طعن رقم 524 لسنة 39 بتاريخ 02/01/1994
طعن رقم 524 لسنة 39 بتاريخ 02/01/1994
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ على فؤاد الخادم. رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة./ محمد معروف محمد وعبد القادر هاشم النشار والسيد محمد السيد الطحان إدوارد غالب سيفين نواب رئيس مجلس الدولة وبحضور السادة أعضاء الشخصيات العامة وهم : السيد الأستاذ/ برنس محمد حسين صابر و السيد الدكتور/ على على حبيش و السيد المهندس /حسن محمد شبانة و السيد الأستاذ/ عبد الغنى حسن والسيد الأستاذ/ حسين فكرى جلال فكرى.
* إجراءات الطعن
فى يوم الاثنين الموافق 14 من ديسمبر سنة 1992 أودع الأستاذ/ ………… المحامى بالنقض بصفته وكيلاً عن …………………. والى عن نفسه وبصفته وكيلاً عن طالبى تأسيس حزب العدالة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن فى القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب السياسية بجلسة 10/11/1992 بالاعتراض على تأسيس حزب سياسى جديد باسم حزب العدالة.
وطلب الطاعن – للأسباب الواردة بتقرير الطعن – الحكم بقبول طعنه شكلا
وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد تم إعلان الطعن قانونا على النحو المبين بالأوراق.
وقدم السيد مفوض الدولة تقريرا بالرأى القانونى – خلص فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وإلزام الطاعن المصروفات.
وقد عينت جلسة 31/1/1993 لنظر الطعن أمام هذه المحكمة المشكلة طبقا لحكم المادة (8) من القانون رقم 40 لسنة 1977 بشأن نظام الأحزاب السياسية، وتداولت المحكمة نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات، إلى أن تقرر النطق بالحكم بجلسة 12/12/1993 ومذكرات لمن يشاء خلال ثلاثة أسابيع.
وقدمت هيئة قضايا الدولة – خلال الأجل – مذكرة استهلتها بأن الطاعن سبق له أن تقدم بطلب إلى لجنة الأحزاب السياسية للموافقة على تأسيس حزب جديد باسم الحزب الاشتراكى المصرى واعترضت اللجنة على تأسيس الحزب فأقام الطاعن طعنا أمام المحكمة الإدارية العليا (دائرة الأحزاب ) حيث قضى برفض الطعن وإلزام الطاعن المصروفات، وذلك استنادا على الأسباب الواردة بالحكم.
وفى معرض الدفاع أوضحت هيئة قضايا الدولة، أن تقرير لجنة شئون الأحزاب السياسية – المطعون فيه – ساق أسبابا سائغة للقرار الذى أصدرته اللجنة، وفحوى تلك الأسباب عدم توافر شرط التميز الظاهر فى برنامج حزب في العدالة عن غيره من الأحزاب، كما أوضح تقرير اللجنة التشابه الكبير القائم بين البرنامج المشار إليه وبرنامج الحزب الاشتراكى المصرى الذى كان الطاعن قد تقدم بطلب لتأسيسه واعترضت عليه اللجنة وتأيد اعتراضها بالحكم الذى صدر من المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 392 لسنة 37 ق، وخلصت هيئة قضايا الدولة لكل ما تقدم إلى طلب الحجم برفض الطعن وإلزام الطاعن المصروفات.
وبجلسة 12/12/1993 قررت المحكمة التأجيل إداريا لجلسة 2/1/1994 لعدم اكتمال تشكيل المحكمة من الشخصيات العامة، وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه وإجراءاته المقررة قانونا.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق فى أنه بتاريخ 9/8/1992 وجه الطاعن – بصفته وكيلاً عن مؤسسى حزب سياسى جديد باسم حزب العدالة – إخطارا كتابيا إلى رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية بطلب الموافقة على تأسيس ذلك الحزب المشار إليه سلفا – وأرفق بالإخطار قائمتين بأسماء الأعضاء المؤسسين البالغ عددهم 122 عضوا منهم 72 عضوا من العمال والفلاحين، 50 عضوا من الفئات مصدق رسميا على توقيعاتهم، كما أرفق به برنامج الحزب ولائحتى نظامه الأساسى والمالى.
وإعمالا لنص المادة الثامنة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية قام رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية، بإبلاغ رئيس مجلسى الشعب والشورى، وكذلك المدعى العام الاشتراكى بأسماء الأعضاء المؤسسين، وتم عرض الإخطار على لجنة شئون الأحزاب التى نظرته بجلسة 17/8/1992 والجلسات التالية، وبجلسة 10/11/1992 أصدرت قرارها المطعون فيه بالاعتراض على الطلب المقدم من السيد/ عادل عبد الحليم حسن والى بتأسيس حزب سياسى جديد باسم حزب العدالة وذلك على سند من أن برنامج الحزب يفتقر إلى ملامح الشخصية الحزبية المتميزة التى تشكل إضافة جادة للعمل السياسى أو تميزه تميزا ظاهرا عن برنامج الأحزاب القائمة، على النحو الذى أوردته المادة الثانية، والبند ثانيا من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بشأن نظام الأحزاب السياسية.
وقد أوردت اللجنة أسباب قرارها فأوضحت أن برنامج الحزب لا يتضمن إضافة جادة تثرى العمل السياسى أو تميزه عن برامج الأحزاب القائمة. ولا يعدو فى جملته أن يكون اختيارا لأنظمة دولية أو محلية قائمة فعلا مما تزخر به برامج الأنظمة السياسية، فإن ما أورده البرنامج تحت عنوان التأكيد على الديمقراطية من طلب إلغاء ما أسماه بالقوانين الاستثنائية وجداول الانتخابات الحالية، ومنح مجلس الشورى سلطة تشريعية واسعة وإنشاء صندوق لتمويل العمل السياسى من حصيلة الغرامات التى توقع على المتخلفين فى كافة العمليات الانتخابية، وتكافؤ الفرص بين مرشحى الأحزاب المختلفة فى وسائل الإعلام والدعاية، وإصدار قانون محاكمة الوزراء ورئيس الجمهورية وتخويل مجلس الشعب حق تعديل الميزانية دون شرط موافقة الحكومة، كل ذلك أمور ليس فيها من جديد فهى إما واردة فى برامج الأحزاب القائمة أو قائمة ومعمول بها.
وما أورده البرنامج بشأن إنشاء بنك للشباب يقوم على تحصيل اشتراكات شهرية بدءا من السنة الأولى من أعمارهم. ويقدم للمشتركين فيه قروضا حسنة تساعدهم على الزواج وتوفر لهم فرص عمل إنتاجية وخدمية فى كافة الميادين، فإن حكومة الحزب الوطنى – تستطرد لجنة شئون الأحزاب – عالجت ذلك جذريا باستصدار القرار الجمهورى رقم 40 لسنة 1991 بإنشاء الصندوق الاجتماعى للتنمية، ومن أهدافه نشر الصناعات الصغيرة والحرفية وهى صناعات تتجه مباشرة إلى قضية البطالة فى مصر، كما يقوم الصندوق بتمويل مشروعات الشباب من خلال ما يقدمه لهم من قروض.
وأما عن دعوة الحزب إلى إقامة كومنولث عربى إسلامى أفريقى فإن الحزب لم يحدد وسائله لإقامة هذا الاتحاد وإنما أورد رؤوس موضوعات يتوقعها بعد قيام هذا الاتحاد، وأن الواقع العملى يغنى عن مثل هذا الاتحاد، فمصر عضو فى جامعة الدول العربية، وفى منظمة الشعوب الأفريقية، وفى المؤتمر الإسلامى – ولها نشاطها البارز فى كل هذه المنظمات بما يغنى عن التطلع إلى أمر هو أقرب إلى الخيال، وأما ما يتحدث عنه برنامج الحزب تحت عنوان مبادئ حقوق الإنسان فلا يعدو أن يكون نقلا عن الميثاق الدولى لحقوق الإنسان فضلا عن وروده كاملا فى الباب الثالث من الدستور.
وتستطرد لجنة شئون الأحزاب السياسية قائلة إن ما تضمنه برنامج الحزب من ضرورة استكمال خطط تربية النشئ والشباب منذ المرحلة الابتدائية والتركيز على المواد الدينية والتربية الوطنية والاهتمام بالتربية البدنية، فإن حكومة الحزب الوطنى تولى المسألة التعليمية أكبر اهتمام ورصدت لها موازنة غير مسبوقة واعتبرت التعليم من أساسيات الأمن القومى للبلاد، إلى جانب قيام المجلس الأعلى للشباب والرياضة برعاية النشىء والشباب تربويا وبدنيا، وأما ما يتحدث عنه البرنامج بشأن استقلال القضاء وحصانة القضاة ورعايتهم فإن قانون السلطة القضائية فى مصر يكفل للقضاة كل استقلال، فضلا عن رعاية الدولة لشئونهم الصحية والاجتماعية سواء فى ذلك القائمين منهم فى الخدمة أو من أحيلوا إلى التقاعد، ودليل ذلك صدور القانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية.
وأما عن برنامج الحزب فى الإعلام والدعوة إلى الحفاظ على حرية الصحافة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية، والتوسع فى إقامة مراكز الإعلام الداخلى وصالات العرض السينمائى والاهتمام بالإعلام الخارجى فكل ذلك أمور قائمة ترعاها حكومة الحزب الوطنى، وما تضمنه برنامج الحزب فى مجال الصناعة والنقل والمواصلات والإسكان لم يتضمن إضافة جادة تميزه عن برامج الأحزاب الأخرى أو ما تقوم به حكومة الحزب الوطنى.
وأضافت اللجنة أن برنامج حزب العدالة تحت التأسيس أورد أمورا محددة سبق أن تضمنها برنامج الحزب الاشتراكى المصرى تتعلق بإنشاء بنك للقمح تحقيقيا لإنتاج رغيف كامل المصرية، وإنشاء القضاء الشعبى فى الأحياء السكنية لفض المنازعات وإجراء المصالحات، ونظام الإدارة المحلية وانتخاب المحافظين، ولم يضف إليها برنامج الحزب الجديد شيئا يستحق الذكر فى ضوء ما تضمنه قرار اللجنة بالاعتراض على الحزب الاشتراكى المصرى وحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر فى شأنه.
وخلصت اللجنة للأسباب المشار إليها – ولكل ما ورد من أسباب لقرارها – إلى الاعتراض على الطلب المقدم من السيد/ عادل عبد الحليم حسن والى لتأسيس حزب سياسى جديد باسم حزب العدالة.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن القرار المطعون فيه قد قام على غير أساس سليم من القانون ذلك أن دستور جمهورية مصر العربية ينص فى المادة الخامسة منه على أن النظام السياسى المصرى يقوم على تعدد الأحزاب، ولكن قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 والمعدل بالقانون رقم 36 لسنة 1979 أضاف المزيد من القيود على التعددية الحزبية، بأن اشترط تميز برنامج الحزب وسياساته وأساليبه فى تحقيق هذا البرنامج تميزا ظاهرا عن الأحزاب الأخرى ولذلك فإن قضاء المحكمة الدستورية العليا – يستطرد الطاعن – قد استقر على أنه يتعين إعمال القيود والشروط التى تضمنها قانون الأحزاب السياسية وفقا للأصل الذى قرره الدستور، وأن المحكمة الإدارية العليا قضت بأن التميز المشار إليه فى المادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 هو وسيلة لتنظيم مبدأ حرية تكوين الأحزاب وأنه يكون محكوما فى شرعيته بهذا الأصل العام ولا يجب أن يفهم فى غير هذه الحدود وإلا صار قيدا على الحرية، إلا أن لجنة شئون الأحزاب خرجت عن هذا المنهج فهى حرصت على مقارنة برنامج الحزب مع الأحزاب الأخرى كلها لا مع كل حزب منفردا ومستقلا عن غيره، كما أنها تجاوزت عن اشتراط التماثل واكتفت بالتشابه لكى تنفى التميز عن الحزب المطلوب تأسيسه، وهذا النهج من جانب لجنة شئون الأحزاب لا يبقى على المبدأ الدستورى المتعلق بحرية المساهمة فى الحياة العامة، وتعدد الأحزاب كنظام سياسى، كما أنه قد يؤدى إلى أن يقوم بعض طالبى تأسيس الأحزاب إلى اصطناع برامج للتميز لكى تنفى التشابه مع أى حزب من الأحزاب القائمة ثم لا يكون لتلك البرامج أى أثر يذكر فى ممارسات الحزب بعد تأسيسه.
وردا على ما استندت عليه اللجنة – فى اعتراضها على برنامج الحزب تحت التأسيس من أن برنامج الحزب أورد أمورا محددة سبق أن تضمنها برنامج الحزب الاشتراكى المصرى تتعلق بإنشاء بنك القمح وإنشاء القضاء الشعبى وانتخاب المحافظين، أوضح الطاعن أن الأمور المشار إليها كانت سببا من أسباب التميز الظاهر فى برنامج الحزب الاشتراكى المصرى حسبما انتهت إليه هيئة مفوضى الدولة فى تقريرها المودع فى الدعوى رقم 392 لسنة 37 ق.
وعن ما جاء فى أسباب اعتراض اللجنة من أن برنامج الحزب الماثل لا يتضمن إضافة جادة تثرى العمل السياسى أو تميزه عن برامج الأحزاب القائمة، فقد أوضح الطاعن أن ثمة نقاطا كثيرة توضح التمايز فى برنامج الحزب مثل أ) مشروعات الجهود الذاتية كإنشاء بنك الشباب للقضاء على كل مشاكل الأسرة، وإنشاء بنك للقمح للقضاء على مشكلة استيراد القمح وإنشاء القضاء الشعبى فى الأحياء السكنية لفض المنازعات البسيطة، وإنشاء الرياضة الخاصة لتنفيذ نظام الاحتراف ومضاعفة مرتبات رجال القضاء والشرطة دوريا، وذلك كله لم تتعرض له اللجنة، ب ) المشروعات القومية مثل إقامة اتحاد كومنولث عربى إسلامى أفريقي، وإنشاء جامعة الشعوب العربية والإسلامية وإنشاء المحكمة الإدارية العربية، ج ) فى النظام الداخلى للحزب : إنشاء حكومة ظل، والنزول بالتشكيلات التنظيمية والقاعدية إلى مستوى مسئول العمارة ومسئول الشارع.
وخلص الطاعن – لما تقدم – ولكل ما ورد بتقرير الطعن إلى طلب الحكم بإلغاء قرار لجنة الأحزاب السياسية الصادر فى 10/11/1992 بالاعتراض على الطلب المقدم من الطاعن بتأسيس حزب سياسى باسم حزب العدالة واعتباره كأن لم يكن.
ومن حيث إن هذه المحكمة بتشكيلها المتميز الذى حددته المادة الثامنة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية المعدل بالقانونين رقمى 144 لسنة 1980، 144 لسنة 1983 إنما تلتزم فى إعمال رقابتها على القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب بالاعتراض على تأسيس الحزب، بأحكام الدستور والقانون ويقتضى ذلك ابتداء تحديد دور هذه اللجنة فى أداء مهمتها الواردة بالقانون والصلاحيات والإمكانيات التى أتيحت لها فى بسط رقابتها على برامج الأحزاب تحت التأسيس وذلك فى ضوء أحكام مواد الدستور والمبادئ الدستورية العامة التى يتعين فهم وتفسير أحكامه فى ظلها والأهداف والغايات القومية التى تسعى إلى تحقيقها.
فقد أكدت وثيقة إعلان الدستور الذى صدر سنة 1971 على أن جماهير شعب مصر هى التى قبلت وأعلنت ومنحت لنفسها الدستور وقد انعقد عزمها على بذل كل الجهد لتحقيق أولا – السلام القائم على العدل بحسبان أن التقدم السياسى والاجتماعى لكل الشعوب لا يمكن أن يتم إلا بحرية الشعوب وبإرادتها المستقلة.
ثانيا- أن الوحدة العربية هى أمل الأمة العربية باعتبارها نداء تاريخ ودعوة مستقبل.
ثالثا – التطوير المستمر للحياة فى الوطن إيمانا بأن التقدم لا يحدث تلقائيا أو بالوقوف عند إطلاق الشعارات وأنها قوته الدافعة لتحقيقه فى إطلاق جميع الإمكانيات والملكات الخلاقة والمبدعة للشعب.
وقد نص الدستور فى المادة الثالثة منه على أن السيادة للشعب وهو مصدر السلطات ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين فى الدستور ونص فى المادة الخامسة على قيام الاتحاد الاشتراكى العربى والمبادئ الأساسية التى تنظم وتحكم نشاطه وبينها مبدأ الديمقراطية، ثم أفرد الدستور الباب الثالث للحريات والحقوق والواجبات العامة حيث نص فى المادتين 47، 48 على حرية الرأى وحرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ونص فى المادة (54) منه على حق المواطنين فى الاجتماعات العامة والمواكب الشعبية وفى المادة (55) على حق المواطنين فى تكوين الجمعيات على الوجه المبين فى القانون وحظر فى ذات الوقت إنشاء جمعيات يكون نشاطها معاديا لنظام المجتمع أو سريا أو ذا طابع عسكرى. ثم صدرت ورقة أكتوبر سنة 1974 التى طرحت فى استفتاء شعبى وتضمنت بأنه إذا كانت ثورة يوليو سنة 1952 قد أنجزت الكثير فى الحرية الاجتماعية، بأنه بكل أمانة لابد أن يسهم أن جانب الحرية السياسية لم يتحقق على الوجه الذى يريده الشعب …… وأنه لا جدوى للقمة العيش إذا فقد الإنسان أهم ما يميزه وهو الحرية السياسية.
. وأن الديمقراطية ليست نصوص ولكنها ممارسة عملية ويومية…….
وكانت ورقة تطوير الاتحاد الاشتراكى التى قدمت فى أغسطس سنة 1974 قد تضمنت أن نفى فكرة الحزب الواحد عن الاتحاد الاشتراكى العربى لا يمكن أن يتم إلا بالتسليم بتعدد الاتجاهات داخله ثم شكلت لجنة مستقبل العمل السياسى برئاسة رئيس مجلس الشعب وعضوية عدد من أعضاء النقابات المهنية والعمالية التى تدارست الاتجاهات السياسية للتطوير وهى ثلاثة اتجاهات أولها يرى إنشاء منابر ثابتة داخل إطار الاتحاد الاشتراكى، والثانى : يذهب إلى إنشاء منابر متحركة، أما الثالث فيعتبر الاتحاد حزبا سياسيا للثورة يلتزم بمبادئها ومواثيقها ويقوم خارجه أحزاب أخرى، وبعد تطوير نظام المنابر طالبت اللجنة البرلمانية للرد على بيان الحكومة – فى تقرير لها مؤرخ 23/12/1976 بإعداد تشريع للأحزاب السياسية لأنه قد صار ضروريا أن يصدر مجلس الشعب قانونا ينظم قيام الأحزاب وأسلوب إعلانها والضوابط الموضوعية التى تصاحب قيامها، وبناء على ذلك فقد صدر القانون رقم 40 لسنة 1977 بتنظيم الأحزاب السياسية والذى أصبح نافذا اعتبارا من 7 من يوليو سنة 1977 وقد نصت المادة الأولى منه على أن للمصريين حق تكوين الأحزاب السياسية ولكل مصرى الحق فى الانتماء لأى حزب سياسى وذلك طبقا لأحكام القانون. ونصت المادة الثانية على أن يقصد بالحزب السياسى كل جماعة منظمة تؤسس طبقا لأحكام هذا القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وذلك عن طريق المشاركة فى مسئوليات الحكم.
وحددت المادة الثالثة دور ورسالة الأحزاب السياسية بأن نصت على أن : تسهم الأحزاب التى تؤسس طبقا لأحكام القانون فى تحقيق التقدم السياسى والاجتماعى والاقتصادى للوطن على أساس الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعى والاشتراكية الديمقراطية ………..
وقد أورد القانون المذكور الأحكام المتعلقة بشروط تأسيس الأحزاب واستمرارها وانقضائها، كما نص على تشكيل لجنة تسمى لجنة شئون الأحزاب السياسية تقدم إليها طلبات التأسيس ويكون لها حق الاعتراض على تأسيس الحزب بقرار مسبب إذا كان قيامه يتعارض مع أحكام القانون.
وفى 11 من أبريل سنة 1979 نشر قرار رئيس الجمهورية رقم 157 لسنة 1979 بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء الذى تضمن موضوعات معينة منها، إطلاق حرية تكوين الأحزاب السياسية وبعد موافقة الشعب على ما طرح فى الاستفتاء تم تعديل المادة الخامسة من الدستور – على مقتضى نتيجة الاستفتاء الذى تم فى مايو سنة 1990 – وأصبح نصها على النحو الآتى.
. النظام السياسى فى جمهورية مصر العربية يقوم على أساس تعدد الأحزاب وذلك فى إطار المقومات، والمبادئ الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص عليها فى الدستور وينظم القانون الأحزاب السياسية.
ومن حيث إنه يبين من العرض المتقدم أن أحكام القانون رقم 40 لسنة 1977 صدرت بمراعاة ما قررته أحكام الدساتير المصرية المتعاقبة ومنها دستور سنة 1971 من حق المصريين فى تكوين الجمعيات بما يشمل الجمعيات السياسية أو الأحزاب بشرط ألا تكون معادية لنظام المجتمع، أو تقوم على تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، وبناء على الحريات العامة المقررة فى هذه الدساتير مثل حرية الرأى والتعبير وحق الاجتماع، وأن قيام الأحزاب بناء على كونها حق عام للمصريين كان معلقا على إزالة الحظر القانونى الذى فرض انفراد الاتحاد الاشتراكى بالساحة السياسية، ومن ثم فإن تعدد الأحزاب وحرية تكوينها أو الانتماء إليها يكون هو الأصل والمبدأ العام الدستورى الذى يتلاءم صدقا وحقا مع النظام الديمقراطى الذى تأخذ به جمهورية مصر العربية، وقد أورد تقرير اللجنة التشريعية بمجلس الشعب المبادئ الأساسية الجوهرية التى قام عليها القانون رقم 40 لسنة 1977 والتى صيغت أحكامه تحقيقا لها، ومن بين تلك المبادئ مبدأ جدية تكوين الأحزاب السياسية بمعنى أن يكون قيام الحزب جديا وممثلا لاتجاه شعبى جدى وواقعى وليس مجرد وجود صورى لا تعبر إلا عن مؤسسيه دون أن تكون له قاعدة جماهيرية واضحة ودون أن يكون لوجوده إضافة جدية للعمل السياسى،،وبناء على المبادئ والأسس التى أقامت اللجنة بناء عليها أحكام قانون الأحزاب السياسية فقد نصت المادة الرابعة من القانون على أنه :
يشترط لتكوين أو استمرار حزب سياسى ما يلى : أولا- عدم تعارض مقومات الحزب أو مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه فى ممارسة نشاطه مع : 1- مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع.
2- مبادئ ثورتى 23 يوليو 1952، 15 مايو 1971 3- الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الاشتراكى الديمقراطى والمكاسب الاشتراكية.
ثانياً – تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه فى تحقيق هذا البرنامج تميزا ظاهرا عن الأحزاب الأخرى …..
كما تنص المادة السابعة من القانون المشار إليه بعد تعديلها بالقانون رقم 144 لسنة 1980 على أنه يجب تقديم إخطار كتابى إلى رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية المنصوص عليها فى المادة التالية عن تأسيس الحزب موقعا عليه من خمسين عضوا من أعضائه المؤسسين، ومصدقا رسميا على توقيعاتهم على أن يكون نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، وترفق بهذا الإخطار جميع المستندات المتعلقة بالحزب ……..
وتنص المادة الثامنة على أن تشكل لجنة شئون الأحزاب السياسية على النحو التالى: 1- رئيس مجلس الشورى رئيسا 2- وزير العدل.
3- وزير الدولة لشئون مجلس الشعب، 4- ثلاثة من غير المنتمين إلى أى حزب سياسى أو من بين رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم أو وكلائهم.
وتختص اللجنة بالنظر فى المسائل المنصوص عليها فى هذا القانون، وبفحص ودراسة اخطارات تأسيس الأحزاب السياسية طبقا لأحكامه.
..
وللجنة فى سبيل مباشرة اختصاصاتها طلب المستندات والأوراق والبيانات والإيضاحات التى ترى لزومها من ذوى الشأن فى المواعيد التى تحددها لذلك ولها أن تطلب أية مستندات أو أوراق أو بيانات أو معلومات من أية جهة رسمية أو عامة، وأن تجرى ما تراه من البحوث بنفسها أو بلجنة فرعية منها.
. وعلى اللجنة أن تصدر قرارها بالبت فى تأسيس الحزب على أساس ما ورد فى إخطار التأسيس الابتدائى وما أسفر عنه الفحص أو التحقيق …………………… ويجب أن يصدر قرار اللجنة بالاعتراض على تأسيس الحزب مسببا بعد سماع الإيضاحات اللازمة من ذوى الشأن.
..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويجوز لطالبى تأسيس الحزب خلال الثلاثين يوما التالية لنشر قرار الاعتراض فى الجريدة الرسمية أن يطعنوا بالإلغاء فى هذا القرار أمام الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا التى يرأسها رئيس مجلس الدولة، على أن ينضم لتشكيلها عدد مماثل من الشخصيات العامة يصدر باختيارهم قرار من وزير العدل بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية.
..
ومن حيث إن مقتضى ما تقدم من أحكام أن مهمة اللجنة وسلطاتها إزاء الأحزاب المزمع تأسيسها تتحدد فى ضوء المبادئ الدستورية والقانونية سالفة البيان والتى قررت أن تكوين الأحزاب حق عام للمصريين، ولهم حرية تكوينها والانتماء إليها، وإن كل جماعة ارتضت تكوين حزب سياسى يجب عليها إخطار اللجنة المذكورة، قبل البدء فى ممارسة مهامها ونشاطها على الساحة السياسية وجعل القانون مهمة هذه اللجنة منحصرة فى بحث أوراق الحزب تحت التأسيس للتأكد من مدى توافر الشروط التى حددها الدستور وأورد القانون تفصيلا لها، ويكون للجنة حق الاعتراض على قيام الحزب قانونا إذا ما تخلف فى حقه شرط أو أكثر من الشروط المتطلبة، وفى هذه الحالة فقد حرص القانون على ضرورة أن تصدر اللجنة قرارها مسببا باعتبار أنها تتصرف فى إطار سلطة مقيدة بنص الدستور وفى مجال ممارسة حرية من الحريات التى كفلها الدستور، وعلى أن يخضع قرار اللجنة للرقابة القضائية من هذه المحكمة التى شكلها المشرع بالتشكيل المتميز الذى يكفل لها إعمال هذه الرقابة والتحقق من مدى سلامة قرار اللجنة ومطابقته لأحكام الدستور والقانون.
ومن حيث إنه قد حرصت نصوص القانون على تأكيد هذا المعنى عندما عبر المشرع فى المادة السابعة عن الطلب المقدم بتأسيس الحزب بأنه إخطار أى إبلاغ عن نية جماعة منظمة في ممارسة حقوقها الدستورية على الوجه الذى يكفله الدستور، كما عبر المشرع عن سلطة اللجنة عند البت فى الإخطار بعبارة الاعتراض على التأسيس مستبعدا – وبحق – عبارتى الموافقة أو الرفض حرصا منه على التأكيد بأن مهمة اللجنة تقف عند فحص أوراق الحزب والتحقق من توافر الشروط الواردة فى الدستور والقانون فهى تباشر سلطة مقيدة بحيث.
لا تقف حائلا فى سبيل ولوج أى حزب سياسى إلى ميدان السياسة إلا إذا كان لديها من الأسباب الحقيقية والجوهرية – وفقا لما هو وارد بنص دستورى أو قانونى – ما يبرر عدم السماح لمؤسسى الحزب بإقامته.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن لجنة الأحزاب السياسية قد أصدرت قرارها المطعون فيه بالاعتراض على الطلب المقدم من الطاعن لتأسيس حزب سياسى جديد باسم حزب العدالة وذلك على سند من أن برنامج الحزب يفتقر إلى ملامح الشخصية الحزبية المتميزة التى تشكل إضافة جادة للعمل السياسى أو تميزه تميزا ظاهرا عن برامج الأحزاب القائمة، فضلا عن عدتم اتسامه بالتحديد مما يجعله غير جدير بالانتماء إلى حلبة النضال السياسى مع باقى الأحزاب القائمة لعدم توافر الشروط التى تتطلبها المادة الثانية والبند ثانياً من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية فى حق هذا الحزب.
ومن حيث إنه من بين الشروط والضوابط التى أوردها القانون رقم 40 لسنة 1977 لتأسيس الأحزاب السياسية أو استمرارها ما ورد بالبند ثانياً من المادة الرابعة التى تشترط لتأسيس الحزب واستمراره تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه فى تحقيق هذا البرنامج تميزا ظاهرا عن الأحزاب الأخرى.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه يتعين توافر هذا الشرط فى كل حزب ضمانا للجدية التى تمثل مبدأ أساسيا من النظام العام السياسى والدستورى فى تطبيق مبدأ التعدد الحزبى وفقا لأحكام الدستور وقانون تنظيم الأحزاب السياسية سالف الذكر، وحتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية للعمل السياسى ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى لكى يكون لمبدأ التعددية الحزبية جدوى سياسية محققة للصالح القومى بما تؤدى إليه من إثراء للعمل الوطنى، ودعم للممارسة الديمقراطية تبعا لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وتوسيعا لنطاق المفاضلة بين الأحزاب واختيار أصلحها من حيث تبينها لأنسب الحلول وأنفعها لتحقيق المصالح العامة للشعب.
ومن حيث إنه – بادئ ذى بدء – يتعين الإشارة إلى أن الأحزاب السياسية القائمة أو التى تطلب التأسيس تلتزم أساسا باحترام المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص عليها فى الدستور والتى نظمها فى الباب الثانى منه متمثلة فى المقومات الاجتماعية والخلقية الواردة فى الفصل الأول منه، والمقومات الاقتصادية الواردة فى الفصل الثانى من الباب المذكور وتلتزم تلك الأحزاب بألا تتعارض فى مقوماتها أو مبادئها أو أهدافها أو برامجها أو سياستها أو أساليب ممارستها لنشاطها مع مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع، ومبادئ ثورتى 23 يوليو 1952، 15 مايو 1971، كما تلتزم بالحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الاشتراكى الديمقراطى على النحو المنصوص عليه فى القانون رقم 40 لسنة 1977 ومقتضى ذلك أن الدستور ومن بعده القانون المشار إليه قد تطلبا لزاما اتفاق الأحزاب فى أمور غير مسموح فى شأنها بالاختلاف أو التميز سواء فى المبادئ والمقومات أو فى الأساليب والسياسات، ومن ثم فإن دائرة التميز المطلوب كشرط لتأسيس الحزب المزمع قيامه سوف يكون دائما خارج إطار تلك المبادئ والأهداف الأمر الذى يؤدى إلى أن التماثل الذى قد يقترب من التطابق مفترض حتما فى تلك المبادئ والأهداف الأساسية التى تقوم عليها الأحزاب ولذلك فإن عدم التميز أو التباين فى هذا المجال الوطنى والقومى لا يمكن أن يكون حائلا دون تأسيس أى حزب كذلك فإن التميز المطلوب قانونا فى حكم الفقرة الثانية من المادة الرابعة المشار إليها سلفا لا يمكن أن يكون مقصودا به الانفصال التام فى برامج الحزب وأساليبه عن برامج وأساليب الأحزاب الأخرى مجتمعة فليس فى عبارة النص المشار إليه – أو دلالته أو مقتضاه – ما يوصى بأن التميز يجب أن ينظر إليه بالمقارنة بما ورد ببرامج وسياسات الأحزاب الأخرى جميعها ذلك أن الأخذ بمنطق هذا التفسير إلى منتهاه يفرض قيدا هو أقرب إلى تحريم تكوين أى حزب جديد ومصادرة حقه فى ممارسة الحياة السياسية منه إلى تنظيم هذا الحق ومن ثم فليس المطلوب فى التميز لبرنامج الحزب وسياساته أن يكون ثمة تناقض واختلاف وتباين تام وكامل بين الحزب وبين جميع الأحزاب الأخرى، ولو وجدت بعض أوجه التشابه بين برامجه أو أساليبه أو اتجاهاته مع الأحزاب الأخرى فذلك أمر منطقى وطبيعى ومرده إلى أن جميع الأحزاب تخضع لحكم عام واحد يمثل جانبا من النظام العام السياسى والدستورى للبلاد يلزمهم جميعا بالمقومات الأساسية للمجتمع المصرى، ودون أن ينفى ذلك عن كل حزب شخصيته المتميزة التى تشكل منه إضافة جادة غير مكررة للحياة السياسية المصرية.
ومن حيث إن التميز يكمن – وفق ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – فى تلك المقولات والتعبيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى ترد فى برامج الحزب وأساليبه وسياساته التى ارتضاها لنفسه ليكون ملامح شخصية حزبية متميزة وتعبر عن توجه فكرى فى مواجهة المشاكل العامة، واختيار الحلول لها بين البدائل المتعددة ينفرد بها عن باقي الأحزاب ويعرف به بينها فلا يكون نسخة أخرى مكررة من برامج وسياسات تبناها حزب قائم فعلا، فالمحظور هو التطابق التام بين الحزب تحت التأسيس وأى من الأحزاب القائمة، فالتميز يختلف عن الانفراد ذلك لأن التميز – وهو مناط ومبرر شرعية وجود حزب جديد – يعنى ظهور ملامح الشخصية المتميزة للحزب تحت التأسيس، بينما الانفراد يعنى عدم تماثل أى أمر من أمور الحزب تحت التأسيس مع أى من الأحزاب القائمة، وهو أمر يستحيل قيامه فى ظل الدستور وقانون الأحزاب الحاليين على النحو المشار إليه.
ومن حيث أن الامتياز والأفضلية لحزب على غيره يكمن – أيضا – فى مدى قدرة الحزب على تحقيق برامجه وسياساته وأن ينقل أفكاره من دائرة العقل والتفكير إلى دائرة الواقع والتطبيق، ومن ثم يكفى لكى يكون الحزب متميزا فيما قدمه من برامج وسياسات – وهو مناط الخضوع للرقابة عند التأسيس أن تكون تلك البرامج والسياسات جدية وممكنة عقلا، وتؤدى بطريقة واقعية إلى النتائج القى استهدف الحزب تحقيقها فى برنامجه ومن خلال نشاطه وممارسته للعمل السياسى والجماهيري. أما إذا كان الحزب مفتقرا أصلا إلى جدية برنامجه، وأن البرنامج الذى يتبناه الحزب لا يعدو إلا أن يكون ترديدا لما لدى الأحزاب الأخرى من برامج أو صيغت خططه وسياساته فى عبارات إنشائية مرسلة غير محددة فإن الحزب يكون فاقدا لشرط التميز الظاهر بالمفهوم الذى عناه المشرع فى المادة الرابعة من قانون الأحزاب وامتنع عليه اللحاق بالأحزاب السياسية القائمة لعدم جدواه لفقدانه الأسس اللازمة لإضافة جديدة إلى الحياة السياسية والدستورية والحزبية للبلاد.
ومن حيث إنه على هدى المبادئ المتقدمة فإنه يبين من الاطلاع على برنامج الحزب تحت التأسيس أنه أورد النقاط التى يراها نقاط تمايز وذلك على الوجه الآتى (ص 24 من البرنامج المقدم فى الطعن ).
أولا – مشروعات الجهود الذاتية لأبناء الشعب وحل مشاكلهم عن طريق المساهمة الذاتية فى المجالات المختلفة وهى :
1- إنشاء بنك الشباب للقضاء على مشاكل الأسس الناشئة.
2- إنشاء بنك القمح للقضاء على مشكلة استيراد القمح.
3- إنشاء القضاء الشعبى فى الأحياء السكنية لفض المنازعات البسيطة.
4- إنشاء الرياضة الخاصة لتنفيذ نظام الاحتراف.
5- مضاعفة مرتبات رجال القضاء والشرطة دوريا لمدة عشر سنوات.
ثانياً – المشروعات القومية :
1- إقامة اتحاد كومنولث عربى إسلامى أفريقى لخلق قوة توازن تحمى مصالح شعوبه من الهيمنة الأجنبية فى ظل التكتلات الدولية.
2- إنشاء جامعة الشعوب العربية والإسلامية تتكون من منظمات شعبية جماهيرية.
3- إنشاء المحكمة الإدارية العربية لفض المنازعات بين المواطنين من الدول العربية وحكوماتهم فيما يقع عليهم من ظلم لانتقاص حقوق الإنسان.
4- تطبيق مبادئ حقوق الإنسان.
ثالثا – فى النظام الداخلى للحزب :
1- تشكيل حكومة ظل : تقابل حكومة الحزب الحاكم للتنسيق والتعاون وتدريب الكوادر التى تضمن استمرار المسيرة الديموقراطية ووضع المقترحات والحلول أمام لوزارة الحكم.
2- النزول بالتشكيلات التنظيمية والقاعدية إلى مستوى مسئول الشارع ومسئول العمارة.
3- تشكيل لجان الحزب على مستوى المناطق والأقاليم.
4- إنشاء تنظيمات مساعدة هى : التنظيم النسائى/ التنظيم الشبابى/ معهد إعداد الكوادر.
ومن حيث إن الحزب تحت التأسيس يرى أن فى إنشاء بنك للشباب لكى يعالج أهم مشكلة تصادف الشباب، واحدة من نقاط التميز فى برنامج الحزب موضحا ذلك بأن هدف البنك فى مجال الرواج هو تقديم قرض لكل شاب أو شابة عند بلوغهما سنا معينة، وفى المجال الحضارى، يساهم البنك فى تأسيس وإنشاء المكتبات العامة ودور النشر المتخصصة على المستوى القومى، كما يساهم البنك فى المجال الرياضى عن طريق إنشاء وتأسيس منشآت رياضية متكاملة، وفى المجال الاقتصادى يساهم البنك فى توفير فرص عمل إنتاجية وخدمية للشباب من خلال قروض حسنة تمكنهم من عمل تعاونيات فى ميادين الصناعة والزراعة والتجارة ويبين من الإيضاحات التى أوردها برنامج الحزب فى هذا الشأن أنها لم تتضمن جديدا يجعله متميزا، ذلك أن من الملاحظ حاليا الاهتمام بنشر الثقافة الجادة والواعية بين جموع المواطنين وبصفة خاصة بين الشباب من خلال العديد من المكتبات العامة المنتشرة سواء على مستوى المحافظات والمدن والأحياء أو على مستوى دور التعليم بمراحله المختلفة، وتعمل الأجهزة المختصة بالدولة على تشجيع الشباب لارتياد هذه المكتبات من خلال المسابقات الثقافية وما تمنحه من جوائز للمتفوقين، أو من خلال الندوات التى تقام أثناء معسكرات الشباب الصيفية، فضلا عن الاهتمام الجاد بالكتاب والذى يتمثل فى إقامة معرض سنوى للكتاب يضم الكتب العربية والأجنبية، ويقدم تخفيضات هائلة تشجيعا للشباب على القراءة، بالإضافة إلى ما تصدره الهيئة العامة للكتاب من مطبوعات لا بقصد الاتجار ولكن بغية نشر الوعى الثقافى بين الكافة، أما فى المجال الرياضى فإن ثمة منشآت رياضية متكاملة، تم إنشاؤها فعلا تقام عليها المسابقات الرياضية المحلية والدولية، فضلا عن انتشار الأندية ومراكز رعاية الشباب فى كافة المدن والمراكز تقدم الخدمات الرياضية والاجتماعية والثقافية للشباب – وفيما يتعلق بأهمية بنك الشباب كما يراه الحزب تحت التأسيس بغية المساهمة فى توفير فرص عمل إنتاجية وخدمية للشباب فهو أمر قائم فعلا من خلال ما توفره الدولة لشباب الخريجين من أراض مستصلحة أو قابلة للاستصلاح وتمكنهم من تملكها بشروط ميسرة جدا، أو من خلال ما يقدمه بنك ناصر الاجتماعى من قروض طويلة الأجل أو متوسطة الأجل لكل من يرغب فى البدء فى مشروع إنتاجي، هذا فضلا عن أن قرارا جمهوريا كان قد صدر برقم 40 لسنه 1991 بإنشاء الصندوق الاجتماعى للتنمية الذى يختص بتنمية وتعبئة الموارد المالية والفنية للمعاونة فى تنمية الموارد البشرية ورفع المعاناة عن محدودى الدخل وتنفيذ مشروعات محددة الزيادة، وذلك كله من خلال تقديم القروض اللازمة لتمويل المشروعات للشباب، فضلا عن تدريبهم على اكتساب مهارات حرفية مما يوفر لهم فرص العمل ويساعدهم على تكوين أسر جديدة، ويبين من كل ما تقدم أن الأفكار التى طرحها برنامج الحزب تحت التأسيس عن إنشاء بنك للشباب هى لا تعدو إلا أن تكون ترديدا لبرامج وخطط قائمة ويجرى تنفيذها فعلا بغض النظر عن المعوقات التى تعترض التنفيذ أحيانا.
ومن حيث إن ما يطرحه الحزب – كنقطة من نقاط التميز – بشأن إنشاء بنك القمح بقصد تحقيق هدف قومى وهو الوصول إلى رغيف مصرى 100% وذلك من خلال زيادة إنتاج القمح للخروج من نطاق التبعية أو التهديد، فلئن كان ذلك ما يبتغيه كل مواطن مصرى، إلا أن البرنامج الماثل للحزب تحت التأسيس خلا من أى خطة علمية واضحة من شأنها أن تحقق ما يراه الحزب، وقد جاءت عباراته – بشأن ما يراه من زيادة إنتاج القمح – عامة ومجملة خالية من أى دراسة جادة أو خطوات محددة، خاصة وأن العمل على زيادة إنتاج القمح يتطلب الكثير من الإمكانيات المالية والبشرية والدراسات العلمية – وهو أمر لم يقم الحزب بدراسته، ومن وجه آخر فإن القمح حاليا أصبح سلعة عالمية تخضع لقانون العرض والطلب ويتحدد سعره هبوطا أو صعودا من خلال بورصة القمح وقد يؤدى ذلك إلى أن يكون اللجوء أحيانا إلى استيراد القمح ما يوفر الكثير على ميزانية الدولة فيما لو تم التوسع فى زراعته بالنظر إلى فارق السعر بين تكاليف زراعته وتكاليف استيراده، خاصة وأن استيراد القمح – بقصد تغطية احتياجات الدولة – لم يعد مظهرا من مظاهر الخضوع والتبعية السياسية بعد إذ لجأت بعض الدول الكبرى إلى الاستيراد بحسبانه يحقق ميزة اقتصادية، ومن وجه ثالث فإن بنك الائتمان الزراعى – وهو قائم بالفعل – يقدم كل الإمكانيات المتاحة والتيسيرات الممكنة بقصد تشجيع الزراعة على التوسع فى إنتاج القمح، ويخلص من ذلك كله إلى أن دعوة الحزب لإنشاء ما يسمى ببنك القمح تفتقر إلى الجدية وإلى الدراسة الاقتصادية والزراعية التى تحقق لها التميز والتفرد.
ومن حيث إنه عن دعوة الحزب تحت التأسيس إلى إنشاء القضاء الشعبى فى الأحياء السكنية لفض المنازعات البسيطة وإجراء المصالحات فإن الحزب لم يبين كيفية تولى الأفراد العاديين سلطة الفصل فى المنازعات البسيطة وإجراء المصالحات، أو القواعد والإجراءات الواجب اتباعها، أو مدى القوة الإلزامية لما يصدر من قرارات أو كيف يتم تنفيذها سواء فى مواجهة الأطراف المتنازعة أو فى مواجهة الغير إذا يا تعلقت حقوقهم بها، فضلا عن ذلك فإن النظام القضائى المصرى يتأبى على أن يتولى القضاء غير رجال السلطة القضائية الذين يتمتعون بالحيدة والاستقلال بما يمكنهم من فض كافة المنازعات بما يحقق العدالة، ومن ثم فإن دعوة الحزب إلى إنشاء قضاء شعبى حسبما جاء فى برنامجه، تكون مفتقرة إلى الجدية فضلا عن عدم توافر عنصر التميز فيها.
ومن حيث إن ما يدعو.إليه برنامج الحرب تحت التأسيس من مضاعفة مرتبات رجال القضاء والشرطة دوريا لمدة عشر سنوات فهو نظام قائم فعلا من خلال قانون السلطة القضائية، والقانون رقم 36 لسنة1975 بإنشاء صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية والقرارات الوزارية التى تنظم لهم هذه الخدمات والتى تكفل لهم الرعاية الكاملة، وهو الأمر القائم فعلا بالنسبة لرجال الشرطة.
أما عن دعوة الحزب إلى إنشاء الرياضة الخاصة لتنفيذ نظام الاحتراف فإن الأندية الرياضية اعتنقت نظام الاحتراف فى مجال رياضة كرة القدم الأمر الذى أدى إلى أزمات مالية وقعت فيها هذه الأندية، خاصة وأن الدول التى تطبق نظام الاحتراف فى مجال الرياضة تفسح المجال للمراهنات وهو ما تأباه النظم القانونية فى مصر، وليس أدل على ذلك من أن ثمة أفكارا مطروحة تنادى بالعدول عن نظام الاحتراف.
أما ما تضمنه برنامج الحزب تحت بند المشروعات القومية من إقامة اتحاد كومنولث عربى إسلامى أفريقى، وإنشاء جامعة الشعوب العربية والإسلامية، وإنشاء المحكمة الإدارية العربية لفض المنازعات بين المواطنين من الدول العربية وحكوماتهم، وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان، فهذه كلها أفكار ليست بجديدة وتضمينها برنامج الحزب تحت التأسيس ليس من شأنه أن يجعله متميزا ذلك أن مصر وكما قالت لجنة شئون الأحزاب وبحق عضو فى جامعة الدول العربية وعضو فى منظمة – الشعوب الأفريقية وعضو فى المؤتمر الإسلامى ولها نشاطها البارز فى كل هذه المنظمات، وأن الدعوة إلى إقامة جامعة الشعوب الإسلامية فهو أمر ليس بجديد إذ كانت ثمة تجربة سابقة لم يكتب لها النجاح، وأما ما يدعو إليه الحزب من تطبيق مبادئ حقوق الإنسان فإن الدستور المصرى أفرد بابا كاملا هو الباب الثالث الحريات والحقوق والواجبات العامة أورد فيه ما هو وارد بالميثاق الدولى لحقوق الإنسان.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم إلى أن ما أورده الحزب تحت التأسيس فى برنامجه بحسبانها نقاط التميز تفتقر إلى الملامح الحزبية المتميزة التى تشكل إضافة جادة للعمل السياسى، فضلا عن أنها لا تعبر عن توجه فكرى مميز فى حل المشاكل العامة، ومن ثم فإن الحزب تحت التأسيس يكون غير جدير بالانتماء إلى حلبة النضال السياسى مع باقى الأحزاب القائمة.
ومن حيث إنه استنادا على ما سبق بيانه فإن لجنة شئون الأحزاب وقد انتهت إلى أن برنامج حزب العدالة يفتقر إلى ملامح الشخصية الحزبية المتميزة، فضلا عن عدم اتسامه بالتحديد، وأصدرت قرارها بالاعتراض على الطلب المقدم من الطاعن بتأسيس حزب العدالة فإنها تكون قد أعملت صحيح حكم القانون، ويكون قرارها المطعون فيه صحيحا ولا وجه للطعن عليه.
ومن حيث أن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وألزمت الطاعن المصروفات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع : – الأحكام الصادرة في الطعون رقم 777 لسنة 30 ق ورقم 23282 لسنة 34 ق ورقم 45 لسنة 35 ق، ورقم 1175 لسنة 35 ق الصادر من هذه المحكمة بجلسة 14/4/1990.
وحكمها الصادر في الطعن رقم 3293 لسنة 36 ق بجلسة 15/3/1992.
وحكمها الصادر في الطعن رقم 3402 لسنة 38 ق بجلسة 6/2/1994.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ