طعن رقم 3207 لسنة 36 بتاريخ 21/11/1995 الدائرة الثالثة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / حنا ناشد مينا حنا نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين / على فكرى حسن صالح و الدكتور حمدى محمد أمين الوكيل و الصغير محمد محمود بدران و محمد إبراهيم قشطة نواب رئيس مجلس الدولة.
* إجراءات الطعن
بتاريخ 4/8/1990 أودع الأستاذ / السعودى عبد الرحمن عثمان المحامى بصفته وكيلاً عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 3207 لسنة 36 ق عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بجلسة 4/6/1990 فى الدعوى رقم 6248 لسنة 42 ق والذى قضى بعدم قبول طلب إلغاء القرار المطعون فيه شكلاً لرفعه بعد الميعاد، وبقبول طلب التعويض شكلاً ورفضه موضوعاً، وإلزام المدعى المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن – الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الدعوى المطعون فى حكمها شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار الوزارى رقم 386 الصادر فى 6/9/1986 بإنهاء خدمة الطاعن وإعادته إلى عمله واعتبار قرار إنهاء خدمته كأن لم يكن مع كل ما يترتب على ذلك من آثار وأوراق مالية، وتعويضه الملائم عما إصابة من مرض نفسى اثر على حياته من جراء معاملة جهة الإدارة وقراراتها طوال مدة خدمته وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتى التقاضى.
وقد أعلن الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين فى الأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات، كما تم نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة حيث قررت إحالة الطعن إلى الدائرة الثالثة – موضوع وحددت لنظرة أمامها جلسة 10/10/1995 وتدوول الطعن أمام المحكمة على النحو المبين بالأوراق إلى أن قررت المحكمة الحكم فيه بجلسة اليوم وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تخلص حسبما تبين من الأوراق، فى أنه بتاريخ 3/3/1988 أقام المدعى الطاعن الدعوى رقم 6248 لسنة 42 ق ابتداء – أمام المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية طالباً الحكم.
أولاً: وبصفة عاجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر بإنهاء خدمته بناء على الاستقالة المقدمة منه واستمرار صرف مرتبه من الجهة الإدارية التى كان يعمل بها.
ثانياً: وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ثالثاً: تعويضه عما أصابه من مرض نفسى أثر على حياته من جراء معاملة جهة الإدارة وقراراتها طوال مدة خدمته وإلزام المدعى عليه المصروفات. وذكر المدعى شرحاً لدعواه أنه عين بوزارة الداخلية بتاريخ 4/3/1972 بعد حصوله على ليسانس الحقوق وظل يتدرج بالوظائف الإدارية المختلفة بالوزارة ثم نقل إلى مديرية أمن القاهرة بوظيفة باحث قانونى بالشئون القانونية بها، وكان طوال هذه المدة وحتى 30/9/1986 يقوم بعمله على خير وجه، إلا أنه ونظراً لتغيب جهة الإدارة معه فى بعض الأحيان فقد أصيب بمرض نفسى، كان من أثره أن تقدم باستقالته من الخدمة وبالفعل قبلت استقالته وأخلى طرفه من عمله بتاريخ 30/9/1986 إلا أنه عاد خلال اشهر قليلة وتقدم لإعادته إلى الخدمة، إلا أن جهة الإدارة لم تستجب لمطلبه مما أضطره إلى إقامة دعواه بطلباته سالفة البيان.
وبجلسة 5/6/1988 حكمت المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى دائرة التسويات أ حيث قيدت برقم 6248 لسنة 42 ق وتدوولت الدعوى أمام المحكمة – بعد تحضيرها – إلى أن قضت بجلسة 4/6/1990 بعدم قبول طلب إلغاء القرار المطعون فيه شكلاً لرفعه بعد الميعاد وبقبول التعويض شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت المدعى المصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على أنه لما كان الثابت أن القرار المطعون فيه قد صدر بتاريخ 6/9/1986 وتظلم منه المدعى بتاريخ 23/2/1988 ثم أقام دعواه بتاريخ 3/3/1988 فمن ثم تكون دعواه قد رفضت بعد الميعاد المقرر قانوناً بالمادة (24) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 ومن ثم تكون غير مقبولة شكلاً، وبالنسبة لطلب التعويض فإن الثابت أن القرار المطعون فيه قد صدر بناء على طلب المدعى بإنهاء خدمته بالاستقالة إعمالا للمادة 97 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه قد صدر مطابقاً لأحكام القانون الأمر الذى ينتفى معه ركن الخطأ فى جانب جهة الإدارة وتقوم به مسئوليتها الإدارية ويضحى طلب التعويض متعينا رفضه، وأن ما قرره المدعى الطاعن من مرضه بمرض عقلى لم يسانده تقرير بذلك من إحدى اللجان التابعة للهيئة العامة للتأمين الصحى أو مجلس طبى تابع للوزارة أو أية لجنة طبية عامة تتبع جهة رسمية عملاً بقرار وزارة الصحة رقم 695 لسنة 1984 الأمر الذى يخرج به مرض المدعى عن نطاق الأمراض المزمنة التى يمنح عنها المريض إجازة استثنائية باجر كامل أو يمنح عنها تعويضاً يعادل أجره طوال مدة مرضه إلى حين شفائه ومن ثم لا ينهض ما قدمه المدعى من شهادات دليلاً على استحقاقه تعويضاً لمرضه بمرض مزمن كما تقدم.
ومن حيث أن هذا القضاء لم يصادف قبولاً لدى الطاعن فقد أقام طعنه الماثل بطلباته سالفة البيان طاعناً على هذا الحكم للأسباب الآتية:
1- الخطأ فى القانون : ذلك أن الحكم انتهى إلى عدم الأخذ بالمستندات المقدمة من المدعى الطاعن فى دعواه أمامها للتدليل بها على أن إرادته وقت تقديمه الاستقالة كانت معيبة لمرضه، فكان يجب على المحكمة قبل أن تتعجل فى إصدار حكمها أن تعطى فرصة للمدعى لاستكمال مستنداته أو أن تطالب الجهة الإدارية بتقديم ما لديها من مستندات كما أن الدعوى لم تتداول أمام المحكمة غير جلسة واحدة حجزت بعدها للحكم دون تمكين المدعى من إبداء دفاعه واستكمال مستنداته وعدم إعطاء المدعى فرصة للتعقيب على تقرير مفوض الدولة، الأمر الذى يعد إخلالا بحق المدعى فى الدفاع عن حقه فى دعواه.
فقد أسست المحكمة عدم قبول الدعوى شكلاً على أن الطاعن المدعى قد يقدم تظلمه من قرار قبول استقالته بعد رفع الدعوى وهذا خطأ حيث أن الثابت أن القرار المطعون فيه قد صدر بتاريخ 6/9/1986 وتظلم منه الطاعن بتاريخ 23/2/1988 وأقام دعواه من 3/3/1988 بما يوضح أسبقية التظلم على رفع الدعوى.
كذلك فإن المدعى قد تقدم بكل المستندات التى تفيد مرضه النفسى الذى كان سبباً فى عدم سلامة أرادته عند تقديم استقالته، وهذا يتضح من ملف إجازاته التى حصل عليها من قومسيون طبى عام الجيزة، إلا أن المحكمة لم تتحقق من هذا الأمر ولم تكلف الجهة الإدارية بتقديم بيان بهذه الإجازة، كما لم يصرح للمدعى باستخراج الشهادات المؤيدة لصحة دفاعه، ولما كان ذلك وكانت الحالة المرضية قد لازمت الطاعن قبل وأثناء وبعد تقديم استقالته فمن ثم يكون دعوى الطاعن واردة على سند صحيح من القانون شكلاً وموضوعها نظراً لظروف الطاعن المرضية التى حالت دون تقديمه للتظلم فى الميعاد القانونى.
ومن حيث أنه ولئن كان الثابت من الأوراق أن قرارات إنهاء خدمته، وأن الطاعن قد تظلم من هذا القرار بتاريخ 13/3/1988 وأقام الدعوى الصادر فيها الحكم محل الطعن الماثل بطلب إلغائه بتاريخ 3/3/1988 بما مفاده أن الدعوى قد رفعت بعد انقضاء الميعاد المقرر فى المادة (24) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، إلا أن الثابت من الاطلاع على حافظة المستندات المقدمة من الطاعن فى 3/4/1988 أمام محكمة أول درجة وحافظتى المستندات المقدمتان منه أمام المحكمة الإدارية العليا فى 9/1/1995، 7/6/1995 إنها طويت على تقارير وشهادات طبية صادرة من القومسيون الطبى بمحافظة الجيزة، ومستشفى الصحة النفسية بحلوان، ومستشفى الدكتور جمال ماضى أبو العزائم للأمراض النفسية، وكل تلك التقارير لها أصول ثابتة من ملف خدمة الطاعن المودع ملف الطعن – وتفيد بأن الطاعن مصاب بمرض عقلى ألم به قبيل تقديم طلب الاستقالة وظل ملازماً له عند تقديمها وما زال يعانى من هذا المرض الذى يقطع بأن طلب الاستقالة الذى تقدم به الطاعن قد صدر عن إرادة معيبة.
وكان هذا العرض – حسبما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – بغير من الأعذار التى ترقى إلى مرتبة القوة القاهرة فى مجال منعه من مباشرة دعوى الإلغاء فى ميعادها القانونى الأمر الذى يجعل هذا الميعاد موقوفاً بالنسبة إليه إلى حين زوال تلك الحالة المرضية، والتى تثب أنها ملازمة له حتى الان، ومن ثم تكون الدعوى مقبولة شكلاً.
ومن حيث متى استبان ما تقدم، وكان من المسلم به أن تقديم الاستقالة وقبولها ليس عملية تعاقدية تنتهى بها خدمة الموظف بل هى عملية إرادية يثيرها الموظف بطلب الاستقالة وتنتهى الخدمة بالقرار الإدارى الصادر بقبول هذا الطلب الذى هو سبب هذا القرار، إلا أنه لما كان طلب الاستقالة هو مظهر من مظاهر إرادة الموظف اعتزال الخدمة والقرار بقبول هذا الطلب هو بدوره مظهر من مظاهر إرادة الرئيس الإدارى فى قبول هذا الطلب وإحداث الأثر القانونى المترتب على الاستقالة، كان لازماً أن يصدر طلب الاستقالة وقرار قبولها برضا صحيح يفسده كل ما يفسد الرضا من عيوبه ولما كان الثابت حسبما تقدم أن إرادة الطاعن لم تكن سليمة عند تقديم طلب الاستقالة لإصابته بمرض عقلى افقده القدرة على الإدراك السليم، فإنه بذلك تكون الاستقالة التى تقدم بها صادرة عن إرادة معيبة الأمر الذى يتعين معه عدم الاعتداد بطل بالاستقالة المقدمة منه، ويكون القرار الصادر بقبول استقالته قد صدر مشوباً بعيب مخالفة القانون متعيناً الإلغاء. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك فإنه يكون قد أخطأ فى تحصيل الواقع وتطبيق القانون، ويكون الطعن عليه – فى هذا الشق منه – قائماً على أساس سليم من القانون.
ومن حيث أنه عن طلب الطاعن الحكم له بتعويض عما أصابه من مرض نفسى اثر على حياته على سند من القول بأن ما أصابه من مرض كان نتيجة للمعاملة الجائرة من قبل جهة الإدارة وقراراتها حياله طوال مدة خدمته – فإنه لما كان من المقرر أن مسئولية الإدارة الموجبة للتعويض يجب لقيامها توافر أركان ثلاثة وهى أخطاء من جانب الإدارة وضرر أصاب الطاعن وعلاقة سببية بين هذا الخطأ وذلك الضرر، فإذا انتفى أحد هذه الأركان فإنه ينتفى بالتبعية مسئولية الإدارة، ولا يكون هناك موجب للحكم بالتعويض ولما كان الخطأ الذى تسببه الطاعن للإدارة ورد قولاً مرسلاً دون ثمة دليل يؤيد هذا الادعاء، كما أن ملف خدمته قد خلا مما يشير من قريب أو بعيد أن جهة الإدارة قد تجاوزت القانون أو حادت عن السبيل فى معاملته أو فطمت أى حق من حقوقه الوظيفية، الأمر الذى يتعين معه رفض طلب التعويض.
ومن حيث أنه تأسيساً على ما تقدم فإنه يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما ترتب عليه من آثار وبرفض ما عدا ذلك من طلبات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الدعوى شكلاً وبإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب عليه من آثار ورفض ما عدا ذلك من الطلبات وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.