طعن رقم 3178 لسنة 34 بتاريخ 25/07/1992 الدائرة الرابعة
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/د.عبد المنعم عبد العظيم جيرة نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/رأفت محمد يوسف ومحمد مجدى محمد خليل وأحمد إبراهيم عبد العزيز ومحمد عزت السيد إبراهيم نواب رئيس مجلس الدولة
* إجراءات الطعن
فى يوم الأربعاء الموافق 14 من شهر أغسطس سنة 1988 أودع الأستاذ/محمد عبد المجيد الشاذلى نائبا عن الأستاذ/على محمد مخلوف المحامى بصفته وكيلا عن الطاعن …… قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 3178 لسنة 34 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم وملحقاتها بجلسة 28 من شهر يونيو 1988 فى الدعوى رقم 400 لسنة 29 القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعن والقاضى بمجازاة الطاعن بخفض وظيفته إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بإلغائه والقضاء مجددا ببراءة الطاعن مما نسب إليه.
وأعلن تقرير الطعن للنيابة الإدارية فى 28 من شهر أغسطس سنة 1988.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فى ختامه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 27/2/1991 وتم تداوول نظره بالجلسات التالية على النحو الثابت بالمحاضر، وبجلسة 12/6/1991 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الرابعة- موضوع التى نظرته بجلسة 20/7/1991 وبالجلسات اللاحقة، وبجلسة 11/4/1992 قررت المحكمة حجز الطاعن لإصدار الحكم فيه بجلسة 30/5/1992 ثم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم فى الطعن لجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.
ومن حيث إن الطعن الماثل قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة الراهنة تتحصل حسبما تدلى بها أوراقها فى أنه بتاريخ 21/3/1987 أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 400 لسنة 29ق ضد الطاعن ……….. مفتش المساجد بمديرية أوقاف الفيوم وعضو مجلس إدارة جمعية المغازى لتيسير الحج والعمرة بالدرجة الثانية بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم متضمنة تقريرا باتهامه بأنه خلال المدة من 13/2/1985 وحتى 14/11/1986 وبوصفه السابق لم يؤد عمله بدقة وأمانة وسلك فى تصرفه مسلكا لا يتفق والاحترام الواجب وخرج على مقتضى الواجب الوظيفى وخالف اللوائح والتعليمات بأن:
1} استولى دون وجه حق على مبالغ جملتها 3972.904 جنيها قيمة باقى اشتراكات الحجاج الذين اشتركوا فى رحلة الحج التى قامت بها جمعية المغازى لتيسير الحج والعمرة بالفيوم عام 1405 هجرية والتى كان مسئولا عنها وكذا قيمة التبرعات التلقائية الواردة إلى الجمعية خلال عام 1985.
2} امتنع عن تسليم السجلات والمستندات المالية والإدارية الخاصة برحلة الحج المشار إليها إلى أمين الصندوق بالجمعية قرارا بذلك حتى سلمها إلى النيابة الإدارية فى 4/11/1986.
3} فرق فى المعاملة بين أعضاء جمعية الحج سواء بالنسبة إلى المبالغ المحصلة أو نوعية العملة المحصلة بالمخالفة للتعليمات المنظمة لهذا الشأن.
وارتأت النيابة الإدارية أن الطاعن ارتكب بذلك المخالفات المالية والإدارية المنصوص عليها فى المواد 76/1، 77/1 و3 و4،78 من قانون العاملين المدنيين بالدولة وطلبت محاكمته تأديبيا بتلك المواد الواردة بتقرير الاتهام.
وبجلسة 28/6/1988 أصدرت المحكمة التأديبية حكمها المطعون فيه وشيدت قضائها بمجازاة الطاعن بخفض وظيفته لوظيفة من الدرجة الأدنى لثبوت خروجه على مقتضى الواجب الوظيفى ومخالفته للتعليمات بان جاءت المخالفة الأولى ثابتة فى حقه من تقارير اللجان التى شكلت لفحص مستنداته والتى لا ينال منها ما أبداه فى مذكرة دفاعه وما قدمه من مستندات تفيد وجود مبلغ 2123.758 برصيد الجمعية بالبنك، إذ تبين أن من ضمن ذلك المبلغ ألفين من الجنيهات قام مدير أوقاف الفيوم بتحويلها من المبالغ المخصصة لحساب مسجد الصباحية لتغطية العجز، كما أن المحال المذكور لم يقدم للجان التى فحصت أعماله أى مستندات تبرر العجز الدفترى بين المبالغ التى قام بتوريدها لحساب الاشتراكات وبين ما قام بتحصيله، ولم يقدم لتلك اللجان ما يدل على إيداعه قيمة التبرعات التى وردت للجمعية كما تلتفت المحكمة عن الحساب الختامى الذى قدمه المحال لعدم اعتماده من أية جهة حكومية تختص بالجمعيات، وجاءت المخالفة الثانية ومفادها امتناع الطاعن عن تسليم السجلات والمستندات المالية والإدارية الخاصة برحلة الحج والخاصة بالجمعية لأمين الصندوق حال اتخاذ مجلس إدارة الجمعية قرارا بذلك حتى سلمها للنيابة الإدارية فى 14/11/1986 ثابتة أيضا فى حقه بما قدمه من سجلات إلى النيابة الإدارية وبعدم تقديمه كشف حساب رحلة الحج لمجلس الإدارة، وجاءت المخالفة الثالثة بتفريق المحال فى المعاملة بين أعضاء الجمعية من الحجاج بالنسبة للمبالغ المحصلة ونوعية العملة التى تم تحصيلها ثابتة فى حقه أيضا من تقارير اللجان سالفة الذكر ومن قيام المحال بتحصيل بعض الاشتراكات بالريالات السعودية وبعضها بالجنيهات المصرية.
ومن حيث أن الطعن الماثل يقوم على النعى بأن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وجاء قاصرا فى التسبيب فقد تسلم تسليما مطلقا بما جاء فى تقريرى اللجنة التى شكلت لفحص أعمال الطاعن والتفت عن دفاعه بشأن الرد عليهما ، كما التفت عن طلبه تشكيل لجنة محايدة أو إحالة الدعوى لمكتب الخبراء حتى يُطمأن إلى صحة النتيجة التى تستخلص من واقع الأوراق والمستندات والتى تؤكد بذاتها أن الطاعن له حق فى مطالبة الجمعية ببعض المبالغ الأمر الذى ينتهى إلى تبرئة ساحته مما نسب إليه، فضلا عن أن جزاء الخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة الذى حمله الحكم المطعون فيه جاء مشوبا بالغلو فى التقدير بفرض صحة ما نسب للطاعن مما يعيبه بعدم المشروعية.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه جاء تقديره للجزاء الموقع على الطاعن مبنيا على ثبوت الاتهامات الثلاثة التى أوردها تقرير النيابة الإدارية باتهامه فى حقه، ومن ثم قضى بمجازاته عنها بخفض وظيفة الطاعن إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة.
ومن حيث إنه يلزم التقرير ابتداء بأنه ليس كل خطأ يرتكبه الموظف العام خارج نطاق وظيفته العامة يرتب مسئوليته التأديبية، وإنما يتعين لقيام تلك المسئولية أن يصل الخطأ ويرقى إلى الحد الذى يمس كرامة الوظيفة وينال من الاحترام الواجب لها، فإن ناى الخطأ المرتكب عن هذا الإطار بحيث لم يكن له ثمة تأثير على الوظيفة فلا يسأل عنه الموظف داخل مجال وظيفته تأديبيا حتى ولو كان ذلك الخطأ مرتبا لنوع آخر من المسئولية كالمسئولية المدنية.
ومن حيث إنه وفقا لذلك، ومتى كانت النيابة الإدارية قد أسندت للطاعن الاتهامين الثانى والثالث وحاصلهما أنه امتنع عن تقديم السجلات لمجلس إدارة جمعية المغازى لتيسير الحج والعمرة بالفيوم حال تكليفه بذلك من مجلس إدارة الجمعية حتى تقدم بها للنيابة الإدارية، وأنه فرق فى المعاملة بين الحجاج الذين اشتركوا فى رحلة حج عام 1405 هجرية وتلقى من بعضهم ريالات سعودية بينما قبل من الآخرين جنيهات مصرية، بحسبان أن هذين الاتهامين يشكلان خروجا وإخلالا منه بواجبات وظيفته فى حين أنهما وبفرض وقوعهما منه وهو متطوع للعمل غير ذلك إذ هما لا يؤثران بذاتهما على وظيفته الأصلية ولا ينالان منها مما تضحى معه إحالته بسببهما للمحاكمة التأديبية أمرا غير جائز من الوجهة القانونية، وتضحى إدانته فيهما بمقتضى الحكم المطعون فيه فى غير محلها مما يستتبع وجوب القضاء بإلغائه وببراءته منهما.
ومن حيث إنه بالنسبة للاتهام الأول القائم على استيلاء الطاعن بغير حق على مبالغ تمثل قيمة الباقى من اشتراكات الحجاج والتبرعات التلقائية الواردة للجمعية عام 1405 هجرية باعتبار أن ذلك الأمر يعد ماسا بأمانته وسمعته ويشكل بالتالى خروجا على مقتضيات وظيفته، فإن القاعدة الأصولية فى العقاب- سواء فى المجال الجنائى أو فى المجال التأديبى- تقضى بان الشك يفسر فى صالح المتهم، وبأنه متى تعذر إسناد فعل إيجابى أو سلبى محدد للمتهم يعد مساهمة منه فى وقوع المخالفة الإدارية ويعزز دليل التهام له عد ذلك مانعا فى المؤاخذة التأديبية.
ومن حيث إنه متى كانت اللجنة المشكلة من الإدارة العامة للتفتيش بالمديرية المالية بالفيوم قد أعدت تقريرا فى 30/1/1986 بمناسبة فحصها مستندات جمعية تنمية المجتمع بجامع المغازى بالفيوم عن رحلة الحج التى قامت بها عام 1405 هجرية، 1985 ميلادية استظهرت فيه عدم إمكانها تصوير الحساب الختامى للجمعية عن العام المذكور وحده لعدم تأكدها من أرصدتها فى العام السابق، وأنها قد لاحظت أن هناك فارقا قدره خمسون جنيها عن كل حاج لم يستخرج به إيصالات تفيد توريده للجمعية على حين انه لوحظ تحصيل تبرع تلقائى منهم لصالح الجمعية بذات القدر، وقد كلف الطاعن بضرورة القيام بتحصيل المبالغ التى ظهرت فى جانب المدينين نتيجة بحث اللجنة من مشرفى الرحلة ومبلغ 14 جنيها منه هو ذاته بالإضافة لمبلغ 600 ريال سعودى كان قد اشتراها بالسعودية، واستظهرت اللجنة فى تقريرها المشار إليه أن ثمة فائضا للرحلة قدره 1376.080 جنيها مصريا تعين توزيعه على الحجاج دون المسئول والمشرف بواقع 20.230 جنيها للفرد، وانه تم سداد مبلغ 20جنيها لسبعين حاجا أثناء الرحلة من ثمانية وتسعين حاجا، وأوصت اللجنة بأن تقوم الجمعية بإمساك دفاتر قانونية مرقمة ومختومة وبضرورة الفصل بين حسابات إيرادات الجمعية أيا كانت وحسابات الحج التى تتضمن كافة مصروفات الرحلة بما فيها من نسبة إعفاء مقررة للمسئول والمشرف على رحلة الحج، ومن ثم- وفى ضوء العرض المتقدم- لا تطمئن المحكمة إلى صحة ثبوت ذلك الاتهام وعناصر إسناده للطاعن لما شاب العمل بالجمعية من تداخل وعدم انتظام فى الحسابات والأرقام، المر الذى جعل اللجنة المشكلة لفحص المستندات عاجزة عن إخراج الحسابات الختامية لها عن العام المذكور على نحو دقيق يمكن به تحديد المساءلة والقطع بنسبتها للطاعن، خاصة وأن مديرية أوقاف الفيوم- التى يعمل الطاعن مفتشا للمساجد بها- قد قطعت بكتابها الموجه للنيابة الإدارية فى 25/1/1992 والمرفق صورة منه بملف الطعن بأن الطاعن دائن للجمعية المذكورة بمبلغ 52.190 جنيها وليس مدينا لها وفقا لما أجرته من بحث ومراجعة للمستندات على نحو تفصيلى بما ينفى مسئوليته عن الاتهام المسند إليه فى هذا الشان.
ومن حيث إنه متى كان المر كذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وناى عنه حين دان الطاعن بالمخالفات الثلاثة التى أوردها تقرير الاتهام المقدم من النيابة الإدارية، وبالتالى يكون قد خالف القانون وحق القضاء بإلغائه، وببراءة الطاعن مما اسند إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وببراءة الطاعن مما أسند إليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ