طعن رقم 1351 لسنة 34 بتاريخ 30/11/1991 الدائرة الثانية
__________________________________________
برئاسة السيد المستشار / محمد المهدى عبد الله مليحى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة المستشارين / حنا ناشد مينا و محمد معروف محمد وعبد اللطيف محمد الخطيب و الطنطاوى محمد الطنطاوى نواب رئيس المجلس
* إجراءات الطعن
بتاريخ 27/3/1988 أودع الأستاذ عبد الواحد عوض الله سيد المحامى بصفته وكيلا عن رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 1351 لسنة 34 قضائية عليا عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى (ترقيات) فى الدعوى رقم 3993 لسنة 40 قضائية المقامة من ……………. والصادر الحكم فيها بجلسة 28/1/1988 وطلب فى ختام تقرير الطعن أولا : قبول الطعن شكلا ثانيا : وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لما سيترتب على تنفيذه من أضرار تحيق بالهيئة ثالثا : إلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتى التقاضى.
قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة على النحو الثابت بالمحاضر حيث قررت بجلسة 11/3/1991 إحالة الطعن الى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثانية لنظره بجلسة 28/4/1991، وفيها نظر وفى الجلسات التالية وبعد ان استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوى الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث ان الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن وقائع المنازعة تخلص فى انه بتاريخ 11/6/1986 أقام المطعون ضده دعواه أمام محكمة القضاء الإدارى ( دائرة الترقيات ) طالبا الحكم بإلغاء القرار رقم 70 الصادر فى 16/1/1986 فيما تضمنه من تركه فى الترقية الى الدرجة الأولى مع ما يترتب على ذلك من آثار وترقيته من هذا التاريخ وصرف الفروق المالية وإلزام الهيئة المدعى عليها المصروفات.
وقال شرحا لدعواه انه حصل على تقدير كفاية بمرتبة ممتاز طوال مدة خدمته وشغل العديد من الوظائف الإشرافيه وتدرب على يد أساتذة متخصصين فى أعمال الحسابات وشغل وظيفة مدرب فى مادة المراسلات ومدرب بريدى ثم فوجئ بصدور القرار رقم 70 فى 16/1/1986 متضمنا ترقية زملاء أحدث منه من حيث المؤهل والخبرة بالتخطى له.
وبجلسة 28/1/1988 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطى المدعى فى الترقية الى وظيفة من الدرجة الأولى بالهيئة القومية للبريد مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على ان الثابت انه إعمالا لنص المادتين 41، 44 من لائحة نظام العاملين بالهيئة قامت الهيئة بترقية من سبق ندبهم لوظائف أعلى دون التقيد بالأقدمية وتخطت المدعى فى الترقية الى الدرجة الأولى رغم انه اسبق فى ترتيب الأقدمية من بعض الذين شملهم القرار المطعون فيه والذين يتساوون معه فى ذات مرتبة الكفاية، ولما كان الندب بطبيعته أمر مؤقت لا يكسب العامل المنتدب اى حق أو ميزة فى الوظيفة المنتدب إليه وتستقل به الجهة الإدارية دون ان يكون للعامل دخل فيه فان ما جاء بلائحة نظام العاملين بالهيئة من تفضيل وأولوية من سبق ندبه دون إعمال الأقدمية أمر لا يتفق مع القانون وها استقر عليه القضاء، وانتهت المحكمة الى استخلاص ان القرار المطعون فيه وقد استند الى سبق الندب كمبرر لتخطى الأقدم يكون قد صدر دون ان يبنى على سبب صحيح يبرره وقضت بإلغائه فيما تضمنه من تخطى المدعى فى الترقية.
ويقوم الطعن على الحكم على أساس انه أخطأ فى تطبيق القانون وشابه القصور فى التسبيب حيث أهدر شروط الترقية الواردة فى المادة 44 من لائحة نظام العاملين بالهيئة والأولوية المنصوص عليها فى المادة 41 من ذات اللائحة وفى أحكام واجبة التطبيق حتى ولو تضمنت خروجا على القانون 47 لسنة 1978 وان القانون الأخير لا يسرى إلا عندما تخلو هذه اللائحة من نمن وان الأصل فى الترقية بالاختيار انها من الملائمات المتروكة للإدارة ولا معقب على هذه السلطة من القضاء فضلا عن ان لائحة نظام العاملين بالهيئة صادره تنفيذا للقانون رقم 19 لسنة 1982 بإنشاء الهيئة القومية للبريد وهو مساو للقانون رقم 47 لسنة 1978 فى المرتبة التشريعية.
ومن حيث ان المادة 41 من لائحة نظام العاملين بالهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات رقم 70 لسنة 1982 قد نصت على انه (إذا اظهر العامل كفاية خاصة ) وتميزا ظاهرا فى أداء أعمال وظيفته بما يؤهله لتحمل أعباء وظيفة أعلى من وظيفته وان لم تتوافر فيه شروط شغلها أو الترقية الى الدرجة المخصصة لها بسبب المدد الزمنية، فلرئيس مجلس الإدارة ان يكفله بالقيام بأعباء هذه الوظيفة الأعلى، وفى هذه الحالة يستحق الميزات المقررة للوظيفة الأعلى من بدلات وغيرها، فإذا أحسن القيام بأعبائها أخذ ذلك فى الاعتبار عند الترقية فى نسبه الاختيار بحيث تكون له الأولوية قبل أعمال الأقدمية فى نسبة الاختيار. وتنص المادة 44 من ذات اللائحة على ان (تكون الترقية للدرجة الأولى والوظائف العليا بالاختيار على أساس ما يبديه الرؤساء بشأن المرشحين لشغل هذه الوظائف وبما ورد بملفات خدمتهم وغيرها من الأوراق المتصلة بعملهم والتى تكشف عن عناصر الامتياز ……… ويشترط للترقية بالاختيار فى حدود النسب المشار إليها ان يكون العامل قد قدرت كفايته بمرتبة ممتاز ش العامين الأخيرين، ويفضل من حصل على مرتبة ممتاز فى العام مباشرة عليهما … وذلك كله مع التقيد بالأقدمية عند التساوى فى ذات مرتبة الكفاية، ودون إخلال بالأولوية المقررة فى المادة 41 من هذه اللائحة…. )
ومن حيث ان المادة 37 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر به القانون رقم 47 لسنه 1978 نصت على ان (تكون الترقية لوظائف الدرجتين الممتازة والعالية بالاختيار وذلك على أساس بيانات تقييم الأداء وما ورد فى ملفات خدمتهم من عناصر الامتياز. وتكون الترقية الى الوظائف بالاختيار فى حدود النسب الواردة فى الجدول رقم (1) المرفق وذلك بالنسبة لكل سنة مالية على حده ..
ويشترط فى الترقية بالاختيار ان يكون العامل حاصلا على مرتبة ممتاز فى تقرير الكفاية عن السنتين الأخيرتين ويفضل من حصل على مرتبة ممتاز فى السنة السابقة مباشرة، وذلك مع التقيد بالأقدمية فى ذات مرتبة الكفاية …… )
ومن حيث ان البين من مطالعة النصوص السابقة ان المادة 44 من لائحة نظام العاملين بالهيئة الطاعنة قد قضت بان تكون الترقية الى الدرجة الأولى والوظائف العليا على أساس ما يبديه الرؤساء بشأن المرشحين لشغل هذه الوظائف وما ورد فى ملفات خدمتهم وغيرها من الأوراق المتصلة بعملهم والتى تكشف عن عناصر الامتياز وان الترقية الى الوظائف الأخرى تتم من بين الحاصلين على تقرير كفاية بمرتبة ممتاز فى العامين الأخيرين ويفضل من حصل على مرتبه ممتاز فى العام السابق وذلك مع التقيد بالأقدمية عند التساوى فى مرتبة الكفاية.
ومن حيث انه ولئن كانت هذه الأحكام تتفق فى مجموعها مع الأحكام المقررة للترقية بالاختيار المنصوص عليها فى المادة 37 من القانون رقم 47 لسنة 1978 إلا ان المادة 44 من اللائحة المشار إليها قد أوردت أحكاما خاصة مغايرة لا مثيل لها فى نظام العاملين المدنيين بالدولة قوامها ان العامل الذى يبدى كفاية خاصة وتميزا ظاهرا فى أداء أعمال وظيفته بما يؤهله. لتحمل أعباء وظيفة أعلى ولو لم تتوافر بشأنه شروط شغلها يجوز ندبه بقرار من رئيس مجلس إدارة الهيئة للوظيفة الأعلى، فإذا أحسن القيام بأعبائها كانت له الأولوية فى الترقية إليها دون التقيد بالأقدمية وهذا الحكم الاستثنائى يرتهن تطبيقه بتحقق قدرات خاصة غير عادية فى العامل تتمثل فيما يبديه فى عمله من كفاية ملحوظة وتميز ظاهر وهو ما لا يتحقق بطبيعة الحال إلا فى فئة معينة من العاملين بها بما يسوغ للجهة الإدارية إيثارهم بالندب الى الوظيفة الأعلى رغم عدم توافر شروط شغلها فى شأنهم توطئه لترقيتهم إذا أحسنوا القيام بأعمالها، ولا جدال ان توافر مثل هذه القدرات لابد من قيام دلائل من الأوراق تؤيدها ولا يكفى فى هذا الصدد مجرد زعم أو قول مرسل من الجهة الإدارية بتوافر هذه القدرات فى عامل دون غيره، حتى يكون إيثار أمثال هؤلاء العاملين المتميزين مستمدا من أصول ثابتة فى الأوراق تؤدى الى النتيجة التى انتهت إليها الجهة الإدارية من أفضلية فى الترقية عن الآخرين. والقول بغير ذلك مؤداه ان يضحى ندب العامل الى الوظيفة الأعلى ثم ترقيته إليها بالاختيار وإعطائه أولوية على زملائه الأقدم رهن بمشيئة الجهة الإدارية دون ضوابط تحكم هذه المشيئة بما يحقق مصالح الأفراد وحقوقهم ويعصم الجهة الإدارية من الغلو أو الزلل فى استخدام تلك الرخصة وحتى لا تقيم جهة الإدارة لنفسها سببا لترقية عامل بندبه الى وظيفة اعلى وترك آخر لتتخطاه فى الترقية. وعليه يجب ان يقوم الندب الى الوظيفة الأعلى إعمالا لحكم المادة 41 من لائحة نظام العاملين بالهيئة الطاعنة على أصول ثابتة من الأوراق تثبت أفضلية المنتدب طالما ان الندب فى هذه الحالة سيترتب عليه أثرا هاما وهو إعطاء المنتدب أولوية عند الترقية عند التساوى مع زميله فى مرتبة الكفاية حتى ولو كان زميله أقدم منه، فإذا لم يثبت ذلك فان الندب فى هذه الحالة لا يصلح أساسا صحيحا لإعطاء الأولوية عند الترقية، وتكون القاعدة الأصولية فى هذه الحالة هى الواجبة التطبيق وهى انه عند الترقية بالاختيار إذا تساوى المرشحون للترقية فى مرتبه الكفاية فانه يتعين الالتزام بترقية الأقدم فى ذات مرتبة الكفاية.
ومن حيث ان قضاء هذه المحكمة جرى على انه ولئن كانت الترقية بالاختيار الى الوظائف الرئيسية من الملاءمات التى تترخص فيها الإدارة إلا ان مناط ذلك ان يكون الاختيار قد استمد من عناصر صحيحة مؤدية الى صحة النتيجة التى انتهيت إليها وان تجرى مفاضلة حقيقية وجادة بين العاملين على أساس ما تحويه ملفات خدمتهم وما يبديه الرؤساء عنهم وذلك للتعرف على مدى تفاوتهم فى مضمار الكفاية بحيث لا يتخطى الأقدم الى الأحدث إلا إذا كان الأخير أكثر كفاية وهو أمر تمليه دواعى المشروعية فإذا لم يقع الأمر على هذا الوجه فسد الاختيار وفسد القرار الذى اتخذ على أساسه.
ومن حيث ان الجهة الإدارية لم تهون من كفاية المطعون ضده، ولم يظهر من الأوراق وما قدمته الجهة الإدارية ما يفيد توافر كفاية خاصة أو تميزا ظاهرا فى المطعون على ترقيتهم يبرر إيثارهم بالندب ثم التفضيل فى الترقية على المطعون ضده – بل ان الثابت تساويه معهم فى مرتبة الكفاية وإسناد عديد من الوظائف والأعمال الهامة إليه وسبقه لهم فى الأقدمية، ومن ثم يكون تخطيه فى القرار المطعون فيه قد جاء على خلاف أحكام القانون وحق القضاء بإلغائه.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه وقد اخذ بالنظر المتقدم حين قضى بإلغاء ذلك القرار فيما تضمنه من تخطى المدعى فى الترقية الى وظيفة بالدرجة الأولى يكون بمنأى من النعى عليه ووجوب القضاء برفض الطعن الموجه إليه وإلزام الإدارة المصروفات عملا بحكم المادة 184 مرافعات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.