طعن رقم 2100 لسنة 32 بتاريخ 03/11/1991 دائرة منازعات الأفراد والهيئات
_______________________________________________________
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة / إسماعيل عبد الحميد إبراهيم ومحمد عبد الغنى حسن وأحمد شمس الدين خفاجى نواب رئيس مجلس الدولة.
* إجراءات الطعن
فى يوم الأربعاء الموافق 14/5/1986 أودع الأستاذ غبريال إبراهيم المحامى بصفته وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقريراً بالطعن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى دائرة منازعات الأفراد والهيئات بجلسة 3/4/1986 فى الدعوى رقم 4249 لسنة 39ق، والقاضى برفض الدعوى وإلزام المدعى المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع أصليا: بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من رفض التماس إعادة النظر لبطلانه، وإعادة دعوى الالتماس إلى محكمة القضاء الإدارى للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى بعد أن تقوم هيئة مفوضى الدولة بتهيئتها للمرافعة وإعداد تقرير بالرأى القانونى فيها مع إلزام المطعون ضدهم بمصروفات الطعن. واحتياطيا: بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من رفض التماس إعادة النظر بإلغاء الحكم الملتمس فيه فى الدعوى رقم 2007/36ق والقضاء برفض هذه الدعوى مع إلزام المطعون ضده الثالث بالمصروفات عن جميع الدرجات.
وقدم الأستاذ المستشار / عادل الشربينى مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضى الدولة بالرأى القانونى فى الطعن ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى للفصل فيها مجددا من دائرة أخرى بعد أن تقدم هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى فيها وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 1/10/1990 حيث نظرته بالجلسة المذكورة والجلسات التالية حتى قررت بجلسة 7/1/1991 احالته إلى هذه المحكمة وقد تم تداول الطعن على الوجه المبين بمحاضر الجلسات حتى تقرر بجلسة 5/10/1991 إصدار الحكم بجلسة 26/10/1991 وبهذه الجلسة تقرر مد أجل الحكم إلى جلسة اليوم 3/11/1991 لاتمام المداولة، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه قبل النطق به.
* المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يتضح من الأوراق – فى أن الطاعن اقام الدعوى رقم 4249 لسنة 39ق بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بتاريخ 8/5/1985 وطلب فى ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء الحكم الصادر فى الدعوى رقم 2007 لسنة 32 ق بجلسة 7/8/1989 فيما تضمنه من إلغاء الترخيص بصيدلية الإنسانية المرخص بها بمقتضى الرخصة رقم 279 فى 12/3/1987، وذلك استنادا إلى أنه بعد أن استوفى الشروط اللازمة للحصول على ترخيص لإدارة صيدلية عامة، تقدم إلى السلطات المختصة بطلب للترخيص له بفتح صيدلية عامة بالعقار رقم 35 شارع متحف المطرية، وبعد موافقة الجهة الإدارية على الموقع الذى تتوافر فيه الشروط المطلوبة ومن بينها شرط المسافة صرف إليه الترخيص المطلوب تحت رقم 279 فى 12/3/1978، إلا أنه فوجئ بتاريخ 6/5/1985 بمدير قسم الصيدلة بمنطقة شرق القاهرة الطبية يسلمه صورة ضوئية من حكم محكمة القضاء الإدارى الصادر فى الدعوى رقم 2007 لسنة 32ق المقامة من ……. ضد وزير الصحة قاضيا بقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر بالترخيص للطاعن بفتح الصيدلية وذلك استنادا إلى أن الصيدلية المرخص بها للطاعن قد أقيمت فى موقع يبعد عن صيدلية المدعى فى الدعوى المذكورة بأقل من 100 متر وأضاف الطاعن فى دعواه أنه نظرا للأضرار التى ترتب إلغاء الترخيص الصادر للصيدلية والتى تمثل مورد رزقه الوحيد وقدم التماس بإعادة النظر فى الحكم وفقا لأحكام المادة 241 من قانون المرافعات لأنه لم ينتظم فى الدعوى ولم يمثل فيها تمثيلا صحيحا، وأن الترخيص لم يصدر له إلا بعد أن تأكدت الجهة المختصة من توافر كافة الشروط فى الصيدلية ذاتها تقع على مسافة 102 متر من صيدلية الدكتور ….. فى حين أن الحكم الصادر بإلغاء الترخيص قد أثبت أن المسافة بين الصيدليتين تبلغ 93.5 مترا استنادا إلى التقرير الذى أعدته لجنة مشكلة برئاسة مدير قسم الرخص الصيدلية وانتهت فيه إلى أن المسافة بينهما اقل من مائة متر على الرغم من عدم اختصاصها بهذا الموضوع، واختصاص السلطة الصحية المختصة طبقا لأحكام المادة 13 من القانون رقم 127 لسنة 1955، وكان يتعين على المحكمة أمام الاختلاف القائم بين تقارير اللجان المختلفة حول قياس المسافة بين الصيدليتين أن تقوم بندب رئيس السلطة الصحية المختصة وهو مدير عام المنطقة الطبية ليحدد المسافة فى ضوء المبادئ التى أرستها المحكمة الإدارية العليا فى هذا الشأن والتى استقرت على أن يكون المعمول عليه فى القياس هو محور البابين للصيدلية الحديثة والقديمة وأن يتبع فى قياس المسافة الطريق الذى يسلكه المشاه فى الانتقال من صيدلية إلى أخرى، كما أن شرط المسافة هو شرط تنظيمى لا يترتب على مخالفته البطلان.
وبعريضة مودعة قلم كتاب ذات المحكمة فى 3/11/1985 اقام الطاعن الدعوى رقم 571 لسنة 40ق مستشكلا فى تنفيذ الحكم الصادر فى الدعوى المشار إليها ملتمسا الحكم بوقف تنفيذه حتى يفصل فى موضوع الدعوى رقم 4249/39ق، وذلك تأسيسا على أن الخطأ فى قياس المسافة الذى وقع من اللجنة غير المختصة قد أدى إلى إصدار حكم مخالف للقانون، الأمر الذى حدا به إلى إقامة الإشكال لما يترتب على تنفيذه من فقدانه لمورد رزقه الوحيد وهو الصيدلية فقررت المحكمة بجلسة 11/3/1986 ضم الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد.
وبجلسة 2/4/1986 أصدرت المحكمة حكمها برفض الدعويين وألزمت المدعى المصروفات، وشيدت قضاءها على أن الحكم الصادر فى الدعوى رقم 2007/32ق قد استند فى أسبابه إلى حكم المادة 30 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955 الذى تضمن بيانا بالشروط الواجب توافرها للترخيص فى انشاء الصيدليات، ومن بينها ألا تقل المسافة بين صيدليتين عن مائة متر وهو شرط وجوبى لا يخضع لتقدير الإدارة وأن القياس الذى أسفر عن المسافة بين الصيدليتين بمقدار 93.85 مترا هو قياس سليم على أساس أن صيدلية الإنسانية المملوكة للمدعى لها باب واحد وأن صيدلية الاعتماد المملوكة …….. لها أربعة أبواب، وأنه يتعين لذلك قياس المسافة من اقرب أبوابها إلى صيدلية المدعى وليس ابعدها لأن فى ذلك تحقيق للغاية التى استهدفها المشرع بالتخفيف عن الجمهور والابتعاد بالصيدليات عن جو المنافسة غير المشروعة، واستطردت المحكمة قائلة إنه إذا كان الإشكال يقوم على ذات الأسباب التى حاصلها الخطأ فى قياس المسافة بين الصيدليتين وكان المشرع قد اشترط فى الإشكال أن يكون مبنيا على وقائع لاحقة على صدور الحكم الذى يتم التنفيذ بمقتضاه، فإن الإشكال يكون فى غير محله ويتعين رفضه.
ومن حيث إن الطاعن يقيم طعنه الماثل على أن الحكم الطعين قد أخطأ فى تطبيق القانون واضحى باطلا حقيقا بالإلغاء للأسباب الآتية:
أولاً: أن الحكم الطعين الصادر فى الدعويين المشار إليهما قد صدر قبل أن تقوم هيئة مفوضى الدولة بتهيئتها للمرافعة وابداء الرأى القانونى فيهما وهو إجراء جوهرى يترتب على تخلفه بطلان الحكم الصادر فى الدعويين، ولا يغير من ذلك أن الطاعن قد أقام إشكالا فى التنفيذ ضم إلى دعوى الالتماس ليصدر فيهما حكم واحد ذلك أن ضم الدعويين لا تفقد كل منهما ذاتيتها، وعلى ذلك فإنه وإن جاز صدور حكم فى الإشكال دون إيداع تقرير من هيئة مفوضى الدولة إلا أنه ما كان يجوز أن تتصدى المحكمة للفصل فى دعوى الالتماس بإعادة النظر دون تقرير بالرأى القانونى فيها يودع بمعرفة هيئة مفوضى الدولة.
ثانيا: أن المحكمة قد اعتمدت فى قياس المسافة على ما اقترحه المطعون ضده الثالث فى دعواه رقم 2007 لسنة 32ق من تشكيل لجنة بمعرفة وكيل وزارة الصحة الذى قرر تشكيل لجنة لقياس المسافة من مدير قسم التكليف والتراخيص بالمخالفة للقانون الذى يجعل السلطة الصحية المختصة هى مفتش صحة المطرية.
ثالثا: أن المحكمة قد اعتمدت على هذا التقرير برغم قيام شبهة التواطؤ بين المطعون ضده الثالث وبين وكيل الوزارة التى شكلها والتى جاء تقريرها مطابقا لتقرير المهندس الاستشارى المقوم بمعرفة المطعون ضده ورغم صدوره فى تاريخ لاحق على صدور الترخيص وبالمخالفة لكافة التقارير السابقة على صدوره.
رابعاً: أن الحكم جاء مخالفا لما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا فى قياس المسافة الواردة فى المادة 30 من قانون تنظيم مهنة الصيدلة ومذكرته الإيضاحية والتى توجب أن يكون القياس من نقطة تتوسط واجهة الصيدلية إلى نقطة تتوسط واجهة الصيدلية الأخرى.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن هيئة مفوضى الدولة بحسبانها أمينة على الدعوى الإدارية وعاملا أساسيا فى تحضيرها وتهيئتها للمرافعة إنما تشكل بذاتها مرحلة هامة من مراحل التقاضى إذ ناط قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 بالهيئة المذكورة مهمة تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة على أن يودع المفوض – بعد استيفاء مستنداتها تقريراً يحدد وقائع الدعوى والمسائل التى يثيرها النزاع ويبدى رأيه مسببا فيها ويتفرع عن ذلك أن الدعاوى والطعون الإدارية لا يسوغ الحكم فيها إلا بعد أن تقوم هيئة مفوضى الدولة بتحضيرها وتهيئتها للمرافعة وتقديم تقرير بالرأى القانونى مسببا فيها، ومن ثم فإن الإخلال بهذا الإجراء الجوهرى يؤدى إلى بطلان الحكم وإلغاء الآثار المترتبة عليه.
فإذا كان الثابت من أوراق الطعن أن الحكم المطعون فيه الصادر برفض الدعويين ومن بينهما الطعن بالتماس إعادة النظر فى الحكم الملتمس فيه تاسيسا على أن هذا الحكم الأخير قد فحص الشرط الخاص بالمسافة، وتأكد له – بحق – عدم توافر هذا الشرط وانتهت المحكمة إلى رفض الالتماس، وذلك كله دون أن تلتفت إلى عدم تحضيره أو تهيئته للمرافعة أو إبداء الرأى القانونى فيه بمعرفة هيئة مفوضى الدولة، وبناء على ذلك تكون المحكمة قد قضت فى الطعن مغلفة بذلك مرحلة جوهرية من مراحل الفصل فيه وهى مرحلة تحضيره بمعرفة هيئة مفوضى الدولة التى حدد لها الشارع دورا هاما فى الدعوى الإدارية فمن ثم فإن هذا الحكم يكون قد صدر باطلا لإغفاله إجراء جوهريا من إجراءات الفصل فى الدعوى، ولا يصحح هذا البطلان أن المحكمة قد ضمت الطعن بالالتماس إلى الإشكال الخاص بوقف التنفيذ ليصدر فيهما حكم واحد، ذلك أنه فضلا عن أن ضم الالتماس إلى أى دعوى أخرى لا يفقده ذاتيته كطعن من الطعون الإدارية يتعين البت فيه على استقلال ضمن الحكم المذكور، فإنه لا يسوغ أن يؤدى الضم المذكور إلى إهدار إجراء جوهرى أوجبه الشارع فى كل دعوى على حده، وإلا لحقه البطلان لإغفاله هذا الإجراء.
ومن حيث إنه ولئن كان مسلما أن الحكم ببطلان الحكم المطعون فيه لما شابه من عيوب فى الإجراءات يستتبع كأصل عام – إعادة الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى للفصل فيه مجددا بعد استيفاء الإجراء الباطل على وجهه الصحيح – إلا أنه إذا كانت الحكمة من ذلك هو إعطاء محكمة أول درجة الفرصة لإعادة نظر النزاع وحسمه بحكم جديد فى الدعوى بعد تصحيح الإجراء الباطل، كضمانة لصالح الطاعن الذى طلب إلغاء الحكم بحيث لا يفوت عليه الطعن فى الإجراءات المتعلقة بإصداره درجة من درجات التقاضى فإنه إذا ما استبان من عيون الأوراق أنها قد استوفت عناصرها وتهيأت للفصل فيها أمام المحكمة الإدارية العليا بما يمكنها من حسم النزاع فى الموضوع بعد أن استطال أمده وطال وقته وزمنه وتضمن الحكم الطعين وجه الرأى لمحكمة أول درجة فى الموضوع فإن إعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى للفصل فيهما من جديد وهى مهيأة بصورة محددة وواضحة للفصل فيها – سوف يتمحض عن إطالة لأمد التقاضى تعويق لحسم المنازعات بما لا يتفق ومقتضيات العدالة التى توجب الحسم العاجل والناجز للمنازعات ويهدر الغايات الأساسية فى اللجوء إلى القضاء للانتصاف بسرعة وحسم على وجه يناقض الحكمة من حماية المتقاضين بنظر دعاواهم على درجتين، إجلاء للحقيقة وتحقيقا للعدل ويكون ذلك أظهر ما يكون بصفة خاصة فى المنازعات المتعلقة بالحقوق العامة أو الخاصة المتصلة بمباشرة المواطنين لمهنتهم أو نشاطتهم أو الاعتداء على حقهم فى التملك أو ما يماثل ذلك من حقوق الأمر الذى يتعين معه على هذه المحكمة أن تتصدى فى مثل هذه الأحوال لموضوع النزاع مادامت الدعوى قد تهيأت للفصل فيها لتحسم وهى فى قمة الهرم القضائى – ما تصاعد لها من منازعات طال أمدها وظهر وجه الحق والحقيقة القانونية أمامها.
ومن حيث إنه لما كان الحكم الملتمس فيه الصادر فى الدعوى رقم 2007 لسنة 32ق قد استند فى حكمه بإلغاء ترخيص الطاعن إلى حكم المادة 30 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955 الذى تضمن بيانا بالشروط الواجب توافرها فى إنشاء الصيدليات ومن بينها ألا تقل المسافة بين صيدليتين عن مائة متر وذكر الحكم أن هذا الشرط وجوبى ولا يخضع لتقدير الإدارة وأن القياس الذى أسفر عن تحديد المسافة بمقدار 93.85 مترا هو قياس سليم وأنه يتعين قياس المسافة من اقرب أبواب صيدلية المدعى إلى باب صيدلية منافسه وليس أبعدها تحقيقا للغاية التى استهدفها الشارع بالتخفيف عن الجمهور والابتعاد بالصيدليات عن جو المنافسة غير المشروعة.
وحيث إنه بناء على ذلك يكون الثابت من الأوراق أن محكمة القضاء الإدارى عند نظرها الالتماس المقدم من الطاعن قد استعرضت الحكم الملتمس فيه وأسباب الالتماس وانتهت من ذلك إلى سلامة الأساس القانونى والواقعى لقياس المسافة بين الصيدليتين الذى اعتمده الحكم الملتمس فيه وأصدرت حكمها برفض الالتماس لتأييد الحكم الملتمس فيه الصادر بإلغاء الترخيص لعدم توافر شرط المسافة المشار إليه وأفضت بذلك عن وجهة نظرها فى موضوع الدعوى الأصلية كما أقصت هيئة مفوضى الدولة عن وجهة نظرها فى الطعن الماثل وما تفرع عنه من طعون ودعاوى كانت مطروحة برمتها على الهيئة وقامت بتهيئتها وابداء الرأى القانونى فيها، ومن ثم فإن الدعوى تكون قد تهيأت للفصل فيها موضوعا ويكون لهذه المحكمة وفقا لما سلف بيانه التصدى لحسم المنازعة.
ومن حيث إنه ولئن كان المشرع قد أغفل فى قانون مزاولة مهنة الصيدلة وضع قاعدة صريحة تحدد كيفية قياس المسافة المشترطة بين كل صيدليتين إلا أنه يتعين فهم شرط المسافة وتحديد ضوابط حسابه فى ضوء ابتعاد الشارع وأفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 127 لسنة 1955 من زيادة عدد الصيدليات العامة بقصد تسير حصول الجمهور على الدواء وتحديد المسافة الفعلية التى يسلكها عادة المريض أو ذويه فى السعى إلى الصيدلية التى يتوفر لديها احتياجات العلاج من كل نوع منها حسب خط السير الطبيعى للمشاة فى الطريق العام بمراعاة القاعدة المحددة لعبور المشاة تبعا لمقتضيات نظام المرور من ناحية ومراعاة حقوق من إلى مهنة الصيدلة حمايتهم من الدخول فى منافسة غير مشروعة وذلك يترك مسافة معقولة بين كل صيدلية وأخرى من ناحية ثانية ومقتضى التوفيق بين هذين الاعتبارين الذين أفصحت عنهما المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور أن تحدد المسافة القانونية العادلة بين كل صيدلية وأخرى بمقدار البعد بين نقطتى تقاطع محورى كل صيدلية على حدة بغض النظر عن عدد البواب المفتوحة أو المغلقة فى أى منها ذلك أن الاعتماد فى حساب المسافة بين الصيدليتين على اقرب البواب أو ابعدها عند تعددها يجعل تطبيق القاعدة القانونية غير موحد أو بتغيير عدد البواب فى صيدلية عن أخرى بما يهدد مبدأ المساواة فى تطبيق القاعدة القانونية كما يجعل عقد تفسير القاعدة القانونية منوطا بصاحب المصلحة فى البقاء وحده دون منافس له فى الطريق العام على وجه يسمح له بأن يضر بمصلحة زملائه فى المهنة وبمصلحة المحتاجين للدواء وذلك بالتردى فى مهاوى المنافسة غير المشروعة بقصد الأضرار بالغير حيث يكفيه لبلوغ غايته أن يفتح بابا جديدا لم يكن قائما أو كان مغلقا لا يعتمد عليه فى استقبال الجمهور، بمجرد علمه بالشروع فى فتح صيدلية فى مدى المائة متر من هذا الباب رغم بعدها أكثر من هذه المسافة من الباب الأصلى الذى يرتاده الجمهور الأمر الذى يرفع عن القاعدة الخاصة بتحديد المسافة صفة التحديد الثابت ويجعل منها أمرا شخصيا تختلف باختلاف ذوات المتنافسين الأمر الذى يتعين معه مراعاة تحقيق غايات المشرع بصفة عامة ومجرده تحديد القاعدة بغض النظر عن الهيئة التى تكون عليها كل صيدلية من أبواب أو نوافذ وذلك بحساب المسافة على الوجه المتقدم من نقطة تتوسط واجهة إحدى الصيدليتين إلى نقطة تتوسط واجهة الصيدلية الأخرى.
فإذا كان الثابت من الأوراق وبما لا خلاف عليه بين أطراف الخصومة أن الطاعن قد حصل على الترخيص بصيدليته بعد أن تأكد للسلطة المختصة من توافر الاشتراطات المتطلبة قانونا لإصدار الترخيص ومن بينها توافر شرط المسافة بين الصيدلية المملوكة للطاعن والصيدلية المملوكة للصيدلى ………….. وأن الأخير قد تقدم للإدارة المختصة بعدة شكاوى تقوم على أن المسافة بين صيدليته وصيدلية الطاعن تقل عن مائة متر، وقد أعادت الجهة الإدارية قياس هذه المسافة فتبين أنها تجاوز المائة متر إلا أنه عاود الشكوى إلى وكيل وزارة الصحة طالبا تشكيل لجنة أخرى لقياس المسافة بين الصيدليتين، فاستجاب له وكيل الوزارة وحددت اللجنة المشكلة مدة المسافة بينهما بمقدار 93.85 مترا وهى اللجنة التى اعتمدها الحكم المطعون فيه على الأساس الخاطئ الذى قام عليه وهو أن حساب المسافة الصحيح هو قياس المسافة من اقرب باب من ابواب صيدلية المدعى إلى باب صيدلية الطاعن، وهذا هو التفسير الذى ثبت فساد أساسه وسنده القانونى على الوجه المتقدم ذكره.
ومن حيث إنه لا خلاف بين أطراف النزاع على أن المسافة بين أوسط نقطة على واجهتى الصيدليتين تزيد على المائة متر، فإن القرار الصادر بالترخيص للطاعن بفتح صيدلية الإنسانية يكون قد استوفى أركانه وشروط صحته ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء هذا الترخيص استنادا إلى عدم توافر شرط المسافة قد أخطأ فى تطبيق القانون وصدر مجافيا للفهم السليم للحكمة والغاية من اشتراط هذا الشرط، ومن ثم فإنه يكون خليقا بالإلغاء.
ومن حيث أن المطعون ضدهم قد خسروا الطعن الأمر الذى يتعين معه إلزامهم بالمصروفات عملا بنص المادة 184 مرافعات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه من رفض الالتماس فى الحكم الصادر فى الدعوى رقم 2007 لسنة 32ق وبقبول الالتماس، وبرفض الدعوى فيما يتعلق بإلغاء الترخيص رقم 379 الصادر فى 12/3/1978 لصيدلية الإنسانية وألزمت المطعون ضدهم بالمصروفات.