طعن رقم 3118 لسنة 37 بتاريخ 11/07/1995 الدائرة الثالثة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا حنا. نائب رئيس مجلس الدولة. وعضوية السادة الأساتذة / فاروق على عبد القادر والصغير محمد محمود بدران ومحمد الشيخ على أبو زيد وعبد الرحمن سعد محمود عثمان. نواب رئيس مجلس الدولة.
* إجراءات الطعن
في يوم السبت الموافق 29/6/1991 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 3118 لسنة 37 ق.ع، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى – دائرة الجزاءات – وبجلسة 27/5/1991 في الدعوى رقم 914 لسنة 44ق والذى قضى بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 527 لسنة 1989 فيما تضمنه من إنهاء خدمة المدعى (المطعون ضده) بالإحالة إلى المعاش وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بصحيفة الطعن قبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى رقم 914 لسنة 44ق والقضاء بتأييد القرار رقم 527 لسنة 1989 الصادر بإنهاء خدمة المطعون ضده بالإحالة إلى المعاش.
وقد أعلنت صحيفة الطعن للمطعون ضده.
وأودعت هيئة مفوضى الدولى تقريراً مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه.
وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة حيث قررت بجلسة 31/7/1993 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة موضوع) وحددت لنظرة أمامها جلسة 12/10/1993 وبجلسة 28/3/1995 قدم المطعون ضده مذكرة بدفاعه طلب فيها رفض الطعن، وقد كلفت المحكمة جهة الإدارة بإيداع التحقيقات التى أجريت مع المطعون ضده ولم تودعها إلا بجلسة 28/3/1995 وهى الجلسة التى تقرر فيها إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به. وكان المطعون ضده قد قدم أثناء فترة حجز الطعن للحكم بمذكرة دون أن يكون مصرحاً له بذلك، ومن ثم فقد استبعدتها المحكمة.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أنه بتاريخ 20/11/1989 أقام المطعون ضده في الطعن الماثل الدعوى رقم 914 لسنة 44 ق أمام محكمة القضاء الإدارى – دائرة الجزاءات – بعريضة أودعها قلم كتاب تلك المحكمة طالباً في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار الوزارى رقم 527 لسنة 1989 فيما تضمنه عن إنهاء خدمته بالإحالة إلى المعاش اعتباراً من 31/5/1989 مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها إعادة الطالب إلى وظيفته الأصلية وإلزام المدعى عليه بالمصروفات والأتعاب. وذكر المدعى شرحاً لدعواه أنه كان يعمل بمديرية أمن الدقهلية بوظيفة وكيل قسم التحقيقات، وبتاريخ 14/5/1987 صدر قرار مدير أمن الدقهلية رقم 17 لسنة 1987 متضمناً إيقاف المدعى عن العمل لمدة شهر أو لحين الانتهاء من التحقيقات اتلى تجربها إدارة التفتيش والرقابة فيما نسب إليه من زيادة بعض المعتقلين بإدارة قوات أمن الدقهلية وتقديم مأكولات لهم قبل الإفطار خلال شهر رمضان وتم سؤال المدعى فيما نسب إليه بمعرفة السيد مفتش الداخلية بمديرية أمن الدقهلية، ووافق مجلس التأديب على استمرار الوقف لمدة ثلاثة شهور اعتباراً من 24/5/1987 أو لحين الانتهاء من التحقيق أيهما أقرب وبتاريخ 21/6/1987 أخطر بكتاب الإدارة العامة لشئون الضباط رقم 3330 المؤرخ 11/6/1987 والمتضمن صدور القرار الوزارى رقم 451 لسنة 1987 بإحالته إلى الإحتياط للصالح العام اعتباراً من 4/6/1987 مع رفع الإيقاف. وقد طعن المدعى على القرار المشار إليه بأن أقام الدعوى رقم 242 لسنة 10 ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة حيث قضت بجلسة 25/1/1989 برفض الدعوى، وأنه طعن في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 1031 لسنة 35 ق لإلغاء الحكم المشار إليه القضاء مجدداً بالإلغاء القار الصادر بإحالته إلى الإحتياط وأضاف المدعى أنه قبل الفصل في الطعن المقام أمام المحكمة الإدارية العليا فوجئ بإخطاره بتاريخ 5/6/1989 بالقرار الوزارى رقم 527 لسنة 1989 بإنهاء خدمته بالإحالة إلى المعاش اعتباراً من 31/5/1989 استناداً إلى القرار الوزارى رقم 451 لسنة 1987 المتضمن إحالته إلى الإحتياط للصالح العام اعتباراً من 4/6/1987 وإعمالاً لحكم المادة 67/2 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 وبناء على محضر المجلس الأعلى للشرطة المعتمد بتاريخ 30/5/1989 إلا أنه لم يتلق رداً على تظلمه، لذلك أقام الدعوى رقم 914 لسنة 44ق طالباً القرار المشار إليه.
وقد تداولت المحكمة نظر الدعوى على النحو الوارد بمحاضر الجلسات حيث قدم المحاضر عن الجهة الإدارية حافظتى مستندات فيما طويت عليه شهادة من المحكمة الإدارية العليا بشأن ما تم في الطعن رقم 1031 لسنة 35 ق المقام من الدعى ضد وزارة الداخلية حيث قضت المحكمة برفضه.
وبجلسة 27/5/1991 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه والذى قضى بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 527 لسنة 1989 فيما تضمنه من إنهاء خدمة المدعى بالإحالة إلى المعاش وما يترتب على ذلك من آثار وذلك تأسيساً على أن الوقائع التى نسبت إلى المدعى وكانت سبباً لصدور قرار إحالته إلى المعاش لا تصلح بذاتها لحمل القرار ولا تتناسب معه باعتباره قرار فصل نهائى من الخدمة مما يعتبر معه القرار قد صدر باطلاً وفاقداً ركن السبب المبرر له. لأن ما نسب إلى المدعى ليس من الجسامة التى تبرر عزله من وظيفته كضابط شرطة ولا يفقده الصلاحية للإستمرار في هذا العمل – ولا يغير من ذلك سبق صدور حكم قضائى بتأييد قرار سابق بإحالة المدعى إلى الإحتياط للصالح العام لذات الوقائع، فسبق إحالة المدعى إلى الإحتياط للصالح العام لا يعنى بالضرورة صلاحية الأسباب التى قام عليها لأن تكون أساساً لإحالته إلى المعاش لإختلاف إثر كل من القرارين على حياة الضابط الوظيفية، وأن المحكمة لا تعتبر الوقائع المشار إليها سبباً كافياً يتحقق به مناط إصدار القرار المطعون فيه خاصة أنه لم يثبت ما يفيد قيام المدعى خلال فترة الإحتياط بأى سلوك معيب أو تصرف غير معتدل أو عمل من الأعمال التى تم بسببها الإحالة إلى الإحتياط، الأمر الذى يترتب عليه بطلان هذا القرار لفقدانه لركن السبب الذى يبرره.
ومن حيث إن مبنى الطعن هو مخالفة الحكم المطعون فيه لحكم المادة 67/2 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 حيث إن الضابط المذكور قد ارتكب أكثر من إثنى عشر مخالفة تنطوى على خروج على مقتضى الواجب الوظيفى حتى بلغ به الأمر إلى حد إقامة علاقة مع أحد كبار تجار المخدرات الذين تم إعتقالهم وزيارته داخل المعتقل ومخالفته للقوانين والأعراف بقيامه بنقل أغذية وملابس واحتياجات شخصية له داخل المتعقل تحت سمع وبسر العاملين من أفراد الشرطة وقد اعترف بتلك الواقعة مبرراً تصرفه باعتبارات إنسانية وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى أن سبق إحالة المطعون ضده إلى الإحتياط للصالح العام لا يعنى بالضرورة صلاحية الأسباب التى قام عليها لأن تكون أساساً لإحالته إلى المعاش فإنه يكون قد انطوى على مخالفة صريحة للقانون والخطأ في تطبيقه وتفسيره ومتعارضاً مع ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن حيث توافرت أحكامها على أن الأسباب التى اقتضت إحالة الضابط إلى الإحتياط تدخل في الإعتبار الأول عند عرض أمر الضابط على المجلس الأعلى للشرطة قبل انقضاء مدة الإحتياط للنظر في أمر إحالته للمعاش. ولما كانت الوقائع المادية المشار إليها ثابتة في حق المطعون ضده والتى يجعل من بقائه في الخدمة متعارضاً مع المصلحة العامة، فإن القرار المطعون فيه يكون محمولاً على أسبابه التى تبرره.
ومن حيث إن المادة (67) من قانون هيئة الشرطة الصادر بالقانون رقم 109 لسنة 1971 تنص على أنه (لوزير الداخلية بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة أن يحيل الضباط عدا المعينين في وظائفهم بقرار من رئيس الجمهورية إلى الإحتياط وذلك:
1- بناء على طلب الضابط أو الوزارة لأسباب صحية تقرها الجهة الطبية المختصة.
2- إذا ثبت ضرورة ذلك لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام، ولا يسرى ذلك على الضابط من رتبة لواء.
ولا يجوز أن تزيد مدة الإحتياط على سنتين وبعرض أمر الضابط قبل انتهاء المهلة على المجلس الأعلى للشرطة ليقرر إحالته إلى المعاش أو إعادته إلى الخدمة العاملة، فإذا لم يتم العرض عاد الضابط إلى عمله ما لم تكن مدة خدمته انتهت لسبب آخر طبقاً للقانون.
ومن حيث إن مفاد النص المتقدم أن للجهة الإدارية متمثلة في وزير الداخلية بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة إحالة الضابط إلى الإحتياط في حالتين، (الأولى) لأسباب صحية بناء على طلب الضابط أو الوزارة، أما الحالة (الثانية) لإحالة الضابط إلى الإحتياط فتكون عندما يثبت ضرورة هذا الإجراء لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه قد صدر بإحالة المطعون ضده إلى المعاش للصالح العام، ومن ثم فإنه مما يخضع لرقابة القضاء الإدارى فحص جدية الأسباب التى قام عليها هذا القرار للتعرف على مدى ثبوت ضرورة إتخاذ هذا الإجراء، باعتبار أن جدية هذه الأسباب شرط لمشروعية قرار الإحالة إلى المعاش.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده وهو آنذاك برتبة عقيد بمديرية أمن الدقهلية – توجه بسيارته الخاصة يوم 10/5/1987 إلى إدارة قوات الأمن بالدقهلية مرتين الأولى في حوالى الساعة الخامسة مساء والمرة الثانية في السادسة مساء لمقابلة بعض المعتقلين من تجار المخدرات بالدقهلية الذين سبق إعتقالهم فجر هذا اليوم وأودعوا سجن قوات الأمن لحين ترحيلهم إلى المعتقلات، وأحضر المطعون ضده لهم بعض المأكولات والبطاطين، وقد ثبت من التحقيقات أن المطعون ضده تمكن من تسليم هذه الأشياء إلى المتعقلين، وهذا ما قرره كل من العميد/………………. مدير إدارة قوات أمن الدقهلية بالنيابة والرائد/………….. ضابط عظيم السجن والملازم أول/………… والملازم أول/………….. والرائد/…………….. الضباط بإدارة قوات أمن الدقهلية، ومن ناحية أخرى فقد أقر المطعون ضده بصحة الواقعة على هذا النحو وبررها بدوافع إنسانية خاصة بعد أن علم بموافقة مدير الأمن ونائبه على إمكانية إمداد المعتقلين بهذه الأشياء، كما أقر بأنه أحضر هذه الأشياء بسيارة قريب لأحد هؤلاء المعتقلين حيث قام بنفسه بقيادتها داخل مبنى إدارة قوات أمن الدقهلية إلى السجن وأنه تحدث مع المعتقلين من خارج السجن للإطمئنان على وصول الأشياء المذكور إليهم.
ومن حيث إن قيام المطعون ضده بالتردد على بعض المعتقلين من كبار تجارة المخدرات، بسجن إدارة قوات أمن الدقهلية، بعد ساعات قليلة من إعتقالهم يوم 10/5/1987 وقيادته لسيارة مملوكة لقريب لأحد هؤلاء المعتقلين محملة بالأغذية والأغطية ودخوله بها إلى مبنى إدارة قوات أمن الدقهلية حتى وصل بها إلى السجن – حيث تمكن من توصيل هذه الأشياء إلى المعتقلين بل وحرص على محادثتهم والإطمئنان على وصول هذه الإمدادات لهم، كل ذلك يقطع بوجود علاقة مشبوهة بين المطعون ضده وبعض هؤلاء المعتقلين من كبار تجار المخدرات بالدقهلية، إذ لم يثبت وجود ثمة علاقة قرابة أو مصاهرة تربط بهؤلاء المعتقلين أو ببعضهم كما أنه عجز عن تفسير حرصه على توصيل المواد الغذائية والأغطية إليهم، وتذرع بأسباب إنسانية خاصة بعد أن علم بموافقة مدير الأمن ونائبه على إمكانية إمداد المعتقلين بهذه الأشياء وبصرف النظر عن أن القول بمثل هذه الموافقة لا يعدو أن يكون دفاعاً مرسلاً ليس ثمن ما يؤيده على الأوراق فإن وجود مثل هذه الموافقة ما كان، يبرر للمطعون ضده أن يقوم بنفسه بهذا الدور وهو ضابط شرطة برتبة كبيرة، أمام الضباط الآخرين والجنود المعتقلين، بحجة دوافع إنسانية تجاه كبار تجار المخدرات الذين يساهمون بتجارتهم في تدمير المجتمع، ومن ناحية أخرى فإنه ليس شرطاً لمشروعية هذا القرار التعرف على كنية العلاقة التى تربط المدعى بهؤلاء المعتقلين، إذ يكفى القول بأن إتصاله بهم يقطع بأنه توجد علاقة مريبة ترطبه ببعضهم وليس ملازم الوصول تحديداً إلى طبيعة هذه العلاقة ومداها – ولا ريب أن ما تردى فيه المطعون ضده على النحو المتقدم بهدم الثقة فيه باعتباره أحد حراس الأمن الذين يجب أن يتنزهوا عن مثل هذه التصرفات حيث تدق موازين الحساب بالنسبة لهم ومن ثم فإن قرار إحالته للمعاش يكون قد استخلص استخلاصاً سائغاً من وقائع لها أصول ثابتة من الأوراق تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة.
ومن حيث إنه متى كان الثابت ما تقدم فليس صحيحاً ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من التهوين من شأن الأسباب التى قام عليها قرار إحالة المطعون ضده إلى المعاش والقول بأنها لا تعتبر سبباً كافياً لهذا القرار والصحيح أن تلك الأسباب كافية بذاتها لحمل القرار المطعون فيه ويبرر إقصائه عن الوظيفة العامة، ومن ثم يكون الطعن على الحكم المطعون فيه قائماً على أساس سليم من الواقع والقانون الأمر الذى يتعين معه إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بمصروفاته.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع الطعن رقم 1180 لسنة 38 ق بجلسة 21/2/1995 الذى قضى فيه بأن القضاء الإدارى في ضوء أحكام المادة (67) من القانون رقم 109 لسنة 1971 أن يراقب مشروعية الأسباب التى أحيل من أجلها الضابط إلى الإحتياط ثم إلى المعاش – من بين الأسباب الجدية ممارسة الضابط للأنشطة التجارية وإتهامه في عدة قضايا حتى لو قضى ببراءته منها ما دامت البراءة الجنائية قد تأسست على تخلف أركان الجريمة لأن الحكم الجنائى القاضى بالبراءة لعدم توافر أركان الجريمة لا يحوز حجية أمام الجهات التأديبية وغير التأديبية.