طعن رقم 635 لسنة 34 بتاريخ 27/06/1993 دائرة منازعات الأفراد والهيئات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل. رئيس مجلس الدولة. وعضوية السادة الأساتذة / عبد القادر هاشم النشار وإدوارد غالب سيفين وأحمد عبد العزيز أبو العزم ود/منيب محمد ربيع. (نواب رئيس مجلس الدولة).
* إجراءات الطعن
فى يوم السبت الموافق 30 يناير سنة 1988 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى دائرة منازعات الأفراد والهيئات بجلسة 1/12/1987 فى الدعوى رقم 5193 لسنة 41 ق والذى قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وبإلزام الجهة الإدارية المصروفات وطلب الطاعن قبول الطعن شكلا وإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد تم إعلان الطعن قانونا على النحو المبين بالأوراق.
كما أودع الأستاذ المستشار / محمود عادل الشربينى تقريرا بالرأى القانونى لهيئة مفوضى الدولة ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
وعينت جلسة 17/12/1990 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة وتدوول نظره أمامها على النحو المبين بمحاضر الجلسات إلى أن قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) والتى حددت جلسة 26/10/1991 لنظر الطعن، وتداولت المحكمة نظره، وبجلسة 2/5/1993 قررت المحكمة النطق بالحكم لجلسة 13/6/1993 مع التصريح للمطعون ضده بإيداع مذكرة خلال ثلاثة أسابيع، وفات ذلك الأجل ولم تقدم أية مذكرات وبجلسة اليوم 27/6/1993 صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانونا.
ومن حيث إن هذه المنازعة تتلخص حسبما يبين من الأوراق فى أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 5193 لسنة 41ق أمام محكمة القضاء الإدارى بصحيفة أودعت قلم كتاب تلك المحكمة بتاريخ 12/7/1987 طلب فى ختامها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار منعه من السفر ووضعه على قوائم الممنوعين من السفر وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار.
وقال شارحاً دعواه أنه مصرى الجنسية ويحمل جواز سفر صالح حتى 13/4/1993 وهو من التجار ويملك مكتب للاستيراد والتصدير وله علاقاته التجارية فى الداخل والخارج وأن عمله يتطلب منه السفر إلى الخارج ولم يشتهر عنه مخالفته للقانون كما أنه يتمته بسمعة حسنة إلا أنه فوجئ لدى سفره أخيراً أن اسمه مدرج على قوائم الممنوعين من السفر دون سبب ظاهر أو مشروع مما اضر به ضرراً جسيماً.
وقدم الحاضر عن الحكومة حافظة مستندات ومذكرة بالدفاع جاء فيها أن الثابت من الأوراق ومن تقرير الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة من قطاع الأمن الاقتصادى بوزارة الداخلية أن المدعى صاحب ومدير إحدى شركات توظيف الأموال (شركة جولى للاستثمار) وسبق ضبطه بمعرفة الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال فى 14/11/1985 لاتهامه لمخالفة أحكام قانون النقد رقم 97 لسنة 1976، وتحرر عن الواقعة المحضر رقم 1603 لسنة 1985 حصر وارد مالية، وأرج المدعى على قائمة المنع من السفر ضمن بعض أصحاب شركات توظيف الأموال حماية لاقتصاديات البلاد وأموال المدعين بتلك الشركات ولحين انتهاء اللجنة المشكلة برئاسة محافظ البنك المركزى من أعمالها فى ضوء الدراسة التى تجرى حاليا بشأن شركات توظيف الأموال فى ضوء التنسيق الكامل بين أجهزة الدولة المختلفة.
وبجلسة 1/12/1987 قضت المحكمة بقبول الدعوى شكلا وفى الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإقامة قضاءها على أن مجرد ضبط المدعى واتهامه فى جريمة من جرائم الأموال العامة لا ينهض دليلا على ثبوت الجريمة قبله، وأن الأوراق خلت من صدور أى قرار من جهات التحقيق القضائى المختصة بمنع المدعى من السفر ومن ثم يغدو الادعاء الذى اتخذته الإدارة سببا لمنع المدعى من السفر واهيا، كما وأنه لا توجد وقائع محددة لها اصل بالأوراق تدعو إلى التخوف من المركز المالى للمدعى يبرر التحوط بمنعه من السفر إلى الخارج حفاظا على حقوق المساهمين والممولين بشركاته/ مما يجعل القرار المطعون فيه غير قائم حسب الظاهر على سببه الصحيح فضلا عن توافر ركن الاستعجال.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله ذلك لأن المحكمة أهدرت الأسباب التى أستند عليها القرار المطعون فيه وقام ببحث ملاءمة القرار وهى بذلك تكون قد خرجت من دائرة الرقابة القضائية باعتبار أن تقدير ملاءمة إصدار القرار من صميم عمل الجهة الإدارية، وخلص تقرير الطعن إلى أن تنفيذ الحكم يترتب عليه نتائج يتعذر تداركها لأنه سيؤدى إلى الإضرار بمصالح الدولة الاقتصادية مما يحق معه للطاعن أن يطلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه.
من حيث إن المادة (50) من الدستور تنص على أنه لا يجوز أن تحظر على أى مواطن الإقامة فى جهة معينة ولا أن يلزم بالإقامة فى مكان معين إلا فى الأحوال المبنية فى القانون.
وتنص المادة (51) على أن لا يجوز إبعاد أى مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها وتنص المادة (52) على أن للمواطنين حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج وينظم القانون هذا الحق وإجراءات وشروط الهجرة ومغادرة البلاد وهذه الحقوق المتعلقة بالإقامة والتنقل داخل البلاد أو خارجها من الحقوق الأساسية للإنسان فقد كفلها المشرع الدستورى للإنسان المصرى فى مواجهة السلطات الإدارية والتنفيذية والسياسية وهى حقوق لا يجوز للمشرع العادى إلغائها أو الانتقاص منها أو تقييدها إلى المدى الذى يصل إلى مصادرتها، وغاية ما هناك أن يتولى المشرع تنظيم هذه الحقوق وتحديد الإجراءات المتعلقة بمباشرتها وممارستها بالقدر الذى يصونها وفى ذات الوقت دون إخلال أو مساس بالمصلحة العامة بوجه عام وبأمن الدولة سياسياً أو اقتصاديا بوجه خاص.
ومن حيث إنه ولئن كان صحيحا أن حق التنقل والسفر داخل البلاد أو خارجها كغيره من الحقوق ناط الدستور بالسلطة التشريعية تنظيمه بما يحقق المحافظة على سلامة الدولة وأمنها فى الداخل والخارج دون إخلال بالحق الدستورى ودون مساس بجوهره ومضمونه وإعمالا لذلك فقد أجازت المادة 11 من القانون رقم 97 لسنة 1959 الخاص بجوازات السفر لوزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها رفض منح جواز السفر أو تجديده أو جواز سحبه بعد إعطائه وتنفيذا لذلك فقد أصدر وزير الداخلية قرارات متعاقبة آخرها القرار رقم 975 لسنة 1983 شأن تنظيم قوائم الممنوعين من السفر وتضمنت مادته الأولى الجهات التى يجوز لها طلب الإدراج على قوائم الممنوعين من السفر بالنسبة للأشخاص الطبيعيين.
ومن حيث إن الثبات من الأوراق إن المطعون ضده صاحب ومدير إحدى شركات توظيف الأموال (شركة جولى للاستثمار وتوظيف الأموال) وإنه سبق ضبطه بمعرفة الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال بتاريخ 14/11/1985 لمخالفته أحكام القانون النقد رقم 97 لسنة 1976 الخاص بتنظيم التعامل فى النقد الأجنبى، والقانون رقم 163 لسنة 1957 الخاص بالبنوك والائتمان، وأنه تحرر عن تلك الواقعة المحضر رقم 1603 لسنة 1985 حصر وارد مالية وأخطرت وزارة الاقتصاد ونيابة الشئون المالية والتجارية بالواقعة التى لم يتم التصرف فيها حتى صدور الحكم المطعون فيه ومن ثم فقد رأت السلطات المختصة – حفاظاً على حقوق المودعين بشركات توظيف الأموال – تشكيل لجنة وزارية على مستوى عال لبحث موقف هذه الشركات، وأن مقتضيات الحفاظ على حقوق المودعين دعت إلى إصدار القرار المطعون فيه لحين انتهاء اللجنة من أعمالها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه بإدراج اسم المطعون ضده على قوائم الممنوعين من السفر صدر بقصد حماية وتأمين استرداد أموال المودعين التى كانت تتلقاها شركة المطعون ضده وبقصد حماية وتأمين موارد البلاد من النقد الأجنبى وكفالة إجراء البحث والتحقيق اللازم لتحديد أوضاع الشركة التى يديرها المدعى وموقفها المالى واصولها وخصومها بما يضمن عدم المساس بحقوق المودعين ويضمن ردها اليهم.
ومن حيث أنه إذا ما رأت السلطات المختصة بالدولة بصفتها المسئولة قانوناً عن مراعاة مصالح المجتمع والحفاظ على أمنه الاجتماعى والاقتصادى ضرورة تواجد أصحاب شركات تلقى الأموال داخل البلاد وعدم سفرهم إلى الخارج – ومنهم المطعون ضده – إلى أن يتم حسم الأمر الذى يجعل القرار الصادر من هذه السلطات المختصة بمنع المطعون ضده من السفر لكونه أحد أصحاب شركات توظيف الأموال مشروعاً ومطابقاً للدستور والقانون. ومن حيث إنه لا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن مجرد ضبط المدعى واتهامه فى جريمة من جرائم المال العام لا ينهض دليلا لثبوت هذه الجريمة قبله، كما أن الأوراق خلت من أى وقائع محددة تدعو إلى التخوف من المركز المالى للمدعى يبرر التحوط بمنعه من السفر إلى الخارج حفاظا على حقوق المساهمين، لا وجه لذلك لأن المنع من السفر هو – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – إجراء تفرضه طبيعة الغايات والأغراض المبتغاه منه، وهى ضمان الأمن العام وتأمين المصالح القومية والاقتصادية للبلاد، فالمنع من السفر ليس عقوبة جنائية يتعين أن يتحقق الاتهام بيقين ويثبت ثبوتا لا شك فيه، وإنما هو مجرد إجراء وقائى موقوت بتحقيق الغاية منه ويكفى لاتخاذه أن تقوم الأدلة الجدية على وجود أسباب تدعو إليه وتبرره، وعلى هذا فإن الجهة الإدارية المختصة بحسبانها المسئولة عن الأمن العام للدولة وعن الأمن الاقتصادى أيضاً قدرت أن وجود المدعى بصفته صاحب ومدير إحدى شركات تلقى الأموال داخل الجمهورية من شأنه أن يبعث الطمأنينة فى نفوس المودعين أموالهم بشركاتهم بحكم أن لديه كافة البيانات والمستندات والمعلومات الخاصة بتلك الأموال، فقامت بإدراجه على قوائم الممنوعين من السفر فلا تثريب عليها فى ذلك لأن الإدراج على القوائم لا يعدو أن يكون إجراء احتياطيا اقتضته المصلحة العامة للدولة واقتضاه صالح المواطن الاقتصادى.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن القرار المطعون فيه صدر بحسب الظاهر على أساس صحيح من الواقع والقانون، مستهدفا الصالح العام وخاليا من عيب الانحراف أو إساءة استعمال السلطة، فضلا عن صدوره ممن يملك سلطة إصداره، وبالتالى فإن الحكم المطعون فيه وقد ذهب مذهبا مخالفا لصحيح حكم الدستور والقانون حينما قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فأنه يكون من المتعين القضاء بإلغائه ورفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملا بنص المادة 184 من قانون المرافعات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المطعون ضده المصروفات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 24/11/1990 فى الطعن رقم 1550 لسنة 33ق – الذى قضى فيه بأن المنع من السفر لا يشترط صدور حكم جنائى بالإدانة.