طعن رقم 3475 لسنة 32 بتاريخ 26/12/1993 الدائرة الأولي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / على فؤاد الخادم رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة : جودة فرحات وعـادل محمود فرغلى وعبد القادر النشار وأحمد عبد العزيز أبو العزم نواب رئيس مجلس الدولة
* إجراءات الطعن
بتاريخ 24 من أغسطس سنة 1986 أودعت هيئة مفوضى الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 3475 لسنة 32 القضائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة بجلسة 26/6/1986 فى الدعوى رقم 326 لسنة 4 القضائية المقامة من.
………………… ضد : 1- رئيس هيئة قنـاة السويس بالاسماعيلية بصفتـه 2- ورئيس مجلس ادارة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية بصفته وذلك فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الطلب الثالث المتعلق بالتعويض وأمرت باحالته بحالته إلى محكمة الاسماعيلية الابتدائية للاختصاص. وطلبت الطاعنة للاسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به فى هذا الخصوص واحالة الطلب إلى محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة للفصل فيه مجددا مع إبقاء الفصل فى المصروفات ، وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما على الوجه المبين بالأوراق.
وعقبت هيئة مفوضى الدولة على الطعن بتـقرير بالرأى القانونى مسببا استـمسكت فيه بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه، وباعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة لتفصل فيها بهيئة أخرى.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 15/3/1993 وبجلسة 7/6/1993 قررت الدائرة احالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) التى عين لنظره أمامها جلسة 26/9/1993، وبعد تداول الطعن بالجلسات وسماع مارأت المحكمة سماعه من إيضاحات تقرر بجلسة 14/11/1993 اصدار الحكم بجلسة اليوم 26/12/1993، وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية
ومن حيث أن عناصر المنازعة وعلى مايبين من الأوراق تتحصل في أنه بتاريخ 24/1/1982 أقام.
………………. الدعوى رقم 326 لسنة 4 ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة طالبا الحكم بالزام المدعى عليهما باعتبار اصابته التى حدثت له يوم 11/4/1980اصابة عمل، وثانياً بالزام هيئة قناة السويس باسناد عمل مكتبى ضعيف إليه، وثالثا: بالزام الهيئة الأخيرة بأن تدفع له تعويضا مقداره خمسة آلاف جنيه بسبب خطأ أطبائها فى تشخيص حالته والزامهم اياه بالاستمرار فى عمله مما سبب له مضاعفات أدت إلى قصور بالدورة التاجـية باكملها وحدوث جلطة بالجدار الأمامى للقلب والزام هيئة قناة السويس المصروفات والاتعاب وقال شرحا لدعواه أنه يشغل وظيفة مرشد ممتاز بهيئة قناة السويس وهى وظيفة تتطلب من شاغلها بذل عناية ومجهود كبيرين يقظة دائمة، وقد أصيب نتيجة ظروف العمل بمرض الربو الشعبى المزمن ومرض البول السكرى المزمن، وبتاريخ 15/5/1978 وقع عليه طبيب الهيئة الكشف الطبى وقرر أن يعمل بصفة عادية ويعفى من العمل فى الساعات المتأخرة من الليل وكذلك فى أيام العواصف الترابية، وبتاريخ 19/9/1978 أضاف طبيب الهيئة إلى ماتقدم ألا يعمل المدعى أكثر من خمسة عشر مركبا شهريا، وأضاف أنه طلب منحه اجازة مرضية أو تكليفه بعمل خفيف طبقا لاحكام القانون رقم 112 لسنة 1963 ولكن الهيئة لم تستجب لطلبه واصر القسم الطبى على قراره المشار إليه ، ونتج عن ذلك أنه فى يوم 11/4/1980 كان يقوم بارشاد احدى البواخر الكبرى فأصيب اثناء عمله بانسداد فى الشريان التاجى الأمامى للقلب وقرر القسم الطبى للهيئة ببور توفيق استمراره فى العمل، وبتاريخ 15/4/1980 اصابه قصور فى الدورة التاجية للقلب، وذلك يرجع إلى خطأ طبيب الهيئة ورئيس القسم الطبى بها فى تشخيص حالته، واستطرد المدعى قائلا أن كبار الاخصائيين قرروا – حين توقيع الكشف الطبى عليه – ان المرض الذى أصيب به يوم 11/4/1980 تطور إلى قصور بالدورة التاجية جميعها نتيجة استمراره فى العمل،وبتاريخ 20/9/1981 قرر القـومسيون الطبى لهيئة قناة السويس ببور توفيق منحه أجازة مرضية يتم تجديدها بسبب المرض الذى أصابه أثناء عمله يوم 11/4/1980 وارغام القسم الطبى لهيئة قناة السويس له – رغم ذلك – بالاستمرار فى عمله مما سبب له المضاعفات المشار إليها.
وبجلسة 26/6/1986 صدر الحكم المطعون فيه وقضى أولاً: باعتبار الخصومة منتهية فى الطلبين الأول والثانى والزمت الهيئتين المدعى عليهما مصروفاتهما.
ثانياً: بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الطلب الثالث المتعلق بالتعويض، وأمرت باحالته بحالته إلى محكمة الاسماعيلية الابتدائية للاختصاص. وأقامت قضاءها بالنسبة لطلب التعويض على، أن القضاء المدنى قد استقر على إن مسئولية الطبيب هى مسئولية تقصيرية تقوم على الخروج على الأصول المستقرة لفن المهنة، سواء كـان هذا الخروج جسيما ام يسيرا بإعتبار أن الانحراف عن السلوك الفنى المألوف يعتبر خطأً مهنياً، بينما ان مسئولية الموظف العام لاتقوم إلا إذا كان قد ارتكب خطاً شخصياً أى خطأ جسيما طبقا لما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 78 من القانون رقم 7 4 لسنة1978 بان لايسأل العامل مدنيا إلا عن خطئة الشخصى ولما كان المدعى يقيم طلبه على أساس ان مسئولية طبيب الهيئة مسئولية تقصيرية، فإن مقتضى ذلك أن يخرج نظر هذا الطلب عن ولاية القضاء الإدارى وتختص بالفصل فيه المحكمة المدنية المختصة، ويتعين لذلك الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى بالنسبة لهذا الطلب والأمر باحالتها إلى محكمة الاسماعيلية الابتدائية للاختصاص مع ابقاء الفصل فى مصروفات هذا الطلب.
ومن حيث أن الطعن الماثل قوامه ان الحكم الطعين قـد أخطأ فى تطبيق وتأويل القانون فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الطلب الخاص بالتعويض ذلك أن اختصاص القضاء الإدارى بنظر دعوى المسئولية عن الأعمال الإدارية حـتى يتسنى القول بتعلق الأمر بمنازعة ادارية يتعين ان ينتج الضرر عن عمل ادارى تقوم به الجهة الادارية فى حدود اختصاصها. وقوام الدعوى طلب التعويض عن الضرر الذى حاق بالمدعى من جراء خطأ أطباء هيئة قناة السويس والقسم الطبى بها فى تشخيص حالته المرضية والزامه بالاستمرار فى العمل رغم ذلك وهى بهذه المثابة منازعة ادارية مما وكل الى مجلس الدولة منذ العمل بالقانون رقم 47 لسنة 1972 اختصاص الفصل فيه وطبقاً لنص المادة 172 من الدستور ، بالإضافة إلى أن خطأ أطباء الهيئة والقسم الطبى بها فى تشخيص الحالة المرضية للمدعى يعد خظ مرفقيا أو مصلحيا يقع على عاتق الإدارة وحدها ولايسأل الموظف عن أخطائه المصلحية الأمر الذى ينعقد معه الاختصاص بنظر الدعوى الماثلة لمجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب الأمر الذى يستوجب الغاؤه.
ومن حيث أن المادة 172 من الدستور تنص على أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ويختص بالفصل فى المنازعات الإدارية وفى الدعوى التأدييية ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى ومن ثم فقد وسد لمجلس الدولة بنص الدستور وصريح عبارته ولاية الفصل فى المنازعات الإدارية. وترتيبا على ذلك وإعمالا لمقتضاه نصت المادة 10 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 على اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل فى المسائل الآتية: (أولأ) الطعون الخاصة بانتخابات الهيئات المحلية (ثانياً)………… (خامسا) الطلبات التى يقدمها الأفراد أو الهيئات بالغاء القرارات الإدارية النهائية………….. (عاشرا) طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها فى البنود السابقة سواء رفعت بصفة أصلية أو تبعية (رابع عشر) سائر المنازعات الإدارية. ومقتضى ذلك أن مجلس الدولة أضحى بما عقد له من الاختصاص بموجب الدستور وصحيح القانون المنفذ له صاحب الولاية العامة بنظر سائر المنازعات الإدارية بحسبانه القاضى الطبيعى فى هذا النوع من المنازعات وقاضى القانون العام فى هذا الشأن، ولم يعد اختصاص المجلس على ماكان عليه بذى قبل اختصاصا محدودا معينا على سبيل الحصر مقصورا على طائفة بذاتها من المنازعات الإدارية. وأنه ولئن كانت المادة (10) من قانون مجلس الدولة المشار إليه قد أوضحت فى البنود (أولا) حتى (ثالث عشر) عن منازعات إدارية معينة ألحقت إليها بصريح النص فلا يعدو الأمر أن تكون هذه المنازعات قد وردت على سبيل المثال واستوت منازعات ادارية بنص القانون لا يقبل خلف على كنهها أو تكييفها، بيـد أنها لا تستوى وحدها لحل المنازعات الإدارية التى ينبسط اختصاص مجلس الدولة شاملا لها جميعا، وإلا انطوى إلأمر علي مخالفة الدستور ذاته وافراغ للبند (رابع عشر) المشار إليه من فحواه ومضمونه وتجريده من كل مغزى وأثر حال أن الأصل فى النص وجوب اعماله لا اهماله سيما وأن له سندا بينا واصلا واضحا من صميم الدستور وصريح عبارته.
ومن حيث أن دعوى المدعى تعويضه عن اضرار يدعيها بسبب خطأ أطباء هيئة قناة السويس إنما هى دعوى تعويض عن عمل مادى مدارها مدى مسئولية الدولة عن اعمالها المادية فى نطاق القانون العام ومجالاته إذ هى منازعة يتأكد اتصالها مباشرة بمرفق عام يدار وفقا للقانون العام وأساليبه ويتبدى فيها واضحا وجه السلطة العامة ومظهرها، وهى ليست منازعة متعلقة بجهة الإدارة حيث تمارس نشاطا يخضع للقانون الخاص أو يدور فى فلكه وانما هى منازعة نبتت فى حقل القانون العام وتحت مظلته، ويشايع ذلك ويظاهره ماقررته محكمة التنازع فى فرنسا بأن الدعوى التى يرفعها المريض أو خلفه ضد الطبيب أو الجراح الذى يعمل بالمستشفى العام لخطأه فى أداء عمله الطبى لايختص بها القضاء العادى لان مثل هذه الأخطاء فى حالة ثبوتها تكون مرتبطة بتنفيذ خدمة عامة يقع على عاتق الأطباء والممرضين اداؤها ومن ثم يختص القضاء الإدارى بمثل هذه الدعوى متى كانت الأخطاء التي يرتكبها الطبيب العامل بمستشفى عام خلال قيامه بعمله لاتشكل أخطاء شخصية منفصلة عن أداء الخدمة الصحية المكلف بأدائها ولا ينفصل عن تلك الخدمة الخطأ المرتكب اثناء قيام الطبيب بعمله الفني وهدف هذا القضاء هو حمل الإدارة على تغطية الأخطاء الصادرة من تابعيها أثناء قيامهم بأعمال المرفق والمضرور ضمانا لحصوله على حقه – ينبغى عليه اختصام المتبوع أمام القضاء الإدارى ولكن الأمر يخـتلف بطبيعة الحال إذا كان الخطأ الذى ارتكبه الطبيب غريبا عن عمله داخل المرفق الصحى مثل الاخطاء التى يرتكبها أطباء المستشفيات العامة اثناء قيامهم بالكشف الخاص لحسابهم فهو هنا يخضع للقضاء العادى وتنطبق عليه القواعد العامة فى المسئولية المدنية للدكتور ولكل ذلك فلا يجوز النأى بالدعوى بالنسبة لطلب التعويض عن القضاء الإدارى قاضيها الطبيعى، وقواعد القانون العام وضوابطه من حيث المسئولية وأركانها التي لا تبنى علي قواعد القانون المدنى، إذ لا غنى في مجالها عن وجوب استظهار ظروف المرفق وأعبائه وما يثقل به من الواجبات والصعاب وظروف الزمان والمكان ووجه العلاقة بين مدعى الضرر والمرفق…وغير ذلك مما لامندوحة عن وجوب تقديره فى مقام وزن المسئولية الإدارية والتعويض عنها قانونا وهو ماغاب عن محكمة القضاء الإدارى نظره والتصدى له بعد إذ نأت بالمنازعة عن صحيح تكييفها قانونا وتنكبت بها مسارها السوى، الأمر الذى يقتضى من اجله جميعا إلغاء الحكم الطعين والقضاء باختصاص محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة بنظر الدعوى بحسبانها منازعة إدارية مدارها مسئولية الإدارة عن أعمالها المادية وإعادتها إليها مجددا للفصل فى موضوعها بعد إذ تتهيأ أسباب الحكم فيها.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة بنظر الدعوى على الوجه المبين باسباب الحكم وبإعادتها إليها للفصل فى موضوعها، وأبقت الفصل فى المصروفات.