طعن رقم 549 لسنة 35 بتاريخ 04/04/1993
طعن رقم 549 لسنة 35 بتاريخ 04/04/1993
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة / محمد معروف محمد وعبد القادر هاشم النشار وأحمد عبد العزيز أبو العزم ود. منيب محمد ربيع نواب رئيس مجلس الدولة.
* إجراءات الطعن
فى يوم الخميس الموافق 26/1/1989 أودع الأستاذ الدكتور / محمد عصفور المحامى بصفته وكيلا عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 549 لسنة 35 ق عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى ( دائرة العقود الإدارية والتعويضات) بجلسة 18/12/1988 فى الدعوى رقم 3674 لسنة 41 ق والقاضى بقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع برفضها مع إلزام المدعيين المصروفات.
وطلب الطاعنان فى ختام تقرير الطعن الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام الجهة الإدارية بدفع التعويض المناسب الذى يقرره أهل الخبرة مع تمكينها من التقرير بترك الخصومة فى طلب التعويض عن فروق الأسعار الذى رفعت به دعوى مستقلة أمام القضاء الإدارى مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وفى يوم الاربعاء الموافق 15/2/1989 أودع الأستاذ / أديب نظير الباقورى المحامى بصفته وكيلا عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 801 لسنة35 ق عليا عن ذات الحكم المذكور، وقد طلبا فى ختام تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وبإلزام الجهة الإدارية بدفع مبلغ ستة ملايين وسبعة عشر ألفا وستمائه وسبعة وثمانين جنيها مصريا مع إلزام المطعون ضدهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأودع الأستاذ المستشار / عبد السميع بريك مفوض الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا فى الطعنين ارتأى فيهما الحكم بقبول الطعنين شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدى للطاعنين التعويض المناسب الذى تقدره المحكمة مع إلزامها بالمصاريف.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 6/7/1992 حيث تم نظر الطعن أمامها بالجلسة المذكورة والجلسات التالية حتى تقرر بجلسة 7/12/1992 إحالة الطعنين إلى هذه المحكمة فنظرته بجلسة 10/1/1993 وبهذه الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 28/2/1993 ومذكرات لمن يشاء خلال أسبوعين ثم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 4/4/1993 لإتمام المداولة وبالجلسة المذكورة صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل – حسبما يبين من الأوراق – فى أن الطاعنين قد أقاما الدعوى رقم (3674) لسنة 41 ق بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى ( دائرة العقود والتعويضات ) بتاريخ 29/4/1987 وطلبا فى ختامها الحكم بإلزام المدعى عليهما بصفتهما بأن يؤديا لهما مبلغ 6017687 جنيه ( ستة ملايين وسبعة عشر الف وستمائة وسبعة وثمانين جنيها ) على التفصيل الوارد بعريضة الدعوى مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات وقالا بيانا لدعواهما أنه بتاريخ 16/6/1984 رست المناقصة الخاصة بإنشاء (26) عمارة سكنية لمدينة أبو النمرس مجموعة رقم (1)عليهما بناء على محضر لجنة البت المحرر بتاريخ 27/6/1984 والمعتمد من محافظ الجيزة فى 4/7/1984، وبتاريخ 26/7/1984 تحرر عقد مقاولة فيما بين المحافظة وبينهما وتضمن إلزامهما ببناء العمارات مقابل مبلغ خمسة ملايين وستة عشر ألفا وخمسمائة وأربعة وسبعين جنيها مصريا ومائة وأربعة وأربعين مليما لا غير، وبتاريخ 11/8/1984 صدر لهما أمر البدء فى العمل حيث بدأ المدعيان فى عمل جسات للتربة فى 1/9/1984 الا أن الأهالى اعترضوا طريقهما علاوة على اعتراض رئيس مجلس مدينة ابو النمرس لهذا الإجراء ثم صدر أمر بوقف العمل بهذا الموقع بعد أن قاما بنقل المعدات إليه، وأنه بتاريخ 1/11/1984 تقدما بخطاب لوكيل وزارة الإسكان متضمنا تسجيل واقعة الاعتراض المذكورة وما تسببه من إلحاق الضرر نتيجة عدم تسليمهما الموقع موضوع عقد المقاولة وما ترتب على ذلك من آثار ونتائج وبتاريخ 8/11/1984 تم تشكيل لجنة لمعاينة مواقع بديلة واتضح من المعاينة على الطبيعة أن المواقع البديلة غير صالحة وغير جاهزة وتقع فى عدة مواقع تصل إلى ستة مواقع وانها لا تفى بالعدد المطلوب من العمارات ولا تفى بالغرض الذى من اجله تحرر عقد المقاولة سالف الذكر، وتقرر البدء فى العمل واستبداله لموقع آخر، وبتاريخ 22/12/1984 تم تشكيل لجنة أخرى لمعاينة المواقع المقترحة لإنشاء هذه العمارات بجميع زمامات منطقة أبو النمرس فوجدت اللجنة موقعا واحدا يسع لعدد خمس عمارات فقط فوعد رئيس مجلس مدينة أبو النمرس بالاتصال بإدارة المياه لتحديد مدى إمكانية إخلاء هذا الموقع خلال عشرة أيام من تاريخه، وأنه حرصا من المدعيين على تنفيذ عقد المقاولة فقد تقدما بتاريخ 30/12/1984 بخطاب لوكيل وزارة الإسكان لضرورة إيجاد موقع آخر يتم تسليمه لهما حتى يتسنى تنفيذ المقاولة وتفاديا للأضرار التى ستلحق بهما نتيجة زيادة الأسعار وبتاريخ 14/1/1985 أعيد اختيار موقع آخر بنزلة الاشطر فى حدود فدانين تقريبا ولكن هذا الموقع الاخير مغمور بالمياه بارتفاع يصل إلى قدمين تقريبا وأنه محاط بمصارف من جميع الجهات ولا توجد اماكن تسع لخمس عمارات امتدادا للعمارات التى كان يتم تنفيذها فى ذلك الوقت، وبتاريخ 20/5/1985 تقدم المدعيان بخطاب آخر شرحا فيه أن العمل لم يبدأ الا بالنسبة لخمس عمارات فقط أما باقى المجموعة وعددها واحد وعشرين عمارة فقد تم اختيار موقع بمعرفة الجهة الإدارية اتضح أنه مغمور بالمياه، وعلى أثر ذلك تحرر محضر اجتماع مؤرخ 11/2/1985 بحضور وكيل وزارة الإسكان وسكرتير عام المحافظة والمستشار القانونى للمحافظة واقترحوا عليهما ضرورة عمل دراسة كاملة عن أبحاث التربة وذلك فى مدة أقصاها شهر، وبالفعل فقد قاما بتكليف أحد المهندسين الاستشاريين الذى قدم تقريره، وبتاريخ 29/5/1985 أرسل المدعيان خطابا للمدعى عليه الثانى يتضمن عدم توفيق اللجنة المشكلة للمعاينة اكثر من ثلاث مرات فى ايجاد موقع بديل، وبتاريخ 26/6/1985 تم اخطارهما بالحضور لاستلام موقع عمارة واحدة داخل مركز أبو النمرس وبالفعل تم الاستلام فى 20/8/1985 أى بعد رسو العملية باثنى عشر شهرا ولأن المدعيين قاما بإخطار المدعى عليه الثانى فى 26/10/1985 بعدم وجود مواقع خالية لإقامة العمارات بمدينة أبو النمرس بناء على محاضر المعاينة سالفة الذكر، وبتاريخ 3/11/1985 أرسلا إخطارا إلى المدعى عليه الثانى بالمطالبة بفروق الأسعار والتعويض عن الأضرار التى اصابتهما نتيجة هذا التأخير، وبتاريخ 5/11/1985 استلم المدعيان موقعا يسع لعدد خمس عشرة عمارة وأعطى لهما مهلة 90 يوما لإزالة العوائق فيكون تاريخ بدء العمل هو 8/2/1986 أى بعد ثمانية عشر شهرا من صدور أمر بدء العمل علما بأن مدة العملية كلها عشرون شهرا، وأضاف المدعيان أنه بتاريخ 2/12/1985 صدرت فتوى من مجلس الدولة تضمنت الموافقة على زيادة الأسعار فى عام 1985 بمقدار25% عما كانت عليه فى عام 1984 وبعد ذلك تسلم المدعيان الموقع لبناء عشرين عمارة منهم موقع لثلاثة عشر عمارة بتاريخ 8/2/1986 وموقع لسبع عمارات بتاريخ 16/6/1986 أى بعد مضى سبعة وعشرين شهرا من تاريخ صدور أمر بدء العمل الذى لم ينفذ بسبب يرجع إلى الجهة الإدارية، فى حين أنهما خصصا العدد والآلات والأدوات التى تكفل لهما الوفاء بكامل التزاماتهما المترتبة على عقد المقاولة خلال المدة المحددة للانتهاء من العمليات خلال المدة المحددة به، وأن حجم الانتاج الشهرى الذى تمثله تلك الآلات والمعدات والسيارات التى خصصت لهذه الأعمال لا يقل عن مائة ألف جنيه فى الشهر إذا ضرب فى 18 شهر فان المبلغ الاجمالى يصبح 1800000 أى مليون وثمانمائة الف جنيه، بالإضافة إلى الرواتب التى تدفع للعاملين لمدة تزيد على ثمانية عشر شهرا دون إنتاج وتبلغ فى مجموعها 1200× 18 شهرا = 21600 جنيه للمهندسين علاوة على 10800 جنيه رواتب ثلاثة من العمال الفنيين ثم مصروفات مكتبية تبلغ 18× 1500 = 27000 جنيه فتكون الجملة 69400 جنيه، كما أن توقف العمل بسبب الجهة الإدارية قد ألحق بالمدعيين أضرارا معنوية تتمثل فى إساءة سمعتهما كمقاولين لهما تاريخ معروف لدى العامة والخاصة الأمر الذى يحق لهما المطالبة بمبلغ 100000 جنيه كتعويض عن هذا الضرر، ويضاف إلى المبالغ المطالب بها فروق أسعار بواقع 25% فى السنة طبقا لفتوى مجلس الدولة سالفة الذكر والتى تبلغ عن مدة سنتين 2558287 جنيه وبذلك يبلغ مجموع المبالغ المطالب بها مبلغ وقدره 6017687 جنيه، وخلص المدعيان إلى طلباتهما سالفة الذكر، وبجلسة 18/12/1988 حكمت محكمة القضاء الإدارى بقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع برفضه مع إلزام المدعيين المصروفات، وشيدت المحكمة قضاءها على أن الثابت بالأوراق أن محافظة الجيزة قد تعاقدت مع المدعيين فى 26/7/1984 على إنشاء عدد 26 عمارة بمنطقة أبو النمرس وصدر بذلك أمر البدء فى العمل فى 11/8/1984 لإنجاز العمل خلال فترة عشرين شهرا إلا أنه عند قيامهما بعمل جلسات للتربة اعترض العمل بعض الأهالى بالمنطقة علاوة على اعتراض رئيس مجلس مدينة أبو النمرس الأمر الذى جعل جهة الإدارة تبحث عن مواقع بديلة لإنشاء هذه العمارات حيث تم تحديد مواقع بالحوامدية لتنفيذ بعض هذه العمارات، وبذلك تكون هذه الأحداث قد اعترضت تنفيذ العقد بالصورة المتفق عليها وأن هذه الأحداث وهذه الظروف لم تكن معروفة لدى الطرفين وقت التعاقد الأمر الذى ترتب عليه أن جعلت تنفيذ العقد عبئا جديدا على كاهل المدعيين ويجعل تنفيذ التزاماتهما أكثر كلفة الأمر الذى يتحقق معه اعتبار هذه الظروف غير المتوقعة بمثابة ظروف طارئة يتعين أعمالها على الدعوى وترتيب كافة الآثار القانونية بشأنها، وأضافت المحكمة أنه فيما يتعلق بالتعويض عن فروق الأسعار عامى 84، 1985 فقد انتهت إدارة الفتوى المختصة بمجلس الدولة إلى أحقية المدعيين لتعويضهما عما أصابهما من أضرار نتيجة التأخير فى تسليم الموقع وقد قامت الإدارة بتعويضهما بمبلغ 57945 جنيه وهى قيمة الزيادة التى يستحقانها وفقا لخطاب الجهاز المركزى للمحاسبات فى القيمة المتعاقد عليها والدفعة المقدمة وما تم صرفه للمقاولين وتواريخ استلام المواقع وعدد العمارات بكل موقع والمدة الزمنية الخاصة بالتأخير فى استلام الموقع والمدة المحددة لتسليم الأعمال للمشروع وتحليل الأسعار ومواكبتها لتواريخ استلام المواقع المختلفة الأمر الذى يتعين معه وقد استجابت جهة الإدارة لهذا الطلب فإنها بذلك قد تكون طبقت النظرية تطبيقا صحيحا، وأنه فيما يتعلق بالأضرار المادية فإن الثابت أن الارض التى كانت محافظة الجيزة تزمع إقامة العمارات عليها بمنطقة أبو النمرس كانت مشغولة بالمزروعات مما جعل الأهالى واضعى اليد عليها يعترضون تنفيذ المشروع، وكذا رئيس مجلس المدينة الأمر الذى يؤكد أنه لم يكن قد بدء فى تشغيل أية معدات أو الآت أو سيارات لعدم صلاحية المنطقة للعمل خاصة وأن المذكرات المقدمة عن المدعيين تؤكد أن العمل الذى اعترض عليه الأهالى لا يعدو أن يكون عمل جسات للتربة مما لا يكون ثمة خسارة لحقت بهما، وهو ما ينصرف كذلك إلى أجور ومرتبات العاملين طرفهما باعتبار أن أجور هؤلاء لا تترتب إلا ببدء العمل، أما عن الأضرار الادبية التى يطالب المدعيان بالتعويض عنها فلا تستند إلى أساس قانونى أو واقعي، يبرره ذلك أن التأخير فى تنفيذ المشروع لا يحول دون الدخول فى أية عمليات أخرى إذا أخذ فى الاعتبار أن هذا المشروع لم يتم الاستغناء عنه نهائيا، وانتهت محكمة القضاء الإدارى إلى إصدار حكمها برفض الدعوى موضوعا وألزمت المدعيين بالمصروفات.
ومن حيث أن مبنى الطعن الماثل – كما ورد فى تقريرى الطعن رقمى 549، 801 لسنة 35 ق.
ع عن ذات الحكم المطعون فيه – أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون عندما اقتحم نظرية الظروف الطارئة لان الطاعنين لم يؤسسا دعواهما على هذه النظرية وإنما الأساس القانونى الحقيقى هو المخالفات الصارخة من جانب الإدارة بشروط التعاقد وكذلك الإخلال الجسيم بالالتزامات العقدية بما الحق أفدح الأضرار بهما وهو ما سلمت به الجهة الإدارية نفسها بعد التجائها إلى إدارة الفتوى بمجلس الدولة كما أن القول بأن الجهة الإدارية قد عوضت الطاعنين بما يجاوز خمسة وسبعين الف جنيه غير صحيح ولم يحدث ولا تزال ذمة الجهة الإدارية مشغولة بمئات الالوف من الجنيهات. استنادا إلى فتوى مجلس الدولة وإقرار الجهة الإدارية نفسها، وان ما ورد بالحكم من عدم تحمل الطاعنين لاية خسارة لعدم وجود سيارتهما وآلاتهما بالموقع، يناقض ما هو ثابت بالأوراق وما سجلاه فى خطاباتهما وتقاريرهما المرفوعة إلى المحافظة فضلا عن استحالة اشتراكهما فى أية مناقصة تطرح من جانب المحافظة وقد شلت حركتهما تماما بتسخير وتعطيل آلاتهما ومعداتهما فى مواقع غير مهيأة للعمل، وأنه فى مجال التعويض فلا يجب الخلط بين الزيادة التى وافق عليها المحافظ بنسبة25% وكان مصدرها فتوى مجلس الدولة وبين التعويض بسبب عدم تنفيذ التزام الإدارة بتسليم المواقع لمدة سنتين تقريبا وهو ما يخضع للقواعد العامة فى المسئولية العقدية، وأن عدم بدء العمل فى موعده لا يعنى أن الطاعنين لم يقوما بإعداد المعدات اللازمة والآلات والسيارات والأدوات اللازمة لتنفيذ هذه العملية بمجرد التعاقد، إذ أن الأمر يقتضى ان تكون جاهزة للتشغيل فور صدور أمر البدء فى العمل وخلص المدعيان إلى طلب الحكم لهما بالطلبات سالفة الذكر.
ومن حيث أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تطبيق نظرية الظروف الطارئة يستلزم أن تطرأ خلال مدة تنفيذ العقد الإدارى حوادث أو ظروف طبيعية او اقتصادية أو من عمل جهة إدارية غير الجهة المتعاقدة أو من عمل انسان اخر لم تكن فى حسبان المتعاقد عند ابرام العقد ولا يملك لها دفعا ومن شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالا جسيما فإذا ما توافرت هذه الشروط مجتمعه التزمت جهة الإدارة المتعاقدة بمشاركة المتعاقد معها فى تحمل نصيب من خسائره ضمانا لتنفيذ العقد على الوجه الذى يكفل حسن سير المرافق العامة بانتظام واضطراد، فنظرية الظروف الطارئة تقوم على فكرة العدالة المجردة التى هى قوام القانون الإدارى كما أن هدفها تحقيق المصلحة العامة فرائد الجهة الإدارية هو كفالة حسن سير المرافق العامة باستمرار وانتظام وحسن أداء الأعمال والخدمات المطلوبة وسرعة انجازها كما أن هدف المتعاقد مع الإدارة هو المعاونة فى سبيل المصلحة العامة ذلك بأن يؤدى التزامه بامانة وكفاية لقاء ربح أو أجر عادل وهذا يقتضى من الطرفين التساند والمشاركة للتغلب على ما يعترض تنفيذ العقد من صعوبات وما يصادفه من عقبات ويكون من حق المتعاقد المضار أن يطلب من الطرف الاخر مشاركته فى هذه الخسارة التى تحملها فيعوضه عنها تعويضا جزئيا، وهذا التعويض لا يشمل الخسارة كلها ولا يغطى إلا جزءا من الأضرار التى تعين المتعاقد فإن المدين ليس له أن يطالب بالتعويض بدعوى أن ارباحه قد نقصت أو لفوات كسب ضاع عليه كما انه يجب ان تكون الخسارة واضحة متميزة.
ومن ثم يجب لتقدير انقلاب اقتصاديات العقد واعتبارها قائمة أن يدخل فى الحساب جميع عناصر العقد التى تؤثر ش اقتصادياته واعتبار العقد فى ذلك وحدة ويفحص فى مجموعه لا أن ينظر إلى أحد عناصره فقط بل يكون ذلك بمراعاة جميع العناصر التى يتألف منها إذ قد يكون بعض هذه العناصر مجزيا ومعوضا عن العناصر الاخرى التى أدت إلى الخسارة.
ولا تنطبق هذه النظرية اذا كان خطأ المتعاقد قد وقع فى أمور متوقعة قبل تنفيذ العقد وفقا للسير الطبيعى للامور وللنظام المعتاد للعمل فى الإدارة العاملة.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة قد تعاقدت مع الطاعنين بتاريخ 26/7/1984 على إنشاء عدد (26) عمارة بنواحى مدينة أبو النمرس بقيمة اجمالية مقدارها 5016574.144 جنيه (خمسة ملايين وستة عشر الفا وخمسمائة اربعة وسبعين جنيها ومائة واربعه واربعين مليما)، وقد تحدد فى البند السابع منه ان مدة تنفيذ جميع الأعمال موضوع هذا العقد أقصاها عشرون شهرا تبدأ من بعد تسليم الموقع بمدة خمسة عشر يوما، وقد صدر أمر بدء العمل لهما بتاريخ 8/8/1984 وتم تسليم الموقع لهما بتاريخ 20/8/1984 بموجب محضر تسليم الا انه عند قيامهما بعمل جسات للتربة اعترض العمل بعض الأهالى بالمنطقة وكذلك رئيس مجلس مدينة أبو النمرس الأمر الذى تسبب فى توقف العمل لحين اختيار جهة الإدارة لمواقع بديله، حيث تم اختيار هذه المواقع وسلمت للطاعنين فى 23/1/1985 (بالنسبة لعدد خمس عمارات) وفى 13/8/1985 (بالنسبة لموقع عمارة واحدة )، وفى 19/12/1985 (بالنسبة لعدد 13 عمارة ) وفى 6/7/1986 (بالنسبة لعدد 6 عمارا ت) وفى 16/10/1986 (بالنسبة لموقع عمارة واحدة) ولا شك أن هذه الأحداث التى قد طرأت عند تنفيذ العقد واعترضت هذا التنفيذ بالصورة المتفق عليها، وان كانت لم تكن تعرفها جهة الإدارة وقت التعاقد بدليل أن الجهة الإدارية المتعاقدة سلمت بالفعل موقع العمل المتفق عليه وأصدرت أمرها بالبدء فى العمل بتاريخ 11/8/1984 لانجاز العمل خلال فترة عشرين شهرا الا أنه عند قيام الطاعنين بعمل جسات للتربة اعترض العمل بعض الأهالى بالمنطقة علاوة على اعتراض رئيس مجلس مدينة أبو النمرس مما جعل جهة الإدارة تبحث عن مواقع بديلة لإنشاء هذه العمارات حيث تم تحديدها بعد ذلك وسلمت بالفعل للطاعنين فى تواريخ متتالية إلا أنها كانت أمرا متوقعا بحسب طبائع الامور وفقا لما يقتضيه طبيعة العمل الإدارى المنظم فى مثل هذه العملية حيث تتم الدراسة بجدوى المشروع وإمكانية تنفيذه من قبل جهة الإدارة المختصة سواء من حيث طبيعة المواقع وخلوها من الموانع ومن حيث إعداد شروط التعاقد وفقا للقانون حيث يرتبط موعد تنفيذ وإنتهاء العملية بميعاد متعاقد عليه تلتزم بمقتضاه الجهة الإدارية المختصة وفقا للدراسة الفنية والقانونية والإدارية والاقتصادية للعملية بجميع اركانها وظروف تنفيذها ومن ابرز هذه الجوانب موقع أداء العمل وميعاد التسليم للمقاول فى ضوء الظروف الطبيعية والقانونية للموقع لبدء ميعاد التنفيذ للعقد بما يرتبه ذلك من التزامات قبل كل طرف من الطرفين المتعاقدين وبذلك فإن هذه الأحداث والظروف والتى لم تكن معروفة لدى الطرفين وقت التعاقد إلا أن هذه الظروف بالنسبة لطبيعة الموقع وظروف العمل به ومدى امكان تسليمها للمتعاقد ومدى موافقة الجهات الإدارية المعنية وهى مجلس مدينة أبو النمرس ورئيس المجلس.
.. من الامور التى تدخل فى مجال الدراسة الحتميه الواجبة للموقع واللازمة لتحديد ميعاد تسليمه بمعرفة جهة الإدارة.
و،لتى يبين بوضوح من وقائع النزاع ومستنداته انها لم تقم بدراستها الدراسة الواقعية الكافية لعدم تعويق تسليم الموقع إلى الطاعنين للوفاء بالتزاماتهم وهذا التقصير من جهة الإدارة فى هذا الخصوص سواء فى الدراسة المسبقة أو فى تنفيذ التزامها التعاقدى بتسليم الموقع خاليا فى الميعاد المحدد لهما وهو ما أقرت بحدوثه عندما اتجهت إلى تحديد مواقع بديله سلمتها للطاعنين فى تواريخ متتالية بعد الموعد العقدى لتسليم الموقع الاصلى حسبما سلف البيان.
ومن ثم واذ ترتب على هذا التقصير فى الدراسة وفى تسليم الموقع إلى الطاعنين على فترات بعد التاريخ التعاقدى المحدد أضرارا ادعى الطاعنان تحملهما لنتائجها تتمثل فيما اصابهم من خسارة وما فاتهم من كسب فقد كان يتعين -وفقا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – وطبقا للمبادئ العامة الحاكمة للعقود الإدارية من وجوب تنفيذها حسبما يقتضيه حسن النية وأن يتحدد على نحو قاطع قيمة الضرر وفقا لعناصره المختلفة لتحديد قيمة التعويضات التى يطالب بها الطاعنين.
ومن حيث أنه فيما يتعلق بالتعويض الناجم عن الزيادة فى الأسعار بين عامى 84، 1985 فالثابت أنه وإن كان هذا الموضوع قد عرض على إدارة الفتوى لوزارتى التعمير والإسكان وارتأت أحقية الطاعنين إلى تعويضهما عما أصابهما من أضرار نتيجة التأخير فى تسليم الموقع ويتمثل هذا التعويض فى فروق الأسعار وتبلغ 57945 جنيه وهى تمثل قيمة الزيادة فى الأسعار لتأخير التنفيذ بسبب عدم تسليم المواقع فى الميعاد المتفق عليه التى يستحقها الطاعنين وفقا لخطاب الجهاز المركزى للمحاسبات، ولم تنكر جهة الإدارة على الطاعنين حقهما فى صرف هذا المبلغ ولم تنازع فيه مما يعد حقا لهما لا مطعن عليه الا أنه يدعى الطاعنان عدم تسلمهما هذه الفروق وهى احد عناصر التعويض أما فيما يتعلق بالأضرار المادية الاخرى المتمثلة فى أجور ومرتبات المهندسين والعمال وأجور العدد والآلات والسيارات.
ومن حيث أنه قد ذهب الحكم الطعين إلى انه مادام ان الثابت أن الارض التى كانت محافظة الجيزة تزمع اقامة العمارات عليها بمنطقة أبو النمرس كانت مشغولة بالمشروعات مما جعل الأهالى واضعى اليد عليها يعترضون تنفيذ المشروع وكذلك رئيس مجلس المدنية فان ذلك مما يؤكد عدم وجود معدات أو آلات أو سيارات قد بدأ تشغيلها لاستحالة ذلك بالنظر إلى الظروف المحيطة بمنطقة العمل، فضلا عما هو ثابت بمذكرات الطاعنين أنفسهم من أن ما بدء فيه من عمل هو مجرد عمل جسات للتربة لم تكن تتأهل وجود عدد كبير من تلك المعدات، وهو ما يصدق أيضا بالنسبة لأجور ومرتبات العاملين وأنه بالنسبة للمطالبة بالتعويض عن الأضرار الادبية والمعنوية، والمتمثلة فى عدم دخولهما فى مناقصات جديدة، فمردود عليها بأن التأخير فى تنفيذ المشروع لا يحول دون الدخول فى أى عمليات أخرى، كما انه لا تأثير لما حدث على سمعتهما وشهرتهما بعد أن بات معروفا أن أسباب التأخير فى التنفيذ لم تكن لأسباب راجعة لهما.
ومن حيث ان هذا الذى ذهب إليه الحكم الطعين فيما يتعلق بتحديد الوقائع الأساسية اللازمة للفصل فى النزاع على عناصر التعويض المتمثلة فى تكلفة الآلات والاجور وفوات فرص الكسب على الطاعنين قد اقامه على مجرد الاستنتاج من وجود مزروعات فى موقع العمارات المحدد فى العقد وافتراض عدم الارتباط من المتعاقدين الطاعنين على توفير الآلات أو العمالة الفنية أو غيرها اللازمة للعملية وذلك على سبيل الاستنتاج المنطقى الذى لا يرتبه حتما وبالضرورة مجرد وجود مزروعات فى موقع العمل المتعاقد عليه ويتعارض مع ضرورة وحتميه قيام الأحكام القضائية فى تحديدها للوقائع التى تتعلق بالانزعه التى تحسمها على ما يثبت حن المستندات او غيرها من ادلة ووسائل تحقيق ادعاءات الطرفين وفقا لقواعد وأصول الاثبات التى نظمتها نصوص قانون مجلس الدولة وقانونى المرافعات والاثبات والتى تحقق القطع واليقين فى وقائع النزاع التى لا يسوغ قانونا أن تقوم على الظن والتخمين أو على المعلومات الشخصية للقضاة أو على الاستنتاج المنطقى غير السديد والذى لا تؤدى المقدمات التى يوردها الحكم مع النتائج التى يرتبها عليها.
وحيث أنه كان يتعين على محكمة أول درجة بناء على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة وما يحتمه الالتزام بما قضى به الدستور من أن سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة وانها بجميع سلطاتها الثلاث بما فى ذلك السلطة القضائية تخضع للدستور والقانون وأن استقلال القضاء لا يعنى فقط عدم المساس بحرية وقدسية ضمير القاضى وحظر أى تدخل من اية سلطة وأى فرد وعدم وجود سلطان لغير الدستور والقانون فى تكوين عقيدة القاضى وقناعته فى أى دعوى فإن هذا الاستقلال يحتم عليه عدم القضاء بغير معرفة لوقائع النزاع بعد تحقيقها وتحديدها بيقين، ولا ايضا يجوز للقاضى القضاء بعلمه الشخصى فاستقلاله يحتم عليه القضاء على أساس وقائع ثابته بادلتها القانونية بعد تحقيقها وتحديدها بيقين وهذا وحده الذى يمثل ضمانه أساسية لحماية الحقوق والحريات وتحقيق سيادة القانون ويكفل رعاية وتوطيد حق الدفاع / المواد 64، 65، 69 من الدستور، وإذ لم يأخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر وقضى برفض الدعوى بناء على الاستنتاج الظنى لعناصر التعويض فيما عدا فروق الأسعار فإنه يكون قد صدر على غير سند صحيح من الواقع أو حكم القانون لقيامه على تقييم وتحديد غير سليم للواقع، ولعدم انزاله على المنازعة صحيح حكم القانون ويكون الطعن عليه قد أقيم على سند سليم واجبا قبوله وإلغاء الحكم المطعون فيه، ولما كان قد جرى قضاء هذه المحكمة على انه مادام ان موضوع الدعوى ليس مهيئا للفصل فيه اذ أن عناصر التعويض عن خطأ الإدارة فى اختيار وتسليم موقع العمل للطاعنين لم يتم تحديدها على سبيل القطع واليقين بوسائل الاثبات التى حددها القانون وبالتالى فانه لا محل للتصدى للفصل فى الموضوع حتى لا يفوت على الطرفين مرحلة من مراحل التقاضى ومن ثم فإنه فى إحالة الماثلة يتعين الأمر بإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل فى موضوعها مجددا من هيئة أخرى.
ومن حيث أن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته عملا بنص المادة 184 من قانون المرافعات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وأمرت بإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى للفصل فيها مجددا بهيئة أخرى، وألزمت الجهة الإدارية المطعون ضدها بمصروفات هذا الطعن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ