طعن رقم 2581 لسنة 38 بتاريخ 27/02/1994 الدائرة الأولي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي فؤاد الخادم رئيس مجلس الدولة و عضوية السادة الأساتذة / جودة فرحات عادل محمود فرغلي و السيد / محمد السيد طحان و أحمد عبد العزيز ابو العزم نواب رئيس مجلس الدولة
* إجراءات الطعن
في يوم الاربعاء الموافق 24من يونيو لسنة 1992 أودع الأستاذ /… المحامي بصفته وكيلا عن الطعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الماثل قيد بجدولها تحت رقم 2581 لسنة 38 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري دائرة منازعات الأفراد بجلسة 28/5/1992في الدعوى رقم 1516 لسنة 46 ق و القاضي بقبول الدعوى شكلا وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه و إلزام المدعي مصروفاته.
وطلب الطاعن – للأسباب الواردة بتقرير طعن – الحكم بقبول الطعن شكلا و بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من رفض طلب المستعجل و القضاء بوقف تنفيذ القرار السلبي المطعون فيه، و منح الطاعن رخصة لمزاولة مهنة بائع متجول بسوق الجوهري بميدان العتبة , مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات و قد اعلن الطاعن إلى المطعون ضدهم علي الوجع المبين بالأوراق.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا و في الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه و القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه و ما يترتب علي ذلك من آثار إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 28/9/1992 و بجلسة 18/1/1993 قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الاولى لنظره والتي نظرته بجلسة 14/2/1993 و بالجلسات التالية علي النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 23/1/1993 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم 27/2/1994 وبها صدر هذا الحكم و أودعت مسودته المشتملة علي أسبابه عند النطق به.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، و بعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد أستوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع النزاع تتحصل – حسبما يبين من الأوراق – في أن الطاعن اقام الدعوى رقم 2581 لسنة 38 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 28/11/1991 طلب في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلا و بوقف تنفيذ وإلغاء قرار حي عابدين السلبي بالامتناع عن صرف ترخيص للمدعي لمزاولة مهنة بائع متجول و ما يترتب علي ذلك من اثار قانونية و إلزام المدعي عليهم المصروفات و قال المدعي شارحا لدعواه أنه يمارس حرفة بائع متجول بسوق الجوهري ناصية ميدان العتبة قسم الموسكي منذ أكثر من 15 عاما و إن هذا السوق ضمن اسواق حي عابدين وان له ملف بإجارة الاسواق ثابت به مزاولته لمهنة بائع متجول و قد تحرر عقد بين المدعي و بين شركة كير سرفيس لجمع القمامة في المكان الذي يباشر فيه حرفة بائع متجول , كما وافق محافظ القاهرة للطال بممارسة حرفة بائع متجول بسوق الجوهري ناصية ميدان العتبة و تم منحه أكثر من ترخيص مؤقت لمزاولة حرفته لحين صدور ترخيص من محافظ القاهرة و انه بتاريخ 11/7/1990 حررت الرابطة العامة لجميع طوائف الباعة المتجولين شهادة للمدعي تفيد بأنه ,يزاول عمله المبين بالرخصة المنصرفة له بسوق الجوهري أمام محلات عبد المولي. وأضاف المدعى أنه تقدم بطلب الى الحى للترخيص له بمهنة بائع متجول في المكان الذي يمارس فيه مهنته وارفق بهذا الطلب الشهادة الصادرة من رابطة جميع طوائف الباعة المتجولين لحي عابدين، إلا أن حي عابدين لم يصدر قرارا بمنحه ذلك الترخيص و ذلك بالرغم من أن المستندات الرسمية التي تقدم بها تثبت مزاولته لمهنة بائع متجول مما يعتبر معه تصرف جهة الإدارة تعسفا يستوجب مخاصمته القضاة.
وبجلسة 28/5/1992 صدر الحكم المطعون فيه بقبول الدعوى شكلا و برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه و إلزام المدعي مصروفاته، وأقامت المحكمة قضاءها علي أن المستفاد من أحكام القانون رقم 140 لسنة 1956 في شأن اشغال الطرق العامة , و من أحكام لائحة الاسواق والباعة الجائلين بالاحياء الصادرة بقرار محافظ القاهرة رقم 12 لسنة 1984 أن المشرع نظم الاسواق بأحياء محافظة القاهرة ووضع شروطا فيمن يمارس التجارة والبيع بهذه الاسواق و من بين تلك الشروط أن يكون لطالب الترخيص مكان دائم وثابت بالسوق يزاول به مهنته و هذا لا يتأتى الا اذا ثبت انه يعمل بالسوق منذ مدة طويلة
وإن البادي من ظاهر الأوراق أن المدعي و إن قدم ما يفيد ممارسته عمل بائع متجول بسوق الجوهري بحي عابدين الا أنه لم يقدم المستندات التي تثبت مزاولته لهذه المهنة بالسوق مددا طويلة بحيث يمكن القول معها بأن له مكان دائم و ثابت بالسوق إذ أن عقد جمع القمامة الموقع بين المدعي وبين شركة كير سرفيس تثبت بداية العمل بالسوق من 1/7/1990 و الشهادة الصادرة من الرابطة تبين ممارسة العمل بالسوق من 26/11/1990 و هي مدد صغيرة لا تدل علي أن المدعي يمارس مهنة بائع متجول بهذا السوق منذ فترة طويلة , و بالتالي ينتفي في حق المدعي ان يكون له مكان دائم وثابت بالسوق، الامر الذي يكون معه امتناع الحي عن الترخيص له بمهنة بائع متجول بحي عابدين يستند إلى أسباب صحيحة قانونا وواقعا مما ينتفي معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه و من ثم رفض هذا الطلب دونما حاجة الى بحث ركن الاستعجال لعدم جدواه.
ومن حيث إن مبني الطعن أن الطاعن يمارس مهنة بائع متجول اكثر من خمسة عشر عاما طبقا للمستندات المقدمة لمحكمة القضاء الإداري والتي لو اطلعت عليها المحكمة لتغيير وجه الرأى في الدعوى و من بين تلك المستندات صورة رسمية من الشهادة الصادرة من الرابطة العامة لجميع طوائف الباعة الجائلين والتي تثبت ان الطعن مشترك تحت رقم 1579 في سجلات الرابطة ويقوم بسداد الاشتراكات سنويا وهو مشترك منذ اكثر من عشر سنوات ومن ثم فهو يباشر مهنة بائع متجول بسوق الجوهري منذ أكثر من خمس عشرة سنة وهي مدة طويلة علي خلاف ما ذهب إليه قضاء محكمة القضاء الإداري، المطعون عليه و لما كان القرار السلبي المتمثل في عدم صرف ترخيص للطاعن لمزاولة المهنة بائع متجول و قد أصابه بأضرار بالغة تتمثل في تشريده و اسرته و من ثم خلص الي طلباته في الطعن الماثل و قد أبدي في مذكرته المقدمة في جلسة 23/2/1994 أنه لا يطمع في أكثر من السماح له بمزاولة مهنته الوحيدة و مصدر رزقه و رزق اسرته بمنحه رخصة بائع متجول في أي سوق من الاسواق دون توقف علي سوق معين
ومن حيث أنه وفقا لحكم المادة 49 من القانون رقم 47 – 1972 بشأن مجلس الدولة يشترط لوقوف تنفيذ القرار الإداري توافر ركنين : الاول ركن الجدية بأن يقوم طلب المدعي علي أسباب يرجح معها إلغاء القرار المطعون فيه والثاني ركن الاستعجال بأن يترتب علي تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث انه في مقام ركن الجدية و لما كانت أحكام القانون رقم 14 لسنة 1956 في شأن الاشغال العامة تجعل من الترخيص في اشغال الطريق رخصة مؤقته محددة المدة يجري تجديدها وفقا للضوابط و بالشروط التي حددها القانون وذلك باعتبار ان الترخيص بشغل الطريق العام إنما هو انتفاع غير عادي بالمال العام لأن الانتفاع لا يتفق مع الغرض الأصلى الذي له المال العام و في هذا الانتفاع غير العادي يكون الترخيص للأفراد باستعمال جزء من المال العام من قبيل الاعمال الإدارية المبنية علي مجرد التسامح، وتتمتع الإدارة بالنسبة إلى هذا النوع من الانتفاع بسلطة تقديرية واسعة فيكون لها إلغاء الترخيص في اي وقت بحسب ما تراه متفقاً مع المصلحة العامة باعتبار أن المال العام لم يخصص فى الأصل لمثل هذا النوع من الانتفاع وأن الترخيص باستعماله على خلاف الأصل عارض وموقوت بطبيعته ومن ثم قابلا للإلغاء أو التعديل فى أى وقت لداعى المصلحة العامة إلا أن سلطة جهة الإدارة فى إلغاء الترخيص أو فى انقاص مدته مشروطة بتوخى المصلحة العامة والمتمثلة فى مقتضيات التنظيم أو الامن العام أو الصحة أو حركة المرور أو الآداب العامة أو جمال تنسيق المدينة (طبقا لنص المادة 9 من القانون السابق) ويخضع قراراها الصادر بإلغاء الترخيص أو بعدم تجديده لرقابة القضاء الإدارى رقابة مشروعية تستهدف وزن القرارات الإدارية بميزان القانون، فإذا ثبت صدور القرار الإدارى مخالفا لحكم القانون أو منحرفا عن تحقيق الصالح العام فانه يقضى بإلغائه، وأنه ولئن كان صحيحا أنه لا محل لرقابة القضاء الإدارى على الملائمات التقديرية التى تباشرها السلطة الإدارية المختصة عند إصدار قراراها إلا ان مناط ذلك هو أن يصدر القرار مستهدفا الصالح العام.
ومن حيث إن لائحة تنظيم الأسواق والباعة الجائلين بالأحياء والمعمول بها طبقا لقرار محافظ القاهرة رقم 12 لسنة 1984 والتى تحكم النزاع الماثل – تنص فى مادتها الخامسة على أن: تتولى إدارة الأسواق الحالية بالأحياء وما يتم إنشاؤه من أسواق جديدة إدارة متخصصة تسمى إدارة شئون الأسواق تنشأ بكل حى ويصدر بهيكلها التنظيمى واختصاصاتها قرار من السيد المحافظ وذلك حتى يكون للأسواق ذاتيها المستقلة. وتنص المادة السادسة على أن تختص إدارة شئون الأسواق بالحى بالحصر والمسح الميدانى وتسكين الباعة الجائلين بالمواقع وصرف الترخيص بمزاولة المهنة مع اعطائهم العلامات المميزة وتحصيل الرسوم المقررة من البائعين لإنشاء واستكمال المرافق الضرورية وأعمال الصيانة الطارئة الدورية وأعمال النظافة وبحث وتنفيذ المشروعات المطلوبة بالأسواق وتنظيم وإقامة وإنشاء أسواق جديدة….
ومن حيث إن الجهة الإدارية لم تورد سببا لقراراها المطعون فيه سوى ما حوته حافظة مستنداتها المودعة بجلسة 23/1/1994 من مذكرة الشئون القانونية بحى عابدين إلى الشئون القانونية بمحافظة القاهرة بأن الطاعن تقدم بتاريخ 16/12/1987 بطلب ترخيص، وبتاريخ 29/3/1989 قررت اللجنة المختصة بالأسواق حفظ الطلب لسقوطه بمضى المدة القانونية، وأن الوضع الحالى فى أسواق الحى مثل منطقة العتبة والموسكى وشارع بورسعيد يشهد زحام الباعة بما يعوق المرور ويجعل مباشرة النشاط التجارى فى غاية الصعوبة مما أدى إلى وقف قبول طلبات ترخيص جديدة، ومما نتج عنه قيام المحافظة بإخلاء هذه المناطق من الباعة وتوفير أماكن بديلة لهم بمنطقة الدويقة والبادى من هذا الكتاب أنه لا يفيد عدم منح الترخيص للطاعن أو لغيره وأن المسألة تتعلق بإطار تنظيم مباشرة الباعة الجائلين لنشاطهم فى أماكن ممارسة عملهم السابقة أو فى الأماكن الجديدة التى نقلوا إليها، كما يبين من ذات الكتاب أن سبب عدم الترخيص للطاعن يرجع إلى أن الشروط الواجب توافرها فى المرخص له بمباشرة مهنة بائع متجول غير متوافرة فى حق الطاعن، وما سبق بأن ثمة سويقات مقامة تعوق المرور وأن المنطقة مكتظة بالباعة الجائلين لا تنهض – كقول مرسل – سببا مشروعاً يبرر الامتناع عن إصدار الترخيص للطاعن.
ومن حيث إنه ولئن كانت المادة الثانية من اللائحة السابقة تشترط فيمن يرخص لهم بمباشرة نشاط الباعة الجائلين أن يكون له مكان ثابت بالسوق ويسدد مقابل الانتفاع – وإذ استخلص الحكم المطعون فيه من هذا الشرط أنه يتعين أن يثبت أن البائع المتجول يعمل بالسوق منذ مدة طويلة وهو استخلاص غير سائغ – إذ يكفى للترخيص لمن يريد امتهان نشاط البيع أن يكون له مكان ثابت بالسوق ويسدد مقابل الانتفاع ولو لمدة يسيرة متى توافرت فيه الشروط المتطلبة لمزاولة مهنة بائع متجول باللائحة المشار إليها والتى استلزمت أن يكون له مكان ثابت بالسوق وهو ما تتولاه جهة الإدارة، ولم تحدد تلك اللائحة حد أدنى لتلك المدة وبالرغم من ذلك فإن البين من ظاهر الأوراق أن الطاعن سبق أن تقدم بتاريخ 16/12/1987 بطلب ترخيص حفظ دون بيان سبب الحفظ والأساس القانونى الذى يستند اليه، كما انه وبتاريخ 26/11/1990 صرح له مؤقتا بالعمل لمدة ستة أشهر، وقدم عقد جمع القمامة بينه وبين شركة كير سيرفيس يثبت بداية عمله بالسوق من 1/7/1990 وشهادة صادرة من رابطة الباعة الجائلين تثبت ممارسته العمل بالسوق – ولما كانت لائحة الأسواق التى صدر بها قرار المحافظ تضمنت أحكاما بإجراء حصر شامل لمن يعملون بالأسواق الحالية ومنحهم التراخيص اللازمة بعد توافر الشروط المتطلبة قانونا فى حقهم وفى إطار تنظيم عام متكامل لتلك التراخيص فى ضوء الأماكن المتاحة وترتيبا على ذلك فإن قرار جهة الإدارة السلبى بالامتناع عن منح الطاعن الترخيص المطلوب يكون غير قائم على سبب صحيح، ويكون طلب وقف تنفيذه متوافرا على ركن الجدية فضلا عم ركن الاستعجال المتمثل فى حرمان الطاعن من كسب عيشه وأسرته من هذا العمل ومن ثم يتعين القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر ومن ثم يتعين إلغائه.
ومن حيث عن من يخسر الطعن يلزم بمصروفاته عملا بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.