طعن رقم 1767 لسنة 34 بتاريخ 22/11/1992
________________________________
برئاسة السيد الأستاذ المسقشار/محمد حامد الجمل (رئيس مجلس الدولة ) وعضوية السادة الأساتذه / عبد القادر هاشم وإدوارد غالب سيفين وأحمد عبد العزيز أبو العزم ود. منيب محمدربيع. نواب رئيس مجلس الدولة.
* إجراء ات الطعن
فى يوم الخميس الموافق 28/4/1988 أودع الأستاذ/ منصف نجيب سليمان المحامى بصفته وكيلا عن الطاعنين – …………………وورثة المرحوم ………………. قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن رقم 1767 لسنة 34 ق فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى (دائرة العقود والتعويضات) والذى قضى بأن يدفع للطاعنين مبلغا وقدره ثلاثون ألف جنيه، وطلب فى ختام تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المطعون ضده بأن يؤدى للطاعنين تعويضا قدره خمسمائه الف جنيه والمصروفات.
وفى يوم الخميس الموافق 28/4/1988 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن وزير الداخلية قلم كتاب المحكمة الإدارية تقرير الطعن رقم 1771 لسنة 34 ق فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى (دائرة العقود والتعويضات) فى الدعوى رقم 465 لسنه 40 ق والذى قضى بان يدفع للطاعنين (فى الطعن رقم 1767 لسنة 34 ق) مبلغا وقدره ثلاثون ألف جنيه، وطلبت فى ختام تقرير الطعن الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلا وبإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصليا بعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى ولائيا بنظر الدعوى واحتياطيا برفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
أودع السيد الأستاذ المستشار/ عادل الشربينى مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضى الدولة بالرأى القانونى فى الطعنين ارتأت فيه الحكم بقبول الطعنين شكلا وبرفض الشق العاجل من الطعن رقم 1771/34 ق وفى الموضوع برفض الطعنين وإلزام كل طاعن بمصروفات طعنه.
وعرض الطعنين على دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة، وبجلسة 3/6/1991 قررت الدائرة ضم الطعن رقم 1767/34 ق للطعن رقم 1771 /34 ق ليصدر فيهما حكم واحد، وبجلسة 2/12/1991 قررت احالة الطعنين الى هذه المحكمة وتدوول نظرهما بجلسات المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات الى ان تقرر حجزهما للحكم بجلسة اليوم 22/11/1992 حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة .
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية .
ومن حيث أن عناصر المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – فى أن ………..، ………….. وورثة المرحوم ……….. (زوجته وأولاده ………,…….,…….,……. ) كانوا قد اقاموا الدعوى رقم 465/40 ق بايداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بتاريخ 27/10/1985 طلبوا فى ختامها الحكم بإلزام المدعى عليه بصفته (وزير الداخلية) بأن يدفع لهم مبلغ خمسمائه ألف جنيه والمصاريف.
وقالوا شرحا لدعواهم ان ……………و……….و…………….. باعوا – بمقتضى عقد بيع ابتدائى مورخ 23/10/1957 – أطيانا زراعية مساحتها 38 فدان بناحية كفر المقدام بميت غمر للمشترى …………….. الذى تراخى فى وفاء باقى الثمن، فأقيمت الدعوى رقم 5227/1960 مدنى كلى القاهرة وصدر فيها حكم بتاريخ 4/12/1963 بفسخ العقد المشار اليه، وإلزام المشترى بأن يؤدى للبائعين مبلغ ألفى جنيه والفوائد اعتبارا من 27/11/1960 حتى تمام السداد، وتأيد الحكم استئنافيا وقد جاء فى حيثياته انه يفيد تسليم الأطيان موضوع العقد، وصدر قرار المحكمة فى 20/9/1967 بإضافة التسليم لمنطوق الحكم بحسبان ان القضاء بالفسخ والتسليم يتضمن بالضرورة انتزاع الأطيان من واضع اليد عليها، وبذلك صار الحكم واجب النفاذ الا أن معاون قضائى المحكمة المختصة لم يتمكن من التنفيذ وحرر محضرا بذلك أثبت فيه امتناع جهة الأمن المختصة عن تقديم المساعدة، وأنه أوضح للمأمور ان تقاعس الإدارة عن النهوض بالتنفيذ هو أمر مخالف للنظام العام لان فيه اهدارا للقانون وقضاء على الأحكام، وكان ذلك فى يوم 9 نوفمبر 1970، ومنذ ذلك اليوم توالت محاولات تنفيذ الحكم ولكن دون جدوى رغم تعليمات النيابة العامة الى مديرية الأمن المختصة لاتخاذ اللازم نحو اعداد المساعدة اللازمة وتحديد الموعد المناسب.
وأضاف المدعون ان الحكم القضائى ظل مدة طويلة دون تنفيذ وذلك بسبب اتجاه جهة الإدارة الى ارجاء التنفيذ بل انصراف نيتها منذ وقت مبكر إلى اهدار قوة الحكم وتبنى وجهة نظر المحكوم ضده، ويبين ذلك من الرأى الذى ارتآه مدير مكتب وزير الداخلية وقت ذ لك – العميد محمد النبوى اسماعيل – وهو أن يستمر الوضع كما هو.
ومن حيث أن طعن الطاعنين (1767/34 ق) يقوم على أن الحكم المطعون عليه بتقديره التعويض بمبلغ ثلاثين ألف جنيه قد خالف القانون لأن هذا التقدير لم يشمل جميع الأضرار المادية والادبية التى لحقت الطاعنين، ومن ذ لك فان الحكم رغم نعيه على الإدارة استكانتها لرغبات واضعى اليد فى البقاء فى الأرض يعود وهو يقدر التعويض فيعطى الشرعية لهذا الاغتصاب ويلقى على المالكين عبء المطالبة بمقابل انتفاع المغتصبين، كما بخس الحكم قيمة الغلة التى تغلها الأرض خاصة وأن الأرض محل النزاع من أجود الاطيان فى الجمهورية، وأن الطاعنين قدروا غله الفدان بواقع 600 جنيه سنويا فيكون اجمالى الايراد عن 0 4 فدان فى 14 سنة مبلغ 33600 جنيه كما بخس الحكم تقدير الأضرار التى نجمت عما تكبده الطاعنون من اعباء ونفقات وجهود فى سبيل محاولة تنفيذ الحكم، وأورد الطاعنون عناصر هذه الأضرار – على النحو الوارد بتقرير الطعن ثم أبان الطاعنون عن ماهية الأضرار الادبية وما أصابهم من الام نفسية، وخلص تقرير الطعن – لما تقدم – ولكل ماورد فيه الى أن الحكم خالف القانون حين ترك عناصر الضرر بدون تعويض متكافىء وأنه يتعين إلغاء الحكم الطعين وإلزام المطعون ضده بأن يؤدى للطاعنين تعويضا قدره خمسمائه ألف جنيه.
ومن حيث أن طعن هيئة قضايا الدولة (1771/34 ق ) يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله، وذلك للأسباب الاتية :-
أولا : أخطأ الحكم اذ اعتبر أن مسلك الإدارة ينطوى على قرار إدارى سلبى يتمثل فى امتناع جهة الإدارة عن إصدار قرار كان من الواجب عليها إصداره، لان الدعوى التى صدر بشأنها الحكم المطعون فيه ليست من دعاوى الإلغاء كما أنها لا تعد منازعة إدارية وانما هى دعوى تعويض عن عمل مادى هو عدم استعمال القوة الجبرية لتنفيذ الحكم مما تكون معه من اختصاص القضاء العادى، ولما كانت المحكمة حكمت فى الدعوى ولم تقض بعدم اختصاصها فان الحكم يكون متعين الإلغاء.
ثانيا : خالف الحكم المطعون فيه مقتضى التطبيق الصحيح للقانون – بفرض اختصاص المحكمة بنظر المنازعة – حين قضى بالتعويض ذلك لأن امتناع الجهة الإدارية عن استخدام القوة التنفيذية الجبرية فى تنفيذ الحكم كان بقصد حماية الصالح العام مما ينتفى معه ركن الخط من جانب الجهة الإدارية، خاصة وأن الإدارة لم تأل جهدا فى تنفيذ الحكم حينما قامت بتسليم جزء من الأرض مع ارجاء تنفيذ الجزء الباقى ليتم بالطرق الودية.
ثالثا : بالغ الحكم المطعون فيه فى تقدير التعويض مما جعل المبلغ المحكوم به فيه اثراء بلا سبب يأباه القانون، لتجاوزه وزر الضرر، وخلص تقرير الطعن – لكل ما جاء به – الى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصليا بعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى ولائيا بنظر الدعوى واحتياطيا برفضها وإلزام المطعون ضده المصروفات.
ومن حيث أن الدستور المصرى قد نص فى المادة 172 منه على ان مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة وتختص بالفصل فى المنازعات الإدارية وفى الدعاوى التأديبية ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى، وقد صدر قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، ونص فى المادة العاشرة منه على ان تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل فى المسائل الاتية:- ……………………
عاشرا : طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها فى البنود السابقة سواء رفعت بصفة أصلية أو تبعية ………. رابع عشر : سائر المنازعات الإدارية ويعتبر فى حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح.
واتساقا مع ما تقدم نص قانون السلطة القضائية فى المادة 15 على أنه فيما عدا المنازعات الإدارية التى يختص بها مجلس الدولة تختص المحاكم بالفصل فى جميع المنازعات والجرائم.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن محل الدعوى التى صدر بشأنها الحكم الطعين ينحصر فى طلب الحكم بإلزام وزارة الداخلية بأن تؤدى للمدعين تعويضا لقاء ما لحقهم من أضرار نتيجة تراخيها فى اتخاذ الإجراءات التى كان من الواجب اتخاذها لتنفيذ الحكم الصادر من المحكمة المدنية لصالح المدعيين.
ومن حيث أن الدستور قد نفى فى الباب الرابع منه على أن سيادة القانون هى أساس الحكم فى الدولة، وتخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات – كما نصت المادة (68) والمادة (72) على أن تصدر الأحكام وتنفذ
باسم الشعب
ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون وللمحكوم له فى هذه الجلسة حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة الى المحكمة المختصة – كما نصت المادة 280 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أنه لا يجوز التنفيذ الجبرى الا بسند تنفيذى انقضاء لاحق محقق الوجود ومعين المقدار وحالى الأداء والسندات التنفيذية هى الأحكام ……………… الخ وعلى الجهة التى يناط بها التنفيذ ان تبادر اليه متى طلب منها وعلى السلطات المختصة ان تعين على اجرائه ولو باستعمال القوة متى طلب منها ذلك.
ومن حيث أنه يتبين من هذه النصوص انه يتعين اعمالا للشرعية وسيادة القانون اللذين تخضع لهما جميع السلطات وتنزل على مقتضاها جميع الادارات فى الدولة، أن تنفذ الجهات الإدارية المختصة الأحكام القضائية والواجبة التنفيذ طبقا لأحكام القانون وعلى كل من الموظفين العموميين المختصين بذلك إصدار القرارات الإدارية اللازمة لتحقيق هذا الغرض على سبيل الحكم والإلزام ومن ثم فان امتناع الجهة الإدارية عن إصدار هذا القرار الذى توجبه صراحة أحكام الدستور والقانون يعد قرارا سلبيا بالمعنى الذى قصده المشرع فى المادة العاشرة من القانون رقم (47) لسنة 1972 بتنظيم مجلس الدولة ومن ثم فان طلب التعويض عن هذا القرار السلبى يكون تعويضا عن قرار من القرارات الإدارية التى تختص محاكم مجلس الدولة بنظر المنازعات المتعلقة بها ومن ثم فلا ريب فى أن التكييف القانونى الصحيح للدعوى هو اعتبارها من دعاوى التعويض عن قرار إدارى سلبى بالامتناع عن اتخاذ الإجراءات اللازمة فى الوقت الملائم مما يترتب عليه عدم افادة المدعيين من الأرض المحكوم لهم باستردادها – رغم أحقيتهم لذلك بالإضافة الى ما لحقهم من أضرار أخرى، وهذا بلا شك يعد منازعة إدارية قوامها النعى على مسلك الجهة الإدارية المدعى عليها (وزارة الداخلية) بصفتها القائمة على المعاونة فى تنفيذ الأحكام، والمنوط بها تنفيذها بالقوة الجبرية اذا لزم الأمر، وتدخل والحال كذلك فى اختصاص مجلس الدولة بحسبانه القاضى الطبيعى لروابط القانون العام – وما يتفرع عنه من منازعات – وفقا لصريح نص الدستور والقوانين المنفذة له وان القول بغير ذلك مؤداه افراغ النصوص من مضمونها وما استهدفه المشرع منها، واذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب حينما فصل فى الدعوى التى صدر فيها الحكم المطعون فيه بما يعنى قضاؤه ضمنا بولاية محاكم مجلس الدولة بنظر هذه المنازعة، فانه يكون قد أصاب صحيح حكم القانون ويغدو الطعن عليه بمخالفة القانون لأنه قضى ضمنا باختصاصه غير قائم على أساس صحيح.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق ان حكما صدر لصالح المدعيين فى الدعوى رقم 227 0/5 96 1 من المحكمة المدنية وتأيد استئنافيا، وتم رفض جميع الاشكالات التى أقيمت ممن صدر ضدهم الحكم، وبعد اعلان الحكم مزيلا بالصيغة التنفيذية لتنفيذه، الا ان المدعيين لم يتمكنوا من تنفيذ الحكم – ومعهم معاون المحكمة القضائى – وتوالى ارجاء التنفيذ لتراخى الجهة الإدارية عن تقديم المعاونة الكافية باستعمال القوة الجبرية حسبما يقضى القانون، ورغم مطالبة النيابة العامة لوزارة الداخلية بضرورة تنفيذ الحكم بالقوة الجبرية دون جدوى استنادا الى ما يترتب على التنفيذ الجبرى من اخلال بالأمن العام وصدام بين قوات الشرطة التى سوف تقوم بالتنفيذ وبين واضعى اليد على المساحة محل الحكم، مما يترتب على ذلك من اصابات بين الطرفين وأضرار بالممتلكات، واخلال واضطراب فى الأمن العام، نتيجة لاخلاء واضعى اليد بالقوة من المساحات التى يشغلونها منذ فترات طويلة عند التنفيذ، وقد قامت الإدارة بتوفير القوة اللازمة للتنفيذ الجبرى على هذا النحو فى 13/3/1984 ونفذت الحكم تنفيذا جبريا وسلمت المحكوم لهم مساحة قدرها 30س و 19 ط و11 ف من مجموع المساحة المحكوم بتسليمها اليهم – وارجأت التنفيذ بالنسبة لباقى المساحة ليتم بالطرق الودية وقدرها (26 فدانا).
ومن حيث انه يبين من الأوراق ان وزارة الداخلية المسئولة عن الأمن العام مع عدد من الجهات المختصة قد رأت على مدى اربعة عشر عاما كاملة أن تنفيذ الحكم تسوف يرتب اضطرابات فى الأمن العام بالمنطقة تهدد السلم الاجتماعى وقد ترتب مضاعفات تهدد مناطق أخرى نتيجة لتأثير التنفيذ الجبرى وانتزاع الأرض محل الحكم بالقوة من واضعى اليد المنتفعين بها بعد انقضاء فترة طويلة عليها فيها حياة المئات من هؤلاء وأسرهم ومازالت تلك الجهات المختصة بتقدير ملاءمات الأمن العام ترجىء بعد انقضاء فترة طويلة من سنة 1984 وحتى الآن وجود هذه المحاضر فى تسليم باقى مساحة الأرض محل الحكم سالف الذكر.
ومن حيث انه لا شك فى انه كما أوجب الدستور تنفيذ الأحكام القضائية وجعل عدم تنفيذها جريمة جنائية من جانب الموظفين العموميين المختصين فانه قد حرص على حماية الملكية الخاصة وجعلها مضمونه فى إطار الشرعية وسيادة القانون وأناط بالقانون أداء وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية دون انحراف أو استقلال، وحظر أن تتعارض فى طرق استخدامها مع الخير العام للشعب – كما حظر فرض الحراسة عليها الا فى الاحوال المبينة فى القانون وبحكم قضائى، كما حظر نزع الملكية الا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقا للقانون (المواد 29 ، 32 ،34) وقد نظم الدستور أيضا الحفاظ على سلامة وأمن الدولة من الوجهة القومية كما فى المواد (73)، (74) حيث منح رئيس الجمهورية السلطات الاستثنائية اللازمة لمواجهة المخاطر التى تهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو تعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستورى – وبالتالى فانه اذا تعارضت المصلحة الخاصة للأفراد مع الصالح العام المتمثل فى استقرار الأمن العام والنظام العام أو كانت التضحيات الناجمة الواجبة من تحقيق المصالح الفردية جسيمة بدرجة يتعذر توافر قبولها مع السلم الاجتماعى فانه لاشك فى وجود ضرورات من الصالح القومى العام تبرر أن يرجأ تحقيق المصالح الفردية بصفة مؤقتة ولو كانت مشروعة ولو كان يساندها أحكام قضائية حتى تتوازن المواجهة بين أضرار ومزايا تحقيق المصلحة الخاصة المشروعة والمصلحة العامة وخاصة لو اتصلت بالأمن العام واستقراره وبالسلام الاجتماعى العام سواء فى منطقة معينة بالدولة أوفى اقليمها جميعه فأول مصلحة قومية عامة لأية دولة أو أمة هو حفظ الأمن العام القومى لهذه الدولة والامة فى الداخل وفى الخارج وحفظ النفس، مقدم على كل مصلحة أخرى – ومن ثم فإنه رغم ان الامتناع العمدى بدون مبرر عن تنفيذ الأحكام القضائية وإن كان يتضمن عدوانا على الدستور والقانون وعلى الشرعية وسيادة القانون، ويعد جريمة جنائية بالنسبة لمرتكبيها من الموظفين العموميين المختصين فان ثبوت ان عدم المبادرة الى تنفيذ الأحكام التى يترتب على تنفيذها تحقيق مصالح خاصة لاصحاب حق ملكية عقار أو منقول أو ما يماثلها من الخلل والأضطراب فى الأمن العام بما يهدد السلام الاجتماعى والاستقرار العام على مستوى منطقة معينه أو على مستوى الدولة وايضا ما يتبع ذلك بالضرورة حتما من صدام بين الجماهير ورجال الأمن وما يقتضيه من اصابات ووفيات بين الطرفين وتدمير للممتلكات لا يعتبر خطأ من جهة الادارة يبرر التزامها بالتعويض عما يحيق باصحاب الحقوق الفردية من أضرار خاصة كما هو الشأن فى الخطأ المادى الذى يقوم عليه التزام المخطىء بالتعويض وفقا لقواعد المسئولية المدنية التى تحكمها المواد (163)، (170)، (221)، (222) من القانون المدنى، وانما هو تصرف تفرضه بضرورة المتعلقة بحسن سير وانتظام المرافق العامة أو استقرار الامن العام لفترة مؤقتة تطول أو تقصر بحسب الاوضاع الواقعية التى تفرضها، لصالح المجتمع ولحماية امنه واستقراره واستمرار الخدمات العامة اللازمة لحياة المواطنين بانتظام واضطراد بدون تضحيات بالارواح أو الممتلكات ومن ثم فإنه يلتزم المجتمع بناء على التضامن الاجتماعى الذى يقوم عليه طبقا للمادة (7) من الدستور بتعويض من يصيبه الضرر من هذا الاجراء الضرورى الذى تفرضه الظروف لصالح جميع المواطنين ويتعين على الخزانة العامة للدولة الوفاء بهذا التعويض لمن تحمل من المواطنين عبئ الضرر الخاص ماديا وأدبيا لوقايتهم من ضرر عام يتعين توقيه للصالح العام والخير العام للشعب .
ومن حيث انه بناء على ما سبق بيانه فان الحكم الطعين حينما قضى بالتعويض للطاعنين إنما شمل قضاءه الأضرار التى أصابتهم من جراء امتناع الوزارة عن تنفيذ الحكم الصادر لصالحهم واستمرار امتناعها عن تنفيذه مدة بلغت خمسة عشر عاما وما ترتب على امتناعها للأسباب المتعلقة بالأمن العام والسلم الاجتماعى من أضرار مادية وأدبية لحقت بهم، واذ قدرت المحكمة تعويضا جزافيا، فقد ادخلت فى تقديرها جميع الأضرار التى حاقت بالمدعين، وهى اذ استطردت فى حكمها الى القول بأن ذلك لا يخل بحقهم فى تنفيذ الحكم بالنسبة للقدر الباقى من الأرض الذى لم يتم تسلمه بالقوة الجبرية – فهذا لا يعنى حسبما ينعى الطاعنون على الحكم – إضفاء الشرعية على اغتصاب الجزء الباقى من الأرض الذى لم يشمله التنفيذ لأن المحكمة ارادت أن تؤكد ان على الجهة الإدارية المختصة المبادرة الى تنفيذ ما لم ينفذ وعلى الطاعنين متابعة ذلك لحين تحقق الظروف المناسبة لاجرائه دون تضحيات جسيمة تهدد الأمن العام والسلام الاجتماعى، وأن ذلك لا يعنى ان ما قدرته المحكمة من تعويض لم يدخل الأضرار الناجمة عن عدم تنفيذ ما لم ينفذ من الحكم الصادر لصالح المدعيين – وانما ووفقا للأسباب السالف بيانها قد قدرت محكمة أول درجة الاعتبارات التى أدت الى عدم التنفيذ الكامل للحكم الصادر لصالح المدعيين.
ومن حيث انه وان كان من المستقر عليه ان تقدير مبلغ التعويض هو سلطة محكمة الموضوع وحدها وفقا لما تبينه من ظروف الدعوى وواقع الحال، وحسبما يتكشف لها من خلال المستندات المقدمة إليها وأنه لا رقابة على المحكمة فى ذلك مادام قد اكتمل لحكمها بالتعويض عناصره القانونية، واذ كان ذلك وكان البين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة قدرت ما لحق المدعين من أضرار مادية وأدبية على النحو الذى أوردته فى حكمها وأدخلت فى اعتبارها الظروف والملابسات المحيطة بالموضوع، وأحقية المدعيين فى مطالبة واضعى اليد قضاء بحقهم فى مقابل الانتفاع بأرضهم دون ان يمس ذلك بحقهم القانونى فى استلام الأرض طبقا للقرار – وانتهت الى أنها ترى التعويض عن كافة الأضرار تعويضا جزافيا بمبلغ قدره ثلاثون ألف جنيه عن تلك الأضرار حتى تاريخ إقامة الدعوى ويمكن للطاعنين المطالبة بالتعويض عن استمرار الأضرار التى تحيق بهم بعد ذلك التاريخ وحتى اتمام تنفيذ الحكم الصادر لصالحهم بشأن الأرض سالفة الذكر . فمن ثم فان النعى على الحكم المطعون فيه يكون فى غير محله ومتعين الالتفات عنه .
ومن حيث إنه بناء على ما سلف من أسباب فان الحكم الطعين قد أصاب صحيح حكم القانون فيما انتهى اليه، ويغدو الطعنان غير قائمين على أساس سليم، ومن المتعين رفضهما.
ومن حيث ان من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها طبقا لأحكام المادة (184) مرافعات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا ورفضهما موضوعا وألزمت كل من الطاعنين بالمصروفات الخاصة بطعنه .