طعن رقم 2824 لسنة 32 بتاريخ 17/03/1990 الدائرة الرابعة
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / طارق عبد الفتاح البشري نائب رئيس مجلس الدولة و عضوية السادة الأساتذة : محمد يسري زين العابدين و يحيى السيد الغطريفي و د. فاروق عبد البر السيد و فريد نزيه تناغو .المستشارين
* إجراءات الطعن
فى يوم الأربعاء الموافق 2/7/1986 أودعت هيئة قضايا الجولة نائبة عن السيد مدير النيابة الإدارية بصفته بقلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالإسكندرية بجلسة 3/5/1986 في الدعوي رقم 176 لسنة 27 ق المقامة من النيابة الأدارية ضد 1- …… 2- …… والقاضي بتغريم الاول مبلغ خمسة وعشرين جنيهاً وبسقوط الدعوي التأديبية بالنسبة للمحال الثاني وطلبت هيئة قضايا الدولة في ختام تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضي به من سقوط الدعوي التأديبية والحكم مجدداً بتوقيع الجزاء المناسب علي المطعون ضدهما طبقاً لتقرير الأتهام .
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني أنتهت فيه إلي أنها تري الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً .
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 11/1/1989 والجلسات التالية حيث قررت بجلسة 22/2/1989 إحالة الطعن إلي الدائرة الرابعة موضوع بالمحكمة الإدارية العليا ونظرت المحكمة هذا الطعن بجلسة 8/4/1989 والجلسات التالية حيث حضر ممثل النيابة الإدارية ومحامي المطعون ضده الثاني وقدم كل منهما مذكرة بدفاعه ، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة علي منطوقة وأسبابه عند النطق به .
* المحكمة
بعد الأطلاع علي الأوراق وسماع الإيضاحات – والمداولة قانوناً ومن حيث إن الطعن أستوفي أوضاعة الشكلية فهو مقبول شكلاً .
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتلخص في إنه بتاريخ 16/2/1985 وأودعت النيابة الإدارية بقلم كتاب المحكمة التأديبية بالأسكندرية تقريراً بإتهام كل من 1- …… رئيس إدارة مراقبة التنظيم بحي وسط بالدرجة الثانية ، ومحال للمعاش 2- …… رئيس إدارة مراقبة التنظيم بحي وسط بالدرجة الثالثة .
لأنها في المدة من عام 1976 حتى 1980 بحي وسط خالفا القواعد والأحكام المالية بأن قاما بإستخراج عدد من تراخيص البناء دون مطالبة أصحابها بمستندات الاسكان ووثائق التأمين وبما يفيد سداد التأمينات الاجتماعية وبشهادات الايرادات علي النحو الموضح بالأوراق وارتكبا بذلك المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المادتين 77/1-3،78 من القانون رقم 47/1978 بشأن نظام تاعاملين المدنيين بالدولة المعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983 .
وطلبت النيابة الإدارية محاكمتها تأديبياً بالمواد السالفة وتطبيقاً للمواد 80 ،82 من القانون رقم 74 لسنة 1978 المشار إليه والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 المعدل بالقانون رقم 171 لسنة 1981 بشأن تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية والمواد 15/1 ، 19/1 ، 20 ، 21 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة وأودعت النيابة الإدارية مع تقرير الاتهام مذكرة بوقائعه وأسانيد ثبوته وملف القضية رقم 707 لسنة 1984 اسكندرية .
وبجلسة 3/5/1986 قضت المحكمة التأديبية بالاسكندرية بتغريم المحال الأول مبلغ خمسة وعشرين جنيهاً وبسقوط الدعوي التأديبية بالنسبة للمحال الثاني ، وأسست المحكمة حكمها علي أن الواقعة تتحصل في بلاغ حي وسط إلي النيابة الإدارية بكتابة رقم 1958 في 9/6/1984 من أن الإدارة العامة للتفتيش المالي بالمديرية المالية قامت بتفتيش علي وحدة تراخيص البناء بالحي وأسفر التفتيش عن وجود بعض الملاحظات والمخالفات التي تضمنها التقرير المؤرخ 30/1/1984 الذي ورد به أن وحدة التراخيص بالحي كانت تصدر تراخيص البناء دون استيفاء بعض المستندات اللازمة مثل وثائق التأمين عن الأعمال المرخص بها ومستندات الاسكان التي يجب الاكتتاب فيها وما يدل علي سداد ضريبة الأرض الفضاء بالكامل ، فتولت النيابة الإدارية التحقيق في هذا الموضوع ، وأضافت المحكمة أنه بسؤال …… مدير الشئون المالية والإدارية بالإدارة العامة الهندسية بحي وسط في التحقيق قرر أن المخالفات المشار إليه مسئولية كل من … و … حيث يقوم الأول بتلقى طلبات التراخيص واستيفائها من حيث التأمينات ومستندات الإسكان وخلافه ، ويقوم الثانى بمراجعة ملف التراخيص بعد استيفاء كافة الجوانب الإدارية والهندسية وهما يعملان بالقسم الإدارى من عام 1976 وبسؤال المحال الثانى قرر أن المخالفات المذكورة هى مسئوليته هو والمحال الأول وبسؤال (……) مدير الشئون المالية والإدارية بحى وسط شهد أيضا وأجاب بمضمون ما سلف ، ومن ثم فإن المخالفات المسندة إلى المحال الأول ثابته فى حقه من أقوال كل من (…و…) وبما جاء بتقرير مدير الشئون المالية السالف الأمر الذى يشكل فى حقه ذنباً تأديبياً يستوجب المساءلة وأضافت المحكمة أن المادة 88 من القانون رقم 47 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة تنص على أنه يجوز فى المخالفات التى يترتب عليها ضياع حق من حقوق الخزانة العامة إقامة الدعوى التأديبية ولو لم يكن قد بدء فى التحقيق قبل انتهاء الخدمة وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ انتهائها ، ولما كان الثابت أن المحال الأول قد أحيل إلى المعاش فى 30/11/1983 ، ومن ثم فلم تنقص بعد مدة الخمس سنوات المنصوص عليها فى المادة السالفة وكانت المخالفة المنسوبة إليه متعلقة بحقوق مالية للدولة الأمر الذى يجوز معه إقامة الدعوى التأديبية قبله ومحاكمته تأديبياً عن تلك المخالفات وفى تقدير العقوبة تلاحظ المحكمة أن جهة الإدارة قامت باتخاذ الإجراءات نحو استيفاء المستندات المطلوبة وتحصيل المبالغ المستحقة على أصحاب تلك التراخيص . ومن ثم فإنها تأخذ المتهم الأول بالرأفة وتكتفى بتغريمه مبلغ خمس وعشرين جنيهاً بحسبانه من العاملين الذين انتهت خدمتهم وأضافت المحكمة أنه بالنسبة للمحال الثانى فإن المادة 91 من القانون يالف الذكر تنص على سقوط الدعوى التأديبية بالنسبة للعامل الموجود بالخدمة بمضى ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة وتنقطع هذه المدة بأى إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وتسرى المدة من جديد ابتداء من أخر إجراء والثابت من الأوراق أن المخالفات المنسوبة للمحال الثانى بتقرير الاتهام ارتكبت خلال الأعوام من 1976 إلى 1980 واكتشفت بمناسبة قيام المديرية المالية بالتفتيش على أعمال وحدة التراخيص بحى وسط وتضمن تقرير التفتيش المعتمد من مدير إدارة التفتيش الدورى فى 7/2/1984 تعداد لهذه المخالفات على وجه التفصيل وأرسل التقرير إلى رئيس حى وسط بكتاب رئيس الإدارة المركزية بالمديرية المالية المؤرخ 14/2/1984 ثم أحيل التقرير إلى الشئون القانونية فى 25/3/1984 التى ارتأت بمذكرتها المؤرخة 4/6/1984 إحالة الموضوع إلى النيابة الإدارية فأحيل إليها بكتاب رئيس حى وسط رقم 1958 فى 9/6/1984 الأمر الذى يبين منه بجلاء أن أول إجراء اتخذ فى هذا الموضوع تم بعد مضى أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب تلك المخالفات فتسرى فى شأنها مدة السقوط المشار إليها وعلى ذلك تكون الدعوى التأديبية بالنسبة للمحال الثانى قد سقطت بمضى ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة المسندة إليه ومن ثم انتهت المحكمة التأديبية بالإسكندرية إلى إصدار حكمها بتغريم المحال الأول بمبلغ خمسة وعشرين جنيهاً وبسقوط الدعوى التأديبية بالنسبة للمحال الثانى .
ومن حيث أن النيابة الإدارية طعنت فى هذا الحكم بالطعن الماثل وأسست طعنها على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله ذلك أن المادة 91 من القانون رقم 47/78 تقضى بأنه إذا كون الفعل جريمة جنائية فلا تسقط الدعوى التأديبية إلا بسقوط الدعوى الجنائية ولما كانت الوقائع المنسوبة إلى المطعون ضدهما هى مخالفتهما الأحكام والقواعد المالية لقيامها باستخراج عدد من تراخيص البناء دون مطالبة أصحابها بسندات الإسكان ووثائق التأمين وما يفيد سداد التأمينات الاجتماعية وشهادات الإيراد . وقد نص القانون رقم 106/1976 بشأن توجيه وتنظيم أعمال البناء فى المادة 22 على عقوبة جنائية لمخالفة المادة 8 من ذات القانون والتى نصت على أنه لا يجوز صرف تراخيص البناء أو البدء فى التنفيذ بالنسبة للأعمال التى تصل قيمتها إلى عشرة آلاف جنيه فأكثر إلا بعد أن يقدم طالب الترخيص وثيقة التأمين التى تعطى المسئولية المدنية المهندسين والمقاولين عن الأضرار التى تلحق بمالك البناء أو الغير أثناء التنفيذ وقد انتهت النيابة الإدارية إلى إحالة المطعون ضدهما إلى المحاكمة التأديبية مع إبلاغ النيابة العامة لإجراء شئونها فى الواقعة إذ أنها تشكل جريمة عامة مستمرة فلا تسقط الدعوى التأديبية إلا بسقوط الدعوى الجنائية وهى لم تسقط فعلاً ، والمحكمة أخذت بهذا النظر بالنسبة للمطعون ضده الأول .. ولا يتصور أن المخالفات تكون واحدة والفترة التى وقعت فيها واحدة بالنسبة للمطعون ضدهما ثم تكيل المحكمة بكيلين لكل من المطعون ضدهما فتعاقب الأول بإنزال الجزاء الرادع والمناسب ضده كما يلزم إلغاء الحكم فيما قضى به من سقوط الدعوى التأديبية والقضاء بإنزال الجزاء المناسب على المطعون ضده الثانى ، ومن ثم انتهت النيابة الإدارية فى تقرير الطعن إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من سقوط الدعوى التأديبية والحكم مجدداً بتوقيع الجزاء المناسب على المطعون ضدهما طبقاً لتقرير الاتهام .
ومن حيث أن المادة 88 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47/78 تنص على أنه (لا يمنع انتهاء خدمة العامل لأى سبب من الأسباب عدا الوفاة من محاكمته تأديبياً إذا كان قد بدء فى التحقيق قبل انتهاء مدة خدمته) .
ويجوز فى المخالفات التى يترتب عليها ضياع حق من حقوق الخزانة العامة إقامة الدعوى التأديبية ولو لم يكن قد بدء فى التحقيق قبل انتهاء الخدمة وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ انتهائها .
وتنص المادة 91 من هذا القانون على أنه (تسقط الدعوى التأديبية بالنسبة للعامل الموجود بالخدمة بعد مضى ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة ).
وتنقطع هذه المدة بأى إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وتسرى المدة من جديد ابتداء من آخر إجراء .
وإذا تعدد المتهمون فإن انقطاع المدة بالنسبة لأحدهم يترتب عليه انقطاعها بالنسبة للباقين ولو لم تكن قد اتخذت ضدهم إجراءات قاطعة للمدة .
ومع ذلك إذا كون الفعل جريمة جنائية تسقط الدعوى التأديبية بسقوط الدعوى الجنائية ، ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المتهمين قدما إلى المحاكمة التأديبية باعتبار أن المخالفات المالية سالفة الذكر المنسوبة إليهما وقعت فى الفترة من عام 1976 حتى عام 1980 وفقاً لما ورد بتقرير الاتهام ومذكرة النيابة الإدارية .
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الكشف عن المخالفات المنسوبة إلى المتهمين المطعون ضدهما بدأ بتقرير الإدارة العامة للتفتيش الدورى فى 7/1/1984 والمبلغ إلى 30/1/1984 والمعتمد من مدير إدارة التفتيش الدورى فى 7/1/1984 رئيس حى وسط بكتاب رئيس الإدارة المركزية مدير المديرية المالية بتاريخ 14/2/1984 وقد أحيل هذا التقرير إلى الإدارة القانونية للتحقيق بتاريخ 25/2/1984 ثم أحيل إلى النيابة الإدارية بكتاب رئيس حى وسط برقم 1958 بتاريخ 9/6/1984 .
ومن حيث إن المخالفات المنسوبة إلى المتهمين المطعون ضدهما وقعت فى الفترة من عام 1976 حتى عام 1980 فإنه تكون قد انقضت مدة تزيد عن ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب هذه المخالفات حتى تاريخ البدء فى إجراءات التحقيق بشأنها إذ لم تبدأ هذه الإجراءات إلا فى غضون عام 1984 بعد أن انقضت مدة الثلاث سنوات المشار إليها باعتبار أن إحدى المخالفات المنسوبة إلى المطعون ضدهما قد وقعت عام 1980، ومن ثم فإن مضى المدة التى تطلبها المادة 91السالفة لسقوط الدعوى التأديبية يعد متوافراً فى هذه الواقعة.
ومن حيث أنه بالنسبة لنا تثيره الجهة الطاعنة من عدم سقوط الدعوى التأديبية – رغم ما سلف – لعدم سقوط الدعوى الجنائية التوادة عن بعض المخالفات المرتكبة فإن المادة الثامنة من القانون رقم 106 / 1976 فى شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء تنص على أنه (لا يجوز صرف ترخيص البناء أو البدء فى التنفيذ بالنسبة إلى الأعمال التى تصل قيمتها ثلاثين ألف جنيه إلا بعد أن يقدم طالب الترخيص وثيقة تأمين…) وتنص المادة 22 من هذا القانون على عقاب من يخالف أحكام هذه المادة بالحبس وبغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين
ومن حيث إن المخالفات المسندة إلى المطعون ضدهما تشتمل على قيامهما بصرف تراخيص بناء فى الفترة المشار إليها دون مطالبة أصحابها بوثائق التأمين التى يتعين تقديمها قانوناً ، وهو الأمر الذى يثير بالنسبة لهما جريمة جنائية فضلاً عن المخالفة التأديبية فلا تسقط الدعوى التأديبية عن هذا الفعل إلا بسقوط الدعوى الجنائية ، طبقاً للمادة 91 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة السالفة ، إلا أن الجهة الطاعنة والتى تمسكت فى طعنها بعدم سقوط الدعوى التأديبية لهذا السبب لم تقدم للمحكمة الدعوى الجنائية المشار إليها وعدم سقوطها فلم تقدم الجهة الطاعنة ما يبين ما إذا كانت الدعوى الجنائية قد أقيمت ضد المطعون ضدهما من عدمه أو ما يبين تصرفات النيابة العامة المختصة قد أقيمت ضد المطعون ضدهما من عدمه أو ما يبين تصرفات النيابة العامة المختصة فى شأن ما يثار من اتهام جنائى فى هذا الخصوص أو ما يدل على صدور أحكام جنائية سواء بالإدانة أو البراءة الأمر الذى يكون معه تمسك الجهة الطاعنة بعدم سقوط الدعوى الجنائية إدعاء مرسلاً غير مؤيد بدليل خاصة وأن الواقعة بكل ما اشتملت عليه من مخالفات منسوبة إلى المطعون ضدهما لم تكتشف أو يبدأ فيها أى إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة العسكرية إلا بعد مضى أكثر من ثلاث سنوات على وقوعها وقد نصت المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية على إنقضاء الدعوى الجنائية فى مواد الجنح بمضى ثلاث سنوات من يوم ارتكاب الجريمة الأمر الذى يفترض معه إنقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة طالما لم تقدم النيابة الإدارية وهى الجهة الطاعنة ما يدل على غير ذلك ، كما أنه لا حجة على غير ذلك ، كما أنه لا حجة فيما استندت إليه الجهة الطاعنة من أن المخالفات المنسوبة إلى المطعون ضدهما هى من قبيل الجرائم المستمرة وبالتالى لا يبدأ سقوط الدعوى التأديبية بشأنها طالما أن حالة الاستمرار قائمة ذلك أنه مردود على هذا النظر بأن الأفعال المستمرة التى تستطيل بها المدة اللازمة لسقوط الدعوى هى تلك الأفعال التى تتدخل فيها إرادة الجانى تدخلاً مستمراً أو متجدداً ، بينما المخالفات المسندة إلى المطعون ضدهما هى بخلاف ذلك من قبيل الأفعال الوقتية غير المستمرة فتقع هذه المخالفات وتتم بمجرد إصدار التراخيص المشار إليها غير مستوفاة للمستندات التى يتعين توافرها قانوناً قبل إصدارها ومن ثم فإن المدة المسقطة للدعوى سواء الجنائية أو التأديبية تبدأ من تاريخ إصدار الترخيص الوجه المخالف للقانون بغض النظر عن استمرار الآثار المترتبة على ذلك الترخيص المخالف للقانون فهذه الآثار لا يعتد بها فى تكييف وصف الفعل الذى وقعت به الجريمة الجنائية أو التأديبية ولا يعتبر هذا الفعل من قبيل الأفعال المستمرة ، ومن ثم فإنه يتعين رفض ما أثارته الجهة الطاعنة فى هذا الشأن .
وترتيباً على ما سلف فإن الحكم المطعون فيه وقد قضى بسقوط الدعوى التأديبية بمضى المدة بالنسبة للمطعون ضده الثانى فإنه يكون قد أصاب فى هذا الشق من قضائه صحيح القانون وقد ثبت على النحو السالف مضى المدة اللازمة لسقوط الدعوى التأديبية طبقاً للمادة 91 السالفة دون أن تنقطع هذه المدة بأى إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة كما استبان مما سلف أيضا فساد إدعاء الجهة الطاعنة بعدم سقوط الدعوى التأديبية لارتباطها بدعوى جنائية قائمة .
ومن حيث إنه ولئن أصاب الحكم المطعون فيه فى قضائه بالنسبة للمطعون ضده الثانى إلا أنه أخطأ فى تطبيق القانون فى قضائه بالنسبة للمطعون ضده الأول حينما أوقع به جزاء تأديبياً تأسيساً على أن الدعوى التأديبية لم تسقط بالنسبة له – وعن ذات الوقائع والمخالفات المنسوبة إلى المطعون ضده الثانى- لعدم مضى مدة خمس سنوات عن تاريخ انتهاء خدمته طبقاً للمادة 88 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة وذلك ان المادة المشار إليها نصت فى فقرتها الثانية على أنه يجوز فى المخالفات التى يترتب عليها ضياع حق من حقوق الخزانة العامة إقامة الدعوى التأديبية ولو لم يكن بدء فى هذا التحقيق قبل انتهاء الخدمة وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ انتهائها إلا أن هذا النص لا يؤخذ أو يطبق بمعزل عن باقى النصوص التى أوردها المشرع فى هذا القانون بشأن سقوط الدعوى التأديبية وجواز أو عدم جواز إقامتها وإنما تكمل هذه النصوص كلها بعضها بعضاً باعتبارها منبثقة من مفهوم واحد غير متعارض .
فالمبدأ العام فى سقوط الدعوى التأديبية أوردته المادة 91 من هذا القانون السالفة الذكر التى نصت علي سقوط الدعوى التأديبية بالنسبة للعامل الموجود بالخدمة– بمضى ثلاث سنوات من تاريخ المخالفة طالما لم تنقطع هذه المدة بأى إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة فإذا انقطعت هذه المدة بأى إجراء من الإجراءات المشار إليه تسرى مدة جديدة لسقوط الدعوى التأديبية ابتداء من أخر إجراء قاطع . وجاء الحكم الوارد فى المادة 91 فتناول حكم المادة 91 فترة وجود الموظف العام فى الخدمة ، بينما تناول حكم المادة 88 الفترة التالية لانتهاء خدمة الموظف العام فنص على المدة القصوى التى يحوز فيها ملاحقة الموظف العام تأديبياً بعد انتهاء خدمة الموظف العام ملاحقته تأديبياً ، ومن ثم فلا ينصرف الحكم الخاص بالمدة المحددة لملاحقة الموظف العام تأديبياً الوارد فى المادة 88 إلى ترتيب ميعاد جديد لسقوط الدعوى التأديبية– هو خمس سنوات – مغاير للميعاد الوارد فى المادة 91 ثلاث سنوات– والذى هو المبدأ العام فى هذا الشأن وإنما جاء هذا الحكم مكملاً للحكم الذى يمثل الأصل العام فى سقوط الدعوى التأديبية بحيث تسقط الدعوى التأديبية بمضى ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة طالما لم تنقطع هذه المدة بأى إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وذلك سواء كانت المخالفة إدارية أم مالية فإذا انتهت خدمة الموظف العام وكانت مدة الثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة مازالت لم تكتمل بعد أى لم تسقط الدعوى التأديبية قبله بمضى المدة المشار إليها فإنه لا يجوز ملاحقته تأديبياً بالنسبة للمخالفات الإدارية إلا إذا كان قد بدء التحقيق معه قبل انتهاء مدة خدمته أما بالنسبة للمخالفات المالية فإنه لا يجوز ملاحقته تأديبياً إلا لمدة خمس سنوات من تاريخ انتهاء الخدمة / وهذه الملاحقة التأديبية بعد انتهاء الخدمة إنما تفترض بطبيعة الحال توافر شرط أساسى هو ألا تكون الدعوى التأديبية قد سقطت أصلاً بمضى المدة أى سقطت بمضى مدة الثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة وفقاً للمبدأ العام الوارد فى المادة 91 والذى يفيد منه الموظف العام سواء أثناء مدة الخدمة أو بعد انتهائها ذلك أن المشرع قد قصد من ترتيب هذا الحكم ألا يظل سيف العقاب مسلطاً مدة طويلة دون حسم فهو يمثل ضمانة أساسية للعاملين تحول دون اتخاذ الجهة الإدارية ارتكاب العامل لمخالفة معينة وسيلة إلى تهديده إلى أجل غير مسمى عن طريق تسليط سيف الاتهام عليه فى أى وقت تشاء كذلك قصد به حث الجهة الإدارية على الكشف عن المخالفات واتخذا الإجراءات التأديبية خلال أجل معين قد يترتب على تجاوزه ضياع معالم المخالفة واختفاء أدلتها ومن ثم فإن صالح العاملين وصالح المرفق العام يقتضيان إقامة الدعوى التأديبية خلال هذا الأجل وهو ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة وإلا سقط الحق فى إقامتها والسقوط فى هذا المجال من النظام العام فيسرى بالنسبة للعاملين سواء أثناء مدة خدمتهم أو بعد انتهائها إذ لا تتضاءل قيمة الاعتبارات التى ارتقبت بهذا الحكم إلى مستوى أحكام النظام العام عند انتهاء خدمة العامل أو الموظف العام بل إنه إذا ما سقطت الدعوى التأديبية بمضلى المدة المقررة للسقوط بالنسبة للعامل أو الموظف القائم بالخدمة فإن اعتبارات سقوطها تتوافر من باب أولى بالنسبة للعامل أو الموظف الذى انتهت خدمته وانقطعت صلته بالوظيفة العامة بحسب الأصل ومن غير المستساغ فى المنطق القانونى أن يكون انتهاء الخدمة سبباً لإنشاء مدة جديدة لسقوط الدعوى التأديبية تزيد على المدة المقررة لسقوطها أصلا ً .
وترتيباً على ما سلف فإن الدعوى التأديبية بالنسبة للمطعون ضدهما تسقط لمضى أكثر منت ثلاث سنوات على ارتكاب المخالفة المنسوبة إليهما دون اتخاذ إجراء قاطع للمدة قبلهما . وهذا السقوط من أحكام النظام العام يسرى سواء بالنسبة للمطعون ضده الأول الذى انتهت خدمته أو بالنسبة للمطعون ضده الثانى الذى مازال موجوداً بالخدمة ولئن كان الحكم المطعون فيه قد أصاب صحيح القانون فى شقه القاضى بسقوط الدعوى التأديبية بالنسبة للمطعون ضده الثانى حسبما سلف إلا أنه قد أخطأ فى تطبيق القانون فى شقه القاضى بمجازاة المطعون ضده الأول الذى انتهت خدمته إذ أن الثابت مكن الأوراق أن المخالفات المنسوبة إلى المطعون ضدهما هى واحدة بذاتها وقد اقضت المدة المسقطة للدعوى التأديبية بشأنها وهى مدة ثلاث سنوات دون اتخاذ إجراء قاطع لها من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة بالنسبة لأى من المطعون ضدهما الأمر الذى كان يتعين معه على المحكمة التأديبية الحكم بسقوط الدعوى التأديبية بمضى المدة أيضاً بالنسبة للمطعون ضده الأول شأنه شأن المطعون ضده الثانى .
ومن حيث إن المطعون ضده الأول لم يطعن فى هذا الحكم وإنما طعنت فيه النيابة الإدارية وحدها فإنها لا تضار بطعنها ولا يفيد منه المطعون ضده الأول رغم خطأ الحكم القاضى بمجازاته على النحو السالف .
ومن حيث إن الطعن لم يستند على أساس صحيح من القانون أو الواقع فإنه يتعين القضاء برفضه موضوعاً .
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً .