طعن رقم 886 لسنة 30 بتاريخ 18/01/1994 الدائرة الثالثة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / حنا ناشد مينا حنا نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة : فـاروق على عـبـد القـادر وعلى فكرى حـسن صـالح وعبد السميع عبد الحميـد بريك و محمد إبراهيم قـشطة نواب رئيس مجلس الدولة
* إجراءات الطعن
فى يوم الأربعـاء الموافق 1/2/1984 أودع الأسـتـاذ/.
………………… بصفته وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 886 لسنة 30 ق ع ضد السيد/ محافظ القاهرة بصفته فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى – (دائرة العقود والتعويضات ) فى الدعوى رقم 923 لسنة 30 ق بجلسة 4/12/1983 والقاضى بعدم قبول الدعوى بشقيها العاجل والموضوعى مع إلزام المدعى مصروفاتها.
وطلب الطاعن – للأسباب المبينة بتقرير الطعن – الحكم بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه أصليا : بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض جميع الدفوع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وبإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام جـهة الإدارة المصروفات. واحتياطيا : بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدفع بعدم قبول الدعوى المبنى على شرط التحكيم وبقبولها وبإعادتها إلى محكمة القضاء الإدارى للفصل فى موضوعها مجـددا من دائرة أخرى مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
وقد تم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق، وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه – للأسباب المبينة به – الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا مع إلزام الطاعن المصروفات.
وقد نظر الطعن أمـام دائرة فحص الطعون على ما هو مبين بمحـاضر جلساتها، وبجلسـة 19/12/1990 قررت الدائرة إحـالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثالثة – وقد نظرت هذه المحكمة الطعن على النحو الثابت بمحـاضر الجلسات حـيث استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوما لسماعه من إيضاحـات وملاحظات الطرفين، وبجلسة 9/11/1993 قررت إصدار الحكم فى الطعن بجلسة 18/1/1994.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.
من حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلا.
ومن حـيث إن عناصر المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – فى أنه بتاريخ 16/3/1976 أقام المدعى (الطاعن ) الدعوى رقم 923 لسنة 30 ق أمام محكمة القضاء الإدارى (دائرة العقود والتعويضات ) طالبا فى ختام عريضتها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار محـافظ القاهرة رقم 37 لسنة 1976 بتـاريخ 29/2/1976 فيما تضمنه من قيام المحافظة بجرد واستلام موجودات ومصانع أنشطة الشركة المدعية (علاوة على مصنع شبرا) مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المحافظة المصروفات.
وقال المدعى بيانا لذلك أنه بتـاريخ 8/8/1945 تم الاتفاق بين الحكومة المصرية وبين شركة أسمدة الشرق (شركة مساهمة لبنانية) على أن تقوم الحكومة المصرية بتسليم الشركة المذكورة دون غيرها وبغير مقابل كل ما تجمعه من قمامة مدينة القاهرة وضواحيها على أن تنشئ الشركة على حسابها مصنعا لتحويل القمامة إلى سماد عضوى بالطريقة العلمية التى تسمى (بيجانوبيكو) وأن تكون إقامة المصنع على الأرض التى تخصصها الحكومة لهذا الغرض والمبينة الحدود والمعالم بالخريطة المرافقة للعقد.
وقضى الاتفاق بأن تلتزم الشركة خـلال سنة من إقرار البرلمان لهذا الالتزام باتخاذ – الإجراءات اللازمة لإنشاء شركة مساهمة مصرية تنتقل إليها وحدها ملكية جميع المصانع والمنشآت الخاصة بهذه العملية كما تنتقل إليها جميع حقوق والتزامات شركة أسمدة الشرق، كما نص الاتفاق فى المادة (12) منه على أن مدة الالتزام الناشئ عن هذا الاتفاق ثلاثون سنة تبدأ من تاريخ إقراره من البرلمان، ونصت المادة (15) على أنه عند نهاية مدة الالتزام تؤول للحكومة مبانى المصنع وآلاته ومخازنه وكافة الأدوات والأجهزة والمهمات اللازمة لتشغيله وإدارته على النحو المبين بالمادة المذكورة. وبتاريخ 28/3/1946 صدر القانون رقم 25 لسنة 1946 بمنح التزام تحويل قمامة مدينة القاهرة وضواحيها إلى سماد عضوى بالطريقة المشار إليها إلى شركة الشرق وطبقا للاتفاق سالف الذكـر، وبتاريخ 24/1/1949 صدر مرسوم ملكى بتأسيس شركة الأسمدة العضوية (شركة مساهمة مصرية) التى باشرت تنفيذ الالتزام، وجمعت إلى جانب ذلك – وطبقا للمادة الثانية من نظامها – نشاطات أخرى مثل عملية شراء مخلفات المذابح العمومية والفرعية بالقاهرة وضواحيها لتحـويلها إلى أسمدة عضوية وغيرها كالألبومين وعلف الدواجن وغيره، وأقامت الشركـة لذلك عدة مصانع فى بعض عـواصم المحـافظات وأكبر هذه المصانع يوجد فى مصر القديمة الذى أنشئ عام 1973. وبتاريخ 17/1/1976 قررت الجـمعية العمومية غير العادية للشركة مد أجل الشركة لمدة 25 عاما، إلا أن الشركة فوجئت بقرار محافظ القاهرة المطعون فيه والمخـالف للقانون لأن مقتضى إنهاء الالتزام الممنوح للشركة أيلولة المصنع وآلاته ومخـازنه وكـافة الأدوات والأجـهزة والمهمات اللازمة لتشغيله إلى الحكومة (المادة 15 من الاتفاق ) وهذا المصنع هو مصنع شبرا الخاص بتحويل قمامة القاهرة وضواحيها إلى سماد، وهذا المصنع فقط دون غيره من المصانع هو الذى يؤول إلى الحكومة إذ ينبغى عدم الخلط بين الشركة كشخص اعتبارى له نشاطاته المتعددة وبين المصنع القائم على تنفيذ الالتزام فإنهاء الالتزام يترتب عليه أيلولة هذا المصنع فقط إلى الحكومة دون أن يترتب عليه انقضاء الشركة وهذا ما تؤكده المادة 16 من الاتفاق التى أشارت إلى اشتراك الحكومة فى إدارة المصنع اشتراكا فعليا فى السنوات الثلاث الأخيرة من مدة العقد. ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد خالف الواقع والقانون فيما انطوى عليه من الاستيلاء على موجودات الشركة وانتهى المدعى فى عريضة دعواه إلى طلب وقف تنفيذه وإلغائه على النحـو الموضح تفصيلا بالعريضة.
ونظرت محكمة القضاء الإدارى الشق العاجل من الدعوى على ما هو مبين بمحـاضر جلساتها وبجلسة 21/11/1976 أصدرت حكمـها فى طلب وقف التنفيذ بعدم قبوله مع إلزام المدعى بصفته بمصروفاته وأحالت الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لتحضيرها موضوعا وإعداد تقرير بالرأى القانونى فيها. وقد أقامت الشركة الطعن رقم 605 لسنة 23 ق ع فى الحكم المتقدم والذى قضت فيه المحكمة الإدارية العليا بجلسة 26/10/1980 بإلغائه وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى للفصل فيها مجددا من دائرة أخرى وذلك لصدور الحكم المشار إليه فى الدعوى قبل أن تقوم هيئة مفوضى الدولة بتحضيرها وتهيئتها للمرافعة وإعداد تقرير بالرأى القانونى فيها، وعليه أعيدت – الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرها الذى انتهت فيه إلى طلب الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى بشقيها العاجل والموضوعى واحتياطيا بندب خبير للقيام بالمأمورية المحددة بالتقرير. ونظرت المحكمة الدعوى على ما هو مبين بمحـاضر الجلسات حيث أودع كل من الطرفين مستنداته ومذكرات دفاعه. وبجلسة 4/12/1983 أصدرت حكمها المطعون فيه بهذا الطعن.
وقد شيدت المحكمة قضاءها – بعد استعراض بنود الاتفاق المعقود بين الحكومة المصرية وشركة أسمدة الشرق المؤرخ 8/8/1945 – على أساس أن النزاع يتبلور فى تفسير نصوص عقد الالتزام الأصلى لأيلولة المنشآت التى أقامتها الشوكة كلها أو بعضها إلى الحكومة بالتطبيق لنص البند الخامس والبند الخامس عشر من هذه النصوص حـيث تذهب جـهة الإدارة إلى أن نشاط الشركة الخاص بمخلفات المجازر هو نشاط مكمل للعقد الأصلى بينما يذهب المدعى بصفته إلى أن عقد شراء مخلفات المجازر ليس مكملا لعقد الالتزام الأصلى بل هو مختلف عنه من حيث طبيعته لأن نشاط الشركة بالنسبة لمخلفات المجازر يعتبر مغايرا لموضوع الالتزام ومن ثم فعند انتهاء مدة الالتزام لا يؤول إلى الحكومة إلا مصنع شبرا الخاص بتحويل القمامة إلى سماد عضوى. واستطردت المحكمة أنه لما كان هذا النزاع يدور حـول تفسير نصوص عقد الالتزام الأصلى وهل يعتبر نشاط الشركة المتعلق بمخلفات المجازر مكملا له من عدمه فإنه لما كان البند (21) من العقد يقضى بإنشاء لجنة تحكيم إذا قام بين الحكومة والشركة خلاف بسبب تفسير أو تنفيذ هذا العقد لتفصل فى النزاع ويكون حكم اللجنة نهائيا وملزما للطرفين. وأنه لما كـان الاتفاق على التحكيم لا ينزع الاختصاص من المحكمة وإنما يمنعها من سماع الدعوى ما دام شوط التحكيم قائما والخصم بهذا الاتفاق يتنازل عن الالتجاء إلى القضاء لحماية حقه وبالتالى يكون الدفع بالاعتداد بشرط التحكيم من قبيل الدفوع بعدم تبول الدعوى لأن الخصم ينكر به سلطة خصمه فى الالتجاء إلى القضاء للذود عن هذا الحق. وأوضحت المحكمة أن مدار المنازعة رهن فى جوهره بمدى حقوق طرفيها عند نهاية مدة الالتزام سواء بالنسبة إلى عقد الالتزام الأصلى أو التكميلى والمنازعة فى شقيها لا تجاوز حقيقة العقد الإدارى ولا تخرج عن دائرته ومن ثم تدخل ولاية القضاء الكامل لهون ولاية الإلغاء ولا يرد عليـها وقف التنفيـذ المتعلق بالقرارات الإدارية. ومن ثم يجـوز فيـها شرط التحكيم عملا بالمادة 501 من قانون المرافعات التى استبعدت من التحكيم فقط المسائل التى لا يجوز فيها الصلح، وانتهت المحكمة إلى قضائها سالف الذكر بعد أن عقبت على كل ما أثير من دفاع ودفوع.
وإذ لم يصادف هذا الحكم قبولا لدى الشركة المدعية فمن ثم أقامت طعنها الماثل على سند من القول أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله للأسباب التالية: –
أولا – أن القرار المطعون فيه يخرج عن نطاق العقد سواء من حيث التنفيذ أو التفسير وفن ثم لا يطبق شرط التحكيم، ذلك أن القرار المطعون فيه قد انطوى على الاستيلاء على جميع أنشطة الشركة ودفاترها ومقرها وأثاثها ومصانعها، كما أن المحـافظة شكلت لجنة لجـرد ممتلكات الشركة ومتابعة إجراءات تصفيتها، وشرط التحكيم يقتصر إعماله عند الخـلاف على التفسير أو التنفيذ دون التأميم، وإذ اعتد الحكم المطعون فيه بشرط التحكيم فإنه يكون قد خالف القانون.
ثانيا- أن جميع تصرفات المحافظة قامت على أن الشركة قد انتهت وانتهى وجودها القانونى أثر القرار المطعون فيه فكيف يعتد بشرط التحكيم الذى لا يعمل به إذا أنكر أحد طرفى العقد وجود الآخر، الأمر الذى يكون معه اعتداد الحكم المطعون فيه بشرط التحكيم قد خالف القانون.
ثالثا – أن شرط التحكيم لا يعمل به إذ أن القرار المطعون فيه قد صدر من جهة غير مختصة طبقا لعقد الالتزام، ذلك أن القانون 25 لسنة 1946 قد قضى بأن يؤذن لوزير الزراعة فى منح التزام تحويل القمامة، لأن الوزير المذكور هو الذى وقع على عقد الالتزام، ويؤكد ذلك أنه بعد صدور القرار. المطعون فيه وبعد رفع الدعوى أصدر وزير الزراعة القرار رقم 291 فى 1/4/1976 بأن تتـولى محافظة القاهرة إدارة النشاط الذى كان محلا للالتزام وهو ما يعنى أنه حتى رفع الدعوى كانت الجهة المختصة هى وزارة الزراعة، وأنه لما كان القرار المطعون فيه قد صدر من محافظ القاهرة فإنه يكون قد صدر من غير مختص ومن ثم لا يسرى شرط التحكيم وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك فإنه يكون قد خالف القانون.
رابعا – أنه لما كان قانون المرافعات (القديم والجديد) يستلزم أن يكون عدد المحكمين وترا، وإنه لما كان العقد يجعل التحكيم لاثنين فإذا اختلفا انضم إليهما ثالث، فإن شرط التحكيم يكون باطلا لأنه يجـعل التحكيم فى بعض الفروض لإثنين، ولا يلجأ إلى الثالث إلا عند الخـلاف وإذ ذهب الحكم إلى غير ذلك فإنه يكون مخالفا للقانون.
خامسا – أن هيئة التحكيم ممنوعة من أن تنظر المنازعة الخاصة بالكيان القانونى للشركة لأن مهمتها مقصورة على نظر الخلاف حول تفسير العقد أو تنفيذه، ومن ثم لا يجوز إطلاق السلطة لهيئة التحكيم لنظر ما تثيره الشركة الطاعنة من عيوب شابت القرار الطعين، وهو الأمر الذى خالفه الحكم المطعون فيه.
سادسا – لقد خلا عقب الالتزام من الاتفاق على أشخاص المحكمين الممثلين للطرفين على خلاف المادة 502/3 من قانون المرافعات مما يجعل شرط التحـكيم باطلا بطلانا مطلقا لافتقار عقد التحكيم إلى محله على النحو المبين تفصيلا بتقرير الطعن.
سابعا – بطلان شرط التحكيم بالنسبة للمسائل التى لا يجوز الصلح فيها طبقا للمادة (501) من قانون المرافعات وأيضا بطلانه بالنسبة لدعوى الإلغاء التى هى من النظام العام ولا يجوز النزول عنها تحت سـتار شرط التحكيم، فالالتزام أبرم عام 1946 ونص فيه على شرط التـحكيم ولم يكن قـد أنشئ مجلس الدولة، ومن العسير أن يحمل النص أكثر مما يحتمل، فشرط التحكيم يعنى استبعاد القضاء العادى دون القضاء الإدارى الذى لم يكن قد أنشئ بعد وإذ قضى الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون، وأنه لكل ما تقدم ينتهى الطاعن إلى طلباته سالفة الذكر.
ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على أساس أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله حينما اعتد بشرط التحكيم الوارد فى البند (21) من -عقد الالتزام والذى ما كان يجوز للمحكمة أن تأخـذ به فى هذا النزاع للأسباب الموضحة بتقرير الطعن.
ومن حيث إن المادة (818) من قانون المرافعات القديم والذى تم الاتفاق فى ظله كـانت تنمن على أنه يجوز للمتعاقدين أن يشترطوا بصفة عامة عرض ما قد ينشأ بينهم، من النزاع فى تنفيذ عقد معين على محكمين، ويجوز الاتفاق على التحكيم فى نزاع معين بمشارطة تحكيم خاصة.
كما نصت المادة (501) من قانون المرافعات الحـالى رقم 13 لسنة 1968 على أنه يجـوز الاتفاق على التحكيم فى نزاع معين بوثيقة تحكيم خـاصة، كما يجـوز الاتفاق على التحكيم فى جميع المنازعات التى تنشأ من تنفيذ عقد معين ولا يثبت التحكيم إلا بالكتابة، ويجب أن يحدد موضوع النزاع فى وثيقة التحكيم أو أثناء المرافعة ولو كان المحكمون مفوضين بالصلح وإلا كان التحكيم باطلا. ولا يجوز التحكيم فى المسائل التى لا يجوز فيها الصلح.
إلخ.
ومن حيث إن التحكيم طبقا لما استقر عليه الفقه والقضاء هو اتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخـاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المخـتصة، والمحـتكم باتفاقه على التـحكيم – لا ينزل عن حـمـاية القانون، ولا ينزل عن حقه فى الالتجاء إلى القضاء وإلا فإن المشرع لا يعتد بهذا النزول ولا يقره، إذ الحق فى الالتجـاء إلى القضاء هو من الحـقوق المقدسة التى تتعلق بالنظام العام، وإنما المحتكم باتفاقه على التحكيم يمنح المحكم سلطة الحكم فى النزاع بدلا من المحكمة المخـتصة أصلا بنظره، أى إن إرادة المحتكم فى عقد التحكيم تقتصر على مجرد إحلال المحكم محل المحكمة فى نظر النزاع، بحـيث إذا لم ينفذ عقد التحـكيم لأى سبب من الأسباب عادت سلطة الحكم إلى المحكمة.
ومن حيث إنه من المبادئ الأساسية فى العقود – ومنها عقد التحكيم – أنه ينبغى أن تتطابق إرادة الخصوم فى شأن المنازعات الخاضعة للتحكيم، ومن ثم فإن التحكيم يقتصر على ما اتفق بصدده من منازعات، وعلى ذلك فإنه إذا حصل الاتفاق فى عقد على عرض جميع المنازعات التى تنشأ عن تنفيذه أو تفسيره على محكمين فإن هذا يشمل كل المنازعات التى تقع بين المتعاقدين – بشأن التنفيذ أو التفسير – سواء وقت قيام العقد أو بعد انتهائه.
ومن حـيث إنه على ضـوء ما تقـدم وقد تضمن الاتفـاق المبـرم بين الحكومة المصرية وشركـة أسمـدة الشرق المؤرخ 8/8/1945 – فى المـادة (12) منه على أن مدة الالتزام الناشئ عن هـذا الاتفاق ثلاثون سنة تبدأ من تاريخ إقراره من البرلمان كما نصت المادة (15) من الاتفاق المذكور على أنه عند نهايـة مدة الالتزام تؤول للحكومة مبانى المصنع وآلاتـه ومخازنه وكافـة الأدوات والأجـهزة والمهمات اللازمة لتشغيله وأدواته بمراعاة الشروط الآتيـة :1-.
…………… 2-.
……………
ونصت المادة (21) من الاتفـاق على أنه إذا قـام خـلاف بين الحكومـة والشركـة بسبب تفسير أو تنفيذ هذا العقد فيكون الفصل فى النزاع للجنة التحكيم مكونة من عضوين الأول تختاره الحكومة والثانى تختاره الشركة فإن لم يتفق الحكمان يكون رئيس لجنة قضايا الحكومة أو من يختاره حكما ثالثا للفصل فى هذا الخلاف ويكون حكم اللجنة نهائيا وملزما للطرفين.
ومن حيث إنه بذات تاريخ إبرام الاتفاق المشار إليه (8/8/1945) أبرم اتفاق بين الحكومة وذات الشركة على أن تشترى الشركة مخلفات المذابح العمومية والفرعية بمدينة القاهرة وضواحيها لتحويلها إلى سماد عضوى وغيره كالألبومين والفحم الحيوانى وغيره، وقد ارتبط هذا الاتفاق بالاتفاق الأصلى الخاص بتحويل قمامة القاهرة وضواحيها إلى سماد عضوى، واعتبر الاتفاق الخاص بتحويل القمامة هو الاتفاق الأصلى، والاتفاق الخاص بتحويل مخلفات المذابح العمومية والفرعية إلى سماد عضوى هو الاتفاق التبعى أو الفرص أو التكميلى للاتفاق الأصلى حـسبما يستـفاد من نصوص الاتفاق الخاص بمخلفات المذابح حيث إنه مرتبط به من حيث تحديد مدينة القاهرة وضواحيها ومن حيث مدة سريانه ومن حيث نفاذه أصلا حيث إن هذا النفاذ معلق على نفاذ الاتفاق الأصلى وذلك كله حسبما هو موضح بالبندين ثانيا وثالثا من الاتفاق المشار إليه.
ومن حيث إنه بعد انتهاء مدة الالتزام قامت الحكومة (بمقتضى قرار محـافظ القاهرة رقم 37 لسنة 1976) بجـرد واستلام موجـودات الشركة الطاعنة استنادا إلى نص المادة (15) من الاتفاق سالفة الذكر، وتذهب الجهة الإدارية فى ذلك إلى أن نشاط الشركـة المتـعلق بمخلفات المذابح إنما هو نشاط مكمل للعقد الأصلى نشأ باتفاق الطرفين باعتبار أن التخلص من القمامة أضيفت إليه تعهد الحكومة بتسليم الشركة مخلفات المذابح لتحويلها إلى سماد عضوى وأن المصانع التى أنشئت لهذا الغرض رخص بها للشركة على أن تؤول للحكومة شأنها شأن المصانع التى أنشئت لتحويل القمامة إلى سماد عضوى. بينما تذهب الشركة الطاعنة إلى أن عقد شراء مخلفات المجازر ليس عقدا مكملا لعقد الالتزام الأصلى بل هو مختلف سكنه، ومن ثم لا يؤول إلى الحكومة عند انتهاء مدة الالتزام إلا مصنع شبرا الخاص بتحويل القمامة إلى سماد عضوى.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الخـلاف بين الطرفين يتبلور فى تفسير نصوص عقد الاتفاق المبرم بينهما وبيان ما إذا كانت تؤول إلى الحكومة جميع موجودات الشركة أم يقتصر ذلك فقط على مصنع شبرا الخاص بتحويل قمامة القاهرة وضواحيها إلى سماد عضوى أى أن جـوهر النزاع يتعلق ببيان حقوق كل من الطرفين عند نهاية مدة الالتزام سواء بالنسبة لنشاط الشركة المتعلق بتحويل القمامة إلى سماد عضوى أو المتعلق بتحويل مخلفات المذابح العمومية إلى سماد عضوى، أى أن المنازعة محل الطعن الماثل لا تجاوز فى حقيقتها نطاق تفسير العقد الإدارى ولا تخرج عن دائرته ومن ثم تدخل فى ولاية القضاء الكامل دون ولاية الإلغاء ولا يرد عليها وقف التنفيذ المتعلق بالقرارات الإدارية ومن ثم يجوز فيها شرط التحكيم طبقا لنص المادة (501) من قانون المرافعات خاصة وإن هذا الشرط قد تضمنه الاتفاق المعقود فى أغسطس سنة 1945 قبل إنشاء، مجلس الدولة.
ومن ثم يتعين العمل بمقتضاه وطبقا للمادة (21) من عقد الاتفاق والسالف ذكرها.
ومن حـيث إنه وقـد سلف البـيـان أن الاتفـاق على التحكيم لا ينزع الاختصاص من المحكمة وإنما يمنعها من سماع الدعوى طالما بقى شرط التحكيم قائما، فمن ثم – وتأسيسا على ما تقدم – كله يكون ما خلص إليه الحكم المطعـون فيه من القضاء بعدم قبول الدعوى بشقيها العاجل والموضوعى مع إلزام الطاعن المصروفات قد صادف صحيح حكم القانون ويكون الطعن عليه غير قائم على أساس سليم من الواقع أو القانون حـرى بالرفض. ولا ينال من هذا القضاء ما ذهب إليه الطاعن فى طعنه من بطلان شرط التحكيم باعتبار القرار المطعون فيه يخرج عن نطاق العقد، وأن دعوى الإلغاء متعلقة بالنظام العام ولا يجوز الصلح فيها، وأن القرار مشوب بعيب عدم الاختصاص، لأن القرار يتعلق بكيان الشركة ووجودها فإن كل ذلك مردود بما سلف بيانه من أن المنازعة محل الطعن الماثل لا تجاوز فى حقيقتها نطاق تفسير العقد المبرم بين الطرفين. أما ما أثاره الطاعن بشأن بطلان شرط التحكيم لخلوه من تعيين أشخـاص المحكمين ولأن عددهم ليس وترا فذلك ما تكفل الحكم المطعون فيه بالرد عليه، وعلى نحـو ما ورد بحق فى الحكم المذكور، الأمر الذى يتعين معه القول بأنه أصاب الحق فيما تضمنه من رد على ما أثـاره الطاعن لأن ما انتهى إليه فى هـذا الشـأن محمولا على أسبابه التى فصلها تأخذ به هذه المحكمة للرد على خلو الاتفاق من تعيين أشخاص المحكمين لأن عددهم ليس وترا.
ومن حيث إنه على مقتضى ما سلف كله وقد أصاب الحكم المطعون فيه وجه الحق فى قضائه وصادف صحيح حكم القانون فمن ثم يكون الطعن عليه فى غير محله متعينا القضاء برفضه مع إلزام الطاعن المصروفات عملا بالمادة 184 من قانون المرافعات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضـوعا وألزمت الطاعن المصروفات.