برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فؤاد عبد العزيز عبد الله رجب نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/محمد يسري زين العابدين عبد الله ومحمود عادل محجوب الشربيني والطنطاوى محمد الطنطاوى وفريد نزيه حكيم تناغو.
المستشارين
* إجراءات الطعن
بتاريخ 25/1/1988 أودع الأستاذ ثروت الأزهري نائبا عن الأستاذ إبراهيم السعيد ذكرى المحامي بصفته الوكيل عن الطاعن ……… قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 576 لسنة 34 قضائية عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري – دائرة الجزاءات والترقيات بجلسة 26/11/1987 في الدعوى 4534 لسنة 37 قضائية المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهم والذي قضى أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمدعى عليهم الأول والثاني والثالث والخامس لرفعها على غير ذي صفة . ثانياً: برفض الدعوى والزام المدعى المصروفات .
وطلب الطاعن – للأسباب الواردة بتقرير الطعن – الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه بكافة عناصره والقضاء بإلغاء القرار المطعون عليه فيما تضمنه من انهاء ندبه من عمله بمشروع المزارع الصغيرة مع الزام المطعون ضدهما الرابع والخامس بأن يؤديا للطاعن مبلغ ستين ألف جنيه على سبيل التعويض لجبر الأضرار الأدبية والمالية التي أصابته من صدور القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة .
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه – للأسباب القائم عليها – الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزام الطاعن المصروفات .
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو الثابت بالمحاضر وقررت بجلسة 25/12/1989 احالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) وحدد لنظره جلسة 4/2/1990 وتم تداول الطعن بجلسات هذه المحكمة وبعد أن سمعت ما رأت لزوم سماعه من ايضاحات قررت اصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به .
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة .
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
ومن حيث إن عناصر المنازعة تجمل – على ما يبين من الأوراق– أنه بتاريخ 30/6/1983 أقام الطاعن دعواه أمام محكمة القضاء الإداري – دائرة الجزاءات والترقيات – طلب في ختامها الحكم بقبولها شكلا ، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من انهاء عمله بمشروع النزاع الصغيرة واعادته إلى العمل … ، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار مع الزام المدعى عليهما الرابع والخامس بأن يؤديا إليه مبلغ ستين ألف جنيه على سبيل التعويض لجبر الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به مع الزام المدعي عليهم المصروفات وأتعاب المحاماة ، وقال شرحا لدعواه أنه يشغل وظيفة مدير غدارة الرقابة والمتابعة ببنك التنمية والإئتمان الزراعي بأسيوط ثم أدخلت وزارة الزراعة بالاشتراك مع بنك التنمية والائتمان الزراعي مشروعا سمى بمشروع انتاجية المزارع الصغيرة بالاشتراك مع الولايات المتحدة الأميريكية ، وصدر القرار رقم (4) بندبه للعمل بالمشروع كمسئول للإدارة الزراعية بمشروع إنتاجية المزارع الصغيرة بأسيوط وأنه قام بأداء العمل بكفاءة ، إلا أنه لاحظ أثناء زيارته لأحد المواقع ضعف نمو زراعة القمح فأعد مذكرة وأبلغها إلى المدعي عليه الرابع ألا أنه لم يعني ببحث المذكرة والحق بالمشروع أشخاص غير اكفاء وأخضع المشروع لأهوائه الشخصية وأنه أرسل مذكرات ضمنها العديد من المخالفات التي ارتكبها المدعى عليه الخامس ولجأ الى الإدارة العامة للشئون القانونية بالبنك حيث ثبتت المخالفات التي ذكرها مما حدا به المدعي عليه الخامس إلى الاستقالة ، ويضيف المدعي أنه قد شهد بنزاهته وكفاءته في العمل مع الأجانب والوطنيين على السواء ، والقرار المطعون عليه أضاع عليه فرصة السفر إلى الخارج وتقدر بثلاثين ألف جنيه واضرار مادية أخرى تقدر بالثلاثين ألف جنيه وعشرون ألف لجبر الأضرار الأدبية ، واختتم المدعي صحيفة دعواه بطلب الحكم له بطلباته .
ونظرت المحكمة الشق المستعجل حيث قضت بجلسة 22/12/1983 برفضه واحالت الدعوى لهيئة مفوضي الدولة تقرير في موضوعها حيث أقامت هذا التقرير .
وبجلسة 26/11/1987حكمت المحكمة بقضائها السابق واقامت قضائها بالنسبة لموضوع الدعوى على أن الندب بصفة عامة تكليف مؤقت للعامل باعباء وظيفة ما وهو بذلك أمر موقوت بطبيعته أقتضته ظروف العمل ولا يكسب العامل حقا في الاستمرار في شغل الوظيفة المنتدب إليها بحيث يجوز للسلطة المختصة إلغاء الندب في أي وقت وهو أمر تترخص فيه وفقا لمقتضيات المصلحة العامة لسلطتها التقديرية ، ولما كان القرار المطعون فيه قد صدر صحيحا فإن ركن الخطأ ينتفي وبالتالي تنفي مسئوليتها عن التعويض وتخلص أسباب الطعن على الحكم أن المحكمة أطلقت سلطة جهة الإدارة بغير حدود في إنهاء الندب رغم أنه يتعين على الجهة الإدارية ألا تسيئ استعمال سلطتها التقديرية في هذا الخصوص ، ولم تعني المحكمة بدفاع الطاعن الذي يقوم على أن إلغاء الندب كان الغرض منه إستبعاده عن أعمال المشروع حتى ينفرد بالعمل فيه من وجه إليه الطاعن العديد من المآخذ التي تستوجب مساءلته عن فشل المشروع في تحقيق أهدافه ، فضلا عن أن القرار رقم 4 لسنة 1981 الصادر بندبه صدر في نطاق السلطة التقديرية للجهة الإدارية وليس السلطة المقيدة ، وقد تحصن بمرور ما يزيد على ستين يوما على صدوره ولا يجوز إلغاؤه ، وأن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخل بحقوق الدفاع وشابه الفساد في الاستدلال ذلك أن المستندات وشهادة الفريق الأمريكي تقطع بكفائة الطاعن الأمر الذي يقطع بأن القرار المطعون عليه صدر لتصفيه حسابات شخصية بينه ومن المدعى عليه الخامس .
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة استقر على أن الندب من الأمور المتروكه لجهة الإدارة ومن الملاءمات التي تتمتع فيها بسلطة تقديرية حسبما تمليه مصلحة العمل ويقتضيه الصالح العام ، وذلك حتى تستطيع الإدارة أن تلبي حاجات العمل العاجلة ولذلك جعل المشروع الندب بصفة عامة تكليف مؤقت للعامل باعباء وظيفة ما ، وهو بذلك أمر موقوت بطبيعته افترضته ظروف العمل ، وأن أداء العامل للوظيفة المنتدب إليها لا يعتبر فيها أو ترقية إليها ولا يكسبه حقا في الاستمرار في شغل الوظيفة المنتدب إليها ، بحيث يجوز للسلطة المختصة إلغاء الندب في أي وقت إذ لا يرتب الندب العامل مركزا قانونيا نهائيا لا يجوز المساس به ، ولا معقب على الجهة الإدارية في هذا الشأن ما دام قد خلا تدخلها من إساءة استعمال السلطة .
ولما كان في الأصل في القرارات الإدارية صحتها ، وأنها بذاتها دليل على هذه الصحة وعلى توافر الأركان القانونية الموجبة للصحة وأن الغاية فيها المصلحة العامة ، ما لم يقدر المتضرر من القرار الإداري عكس هذه القرينة ، ومن ثم يكون عبء الإثبات على المتضررين من القرار ، ولما كان عيب اساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها وهو ما يقابل ركن الغاية في القرار من العيوب القصدية في القرار الإداري ويقوم حيث يكون لدى الإدارة قصد الإساءة أو الانحراف بحيث تهدف من القرار الإداري قصدا آخر غير المصلحة العامة كالانتقام من شخص أو محاباة آخر على حسابه ويكون باعثها لا يمت للمصلحة العامة بصلة ، وعلى ذلك فإن هذا العبء يقع على من يدعيه بأن يقدم الدليل عليه ، حيث لا يمكن افتراضه لارتباطه بسلوكيات للإدارة .
ومن حيث إنه يبين من أوراق الطعن وعلى الأخص حواظ المستندات المقدمة من الطاعن أن ما نسبه إلى جهة الإدارة كدليل على الانحراف في استعمال السلطة أن ثمة مخالفات إدارية ومالية قد شابت سير العمل بالمشروع المنتدب إليه ، وأن هذه المخالفات كانت محل تحقيقات من السلطات المختصة ، وأن جهة الإدارة بانهائها لقرار الندب تكون قد قصدت الكيد له .
ومن حيث إن ما نسبه الطاعن إلى الجهة الإدارية لا يقوم دليلا على الانحراف بالسلطة باعتبار أنه من الأمور المعتادة في مجال الوظيفة العامة وجود المخالفات وما يصاحبها من إجراءات وتحقيقات ، وطالما لم يقم دليل على أنهاء الندب كان بغرض الانتقام وعليه يكون قرار انهاء الندب قد صدر متفقا مع أحكام القانون ولا يشوبه عيب ولا يغير من ذلك ما ذكره الطاعن من أن قرار الندب الصادر له رقم 4 لسنة 1981 قد تحصن بفوات ستين يوما على صدوره ، وأن سحبه يكون امرا غير جائز ، ذلك أن قرار الندب في مفهومه الصحيح لا يؤثر في مركز العامل المنتدب حيث لا يحدث أثرا دائما في شأنه ولا يكسبه حقا في استمرار شغل الوظيفة المنتدب إليها وإنما ظل بحكم طبيعته المؤقتة قابلا للإنهاء في أي وقت ، ويكون مقتضى ذلك ولازمه رفض القول بأن قرار الندب يتحصن بمرور ستين يوما على صدوره وألا تحول قرار الندب إلى قرار تعيين أو ترقية للوظيفة المنتدب إليها العامل وهو أمر ليس صحيحاً .
ومن حيث إنه عن طلب التعويض فإن مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية الصادرة منها هو وجود خطأ من جانبها يتمثل في عدم مشروعية القرار الإداري وثبوت وجه من أوجه بطلانه ، أن يلحق هذا الخطأ ضررا لصاحب الشأن وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر ، ولما كان القرار المطعون عليه قد صدر متفقا وصحيح حكم القانون – على النحو السابق – فإن ركن الخطأ ينتفي في جانب الجهة الإدارية وبالتالي تنتفي مسئوليتها مهما بلغت جسامة الضرر المترتب على القرار المطعون عليه ، ولا يكون ثمة وجه وقد سقط ركن الخطأ لبحث عناصر التعويض المدعى به .
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن الدعوى بشقيها تكون غير قائمة على سند من القانون خليقه بالرفض ، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب يكون قد صادف صحيح حكم القانون ويكون الطعن عليه مرفوضا .
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت الطاعن المصروفات.