طعن رقم 1494 لسنة 33 بتاريخ 27/01/1990
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيد الأستاذ المستشار طارق عبد الفتاح البشري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأستاذة: محمد يسري زين العابدين ويحيى السيد الغطريفي ود. إبراهيم علي حسن وأحمد شمس الدين خفاجي المستشارين
* إجراءات الطعن
في يوم الأربعاء الموافق 25/3/1987 أودع الأستاذ/محمد المليجي المحامي والوكيل عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الماثل ضد السيد/ محافظ المنوفية بصفته والسيد وكيل وزارة الشئون الاجتماعية بالمنوفية بصفته في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بطنطا بجلسة 26/1/1987 في الطعن رقم 16 لسنة 14 ق والقاضي بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
وطلب الطاعن- للأسباب الواردة بصحيفة الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء الجزاء الصادر من المطعون ضدهما بمجازاة الطاعن بخصم ما يوازي أجر خمسة عشر يوما من راتبه، وإلغاء تحميله بقيمة العجز المزعوم ورد ما خصم من راتبه تنفيذا لهذا الجزاء وإلزام المطعون ضدهما المصروفات والأتعاب.
وأعلن تقرير الطعن للمطعون ضدهما وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن مؤرخا يونيه سنة 1987 انتهت فيه الهيئة إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار رقم 65 الصادر من مديرية الشئون الاجتماعية بالمنوفية بتاريخ 4/5/1985 مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 10/5/1989 والجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حيث حضر محامي الدولة عن المطعون ضدهما وحضر محامي الطاعن وبجلسة 14/9/1989 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة التي نظرته بجلسة 23/9/1989 والجلسات التالية حيث حضر الطاعن مع محاميه وحضر محامي الدولة نائبا عن المطعون ضدهما وبجلسة 11/11/1989 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 23/12/1989 مع التصريح بالاطلاع ومذكرات خيل أسبوعين فلم يتقدم أحد بشيء ثم مد أجل الحكم إلى جلسة اليوم 27/1/1990 حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث أن هذا الطعن أقيم في الميعاد القانوني الذي نصت عليه المادة 24 من القانون رقم 47 لسنة 1972 في شأن مجلس الدولة مستوفيا أوضاعه وشروطه الشكلية الأخرى لذا فالطعن مقبول شكلا.
ومن حيث أن هذه المنازعة تخلص- بحسب ما يبين من الاطلاع على الأوراق- في أنه بتاريخ 22/10/1985 أودع الطاعن قلم كتاب المحكمة التأديبية بطنطا عريضة الدعوى رقم 16 لسنة 14 ق مختصما المطعون ضدهما بصفتهما وطالبا قبول الطعن شكلا، وفى الموضوع إلغاء القرار ر قم 65 بتاريخ 4/5/1985 الصادر من مديرية الشئون الاجتماعية بالمنوفية فيما تضمنه من مجازاته بخصم خمسة عشر يوما من راتبه وما يترتب عن ذلك من آثار.
وذكر الطاعن أنه تظلم من القرار المطعون فيه إلى الجهة مصدرة القرار بالتظلم رقم 452 في 20/6/1985. ولما لم يتلق ردا خلال ميعاد الستين يوما فقد أقام طعنه المشار إليه ابتغاء الحكم بطلباته سالفة الذكر.
ونعى الطاعن على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون على الوجه الآتي:
أولا: مخالفته لحجية الأمر المقضي. وذلك على أساس أن الطاعن سبق محاكمته أمام محكمة أمن الدولة العليا عن ذات الوقائع التي صدر بصددها القرار المطعون فيه والتي قضت بجلسة 12/5/1983 في القضية رقم 4024 لسنة 1982 جنايات شبين الكوم ببراءته هما اسند إليه وعليه فأن القرار المطعون فيه يكون قد صدر بالمخالفة لحجية الأمر المقضي.
ثانيا: انعدام ركن السبب. وذلك على أساس أن اللجنة التي شكلت بقرار الجهة الإدارية رقم 5 في 16/1/1983 لفحص أعمال الطاعن عن المدة محل المساءلة قد انتهت في البند رقم 11 من تقريرها إلى أن الطاعن دائن لمشروع النجارة بهورين بمبلغ 77جنيه و46 مليم ، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه قد صدر على أساس مديونية الطاعن لورشة النجارة بناحية هورين يكون قد صدر فاقدا السبب مما يتعين معه إلغاؤه.
وقد حدد لنظر الطعن أمام المحكمة التأديبية بطنطا جلسة 9/2/1986 حيث تدوول نظره بجلسات المرافعة على النحو الثابت بمحاضرها. وبجلسة 26/1/1987 صدر الحكم المطعون فيه.
وقد شيدت المحكمة التأديبية قضاؤها على أن الثابت بالأوراق أن القرار المطعون فيه صدر طبقا لصحيح حكم القانون وقائما على سببه ولا يغير من ذلك ما يزعمه الطاعن من مخالفة ذلك القرار لحجية الأمر المقضي. إذ إنه من المقرر فقها وقضاء أن الجريمة التأديبية مستقلة عن الجريمة الجنائية اللهم إلا إذا كان الحكم الجنائي الصادر ببراءة الموظف قد استند على عدم صحة الوقائع أما إذا كان الحكم الجنائي الصادر بالبراءة قد تأسس على عدم غاية الأدلة أو الشك فيها فأنه لا يرفع الشبهة نهائيا عن الموظف، ولا يحول دون محاكمته تأديبيا وإدانة سلوكه الإداري من أجل التهمة عينها على الرغم من حكم البراءة- ولا يغير من ذات النتيجة ما يذكر. الطاعن من أن اللجنة التي شكلت بالقرار رقم 5 لسنة 1983 بتاريخ 16/1/1983 لفحص أعماله بالجمعية قد انتهت إلى دائنيته للجمعية وليس العكس. أي أن ذلك الدفع مردود عليه بما أثبتته اللجنة ذاتها من إنها لن تستطيع الاطلاع على مستندات تركيب الورشة والتي بلغت قيمتها طبقا لما هو مقيد بسجل المصروفات 4120.550 وكذلك لم تتمكن هذه اللجنة من الاطلاع على سجل مقايسات عام 1981 وبالجملة لم تتمكن اللجنة من مباشرة أعمالها الأمر الذي لا تطمئن معه المحكمة إلى نتيجة تقرير الجنة المشار إليها.
ومن حيث إن الطعن ينعى على الحكم المطعون فيه بطنه لمخالفته للقانون، والخطأ في تطبيقه وتدله والقصور في التسبيب على النحو الوارد تفصيلا بصحيفة طعنه.
ومن حيث إنه عن موضوع الطاعن فاكه يخلص- حسبما يبين من أوراقه- في أن الطاعن كان رئيسا لوحدة الشئون الاجتماعية بهورين خلال الفترة من 1980 حتى 1982 وقد كلف بالإشراف على مشروع ورشة النجارة بالوحدة المذكورة والتابعة لجمعية تنمية المجتمع بهورين. وبتاريخ 16/1/1982 قام مجلس مدينة بركة السبع بتشكيل لجنة لجرد أعمال المشروع. وانتهت اللجنة في تقررها أنها أثبتت على الطاعن اختلاس أموال المشروع والتي بلغت 6043جنيه و469 مليم وتم إبلاغ النيابة العامة ببركة السبع فباشرت التحقيق مع الطاعن وآخرين ونسبت إليه بالإضافة إلى الاختلاس التزوير في محررات رسمية بغرض إخفاء واقعة الاختلاس وإحالته مع آخرين إلى محكمة الجنايات بشبين الكوم في القضية رقم 4023 لسنة 1982 والتي قضى فيها بجلسة 22/5/1983 ببراءة المتهم مما أسند إليه تأسيسا على عدم ثبوت الواقعة وتناقص تقرير اللجنة المشكلة لجرد أعمال الطاعن. ثم أحيلت الأوراق إلى النيابة الإدارية التي تولت التحقيق فيما نسب إلى الطاعن من واقعات في قضيتها رقم 561 لسنة 1984 حيث انتهت إلى قيد الواقعة مخالفة مالية وإدارية ضد الطاعن بصفته رئيسا للوحدة الاجتماعية لقرية هورين على التفصيل الوارد بالأوراق وبناء عليه صدر قرار الجهة المطعون ضدها بمجازاة الطاعن بخصم أجر خمسة عشر يوما من راتبه وتحميله بقيمة العجز الذي قدرته لجنة الجرد المذكورة.
ومن حيث أنه عما ينعاه الطاعن على الحكم الطعين من مخالفة القانون ومخالفة حجية الأمر المقضي وأيضا مخالفة الحكم الجنائي الذي انتهى إلى تبرئة الطاعن مما هو منسوب إليه على أساس عدم ثبوت اتهامه بالاختلاس أو التزوير أو استعمال الأوراق المزورة فإن الثابت أن محكمة الجنايات أمن الدولة العليا بشبين الكوم قد انتهت إلى تبرئة الطاعن وآخرين مما اسند إليه، تأسيسا على أن المحكمة ترى من استقراء واقعات الدعوى وما تم فيها من تحقيقات أن أدلة ثبوت التي ساقتها النيابة العامة في سبيل التدليل على إدانة المتهمين قاصرة عن حد الكفاية لبلوغ الهدف الذي قدمت من أجله لما شابها من قصور وتناقص وما ران عليها من وهن مما يجعل الوقائع المسندة إلى المتهمين الثلاثة محلي الشك، وأية ذلك أولا: انتهت أعمال لجنة الجرد وما خلصت إليه هن نتائج بالقصور والتناقض بما لا محل معه للاطمئنان إلى شهادة أعضائها.
ثانيا: إن الأوراق والتحقيقات قد خلت من دليل على أن أيا من المتهمين الثلاثة، وأخصهم المتهم الأول (الطاعن) قد زور شيئا من تلك التوقيعات.. كل ذلك يدل على أن تهمة التزوير المسندة للمتهم الأول فاقدة السند ويحوطها الشك من كل جانب، وبالتالي فلا قيام لجريمة الاستعمال المترتبة عليها. وانتهت المحكمة إلى أنه متى استبان هذا الذي سلف فإن الاتهامات التي أسندت إلى المتهمين الثلاثة باتت غير ثابتة في حقهم مما يتعين معه براءتهم منها طبقا لحكم المادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية. وعليه يكون حكم محكمة الجنايات المذكورة قد قضى بالبراءة بناء على عدم ثبوت ارتكاب الطاعن للواقع المسندة إليه.
ومن حيث أنه لنن كان ذلك إلا أن المقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن هناك استقلالا بين الجريمة التأديبية والجريمة الجنائية وإن لكل من الدعويين مجالها المستقل الذي تعمل فيه- وأنه إذا كان يتعين على المحكمة التأديبية إلا تغفل عن حجية الحكم الجنائي الصادر ببراءة الموظف إذا كان قد استند على عديم صحة الوقائع أو عدم ثبوتها أو عدم الجناية- فأن هذه الحجية (أي حجية الحكم الجنائي) لا تقيد المحكمة التأديبية إذا كان الحكم الجنائي الصادر بالبراءة- كما هو الحال بالنسبة لموضوع الطعن الماثل- قد تأسس على عدم كفاية الأدلة أو الشك فيها، فإنه حينئذ لا يرفع التهمة نهائيا عن الموظف كما ذهبت إلى ذلك بحق المحكمة التأديبية ولا يحول دون محاكمته تأديبيا وإدانة سلوكه الإداري من أجل التهمة عينها على الرغم من حكم البراءة. ويخلص من ذلك أن ما انتهت إليه المحكمة الجنائية في وقائع الموضوع محل. الطعن الماثل من براءة الطاعن (وآخرين) من التهمة الجنائية التي أسندتها النيابة العامة إليهم بتزوير مستندات واصطناع توقيعات واختلاس مبالغ بناء على ما ارتأته المحكمة الجنائية من تناقض في أدلة الاتهام ووهن فيها بحيث لم يقم في عقيدة تلك المحكمة يقين بحدوث تزوير واستعمال محررات مزورة واختلاس من جانب المتهمين (بما فيهم الطاعن)- فإن ذلك لا ينفي من الناحية الإدارية وقوع عجز ضخم في ميزانية مشروع التجارة المشار إليه المسندة إدارية إلى المتهمين وقد بلغ هذا العجز حوالي 6043.469 على ما أثبتته اللجنة المشكلة من قبل جهة الإدارة لجرد أعمال المشروع. ومن ثم فلا تثريب على جهة الإدارة إذا قامت- بالرغم من الحكم الجنائي الصادر ببراءة المتهمين جنائيا بناء على تناقض دليل الإدانة ووهنه- بمجازاة المذكورين (ومنهم الطاعن) تأديبيا، محملة كلا منهم ما نسب إليه من عجز لاقتضائه بالحجز به على الجزء الجائز الحجز عليه من مرتب كل منهم شهريا.
ومن حيث أن قرار جزاء الطاعن رقم 65 بتاريخ 4/5/1985 جاء تطبيقه لهذا النظر فإنه يكون قد جاء متوائما وصحيح تفسير القانون وتطبيقه ويكون الطعن عليه على غير سند من القانون متعين الرفض.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه قد جاء متفقا مع هذا النظر فقضى برفض الطعن في القرار التأديبي المشار إليه الصادر بمجازاة الطاعن- فإنه قد جاء متفقا مع صحيح حكم القانون ويكون الطعن عليه غير سند من الواقع والقانون حريا بالرفض. ومن حيث أن المادة 90 من القانون رقم 47 لسنة 1978 قد نصت على أن تعفى من الرسوم الطعون التي تقام ضد أحكام المحاكم التأديبية.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.