طعن رقم 1123 لسنة 35 بتاريخ 29/03/1992 دائرة منازعات الأفراد والهيئات
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ إسماعيل عبدالحميد إبراهيم وعادل محمد زكى فرغلى وفريد نزيه تناغو وأحمد عبدالعزيز أبوالعزم نواب رئيس مجلس الدولة
* إجراءات الطعن
في يوم الخميس الموافق 9/3/1989 أودع الأستاذ الدكتور/ محمد عصفور المحامى بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1123 لسنة 34 ق. ع وذلك في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى دائرة منازعات الأفراد والهيئات” بجلسة 9/2/1989 في الدعوى رقم 4152 لسنة 12 ق فيما قضى به من رفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعى المصروفات وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقدم الأستاذ المستشار عادل الشربينى مفوض الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى لهيئة مفوضى الدولة ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 1/1/1990، حيث تم نظر الطعن بالجلسة المذكورة والجلسات التالية حتى قررت تلك الدائرة بجلسة 25/6/1990، إحالة الطعن إلى هذه المحكمة، وحددت لنظره جلسة 14/3/1990، وقد تم نظر الطعن ومناقشة أدلته التفصيلية على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى تقرر للنطق بالحكم بجلسة 1/3/1992، وبالجلسة المذكورة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 29/3/1992 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل – حسبما يتضح من الأوراق – في أنه بتاريخ 15/5/1988 أقام الطاعن الدعوى رقم 4152 لسنة 42 ق، أمام محكمة القضاء الإدارى طالباً الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من نائب محافظ القاهرة بسحب وإلغاء الترخيص رقم (11) لسنة 1982 المعدل بالترخيص رقم 6/1987 وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار مع إلزام المدعى عليه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأقام دعواه على أن (اتحاد ملاك مقاتلى رمضان ) الذى يرأسه الطاعن يمتلك قطعة أرض فضاء مساحتها 3982.15 متراً مربعاً تحت رقم 22 شارع محمد مظهر بالزمالك، وأنه تقدم إلى حى غرب القاهرة طالباً الترخيص في إقامة عمارة سكنية مكونة من دور أرضى جراج يعلوه محلات تجارية وميزانين ومكاتب تصلح لشغلها بالشركات والبنوك يعلوها وحدات سكنية، وصدر بذلك الترخيص رقم (11) لسنة 1982 وسلم الترخيص لإدارة الاتحاد في 28/11/1986، ثم تقدم الاتحاد بطلب تعديل الترخيص المذكور قيد برقم (6) لسنة 1987 عدلت بمقتضاه الرسومات إلى التصريح ببناء عقار مكون من بدروم جراج وخدمات ودور أرضى به جراج ومحلات وخدمات ومداخل وغرفة محولات وميزانين ومن الدور الثانى حتى السابع معارض ومحلات ومن الثامن حتى الحادى والعشرين وحدات سكنية وبالسطح خدمات وغرف ومصاعد، وفور تسلم الاتحاد للترخيص قام بطرح عطاءات أعمال الأساسات، وتم تنفيذها، كما قام الاتحاد بطرح عطاءات الإنشاءات المدنية والمعمارية على الشركات المتخصصة، إلا أنه فوجئ بأن نائب محافظ القاهرة قد أصدر قراراً بسحب وإلغاء الترخيص رقم 11 لسنة 1982 المنصرف للاتحاد في 19/3/1987، وقامت الشرطة تنفيذاً لذلك بإخطار الشركة المنفذة بوقف أعمال الأساسات، وبالاستفسار عن أسباب صدور القرار أفاد المسئولون بأنه قد تم تشكيل لجنة لفحص ملفات الترخيص المشار إليه، وانتهت لجنة الفحص إلى سحب الترخيص وإلغائه على سند من القول بانه صدر مخالفاً لأحكام القرار الوزارى رقم 600 لسنة 1982 الصادر بتاريخ 6/11/1982، وأن هذا القرار صدر مخالفاً للقانون، لأن قرار الرخصة قد مضى عليه أكثر من ستين يوماً ولم يعد في مكنة الجهة المصدرة له أن تسحبه أو تلغيه أو تعدله، وأن المادة (81) من اللائحة التنفيذية لقانون التخطيط العمرانى لا تسرى إلا على المناطق الجديدة التى ليس لها تخطيط عام وتخطيط تفصيل بعكس منطقة الزمالك السابق تخطيطها كما أن المادة (81) المشار إليها قد وردت ضمن الأحكام الانتقالية بالباب الرابع من اللائحة ومؤدى ذلك أن هذه المادة لم تلغ أيا من أحكام القانون رقم 106 لسنة 1976 أو لائحته التنفيذية.
وبجلسة 9/2/1989 قضت محكمة القضاء الإدارى برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المدعى المصروفات، وأقامت قضاءها على عدم توافر ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ استناداً إلى أن اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106 لسنة 1976 الصادرة بالقرار الوزارى رقم 237 لسنة 1977 كانت تقضى في المادة 71 منها بان الارتفاع مرة ونصف عرض الطريق بحد أقصى 35 متراً …. ثم صدرت اللائحة التنفيذية لقانون التخطيط العمرانى الصادر بالقانون رقم 3 لسنة 1982 والصادرة بالقرار رقم 600 لسنة 1982 وقد نصت المادة الثانية من مواد إصدارها على أن “تلغى المواد أرقام …..، 71 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106 لسنة 1976 الصادر بها القرار الوزارى رقم 237 لسنة 1977 المشار إليه كما يلغى كل حكم يخالف أحكام هذه اللائحة، ونصت المادة 81 من هذه اللائحة على أنه “يشترط فيما يقام من الأبنية على جانبى الطريق عاماً كان أو خاصاً ألا يزيد الارتفاع الكلى لواجهة البناء المقامة على حد الطريق على مثل وربع مثل البعد ما بين حديه إذا كانا متوازيين وألا يزيد ارتفاع الواجهة على 30 متراً، ومن ثم يكون حكم المادة (71) المشار إليه قد حل محل حكم المادة (71) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106 لسنة 1976 المشار إليها، وأن الترخيص الصادر من جهة الإدارة إنما هو تصرف مؤقت بطبيعته قابل للسحب أو التعديل في أى وقت متى اقتضت المصلحة العامة ذلك، وذلك أن الترخيص لا يكسب صاحب حقاً يمتنع على الإدارة سحبه أو إلغاؤه أو الحد منه طبقاً لسلطتها التقديرية، ومن ثم فإذا كان القرار المطعون فيه قد استند إلى ما تكشف للجنة التى قامت بفحص ملفات الترخيص رقم (11) لسنة 1982 المعدل بالقرار رقم 7 لسنة 1976 الخاص بالعقار سالف الذكر من أن الارتفاع تجاوز (65) متراً في حين أن عرض الشارع الذى يطل علي العقار هو (16) متراً ومن ثم يكون الارتفاع المسموح به طبقاً للائحة التنفيذية لقانون التخطيط العمرانى هو (20) متراً وانتهى من ذلك إلى سحب وإلغاء الترخيص فإنه يكون – بحسب الظاهر – قد استند إلى أساس سليم من القانون.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله للأسباب الآتية:
أولاً: أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الترخيص مؤقت بطبيعته وقابل للسحب والتعديل في أى وقت هو خلط بين الترخيص الذى تمنحه الإدارة باستعمال واستغلال المال العام وهو مؤقت بطبيعته وبين تراخيص البناء على أرض مملوكة ملكية خاصة لأصحابها وهو ترخيص دائم يمتنع على الإدارة سحبه أو إلغاؤه.
ثانياً: أن مقطع النزاع في الدعوى ينحصر في الارتفاع بالمبنى وما إذا كان يتحدد طبقاً لأحكام القانون رقم 106 لسنة 1976 ولائحته التنفيذية أم أنه يتحدد طبقاً لأحكام القانون رقم 3 لسنة 1982 ولائحته التنفيذية التى تحدد الارتفاع بمرة وربع عرض الشارع مع الأخذ في الاعتبار، وحقيقة الأمر أن ما يحسم النزاع هو تحديد تاريخ صدور الترخيص بالبناء فإذا كان الاتحاد قد تقدم بطلب الترخيص في 25/3/1982 وفقاً لأحكام القانون، ومادات الجهة الإدارية لم تبد اعتراضاً على الترخيص حتى 25/5/1982 فإنه يكون حاصلاً على الترخيص، ولا يغير من ذلك أن الاتحاد قد اضطر إلى تعديل الرسومات وتحويل البناء إلى إسكان متوسط بعد أن صدر قرار بإيقاف الإسكان الفاخر بمحافظتى القاهرة والجيزة، كما أن المادة (81) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 3 لسنة 1982 يستحيل تطبيقها على أحياء القاهرة لأن تخطيط القاهرة قد تم منذ عشرات السنين وأن الإلتزام بها يسقط بمجرد اعتماد التخطيط العام والتفصيلى فضلاً عن أن مبانى حى الزمالك لا تخضع للقيود الواردة بالمادة 81 المشار إليها.
ثالثاً: أنه لا يجوز سحب الترخيص الممنوح للطاعن سواء بعد فوات مواعيد الطعن أو حتى خلال المواعيد حيث صدر بناء على سلطة تقديرية استنفذت فيه الإدارة ولايتها فقد صدر الترخيص في شهر مارس سنة 1982 ولم تبد المحافظة أى اعتراض عليه من حيث قيود الارتفاع، وإنما كان الاعتراض فحسب على نوعية تشطيب المبانى، ومادام أنه لم يحدث أى اعتراض على الارتفاع خلال شهر فإنه لا يجوز المنازعة في هذه الجزئية، ومادامت صدرت الرخصة مطابقة للقانون الواجب التطبيق في حينها فإنه لا يجوز إطلاقاً سحبها وإلا ترتب على ذلك زعزعة المراكز القانونية.
رابعاً: أن جهة الإدارة قد رخصت بالارتفاع بمقدار مرة ونصف عرض الطريق لمبانى أخرى في ذات الشارع وفى نفس الحى وبالتالى فإن سحب الترخيص الذى صدر استناداً إلى هذا الأساس هو أشد صور التعسف في استعمال السلطة ليس فقط لأنه يخل بمبدأ المساواة بين المتماثلين في المراكز القانونية المتساوية، وإنما لأنه يترك قاعدة قانونية التزمتها جهة الإدارة في شأن ما يقام من مبانى في حى الزمالك.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإن الثابت من الأوراق أن اللجنة المشكلة بمعرفة مديرية الإسكان بمحافظة القاهر لفحص ملف التراخيص المنصرفة للطاعن عن العقار رقم 22 شارع محمد مظهر بالزمالك، قد أكدت بتقريرها المؤرخ 6/4/1988 أنه سبق الترخيص رقم 11 لسنة 1982 في 27/11/1986 لبناء عقار مكون من بدروم به جراج وخدمات وجراج وميزانين، ومن الدور الأول إلى الرابع معارض ووحدات سكنية ومن الخامس حتى السادس عشر أدوار ردود بها وحدات سكنية وخدمات بالسطح، وأن عرض الشارع هو 16 متراً مما يتعارض مع أحكام اللائحة التنفيذية للقانون رقم 3 لسنة 1983 التى توجب عدم تجاوز الارتفاع المسموح عن مثل وربع مثل عرض الشارع أى بما لا يتجاوز 20 متراً في الحالة المعروضة، وأن الحى سبق أن أخطر صاحب الشأن في 14/11/1983 بضرورة تعديل الرسومات بما يتفق وأحكام اللائحة المشار إليها، ومع ذلك فقد قامت بصرف الترخيص في 27/1/1986 بالمخالفة لأحكام القانون، وإمعاناً في المخالفة فقد تقدم الطاعن بتاريخ 4/3/1987 بطلب ترخيص رقم 6 لسنة 1987 بتعديل الترخيص الأول وتحويل الأدوار من الأول إلى السابع إلى معارض ومحلات والارتفاع بالأدوار السكنية الأخرى حتى الحادى والعشرين ليجاوز ارتفاع المبنى (65) متراً، ومع ذلك فقد صرف له الترخيص بالمواصفات المطلوبة في 19/3/1987، وانتهت اللجنة إلى طلب سحب الترخيص وإلغائه وتكليف منطقة إسكان حى غرب القاهرة باتخاذ الإجراءات القانونية في حالة شروعه في البناء مع تكليفه بالتقدم بطلب ترخيص جديد طبقاً لأحكام القانون رقم 106/1976 بعد تعديله بالقانون رقم 3 لسنة 1982 والقانون رقم 30 لسنة 1983 وإحالة المسئولين عن إصدار التراخيص المشار إليها إلى التحقيق لتحديد مسئوليتهم.
ومن حيث إن القانون رقم 106 لسنة 1976 المعدل بالقانونين رقمى 3/1982، 30 لسنة 1983 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء ولائحته التنفيذية قد حدد الشروط والأوضاع الخاصة بالمبانى فنص في المادة الرابعة منه على أنه لا يجوز إنشاء مبان أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تدعيمها أو هدمها أو إجراء أية تشطيبات خارجية مما تحدده اللائحة التنفيذية إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم أو إخطارها وفقاً لما تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
ولا يجوز الترخيص بالمبانى أو الأعمال المشار إليها بالفقرة الأولى إلا إذا كانت مطابقة لأحكام هذا القانون ومتفقة مع الأصول الفنية والمواصفات العامة ومقتضيات الأمن والقواعد الصحية التى تحددها اللائحة التنفيذية.
وتبين اللائحة التنفيذية الشروط والأوضاع اللازم توافرها فيما يقام من الأبنية على جانبى الطريق عاماً كان أو خاصاً، وتحدد التزامات المرخص له عند الشروع في تنفيذ العمل وأثناء التنفيذ وفى حالة التوقف عنه.
وقضت اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106 لسنة 1976 الصادرة في 5 مايو سنة 1977 في المادة (71) منها بألا يزيد ارتفاع المبانى عن مثل ونصف مثل عرض الطريق بحد أقصى 35 متراً … وبتاريخ 6/11/1982 صدر القرار الوزارى رقم 600 لسنة 1982 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 3 لسنة 1982 ونصت المادة الثانية من مواد إصداره على أن تلغى المواد أرقام 34، 35، 36، …..، 71 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106 لسنة 1976 …… المشار إليه كما يلغى كل حكم يخالف أحكام هذه اللائحة، ونصت المادة (81) من اللائحة المذكورة على أنه يشترط فيما يقام من الأبنية على جانبى الطريق عاماً كان أو خاصاً ألا يزيد الارتفاع الكلى لواجهة البناء المقامة على حد الطريق على مثل وربع مثل البعد ما بين متوازيين إذا كانا حديه وألا يزيد ارتفاع الواجهة على (30) متراً.
ومقتضى النصوص المتقدمة أن الحكم الخاص بالسماح للمبانى بالارتفاع بما يوازى مرة ونصف عرض الطريق بحد أقصى 35 متراً قد سقط نهائياً في مجال التطبيق بصدور اللائحة التنفيذية للقانون رقم 3 لسنة 1982 في شأن التخطيط العمرانى والنص فيها صراحة على إلغاء المادة (71) المشار إليها وحل محلها حكم المادة 81 من اللائحة المذكورة التى اشترطت ألا يزيد الارتفاع الكلى لواجهة البناء المقامة على حد الطريق على مثل وربع مثل عرض الطريق وإلا كانت مخالفة للقانون، ومن ثم فلا يسوغ بأية حال من الأحوال، إعادة حكم المادة (71) المشار إليها إلى الوجود، أو إيجاد مجال تطبيقه بعد أن حرصت اللائحة التنفيذية لقانون التخطيط العمرانى على النص على إلغائه صراحة من بين نصوص اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم وتوجيه البناء وإحلال المادة (11) من اللائحة التنفيذية الأولى محلها، ومن ثم فلا وجه لإثارة التساؤل عن أى الحكمين هو الواجب التطبيق. بعد أن سقط حكم المادة 71 المشار إليها نهائياً من الأحكام التى تضمنتها اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم وتوجيه البناء، وأوضحت المادة 81 من اللائحة التنفيذية لقانون التخطيط العمرانى هى الفصل في تحديد الارتفاعات الخاصة بالأبنية خلال الفترة التى صدر فيها الترخيص رقم 11، المعدل بالترخيص رقم 6 لسنة 1987، ولا يوهن في سلامة هذا النظر الادعاء بأن نص المادة (81) لا يسرى إلا في المدن والقرى التى لم يتم اعتماد التخطيط العام والتخطيط التفصيلى لها ذلك أن التخطيط التفصيلى المشار إليه، الذى يمنع العمل بالاشتراطات المنصوص عليها في المادة (81) المشار إليها، هو ذلك التخطيط التفصيلى الذى نصت عليه المادة 82 من اللائحة المشار إليها من أنه ينتهى العمل بالاشتراطات المنصوص عليها في المادة السابعة في المدن والقرى التى يتم اعتماد التخطيط التفصيلى لها متضمناً الاشتراطات البنائية والكثافة السكانية والبنائية ومن ثم فإن العمل بالاشتراطات الواردة في حكم المادة (81)، لا ينتهى إلا بصدور تخطيط تفصيلى يحتوى على اشتراطات متكاملة للمبانى في ضوء الكثافة السكانية والبنائية وهو التخطيط الذى لم يصدر بعد لمدينة القاهرة الأمر الذى يجعل الاشتراطات القائمة في اللائحة المذكورة قائمة ونافذة المفعول وواجبة التطبيق إلى أن يصدر التخطيط المتضمن الاشتراطات الجديدة للمبانى، وإذ أصدرت الوحدة المحلية الترخيصين المشار إليهما بالتصريح للطاعن بالارتفاع بمبناه إلى ما يجاوز 65 متراً فإنهما يكونان قد صدرا مخالفين للقانون.
ومن حيث إنه عن مدى تحصن الترخيصين المشار إليهما بفوات المواعيد المقررة قانوناً للسحب أو الإلغاء. فقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن القرارات الإدارية التى تلحقها الحصانة بفوات المواعيد فتعصمها من السحب أو الإلغاء هى تلك القرارات التى يشوب صدورها عيب من العيوب المقررة في القانون للقرار الإدارى سواء في الاختصاص أو المحل أو السبب، ذلك أن الإدارة وهى تباشر سلطتها في تطبيق القانون بمقتضى قرارات إدارية قد تخطئ في تطبيق القانون بما يرتبه ذلك من مراكز قانونية مجردة للمواطنين، فتنقل إلى الأفراد حقوقاً ذاتية على خلاف القانون أو تحرمهم من حقوقهم الواردة به، مما يسوغ لهذه الطائفة الأخيرة الطعن في هذه القرارات مما لا يؤثر على المراكز القانونية التى استقرت لغيرهم من الأفراد، وقد حرص الشارع على أن يحدد للطعن في هذه القرارات ميعاداً، يسوغ فيه للجهة الإدارية إعادة النظر في قراراتها المخالفة للقانون فتوقع بذاتها جزاء عدم المشروعية وتعيد الحقوق إلى نصابها، فإذا ما فات المياد المقرر قانوناً لسحب القرار الإدارى المخالف للقانون أو للطعن فيه بالإلغاء أمام محاكم مجلس الدولة اكتسب القرار حصانة تعصمه من السحب إدارياً أو الإلغاء قضاء، وامنع على كل من الإدارة وذوى الشأن استئناف النظر فيما يرتبه القرار من آثار قانونية ويم تحديد الميعاد القانونى المقرر للسحب أو الإلغاء بمدة الستين يوماً المقررة قانوناً على أساس الموازنة بين مقتضيات سيادة مبدأ المشروعية التى تستوجب القضاء على كل قرار مخالف للقانون وإعدام كل أثر له مهما طال عليه الوقت، وبين مقتضيات المصلحة العامة وحسن سير وانتظام المرافق العامة التى تستوجب استقرار المراكز القانونية والحقوق الذاتية التى استقرت لأصحابها وعدم تعرض هذه المراكز للزعزعة وعدم الإطمئنان لفترة طويلة لو كانت مخالفة للقانون، أما إذا كانت الجهة الإدارية قد تعمدت مخالفة القانون، وبلغت المخالفة من الجسامة حدا بلغ الخروج عن أسسه ومبادئه الرئيسية المتصلة بالنظام العام مما ينبئ عن أنها لم تستهدف وجه الحق والصالح العام وإنما قصدت الاعتداء عليه والانقضاض على النظام العام الذى حدده المشرع في النظام القانونى الذى صدر القرار الإدارى الفردى في إطاره وتطبيقاً له والذى جعله جوهراً لمبدأ المشروعية وغاية عليا له وأقامه بارزاً وظاهراً لحماية المصلحة العامة للمواطنين فإن الاعتداء يكون موجهاً إذا وقعت المخالفة للأحكام المتصلة بالنظام العام إلى كلا الاعتبارين: الشرعية والمصلحة العامة العليا للمواطنين في هذا المجال القانونى وينهار من ثم – الأساس القانونى لحماية هذه القرارات وتمتعها – بفوات الميعاد – بحصانة تعصمها من الإلغاء لأن معنى ذلك انهيار النظام العام ذاته في المجال القانونى الذى صدرت هذه القرارات أساساً تطبيقاً لأحكامه، ومن ثم فإن الغش والخطأ الإدارى الفاحش والجسيم والاغتصاب الظاهر للحقوق العليا للجماعة والاعتداء غير المبرر على القيم الأساسية للمجتمع أو على المصلحة العامة القومية يجرد القرار من صفته الإدارية ويهبط به إلى مرتبة الأعمال المادية voie de Fait التى لا تكتسب أية حصانة، أو العقبة المادية التى يجوز إزالتها في أى وقت بغير التقيد بميعاد، فلا حصانة لقرار إدارى يعتدى على النظام العام أو المقومات الأساسية للمجتمع، أو يغتصب الحقوق العليا للجامعة، أو يقوم على الغش أو الخطأ الإدارى الفاحش والجسيم تعصمه من السحب أو الإلغاء.
وقد نصت المادة (57) من الدستور صراحة على تطبيق هذا الأصل العام بأن كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة أحكام القانون الخاص بتوجيه وتنظيم أعمال البناء والقانون الخاص بالتخطيط العمرانى ولائحتهما التنفيذية والقوانين المعدلة لهما، أن المشرع قد كشف فيهما عن مقومات النظام العام للمبانى الذى يحدد الوظيفة الاجتماعية لاستعمال حق الملكية في مجال المبانى على النحو المنصوص عليه في المادة 32 من الدستور وأقام الموازنة بين حق الفرد في الانتفاع بملكه واستغلال الأراضى المملوكة له بإقامة المبانى عليها، وبين حقوق باقى المواطنين في عدم استعمال حقه في الملكية بما يتعارض مع حقوقهم الطبيعية في الصحة العامة من خلال تمكينهم من التمتع بالشمس والهواء والرؤية ويسر المرور والنقل والأمن والسلامة السكنية العامة للمواطنين دون أن تحرمهم أو تحجب عنهم هذه المبانى أيا من هذه الحقوق الطبيعية وألزم المشرع أصحاب الشأن تحقيقاً لهذا النظام العام وحماية لتلك الحقوق العامة للمواطنين قبل الشروع في البناء على الأراضى المملوكة لهم بالحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة بشئون التنظيم تحقيقاً لرقابة هذه الجهات على استعمال حق البناء بما يتفق مع الأصول الفنية والمواصفات العامة، ولا يتعارض مع مقتضيات الأمن والصحة السكنية العامة ولتمكين السلطة القائمة على التنظيم وهى المسئولة عن حماية النظام العام للمبانى كما حددها القانون واللوائح التنفيذية من أداء واجبها من التأكد من توافر الشروط والأوضاع المتعلقة بقيود الارتفاع، بحسبان هذه الجهات هى الأمينة على مصلحة الجماعة والمسئولة عن تنفيذ القانون وتحقيق النظام العام الذى يحميه، وقد حرص المشرع على التفريط في هذه المصلحة التى تتعلق بالنظام العام وعدم السماح لهذه الجهات بالتصالح في شأن أية مخالفة ترتكب بالاعتداء عليها ونص في المادة 16 من القانون رقم 106 لسنة 1976 المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 1983 سالف الإشارة إليه على أنه ومع عدم الإخلال بالمحاكمة الجنائية يجوز للمحافظ …….. التجاوز عن الإزالة في بعض المخالفات التى لا تؤثر على مقتضيات الصحة العامة أو أمن السكان أو المارة أو الجيران ….. وفى جميع الأحوال لا يجوز التجاوز عن المخالفات المتعلقة بعدم الالتزام بقيود الارتفاع المقررة طبقاً لهذا القانون أو قانون الطيران المدنى الصادر بالقانون رقم 28 لسنة 1981 أو بخطوط التنظيم أو توفير أماكن تخصص لإيواء السيارات وجعل من مخالفة الشروط جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس والغرامة.
ومن حيث إنه يبين من كل ذلك أن الشروط المتعلقة بقيود الارتفاع هى شروط متعلقة بالنظام العام لاتصالها بأمن الأفراد من الجيران والمارة ومساسها بحقهم العام في استنشاق الهواء النقى والتمتع بالضوء الضرورى وهى عناصر الحياة التى لا يستطيع أحد من الأفراد أو الأشخاص العامة أو الخاصة الادعاء بملكيتها أو الاستئثار بها أو المساس بحق المواطنين فيها في هذا الوطن أو في أحقيته بها دون غيره من المواطنين ومن ثم فإن صدور أى قرار بالترخيص بأى مبنى تشوبه المخالفة الصارخة لقيود الارتفاع تعد انقضاضاً متعمداً ظاهراً وعارياً من كل سند قانونى على النظام العام وتحدياً لمصالح الأفراد المشروعة في المجتمع ولا تتمتع بأية حصانة تعصمها من الإلغاء أو السحب مهما طال عليها الزم، لا سيما وأن التجسيد الواقعى لهذه المخالفات، هو ارتفاع البناء متحدياً للنظام العام منتهكاً لمصالح الأفراد في المجتمع ممعناً في مخالفة القانون ومهدراً لهيبته وسيادته، وإذا كان فوات المواعيد المقررة للسحب هى التى تكسب القرار الباطل حصانته من السحب أو الإلغاء فإن هذه المواعيد لا ينبغى أن تبدأ إلا من تاريخ علم أصاحب الشأن بفحوى القرار المخالف للقانون علماً يقينياً ليتسنى لهم اللجوء إلى القضاء لحماية حقوقهم الطبيعية والمشروعة التى يعتدى عليها القرار، وحيث أن أصحاب الشأن في هذا المقام هم المواطنون سواء المقيمون في المبانى المجاورة أو أفراد الشعب المنتفعون بالطريق العام أصحاب الحق في الأمن والسلامة والصحة والسكينة العامة الذين يتعذر إخطارهم وعلمهم علماً يقينياً بالقرار لكونهم جميعاً غير محدد ولا محصور ولأن الأضرار التى تصيبهم وتهددهم سوف تظل متجددة وغير محصورة هى الأخرى بما يشوب المبنى من مخالفات جسيمة تهدر حقوقهم الطبيعية وتنحى جانباً سيادة القانون ومقتضيات ومبادئ النظام العام للمبنى الأمر الذى يتعين معه استبعاد أى تحصين للقرارات الإدارية في هذا المجال كلما كانت مخالفة القيود الخاصة بالارتفاعات مخالفات صارخة وتتعارض مع النظام العام للمبانى وتهدر الحقوق العامة للمواطنين سالفة الذكر وذلك وحده هو الذى لا يحول قاعدة التحصين للقرارات الإدارية معولاً لهدم مبدأ الشرعية وسيادة القانون وأركان ومقومات النظام العام، ولانتهاك الحقوق العامة للأفراد في المجتمع، ويدفع بعض مقلى الضمائر من العاملين بالإدارة إلى التربح من الوظيفة العامة بالغدر بالنظام العام والشرعية وسيادة القانون معتصمين بقاعدة التحصين لإنفاذ مشيئتهم وتحقيق مصالحهم الخاصة على حساب المجتمع مهما كانت جسامة المخالفة وخطرها ويحرم السلطة الإدارية المختصة من تصحيح الأوضاع ورد القرارات المخالفة إلى نطاق الشرعية وسيادة القانون.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق بالنسبة لموضوع الطعن الماثل أن المختصين بالإدارة الهندسية بحى غرب القاهرة كانوا عالمين بمخالفة طلب الترخيص رقم 11 لسنة 1982 بقيود الارتفاع الواردة بالمادة 81 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 3 لسنة 1982 ومقتنعين بأن أحكام هذه المادة هى الواجبة التطبيق على الترخيص المذكور بدليل ما هو ثابت من الأوراق – من أنهم وجهوا إخطاراً إلى الطاعن بصفته في 14/11/1982 بتعديل الرسومات بما يتفق وأحكام المادة 81 المشار إليها، ورغم عدم تعديله لهذه الرسومات وبقاء المخالفة على حالها فقد صدر الترخيص المشار إليه، مما دفع الطاعن إلى التقدم في 4/3/1987 بطلب الترخيص رقم 6 لسنة 1987 بتعديل الترخيص المخالف أصلاً للقانون متضمناً مخالفة أخرى أكثر جسامة وأشد خطراً وأبلغ انتهاكاً لحقوق المواطنين الذين يتعذر عليهم العلم بهذه المخالفات أو القدرة على دفعها أو التصدى لها، وتتمثل هذه المخالفة في الترخيص في رفع الأدوار الخاصة بالمعارض والمحلات حتى الدور السابع والترخيص في رفع الأدوار السكنية حتى الدور الحادى والعشرين مما يجعل ارتفاع المبنى مجاوزاً لـ 65 متراً أى بما يجاوز ثلاثة أضعاف الارتفاع المسموح به قانوناً، ورغم ما تضمنه هذا التعديل من مخالفات صارخة فقد سارع المختصون بالحى إلى إجابة الطاعن إلى طلباته وصرف الترخيص المطلوب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديمه الأمر الذى يؤكد مع وضوح وظهور جسامة المخالفة وتعارضها الشديد مع النظام العام للمبانى – أن هؤلاء العاملين قد عقدوا العزم وتعمدوا قاصدين ارتكاب هذه المخالفة، وأمعنوا في الاعتداء على النظام العام للمبانى رغم علمهم المؤكد بجسامة ما يقترفون من المخالفات لأحكام القانون، وهو ما أكدته مذكرة النيابة الإدارية في القضية رقم 476 لسنة 1988 التى انتهت إلى إدانة سلوكهم مما أدى إلى توقيع الجزاء عليهم بمعرفة السلطة المختصة بالجهة الإدارية والتى أقامت اقتناعها على ما ورد بمذكرة النيابة الإدارية المشار إليها. والتى تضمنت أن كلا من مدير عام إسكان حى غرب ووكيلة منطقة الإسكان ومهندس التنظيم بالحى “لم يخطئوا في تفسير نص من نصوص القانون، بل كانوا عالمين بما أتوا متعمدين إصدار الترخيص رقم 11 لسنة 1982 وتعديله رقم 6/1987 رغم علمهم بجسامة المخالفة” ومن ثم فإن التحدى بتحصن القرار الصادر بالترخيص بفوات المدة القانونية للسحب وإنكار حق الجهة الإدارية في سحبه رغم ما اعتوره من مخالفات صارخة، وما شاب إصداره من ظروف وملابسات تدل على مخالفة الموظفين العموميين المختصين لنصوص ولروح التشريع وتعمدهم الاعتداء على النظام العام والمصلحة العامة الأمر الذى يجرد قرارهم وتصرفاتهم – لما تنطوى عليه من غدر وخيانة لأمانة مسئوليتهم عن حماية المصلحة العامة – من أية صفة يعتد بها قانوناً ومن ثم فإن هذا الطعن يكون قائماً بحسب الظاهر على غير أساس سليم من صحيح أحكام القانون، ويجعل طلب الطاعن فاقداً لركن الجدية المسوغ لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه – ولئن أخطأ في اسناد النتيجة التى انتهى إليها إلى سببها الصحيح، وأقام قضاءه على أن الترخيص تصرف إدارى موقوت بطبيعته قابل للسحب والتعديل في أى وقت متى اقتضت المصلحة العامة ذلك فخلط بذلك بين الترخيص المؤقت الذى تصرح به الإدارة لصاحب الشأن بالانتفاع بمال من الأموال العامة التى تتولى إدارتها والذى لها حق إلغائه في أى وقت لاعتبارات المصلحة العامة وحسن سير المرافق العامة وبين الترخيص الذى تصرح فيه الإدارة ملتزمة بأحكام القوانين واللوائح لصاحب الشأن بالبناء على ملكه الخاص، فإن الحكم المذكور قد أصاب الحق فيما انتهى إليه من رفض طلب الطاعن وقف تنفيذ القرار الساحب للترخيص لفقدانه ركن الجدية.
ومن حيث إن محصل كل ما سلف بيانه أن هذا الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون وخليق بالرفض.
ومن حيث إن الطاعن قد خسر الطعن فيلزم بمصروفاته عملاً بنص المادة (184) مرافعات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ