الدعوى رقم 1507 /43 ق والقاضى (بإثبات ترك المدعى للخصومة وإلزامه بالمصروفات).
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بعريضة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، مع عدم الاعتداد بإقرار التنازل المنسوب إلى الطاعن وكل ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
أعلن الطعن قانوناً وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإعادة الدعوى بحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى للفصل فيها مجدداً بهيئة أخرى مع إبقاء الفصل فى المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة والتى قررت بجلسة 8/6/1998 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثانية لنظره بجلسة 27/9/1998حيث نظر وبجلسة 30/1/1999 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث الشكل فإن الثابت من الأوراق أن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 2/3/1992 وبتاريخ 28/4/1992 تقدم الطاعن بطلب مساعدة قضائية رقم 126 لسنة 38ق، وقبل طلبه فى 7/4/1993 وأقيم الطعن فى 27/5/1993 واستوفى سائر أوضاعه الشكلية المقررة قانوناً، ومن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل فى أنه بتاريخ 13/12/1988 أقام المدعى – الطاعن – الدعوى رقم 1507 لسنة 43 ق بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى – (دائرة التسويات) طالباً فى ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من استبعاد اسمه من كشوف العاملين الذين تقرر منحهم العلاوة الخاصة بانقضاء ثلاثين عاماً على خدمة البنك والصادر فى 28/6/1988 مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقال المدعى – الطاعن – شرحاً لدعواه أنه يعمل بالبنك المدعى عليه – المطعون ضده – منذ 15/2/1955 ويشغل حالياً وظيفة أخصائى ممتاز بالدرجة الأولى بقطاع التنمية والاستثمار، وأنه يقوم بعمله بكل همة واقتدار وتقارير كفايته بدرجة ممتاز طيلة خدمته، فضلاً عن حصوله على علاوة الجدارة، وفى 19/6/1988 قرر مجلس إدارة البنك باعتماد مبدأ منح العلاوة الخاصة لعام 87/1988 بمناسبة انقضاء 30 سنة فى خدمة البنك، وفوض المجلس رئيسه فى اعتماد قرار لجنة شئون العاملين فى منح العلاوة للمستحقين لها، وطبقاً لنص المادة (59) من لائحة العاملين بالبنك تم اعتماد التقرير الخاص بانجازات المدعى واعتمد من المسئولين محضر لجنة شئون العاملين بمنح هذه العلاوة لعدد من العاملين بالبنك وليس من بينهم المدعى الذى تم شطب اسمه من كشوف المستحقين لتلك العلاوة بالمخالفة للوائح والقواعد المنظمة لهذه العلاوة وبتاريخ 29/6/1988 أصدر قراره بمنح العلاوة دون المدعى فتظلم منه بتاريخ 13/8/1988 وإذ لم يلق رداً على تظلمه فقد أقام الدعوى الماثلة بطلباته سالفة البيان.
أحيلت الدعوى بعد إعلان صحيفتها قانوناً إلى هيئة مفوضى الدولة لتحضيرها وأثناء التحضير قدم البنك المدعى عليه (المطعون ضده) صدوره من لائحة العاملين به وإقرار موثقاً صادر من المدعى – الطاعن – بتاريخ 20/1/1989 بتنازله عن هذه الدعوى تنازلاً شاملاً أصل الحق المرفوع به الدعوى وبجلسة التحضير المعقودة بتاريخ 9/6/1991 قرر المدعى برجوعه عن التنازل المقدم منه وباستمراره فى السير فى الدعوى وقدم مذكرة بذلك ذكر فيها أن هذا الإقرار قد صدر منه بضغط التهديد بخصم الحوافز منه، كما قدم حافظة مستنداته، وقدمت الجهة الإدارية – المدعى عليها – مذكرة بدفاعها طلبت فيه أولاً: الاعتداد بإقرار التنازل الصادر من المدعى استناداً للمادتين 10، 11 من قانون الإثبات. ثانياً: أصلياً بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد ولعدم سابقة التظلم واحتياطياً برفضه وإلزام المدعى المصروفات كما قدمت حافظة مستندات طويت على صورة ضوئية من مذكرة إدارة شئون العاملين بشأن نسب وقواعد صرف العلاوة الخاصة وموافقة مجلس الإدارة عليها.
وتحدد لنظر الدعوى جلسة 11/11/1991 وتم تداولها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 6/1/1992 حضر المدعى شخصياً وقرر بعدم ترك الدعوى وقدم حافظة مستندات، وبجلسة 3/2/1992 قدم الحاضر عن البنك حافظة مستندات طويت على صورة ضوئية للتنازل المقدم من المدعى عن الدعوى رقم 1426/43 ق كما قدم مذكرة بدفاعه صمم فيها على طلبات البنك.
وبجلسة 2/3/1992 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه وشيدت قضائها بعد استعراضها لنصوص المواد 141، 143 من قانون المرافعات على أساس أن الثابت من المستندات المقدمة من البنك المدعى عليه أن المدعى قدم إقراراً صريحاً غير معلق على شرط موقعاً منه قرر فيه بتنازله عن هذه الدعوى تنازلاً شاملاً لأصل الحق المرفوعة به الدعوى مع تحمله بالمصروفات وأتعاب المحاماة تم توثيق هذا التنازل بمكتب توثيق روض الفرج بتاريخ 20/1/1989 ومن ثم فلا يقبل منه بعد ذلك ما قرره من عدوله عن هذا الترك طالما قد تمسك به المدعى عليه – البنك – كما لا يقبل منه ما تعلل به من صدور هذا الإقرار تحت تأثير إكراه وقع عليه أن ما آثاره لا يعدو أن يكون قولاً مرسلاً لا يقوم عليه دليل ويكون هذا التنازل قد وقع صحيحاً منتجا لآثاره القانونية فى ترك الخصومة فى الدعوى مما يتعين معه إثباته.
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الطاعن فبادر بإقامة طعنه الماثل استناداً إلى مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله على أساس أنه يتعين الأخذ بالإرادة الحقيقية للطاعن المبداه أمام هيئة مفوضى الدولة، وأمام محكمة القضاء الإدارى، وذلك بعدوله عن إقراره بترك الخصومة والاستمرار فى دعواه بحسبان أن هذا التنازل وقع نتيجة إكراه.
ومن حيث أن المادة (141) من قانون المرافعات تنص على أن (يكون ترك الخصومة بإعلان من التارك لخصمه على يد محضر أو ببيان صريح فى مذكرة موقعة من التارك أو من وكيله مع اطلاع خصمه عليها أو بإبدائه شفوياً فى الجلسة وإثباته فى المحضر).
كما تنص المادة (142) من ذات القانون على أن (لا يتم الترك بعد إبداء المدعى عليه طلباته إلا بقبوله، ومع ذلك لا يلتفت لاعتراضه على الترك، إذا كان دفع بعدم اختصاص المحكمة، أو بإحالة القضية إلى محكمة أخرى، أو ببطلان صحيفة الدعوى أو طلب غير ذلك مما يكون القصد منه منع المحكمة من المضى فى سماع الدعوى).
كما تنص المادة (143) منه على أن (يترتب على الترك إلغاء جميع إجراءات الخصومة بما فى ذلك رفع الدعوى والحكم على التارك بالمصاريف، ولكن لا يمس ذلك الحق المرفوعة به الدعوى).
ومن حيث أن المستفاد من هذه النصوص أنه لصاحب الدعوى الحق فى النزول عن دعواه إلى ما قبل صدور حكم فاصل فى النزاع إذا تحققت له مصلحة فى التنازل على أن يتم ذلك بإحدى الطرق التى أوردتها المادة (141) على سبيل الحصر، بشرط قبول خصمه إن جاء التنازل بعد إبدائه طلباته فى الدعوى أو دون موافقته عند انتفاء مصلحته المشروعة فى استمرار نظرها، ويترتب على هذا التنازل إلغاء جميع إجراءات الخصومة وكافة الآثار القانونية المترتبة على قيامها.
ومن حيث أن المادة (408) من القانون المدنى تنص على أن (الإقرار هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه وذلك أثناء السير فى الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة).
ويبين من حكم هذه المادة أن الإقرار الذى يعتد به فى مواجهة الصادر منه هذا الإقرار والذى يستصحب معه حجية قاطعة هو الإقرار القضائى الصادر من هذا الشخص أمام المحكمة التى تنظر الدعوى التى تتعلق بها واقعة الإقرار، أما الإقرار الذى يقع على خلاف ذلك فلا يعد إقراراً قضائياً وبالتالى فإنه يخضع لتقدير المحكمة.
ومن حيث أن ترك الخصومة فى الدعوى هو تصرف إرادى يبطل إذا شابه عيب من العيوب المفسدة للرضاء ومتى كان الإقرار المقدم من الطاعن بتاريخ 20/1/1989 بتنازله عن الدعوى رقم 1507 /43ق، لا يقيد فى ضوء ما تقدم إقراراً قضائياً لعدم حصوله أمام المحكمة وبالتالى لا يجوز حجية قاطعة ومن ثم فإنه يخضع لتقدير المحكمة التى لها أن تأخذ المدعى به أو أن تعرض عنه إذا ما تبين لها أن ثمة عيب من عيوب الرضا شاب إرادة المدعى عند التوقيع على هذا الإقرار.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية قدمت بجلسة 7/4/1990 (تحضير) أصل إقرار المدعى – الطاعن – بتنازله عن الدعوى رقم 1507/43ق الصادر بشأنها الحكم المطعون فيه – إلا أن الثابت من الأوراق أن المدعى حضر شخصياً بجلسة 9/6/1990 (تحضير) وأثبت فى محضرها أن التنازل لا يعتد به ويعتبر ملغى وبجلسة 17/11/1990 حضر المدعى شخصياً وقدم مذكرة تفيد عدوله عن التنازل حيث أنه قد أجبر على التوقيع عليه بالشهر العقارى، وقرر بمحضر الجلسة المشار إليها رجوعه عن هذا التنازل المقدم منه للإدارة واستمراره فى السير فى الدعوى وبجلسة 6/1/1992 حضر المدعى شخصياً أمام المحكمة وقرر بعدم ترك الدعوى.
وحيث أنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه إذا أبدى المدعى أمام هيئة مفوضى الدولة عدوله عن إقراره بترك الخصومة واستمراره فى دعواه، وشكك فى انصراف إرادته إلى ترك الخصومة وجب على المحكمة أن تعتد بالإرادة الحقيقية المبداه أمامها وتطرح الادعاء بترك الخصومة جانباً طالما لم يتأكد صدوره عن إرادة صريحة قاطعة.
ومن حيث أن الطاعن قد قرر بجلسة التحضير المعقودة بتاريخ 9/6/1991 بأنه قرر الرجوع عن التنازل المقدم منه وباستمراره فى السير فى الدعوى وقدم مذكرة بذلك ذكر فيها أن هذا الإقرار قد صدر بضغط التهديد بخصم الحوافز منه ومن ثم يبين من ذلك أن إرادة المدعى – الطاعن – فى التوقيع على التنازل عن دعواه لم تكن إرادة حرة صدرت عن رضاء صحيح بل أن هذه الإرادة قد اعتراها عيب من العيوب المفسدة للرضا وهو إكراه المدعى على توقيع هذا التنازل تحت وطأة التهديد بالحرمان من الحوافز.
ومن حيث أنه ترتيباً على كل ما تقدم فإن الإقرار الصادر من المدعى بتنازله عن دعواه باعتباره تصرفاً إرادياً، يكون قد وقع باطلاً وليس من شأنه بالتالى أن يرتب أى أثر قانونى، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ فى تحصيل الواقع على نحو أدى به إلى الخطأ فى تطبيق القانون الأمر الذى يتعين معه القضاء بإلغاء هذا الحكم فيما قضى به بإثبات ترك المدعى للخصومة وإلزامه المصروفات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى بحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى (دائرة التسويات) للفصل فيها مجدداً بهيئة أخرى مع إبقاء الفصل فى المصروفات.