طعن رقم 2343 لسنة 32 بتاريخ 25/05/1991

Facebook
Twitter

طعن رقم 2343 لسنة 32 بتاريخ 25/05/1991

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمود عبد المنعم موافي وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم ومحمود صفوت عثمان وأحمد شمس الدين خفاجى.
المستشارون
إجراءات الطعن
في يوم الخميس الموافق 29 من مايو سنة 1986 أودع الأستاذ سليم عليوه المسلمى المحامي عن كل من…… و…… قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2343 لسنة 32 قضائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 30 من مارس سنة 1986 فى الدعوى رقم 2744 لسنة 38 القضائية القاضي بالنسبة لطلب التعويض بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً ، وبالنسبة للشق من الدعوى الخاص بالمطالبة بالمستحقات القانونية ببطلان صحيفة الدعوى وإلزام المدعيين بالمصروفات.
وطلب الطاعنان – للأسباب الواردة بتقرير طعنهما – الحكم بقبول الطعن شكلاً ، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها بأن تدفع للطاعنين مبلغ عشرة آلاف جنية على سبيل التعويض مع إلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده بصفته على الوجه المبين بالورق.
وقدم الأستاذ المستشار عادل الشربينى مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضي الدولة الذي ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ، ورفضه موضوعاً مع إلزام الطاعنين بالمصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة جلسة 15 من أكتوبر سنة 1990 ، وتداولت المحكمة نظر الطعن بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها ، وبجلسة 18 مارس سنة 1991 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة حيث نظرت الطعن بجلسة 13 من أبريل سنة 1991 ، وفيها قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم السبت الموافق 25 من مايو 1991 ، حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه فور النطق به.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق ، وسماع المرافعة ، والمداولة.
من حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل فى أنه فى الثامن من مارس سنة 1984 أقام الطاعنان الدعوى رقم 2744 لسنة 38 قضائه أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود – والتعويضات) بطلب إلزام وزير الدفاع بصفته بأن يدفع لهما عشرة آلاف جنية كتعويض مع جميع المستحقات القانونية طبقاً للقوانين والقرارات الصادرة بشأن الأفراد العسكريين مع إلزامه بالمصروفات.
وقال المدعيان شرحاً لدعواهما أنه في 11 مارس سنة 1982 أثناء تواجد ابنهما المجند مؤهلات متوسطة (………..) ضمن أفراد الكتيبة 417 دفاع جوي بالقوات المسلحة ، عين ضمن أفراد الوحدة فى مأموريات للعمل فى إزالة الرمال من على الطريق المؤدى إلى الموقع الحربي للكتيبة بمنطقة خزان أسوان ، وأثناء عودتهم إلى الوحدة ولإزالة الأتربة العالقة بأجسامهم وملابسهم لم يجدوا ماء بالوحدة فاستأذنوا من النقيب/.
….. أحد رؤساء الوحدة للذهاب إلى المستعمرة المجاورة للمعسكر والتي يختلط فيها العسكريون والمدنيون للاغتسال ، إلا أن الرقيب المعين للإشراف عليهم تخلف عن مرافقتهم دون أن يوجد من يخلفه للإشراف على المجندون ولما وجدوا المستعمرة مزدحمة – وبناء على توجيه أحد المدنيين – توجه تسعة جنود للاغتسال إلا أن ابن المدعيين أراد الاستحمام بالنهر فغرق.
وأضاف المدعيان أن غرق ابنهما كان بخطا الوحدة ، إذ كان عليها أن توفر لهم ما يلزمهم من المياه ، وما كان للنقيب أن يسمح لهم بالذهاب إلى المستعمرة ، وما كان للرقيب المشرف عليهم أن يتركهم دون وضع مراقبه على شاطئ النيل ، كما أن ابن المدعيين اضطر إلى النزول بمياه النيل لوجود ازدحام شديد على (حنفية) المستعمرة ، وذلك بشهادة الشهود ، ولما كان خطأ الوحدة قد استغرق خطأ المتوفى ، وقد لحق بالمدعيين ضرر مادي ومعنوي من جراء وفاة ابنهم وهو في ريعان شبابه ، ومن ثم يستحقان التعويض المطالب به.
وأودع المدعيان تأييدا للدعوى صورة من مذكرة قائد الكتيبة والتحقيق الذي تم بالوحدة، والتحقيق الذي تم بمكتب التحقيقات ، ونموذج خدمة المتوفى بالقوات المسلحة. وطلبت جهة الإدارة الحكم برفض الدعوى لأن خطأ المدعى (الطاعن) كان هو السبب الجوهري في حدوث الوفاة ، ومن ثم فلا مسئولية على المدعى ضده بصفته.
وبجلسة 30 من مارس سنة 1986 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه ، برفض طلب التعويض وببطلان صحيفة الدعوى بالنسبة لطلب المستحقات القانونية.
وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة إلى بطلان صحيفة الدعوى على التجهيل والعمومية وأقامت قضاءها بالنسبة إلى رفض طلب التعويض على أن الأحداث الثابتة بالأوراق ودعوى المدعى لم تكن السبب المباشر في وفاة نجل المدعيين ذلك أن التصريح الصادر لأفراد الوحدة لم يكن بالذهاب إلى مياه نهر النيل ، وإنما إلى مياه صنبور المستعمرة المجاورة وقد خالف نجل المدعيين التعليمات وانسلخ مع بعض زملائه عن باقي أفراد الوحدة وذهب إلى نهر النيل، ولم يكتف بغسل ملابسه والاغتسال ، بل انفرد بالاستحمام فى مجرى النهر فجرفه التيار ، وكان ذلك نتيجة خطئه الذي يكون سبباً أجنبياً من تحقيق مسئولية الجهة الإدارية.
ومن حيث أن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ نفى خطأ جهة الإدارة ، في حين أن الثابت أن نجل الطاعنين لم يسع إلى مصدر للمياه بمجرى النيل إلا بعد أن تكشف عدم وجود مياه بالمعسكر مع وجود ازدحام كبير على مصدر المياه بالمستعمرة التي وجهوا إليها ، الأمر الذي كان معه مجرى النيل هو مصدر المياه المتاح الذي كان الالتجاء إليه تصرفاً طبيعياً فى في تلك الظروف ، الأمر الذي ينفي توافر حالة القوة القاهرة ، التي تفصم عرى السببية بين خطأ جهة الإدارة والضرر المطالب بالتعويض عنه.
ومن حيث أن المدعيين قد أقاما دعواهما بطلبين أصليين ومحددين ، أولهما أحقية المدعيين لتعويض مقدرة عشرة آلاف جنية. وثانيهما أحقيتهما في صرف مستحقات ابنهما المتوفى طبقاً لأحكام القانون رقم 90 لسنة 1975 وقرار رئيس الجمهورية رقم 433 لسنة 1981 بشأن التأمين الاجتماعي للضابط الاحتياط والمجندين بالقوات المسلحة باعتبار أن الوفاة كانت أثناء الخدمة وبسببها.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه قد انتهى في قضائه إلى الحكم بالنسبة لشق المطالبة بالمستحقات القانونية ببطلان صحيفة الدعوى ، وقد أوردت المحكمة فى حيثيات الحكم تسبيباً لهذا القضاء بقولها أن الدعوى يشوبها التجهيل والعمومية بالنسبة للطلب الثاني فمن ثم تبطل صحيفة الدعوى بالنسبة للطلب الثاني لما يشوبه من تجهيل.
ومن حيث أن الحكم الطعين قد صدر مشوباً بخطأ بين في هذا الشق من قضائه ذلك أن تجهيل الطلبات إنما يعني أن تكون طلبات المدعى غير محددة أو قابلة للتحديد بمعنى أن يكون المدعى قد أغفل على نحو جسيم يستحيل معه لغة وعقلاً ومنطقاً على المحكمة أن تحدد على أساس سليم حقيقة ما يستهدف المدعى تحقيقه من دعواه وما يطلب منها القضاء به من طلبات ، وسنده القانوني في طلبها ، ذلك أن المستقر في قضاء هذه المحكمة أنه وإن كان للخصوم تحديد طلباتهم بالعبارات التي يصوغونها وفقاً لما يرونه محققاً لمصلحة كل منهم ويختارون لهذه الطلبات السند القانوني الذي يرونه أرجح في قبول القضاء لهم موضوعياً بهذه الطلبات فإن تحديد هذه الطلبات وتكييف حقيقة طبيعتها القانونية أمر مرجعه إلى المحكمة إذ عليها أن تتعمق في ما يحدده الخصوم فى المنازعة الإدارية من طلبات وأسانيد قانونية لها – لتصل المحكمة إلى التكييف الصحيح لحقيقة هذه الطلبات وتنزل عليها أحكام القانون غير متقيدة بما أورده الخصم من عبارات أو ألفاظ لا تتحقق من خلال معناها لظاهر حقيقة نواياه وغاياته من المنازعة الإدارية وما صدر منها ذلك أنه من المسلمات أن العبرة بالمقاصد والمعاني وليس بالألفاظ والمباني ، وحيث أنه وإن كان ذلك يصدق كمبدأ عام بالنسبة لكل دعوى أو منازعة فإنه يكون الأولى بالالتزام والتطبيق في المنازعات المتعلقة بتسوية مرتبات أو معاشات أو المستحقات التأمينية سواء للموظفين العموميين أو لغيرهم من المواطنين ، حيث يكون المركز القانوني محل المنازعة منشأة أحكام القانون مباشرة دون أي تقدير للسلطة الإدارية المختصة وحيث يحدد القانون ذاته الشخص المستحق ومحل مركزه القانوني وحدوده ومداه فيكتفي لتكييف وتحديد طلبات الخصوم في مثل هذه المنازعة أن يحدد موضوع الطلب ويشير إلى سنده القانوني في القانون أو التشريع الذي يستند إليه فى المطالبة به ، ذلك لأن الالتزام من جهة الإدارة بتنفيذ أحكام القانون واحترامه أمر من أول واجباتها التي يلزمها به الدستور صراحة. وهو ذاته الذي تلتزم به السلطة القضائية وأحد هيئاتها مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري ويمثل منح المستحق لتسوية حقه فيها جانباً من الشرعية للنشاط الإداري الذي يجعله من النظام العام الإداري ، كما سبق أن مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري يؤدي رسالة جليلة وعظيمة الشأن في حياة الدولة والمجتمع معاً فهو المسئول عن الشرعية والمشروعية وإقرار العدالة الإدارية ، وحماية الحقوق العامة للمواطنين في إطار سيادة الدستور والقانون ، ويلتزم القاضي بأداء واجباته في نظر المنازعة ودراستها وتوجيه إجراءاتها بهذه الغايات الجليلة السابقة (المواد 64 ، 65 من الدستور) وهذا ما دعى المشرع إلى النص بصفة خاصة في المادة (68) من الدستور على حظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء وفي المادة (172) من الدستور أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية فلا يسوغ للقاضي الإداري أن يغفل استيفاء البيانات والمستندات واتخاذ ما يراه من إجراءات التحقق والتحقيق لو لزم الأمر لتحديد حقيقة طلبات الخصوم فى المنازعة الإدارية لينزل عليها حكم القانون الصحيح وإلا كان متقاعساً عن أداء رسالته على النحو الأمثل في تحقيق المشروعية وسيادة القانون ، ولا شك أنه حسبما جرى قضاء هذه المحكمة واستقر ذلك فإن مجرد ذكر ما يطلبه المدعى يكفي في مجال منازعات التسويات بالذات لوضع الدعوى في حوزة العدالة حيث على المحكمة المختصة أن توجه الإجراءات لكي تفحص موضوع الدعوى وتمحصه وتحدد حقيقة الطلبات التي يهدف إليها الخصوم منها وتستجلى وقائعها وتحدد نقطة البحث القانوني التي تثيرها ومقطع النزاع فيها وتنزل حكم القانون عليها ، لأن المحكمة في مجال المنازعة الإدارية والقضاء الإداري هي الأمينة على المشروعية وسيادة الدستور والقانون والمسئولة في هذا النطاق عن إرسائها وإعلائها ورفع رايتها ، ومن ثم فهي ليست في حاجة إلى من يبرز أمامها تفاصيل الطلبات التي يستحقها المدعى من أحكام القانون مباشرة ولا عن التحديد التام للقاعدة القانونية الواجبة التطبيق على النزاع لأنه إذا كان المفروض في القاضي – كقاعدة عامة – العلم بالقانون ، فإن المفروض في القاضي الإداري ليس فقط العلم بالقاعدة القانونية الواجبة التطبيق على الوقائع التي يستبينها بل المفروض فيه فضلاً عن ذلك أن يبادر إلى تطبيق صحيح أحكام القانون حسبما يحكمه مبدأ المشروعية ولو كان المدعى لم يحددها تحديداً دقيقاً أو إذا استند إلى قاعدة سواها لا تنطبق في شأن دعواه.
ومن حيث إن المدعيين في الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه قد حددا بوضوح تام أنهما يطلبان صرف المستحقات القانونية طبقاً لأحكام القانون رقم 90 لسنة 1975 بإصدار قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة ، وهذا يعتبر تحديداً سليماً كافياً ومغنياً عن أي إيضاح من جانب المدعيين لطلبهما ، ذلك أن هذه المطالبة في الصورة المقبولة أمام القضاء الإداري وفقاً لما هو مستقر في قضاء مجلس الدولة المصري منذ بداية مباشرته لرسالته لأعمال صحيح حكم القانون في أية منازعة من منازعات التسوية على وجه الخصوص ومن ثم فإِن طلبات المدعيين لم تقدم إلى محكمة أول درجة على وجه يمكن أن يوصف بالتجهيل ، بل أن الحكم الذي يضفي على هذا الطلب وصف التجهيل إنما ينطوي على خروج على المبادئ العامة الحاكمة لإجراءات نظر المنازعة الإدارية ودعاوى التسويات بوجه خاص أمام محاكم مجلس الدولة على غير سند من القانون وبما ينحدر إلى حد يقارب السقوط في هوة إنكار العدالة لما ينطوي عليه هذا المسلك من الحكم من تسلب من الفصل في الدعوى دون مسوغ – حيث ينطوي مسلك ومنهج الحكم الطعين على مخالفته لقاعدة دستورية نص عليها دستور جمهورية مصر العربية في المادة (68) بتقرير أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ، لكل مواطن الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي بل إنه ينطوي على مخالفة للمادة الثامنة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة وأعلنته في العاشر من ديسمبر سنة 1948 والذي ينص على أن لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه من أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون ، وينص في المادة العاشرة على أن لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة ونزيهة نظراً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته.
ومن حيث إن مقتضى ما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد اخطأ خطأ بينا وجسيماً إذ قضى بالنسبة لشق المطالبة بالمستحقات القانونية ببطلان صحيفة الدعوى ، فإنه يكون واجب الإلغاء لهذا الشق من قضائه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد شيد قضاءه في شأن الشق الآخر من الدعوى الخاص بطلب المدعيين التعويض عن وفاة ابن المدعيين ، برفض طلب التعويض تأسيساً على أنه لم يثبت الخطأ من جانب جهة الإدارة بما ينطوي على اعتبار أساس صلة جهة الإدارة بالحادث مستقاة فقط من قواعد المسئولية التقصيرية دون غيرها ، حيث لم يبين الحكم أن صلة جهة الإدارة بالحادث مستقاة أيضاً من حكم القانون المنظم للعلاقة بين المجندين والقوات المسلحة أي أن مصدر التزامها عن تسوية نتائج الحادث وترتيب آثاره هو القانون كمصدر من مصادر الالتزام ويختلف هذا المصدر لا شك عن الفعل غير المشروع كمصدر آخر من مصادره.
ومن حيث إن المشرع ينص في القانون المدني (مادة 198) على أن الالتزامات التي تنشأ مباشرة عن القانون وحده تسرى عليها النصوص القانونية التي أنشأتها.
ومن حيث أنه تطبيقاً لذلك ولما كان المشرع قد حدد تشريعياً المستحقات التي تمنح للمستحقين عمن يتوفى بسبب الخدمة وذلك في قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة والصادر به القانون رقم 90 لسنة 1975 والذي نص في المادة (59) معدلة بالقانون رقم 114 لسنة 1987 على أن يمنح المستحقون عمن يتوفى من المجندين بسبب الخدمة معاشاً مقداره عشرة جنيهات ما لم يكن المتوفى المفقود من المحتفظ لهم بوظائفهم المدنية ، فيمنح المستحقون عنه معاشاً شهرياً يعادل خمسة أسداس أجره المدني.
وحيث أن مصدر التزام جهة الإدارة في مواجهة المستحقين عمن يتوفى من المجندين بسبب الخدمة هو نص القانون على النحو المتقدم ، فإن مقتضى ذلك أن المشرع قد حدد التزامات جهة الإدارة في هذه الحالة بموجب القانون مباشرة ومن ثم فإنه لا يكون هناك وجه للقول بمسئولية جهة الإدارة عن ذات الحالة استناداً إلى مصدر آخر من مصادر الالتزام هو العمل غير المشروع ، ما لم تكن وفاة المجند بسبب الخدمة قد نتجت عن تصرف أو عمل ينطوي على نوع من أنواع خطأ جهة الإدارة ينحدر إلى مستوى الخطأ العمدي أو الخطأ الجسيم ، لأن الاستحقاق الذي قدره القانون للمستحقين عن المجند المتوفى بسبب الخدمة إنما قدره بمراعاة ظروف مخاطر الخدمة العسكرية التي يمكن أن يتعرض لها لمجند بلا خطأ جسيم من جانب جهة الإدارة هو نتيجة لخطأ المرفق الممكن وقوعه في الأحوال واحتمالات الممارسة الجارية لنشاطه دون ظروف مخاطر الخدمة التي تشكل صورة الخطأ العمدي أو الخطأ الجسيم ، إذ في هذه الحالة الأخيرة لا يكون التعويض وغيره من الحقوق التي قدرها وقررها المشرع كافية لتغطية الضرر الذي أصاب المستحقين عن المتوفى وإنما يكون ظرف العمد أو الخطأ الجسيم مقتضياً لتعويض مكمل لحجم الضرر الذي رتبه الخطأ الجسيم أو العمدي من جهة الإدارة إلى جانب ما قرره القانون للمستحقين من مستحقات ، وذلك ما لم ينص القانون صراحة على غير ذلك.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد خالف مقتضى هذا النظر القانوني السليم ومن ثم فإنه يكون قد صدر معيباً واجباً الإلغاء.
وحيث إن الدعوى الصادر فيها لحكم المطعون فيه مهيأة للفصل فيها على مقتضى هذا النظر ، ومن ثم فإنه وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من استهداف سرعة حسم المنازعة الإدارية وإقرارا العدالة وتحقيق المشروعية وسيادة القانون ، فإن هذه المحكمة العليا تتصدى للفصل في موضوعها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق والتحقيقات المودعة ملف الدعوى أنه في يوم 2/5/1982 أراد قائد الكتيبة 417 تطهير الطريق المؤدى إلى موقع الكتيبة بعد أن غطته الرمال بطول 8.5 كيلو متر ولم يتمكن من رفع الرمال بالوسائل الميكانيكية لتتمكن السيارات من المرور به إلى الموقع فقرر تكليف مجموعة من الجنود برفع الرمال يدوياً ، الأمر الذي أجهدهم ولوث ملابسهم مما جعلهم يطلبون إلى قائد الكتيبة مصدراً للمياه للاغتسال وغسل الملابس لوما كان الموقع يفتقر إلى الماء في ذلك اليوم فقد سمح لهم بالتوجه إلى مستعمرة قريبة للاغتسال من صنبور متاح وأرسل معهم لقيادتهم رقيباً متطوع إلا أن هذا الرقيب تركهم وذهب إلى المستشفى ، فلما ورد الجنود ماء الصنبور وجدوا عليه زحاماً دفعهم إلى الاغتسال بشاطئ النهر وغسل ملابسهم به ، وقد قام نجل الطاعنين منفرداً دون سواه بالاستحمام بالنيل دون معرفة السباحة الأمر الذي أدى إلى غرقه.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن سوء إدارة المرفق قد رتب عدم توفير وسائل ميكانيكية لإزاحة الرمال المنهالة على الطريق ، وأن سوء هذه الإدارة قد رتب عدم توافر المياه اللازمة للاغتسال وغسل الملابس بعد عناء يوم طويل في إزاحة الرمال يدوياً كما أن سوء الإدارة وعدم الالتزام الصحيح بالضبط والربط قد جعل قائد المجموعة يتخلى عنها ويتركها دون رقابة قيادة مسئولة كان يمكن لها أن تحول دون اتجاه أفرادها إلى النهر ، الأمر الذي يسر لابن المدعيين الانفلات إلى عرض النهر ووقوع حادث الغرق.
ومن حيث إن مؤدى ما تقدم جميعه أن ما أصاب ابن المدعيين كان بسبب الخدمة ، الأمر الذي ينبغي معه أحقية المدعيين في المستحقات القانونية على هذا الأساس.
ومن حيث ما وقع من خطأ جهة الإدارة على هذا النحو لا ينحدر إلى مستوى الخطأ الجسيم الذي تنفرد به وحدها مع تابيعها لتحمل مسئوليته لأن الثابت بالأوراق أنه توجد تعليمات صريحة تحظر على الجنود الاستحمام أو الصيد أو غسل الأفرولات بالنيل ، كما أن الثابت أن الأذن الممنوح لجماعة الجنود التي شملت ابن المدعيين كان للذهاب للاغتسال وغسل الملابس من مياه المستعمرة وليس بالالتجاء إلى شاطئ النهر فضلاً عن إن ابن المدعيين قد أنفرد وحده دون سواه بركوب متن الشطط وبعدم الاكتفاء باستعمال مياه الشاطئ وإنما أمعن في خوض غمار الخطر والخطأ بأن نزل إلى عرض النهر فكان ما كان من وفاته غريقاً.
ومن حيث إن مقتضى ما تقدم استحقاق المدعيين لما حدده القانون من حقوق ومراكز قانونية على أساس أن وفاة ابنهما المجند كانت بسبب الخدمة ، وعدم استحقاقهما تعويضاً عن المسئولية التقصيرية إلى جانب ما تقدم.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً ، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه. وبأحقية المدعيين في تسوية جميع المستحقات المعاشية والتأمينية طبقاً لأحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة رقم 90 لسنة 1975 على أساس أن وفاة ابنهما المجند كانت بسبب وأثناء الخدمة بالقوات المسلحة مع ما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين بالأسباب وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات

اشترك في القائمة البريدية