طعن رقم 4237 لسنة 40 بتاريخ 15/09/1994 دائرة منازعات الأفراد والهيئات

Facebook
Twitter

طعن رقم 4237 لسنة 40 بتاريخ 15/09/1994 دائرة منازعات الأفراد والهيئات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة الأستاذ المستشار/ على فؤاد الخادم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد معروف محمد وعادل محمود فرغلى وعبد القادر هاشم النشار والسيد محمد السيد الطحان نواب رئيس مجلس الدولة

* إجراءات الطعن

فى يوم الأحد الموافق 28/8/1994 أودعت هيئة قضايا الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 4237لسنة 40قضائية عليا وذلك فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى دائرة منازعات الأفراد والهيئات فى الدعوى رقم 6631لسنة 48قضائية بجلسة 23/8/1994 والقاضى بقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من أثار.
وطلبت هيئة قضايا الدولة – للأسباب المبينة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا وبإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا برفض طلب وقف القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
كما أودعت هيئة قضايا الدولة فى ذات التاريخ الطعون أرقام 4234،4235،4236،4238 لسنة 40ق 6502لسنة 48ق، 7287لسنة 48ق على التوالى والمقامة من الدكتور/ ……..ز بصفته وليا طبيعيا على ابنته ……. و…….. بصفته طبيعيا على ابنته………و…………و………..و………….و………..بصفتهم أولياء طبيعيين على بناتهم القصر و……والتى قضت محكمة القضاء الإدارى فيها بقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارة المصروفات.
وقد أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى فى الطعون المشار إليها ارتأت فيه- للأسباب المبينة بالتقرير- الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد عين لنظر الطعون المشار إليها أمام دائرة فحص الطعون جلسة 4/9/1994 حيث نظرت الطعون بالجلسة المذكورة وقررت الدائرة إحالة الطعون إلى هذه المحكمة لتنظرها بجلسة 2/8/1994، وبناء على الطلب المقدم من هيئة قضايا الدولة بتعجيل نظر الطعن قررت المحكمة نظر الطعن بجلسة 14/9/1994 حيث تم نظر الطعن ومناقشة أدلته التفصيلية على النحو المبين بمحاضر الجلسات حيث قررت الدائرة ضم الطعون المذكورة إلى الطعن الماثل ليصدر فيها حكم واحد، وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم بعد أن أودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

* المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل- حسبما يتضح من الأوراق – فى أنه بتاريخ 29/7/1994 أقام المطعون ضدهم الدعوى رقم 7287لسنة 48ق أمام محكمة القضاء الإدارى دائرة منازعات الأفراد والهيئات طالبين فى ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر من وزير التعليم بتحديد زى موحد للطلبات مع ما يترتب على ذلك من أثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، وذلك تأسيسا على أن بناتهم وهن تلميذات بمدرسة شبين القناطر الثانوية الصناعية من التلميذات الملتزمات بالزى الإسلامى (الحجاب)وقد اصدر وزير التعليم قراره المطعون فيه متضمنا تحديد زى موحد يخالف الذى الإسلامى ويحظر على تلميذات المدارس الإعدادية والثانوية تغطية شعرهن فى المدرسة إلا بعد أن يتقدم ولى الأمر بطلب مكتوب بالنسبة لطلبة المدارس الإعدادية ويجوز أن يكون غير مكتوب بالنسبة للمدارس الثانوية وهو قرار يخالف حكم المادتين 2،46من الدستور الذى يجعل من الشريعة الإسلامية المصدر الأساسى للتشريع، كما يخالف المادتين 41،57من الدستور المتعلقة بالحرية الشخصية بوضعه قيودا على مجرد ستر الطالبة شعرها وذلك بتقديم طلب مكتوب أو غير مكتوب من ولى الأمر حسب الأحوال كما أقام المطعون ضدهم فى الطعون المنضمة الدعواى أرقام 7631 لسنة 48ق، 798 لسنة 48ق، 6502 لسنة 48قو 7287 لسنة 48ق طالبين الحكم لهم بذات الطلبات طبقا للأساس المشار إليه. وقد إجابة هيئة قضايا الدولة على الدعوى بمذكرة جاءتها أن مرفق التعليم يزاول نشاطه تحت رعاية الدولة التى تضع له الضوابط المنظمة له وتكفل تحقيق أهدافه ووسيلته فى ذلك هى القرارات الإدارية ومن المتعارف عليه منذ أن وجد هذا المرفق والتلاميذ والتلميذات يرتدون زيا خاصا به تنظمه كل مدرسة وتضع قواعده وشروطه ومن ثم فإن توحيد الزى لا يتعارض مع الحرية الشخصية فى ارتداء الملابس وعندما وجدت الوزارة أن ثمة تضاربا فى تفسير بعض العبارات التى وردت بالقرار رقم 113لسنة 1994 المطعون عليه فقد اصدر وزير التعليم القرار رقم 208لسنة 1994 الذى حرص على السماح لكل تلميذة بارتداء الحجاب وعدم منعها من دخول المدرسة بشرط التحقيق من علم ولى الأمر بذلك، بل أن القرار قد حث التلميذات على مراعاة الوقار والاحتشام فى الزى بما يتفق والقيم الأخلاقية للمجتمع.
وبجلسة 23/8/1994 أصدرت محكمة القضاء الإدارى دائرة منازعات الأفراد والهيئات حكمها الطعنين والقاضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية المصروفات وأقامت قضاءها على أن الدستور المصرى قد حرص على كفالة الحريات الشخصية وصونها، ومن بين هذه الحريات الشخصية حقه فى ظان يرتدى ما يشاء من ملابسه دون إلزامه بزى معين أو منعه من ارتدائه، وإذا كانت هذه الحريات لا تستعصى على التنظيم فإن تنظيمها لا يكون إلا بقانون يصدر من السلطة التشريعية، ومن ثم يمتنع على السلطة التنفيذية أن تتدخل فى مجال الحريات العامة بهدف تنظيم أى منها، لأن هذا المجال محجوز للمشرع وحده، كما لا تستطيع أن تتخذ أى إجراء قبل أن تصدر السلطة التشريعية القانون الذى يضع الضوابط والشروط التى تحدد دور السلطة التنفيذية فى هذا الخصوص، ومن ثم فإن القرار رقم 113لسنة 1994الصادر من وزير التعليم والقرار الذى أعقبه بالتعديل رقم 208لسنة 1994- وقد تضمنت أحكامهما قواعد تنظيمية مجردة بشأن الزى المدرسى الذى يتعين على تلاميذ المراحل الثلاث ارتداؤه أثناء الدارسة ورتبت على عدم ارتدائه جزاء عدم دخوله المدرسة- يكون قد قام بتنظيم إحدى الحريات الشخصية لفئة من المواطنين هم تلاميذ المدارس فيما هو محجوز أصلا للشارع وغريب على القانون لأن الحرمان من الحق فى التعليم لعدم ارتداء الزى المفروض جبرا عنهم يتعارض مع ما تضمنته المادة 18من الدستور من أن التعليم حق تكفله الدولة.
. ومن ثم فإن صدور القرار المطعون من جهة غير منوط بها إصداره قانونا يعيبه بعيب جسيم ينحدر به إلى مرتبة العدم طالما كان منطويا على افتئات على سلطة أخرى هى السلطة التشريعية مما يجعله معدوم الأثر قانونا ولا يعدو أن يكون عقبة مادية لا تحول دون حق هؤلاء التلاميذ وأوليا أمورهم فى مباشرة حقوقهم وحرياتهم الشخصية.
ومن حيث ان مبنى الطعن الماثل أن الحكم الطعين قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله وذلك للأسباب الآتية:
أولا: أغمض الحكم عن تحديد نطاق الدعوى المطروحة متجاوزا طلبات الخصوم التى انحصرت فى التضرر من عدم السماح للتلميذ بارتداء غطاء الشعر إلا بناء على موافقة كتابية من ولى الأمر بينما تضمنت حافظة مستندات الحكومة صورة القرار رقم 208لسنة 1994والذى اكتفى بشرط علم ولى الأمر وأنه لا حرمان للتلميذات من دخول المدارس أو الانتظام فى الدراسة بسبب ارتدائهن هذا الغطاء الأمر الذى كان يتعين معه القضاء باعتبار الخصومة منتهية.
ثانيا: أن الحكم المطعون فيه لم يفصل فى الطلب المستعجل من ظاهر الأوراق وإنما فصل فى الدعوى متوغلا فى الموضوع منتهيا إلى اعتبار القرار معدوما لاغتصابه اختصاص السلطة التشريعية، ومع ذلك انتهى إلى وقف تنفيذ القرار وأمر بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة الإعداد تقرير بالرأى القانونى فى موضوعها.
ثالثا: أغفل الحكم الطعين أوجه الدفاع الجوهرية المتعلقة بحق المؤسسات التعليمية فى تنظيم وإدارة مرفق التعليم تحقيقا للصالح العام وأن ترتيب المصالح ومن بينها المؤسسات التعليمية ومن اختصاص السلطة التنفيذية وليس السلطة التشريعية طبقا لنصوص الدستور.
رابعا: أن الحكم المطعون فيه تصدى لبحث المسألة الدستورية حينما انتهى إلى اعتبار القرار المطعون فيه مخالفا لأحكام الدستور رغم أن أيا من المدعين لم يدفع بعدم دستورية القرار المذكور فضلا عن أنه كان يتعين عليه فى حالة الدفع بعدم الدستورية أن يوقف الفصل فى الدعوى ريثما يتم الفصل فى المسألة الدستورية بمعرفة المحكمة الدستورية العليا لا سيما وأن النظر فى أمر دستورية نص قانونى من عدمه أمر معقود لقاضى الموضوع وليس للقضاء المستعجل طبقا لما استقر عليه قضاء النقض.
ومن حيث انه يبين من استعرض النصوص الدستورية والتشريعية للأنظمة التعليمية فى مصر والعالم المتقدم أن الرسالة التعليمية- فى مصر بصفة خاصة- هى علاقة بالغة الأثر عظيمة الشأن بين الأجهزة التعليمية من ناحية وبين التلاميذ الذين لم يبلغوا بعد- فى مراحل التعليم قبل الجامعى- من ناحية أخرى حدا يجعل لكل منهم إدارة حرة واعية قادرة على الاختيار السليم فجميعهم- بحسب الأصل من القصر غير كاملى الأهلية الذين يقعون عادة فريسة الإغراء أو التهديد مما حدا بالمشرع إلى مراعاتهم وحمايتهم فى كافة النظم القانونية وفى شتى مجالاتها المدنية والتجارية والجنائية فخول القاصر حق أبطال العقود التى يبرمها بنفسه ما لم يوافق عليها الوالى أو الوصى، وجعل جريمة اغتصاب الأنثى واقعة حتى ولو تم الوقاع برضاها متى لم تبلغ سن الثامنة عشرة بل أن حق التقاضى التى تكلفه الدساتير كافة بحسبانه حق استصراخ القضاء لرفع الظلم والأضرار التى تحيق بالقاصر، محظور عليه ممارسته إلا عن طريق وليه إذ رأى الأخير وجها لذلك كله إلى عدم الاعتراف للقاصر بقدرته على الاختيار الحر فى ظل إرادة لا تزال فى دور التكوين ولا توجد علاقة يمكن أن توقع القاصر فريسة للطيش البين أو الهوى الجامح والاندفاع الأعمى نحو المثل المتباينة أخطر من علاقة التلاميذ فى هذه السن المبكرة بالعملين والقائمين على العملية التعليمية وسواء كانت هذه العلاقة موضع تنظيم خاص أو لم تكن كذلك فإن التأثير لا بد واقع من دافع، ومن ثم فقد كان حريا بالمشرع المصرى أن تناول هذه العلاقة بالتنظيم بمقتضى نصوص عامة لا تجعلها خاضعة لقوالب جامدة، وتلك صنيعة المشرع المصرى فى القانون رقم 139لسنة 1981المعدل بالقانون رقم 233لسنة 1988 حيث جعل مهمة تنظيم شئون أمانة فى عنق الأجهزة التنفيذية بوزارة التعليم وحدد دور كل منها ابتداء من وزير التعليم المختص حتى تنساب العصارة الفكرية فى قنواتها الشرعية إلى التلاميذ بالصورة التى تتفق وتقاليد المجتمع وقيمة وتنفيذ إلى وجدانهم بطريقة تلقائية ميسرة تعين على التلقى وتدعو إلى الاستجابة وتحقيق أهدافها فى تكوين إرادتهم وتحقيق ذواتهم فبعد أن أوضحت المادة الأولى من القانون المشار إليه أهدافه بالنص على أن يهدف التعليم قبل الجامعى إلى تكوين المدارس تكوينا ثقافيا وعلميا مرتبا على مستويات متتالية من النواحى الوجدانية والقومية والعقلية والاجتماعية والصحية والسلوكية والرياضية. نصت المادة الثانية من ذات القانون على أن ينشأ مجلس أعلى للتعليم قبل الجامعى برئاسة وزير التعليم يتولى التخطيط لهذا التعليم ورسم خططه وبرامجه ، ويضم ممثلين لقطاعات التعليم والجامعات والأزهر والثقافة والتخطيط والمالية والإنتاج والخدمات والقوى العاملة وغيرهم من المهتمين بشئون التعليم- ويصدر بتشكيل هذا المجلس وتحديد اختصاصاته قرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض وزير التعليم.
وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 523لسنة 1981ونص فى المادة الأولى منه على تشكيل المجلس الأعلى برئاسة وزير التعليم وعدد من ممثلى القطاعات المشار إليها بالقانون ونصت المادة الثانية منه على أن يختص المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى بالتخطيط لهذا التعليم ورسم خططه وبرامجه وبدراسة كل ما يعرضه عليه وزير التعليم خاصا بالسياسة العامة للتعليم وله فى سبيل ذلك: 1-تحديد الخطط العامة السياسية التعليمية والتربوية فى كافة مراحل التعليم قبل الجامعى ونوعياته المختلفة بما يحقق الأهداف القومية فى إطار السياسة العامة للدولة ……2-……..7- تنظيم شئون التلاميذ الثقافية والاجتماعية والرياضية والاتحادات.
وبناء على موافقة المجلس الأعلى للتعليم بجلسة المعقودة فى 20/4/1994 بشأن تحديد زى موحد لتلاميذ المدارس الرسمية والخاصة فى مراحلها الثلاث صدر قرار وزير التعليم رقم 113لسنة 1994 فى 17/5/1994 محل الطعن الماثل بتحديد المواصفات الخاصة بالزى المدرسى وتوحيدها من حيث اللون أو الشكل أو المكونات ونص فيه على السماح للتلميذات بارتداء غطاء الرأس لا يحجب الوجه بناء على طلب مكتوب من ولى الأمر – بتاريخ 6/8/1994 صدر قرار وزير التعليم رقم 208لسنة 1994بتفسير بعض العبارات الواردة فى القرار السابق ونص فيه على أنه يقصد بعبارة بناء على طلب ولى الأمر أن يكون ولى الأمر على علم باختيار التلميذة لارتداء غطاء الشعر وأن اختيارها وليد رغبتها دون ضغط أو إجبار، وعلى ذلك لا تمنع أى تلميذة ترتدى غطاء الشعر وإنما بحق لها الدخول على أن يتم التحقيق من علم ولى الأمر، كما حدد غطاء الشعر بأنه كل غطاء تختاره التلميذة بما لا يحجب الوجه، كما نص فى البند ثانيا على أنه يقصد بالزى المناسب المحافظة فى الزى على مراعاة الاحتشام بما يتفق مع تقاليد المجتمع واخلاقيته وكل زى يخرج على هذا الاحتشام يكون مخالفا للزى المدرسى للتلميذة ترتديه بدخوله المدرسة.
ومن حيث أنه يبين من النصوص المتقدمة أن العملية التعليمية لا تقوم لها قائمة إلا بين أطراف ثلاثية: أولها: الأجهزة التعليمية وعلى رأسها المجلس الأعلى للتعليم برئاسة وزير التعليم بحسبانه- بنص القانون- قائد العملية التعليمية والتربوية والسلوكية وله أن يضع ما يشاء من نصوص منظمة لشئون التلاميذ التعليمية والثقافية والاجتماعية والرياضية ما لم يخالف نصا صريحا القانون أو يتعارض مع أصل لا خلاف عليه من أصول الشريعة الإسلامية التى تعد مصدرا من مصادر التشريع وثانيها: التلميذ وهو وعاء العملية التعليمية ومناط نجاحها فى أهدافها المتمثلة فى تكوين إرادته وتنظيم فكرة وتزويده بالقدر المناسب من القيم والدراسات النظرية والتطبيقية والمقومات التى تحقق إنسانية وكرامته وقدرته على تحقيق ذاته وثالثها: ولى الأمر الذى ينبغى أن يكون على علم مستمر ودائم بالعملية التعليمية ويسهم إسهاما إيجابيا فى تكوين إدارة التلميذ واستكمال ما نقض منها من ثم ينبغى أن يكون على علم تام بسلوك التلميذ فى المدرسة من الناحية النفسية والأخلاقية ومدى انتظامه فى الدراسة وقدرته على الاستجابة للتعليم ومستوى تحصيله للمعلومات. ومن ثم فلا تثريب على وزير التعليم تنفيذا لمقررات المجلس الأعلى التعليم قبل الجامعى وهو القوام بنص القانون على تنظيم شئون التلاميذ وتكوين إرادتهم أن يفرض الخطوط الرئيسية لزى موحد بقصد فرض مظهر من مظاهر الانضباط فى المدارس الرسمية والخاصة والقضاء على صور التفرقة المستفزة بين الفقراء والأغنياء ليكون الجميع فى دور التعليم سواء لا تميز بين تلميذ وآخر إلا بتفوقه الدراسى وإذا كان التعليم حقا يكفله الدستور وتشرف عليه الدولة، فإن الانتظام فى الدراسة لبلوغ هذه الغاية واجب يتحمل مسئوليته كل من التلميذ والأجهزة التعليمية التى تتولى مهمة تكوين إرادته وتحديد أحلامه وتطلعاته وتهيئته لتلقى العلم على النحو الذى يحقق إنسانيته وكرامته وقدرته على تحقيق ذاته واستكمال أهليته فى الصورة التى تجعله قادرا على الاختيار الحر السليم، وأهلا لاكتساب الحقوق والواجبات، ومن ثم يبدو غريبا الاعتراف للأجهزة التعليمية بدورها فى تنشئة هذه الأجيال المختلفة من التلاميذ وتنظيم أفكارهم وسبر أغوارهم وتشكيل جوهرهم فى الوقت الذى يعد فيه انتظامهم فى ذى ظاهر موحد أمرا منكرا.
ومن حيث أن الحكم الطعين قد انتهج غير هذا النهج وأنكر على الأجهزة التعليمية دورها فى تنظيم شئون التلاميذ بتحديد زى موحد لانتظامهم فى الدراسة فإنه يكون قد أخطأ فة تطبيق القانون وتأويله وأغفل حقيقة جوهرية قوامها أن التلاميذ فى مراحل التعليم قبل الجامعى من البراعم الغضه التى لم يكتمل نضجها بعد وقد جعل المشرع مهمة رعايتها وتنشئتها فى عنق الأجهزة التعليمية، وإنما ملزمة بتكوين إرادتها واستكمال أهليته ومن ثم فلا يسوغ الاحتجاج للقاصر بحريته فى ارتداء ما يراه من أزياء لا سيما إذا كان المقصود بالزى هو ارتداؤه له فترة واحدة فى الدراسة دون أن يشكل ذلك مصادرة لحريته فى ارتداء ما يراه من أزياء خارجها ولا يعدو القرار المذكور أن يكون صورة من ممارسة الوزارة لتنظيم مرفق التعليم وهو حق لأمراء فيه لها يجد سنده فى قانون التعليم وقرار رئيس الجمهورية بإنشاء المجلس الأعلى للتعليم دون أن يحد منه الإدعاء بحرية التلاميذ فيما يرتدون ما دام المشرع قد خص وزارة التعليم وحدها وبما تملكه من أجهزة تعليمية وتربوية بتنظيم شئونهم ورعايتها ولا يعدو تحديد مواصفات الزى أن يكون وجها من أوجه التنظيم المشار إليها فى القانون وقد استقرت هذه المفاهيم فى ضمير المجتمع المصرى منذ بدء العملية التعليمية النظامية فى بداية القرن الماضى حتى رقت إلى مرتبة القاعدة القانونية الواجبة الاتباع والتى يؤدى الإخلال بها إلى حرمان التلاميذ من الانتظام فى الدراسة ولم تكن مجرد قاعدة اجتماعية توجيهية كما ذهب الحكم الطعين الأمر الذى يتعين معه الاعتراف لوزارة التعليم باختصاصها الثابت فى تحديد الزى الذى تراه مناسبا لتلاميذ كل مرحلة من مراحل التعليم قبل الجامعى عن انتظامهم فى الدراسة ما دام قرارها فى هذا الشان قد صدر مجردا عن الميل والهوى مستهدفا وجه الصالح العام، وإذ انتهى الحكم الطعين إلى اعتبار القرار مثار الطعن منعدما لاغتصابه اختصاص السلطة التشريعية فيما هو محجوز لها نص الدستور فإنه قد قام على غير أساس سليم من القانون خليقا بالإلغاء.
ومن حيث أنه يبين من مطالعة القرار مثار الطعن بصيغته المعدلة أنه لا يتعارض مع حرية العقيدة التى كفلها الدستور ولا يخل بحق الفتاة المسلمة فى ارتداء الحجاب إذا ما بلغت سن المحيض التعليم قبل الجامعى فى مراحه الثلاث الابتدائية والإعدادية والثانوية، التزاما بأحكام دينها وامتثالا بما أمر به ربها سترا أمر الله بستره بما لا يحول دون كشف وجهها وكفيها على ما استقر عليه جمهور علماء المسلمين عملا بقوله تعالى فى سورة النور وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهم ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهم على جيوبهن….الآية 3وقوله تعالى فى سورة الأحزاب يا أيها النبى قل لأزوجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن لك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين.. الآية 59 وما جاء فى السنة المطهرة عن أبى داود عن عائشة رضى الله عنها أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على النبى صلى الله عليه وسلم فى ثبات رفاقة تشف عن جسدها فأعرض عنها وقال يا أسماء أن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها سوى هذا هذا.. وأشار إلى وجهه وكفيه وما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر وإذا تركت- أى بلغت- أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى ها هنا.
ولا يوهن فى سلامة هذا النظر القول بأن القرار الطعين استخدم عبارة غطاء الشعر ولم يستخدم لفظ الحجاب بما قد يوحى بأنه لا يسمح بإسدال الغطاء على العنق والرقبة، فهذا القول لا يسنده دليل ما دام القرار لم يشترط فى غطاء الشعر سوى كشف الوجه فقط دون أن يحظر حجب العنق أو الرقبة أو فتحة الصدر بل يبقى فيها على ما هو عليه من إباحة بما لا يتعارض مع حكم الشرع على ما استقر عليه جمهور الفقهاء ومن ثم فلا يحول القرار الطعين بعد تعديله بين الفتاة المسلمة وحقها فى إسدال غطاء شعرها على عنقها ورقبتها، وفتحة الصدر دون أن يكون لأى مسئول حق حرمانه من ذلك أو الحيلولة بينها وبين الانتظام فى الدراسة لهذا السبب، كما لا حجة فى القول إذ سمح لتلميذات المدارس الإعدادية والثانوية فقط بارتداء غطاء الشعر فقد حظر على تلميذات المدارس الابتدائية- ولو بلغت سن الحيض- ارتدائه إذ أن إذ أن الأصل فى الأحكام الإباحة والحظر لا يكون إلا بنص صريح، وهو أمر غير وارد فى القرار مثار الطعن الذى جرى مجرى العادة فغالب الأمر أن التلميذة فى المرحلة الابتدائية لا يجاوز سنها الحادية عشر مما لا تبلغ وهى مرحلة لا يغلب عليها بلوغ هذه السن ومع ذلك فالأصل أنه إذا ما بلغت الفتاة سن المحيض وهى لا تزال فى مرحلة التعليم الابتدائى فإن حقها فى ارتداء الحجاب قائم لم ينكره عليها القرار المطعون ما دام لم يتضمن حظر صريحا على ارتدائه، ولا يسوغ لأى مسئول الاعتراض عليها الوقوف فى سبيلها.
ومن حيث انه لا حجة فيما ذهب إليه المطعون ضدهم من أن القرار قد تطلب أن يكون الزى بطول مناسب تاركا تحديد الطول لكل إدارة تعليمية على نحو قد تضطر فيه التلميذة للكشف عن ساقيها على وجه يتعارض مع تعاليم الدين الحنيف فى ذلك ما دام القرار بعد تعديل قد نص على المحافظة على الزى مع مراعاة الاحتشام بما يتفق مع أخلاق وتقاليد المجتمع وذلك بالنسبة لجميع مراحل التعليم قبل الجامعى، ولم تقف عند هذا الحد بل نص على أن كل زى يخرج عن هذا الاحتشام مخالفا للزى المدرسى ولا يسمح للتلميذة التى ترتديه بدخول المدرسة، وليس من شك فى أن التقاليد والأخلاق الإسلامية جزء من تقاليد المجتمع وأخلاقية فلإسلام بصريح نص المادة الثانية من الدستور هو دين الدولة، والأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية وهذه الأصول الدستورية قد استلهمتها وسجلتها المواد 1،71،22 من قانون التعليم المشار إليه عند تحديد أهداف التعليم قبل الجامعى والتأكد على تعميق القيم الدينية بقصد إعداد الإنسان المؤمن بربه ووطنه.
وأخيرا فليس بصحيح القول بأن القرار قد اشترط لتحجب الفتاة أن يكون ذلك بناء على طلب كتابى من ولى الأمر بالقرار بعد تعديله قد اكتفى بأن يكون ولى الأمر على علم باختيار التلميذة لارتداء غطاء الشعر مع حظر منع أى تلميذة من دخول المدرسة إذا كانت ترتدى الحجاب بالصورة التى تراها مع كشف الوجه فقط ولا يريد على ذلك من قيد سوى أمر موجه إلى المسئولين بالمدارس هو التحقيق من علم ولى الأمر، وهو أمر لا يمس حقها فى مواصلة الدراسة أو الانتظام فيها وتبعا لذلك يسقط أى إدعاء بأن إعلام ولى الأمر أو إحاطته به يمثل قيدا على حق التلميذة فى التحجب أما الخوف من أن إعلام ولى الأمر قد يكون سببا فى منعه ابنته من الاستمرار فى الحجاب فهو تخوف يعوزه الدليل، ولا يؤثر على أية حال فى صحة القرار الطعين أو سلامته من الناحية القانونية.
ولكل أولئك يكون طلب المطعون ضدهم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه أو إلغائه قائما- بحسب الظاهر من الأوراق- على غير أساس سليم من القانون مما يفقده ركن الجدية المسوغ لوقف تنفيذ القرار ويتعين القضاء برفضه.
ومن حيث أن المطعون ضدهم قد خسروا الطعن فيلزمون بمصروفاته عملا بنص المادة 184مرافعات.

* فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المطعون ضدهم المصروفات.

اشترك في القائمة البريدية