الذاكرة والمعرفة للدراسات هي شركة مسجلة وفقًا للقانون المصري، أنشئت عام 2021، نسعى من خلالها نحو تمكين المجتمع المصري بذاكرة جمعية حول تاريخ منظومة العدالة الرسمية في مصر، بشقيها التشريعي والقضائي. نرى أن منظومة العدالة ليست شيئًا ثابتًا، بل إنها متغيرة على مر السنوات، ترتبط تغيراتها ارتباطًا وثيقًا بتوازنات القوى الاجتماعية. تشمل هذه التوازنات ما هو مرتبط بعلاقات القوة الاقتصادية والسياسية والبنى الجندرية والطائفية والمهنية التي تشكل العلاقات الاجتماعية في مصر.
تعلن “الذاكرة والمعرفة للدراسات” عن إطلاق المرحلة الأولى من سلسلة تقارير “ثلاثون عاما من أرشيف منظومة العدالة”. نسعى خلال هذه المرحلة من المشروع (1990 – 2000) إلى توثيق وتحليل أهم الملفات والقضايا التي شهدتها فترة التسعينيات في مصر من خلال إصدار ستة تقارير تتناول بالدراسة والتحليل طرق تعامل منظومة العدالة في مصر مع تلك الملفات والقضايا، بالإضافة إلى إتاحة أهم القوانين والقرارات وأحكام المحاكم العليا الصادرة خلال تلك الفترة، حيث نرى أن توثيق هذه القضايا خلال هذه الفترة الزمنية سيساهم في تأريخ جانب من حياة المصريين، ومن تفاعلاتهم مع نظام العدالة في مصر، ومن الأثر الذي تركته تلك التفاعلات في تشكيل الحياة العامة، مما يسمح بمساحة لتشكيل سردية، أو سرديات، مرتبطة بما حدث خلال هذه السنوات والتغيرات الاجتماعية التي طرأت والطريقة التي أثرت بها تلك التغيرات على حياة المصريين وعلى اختياراتهم.
اخترنا هذه الفترة لأنها شهدت تغيرات جوهرية على المستويين السياسي والاقتصادي عالميًا ومحليًا. فلقد شهدت التسعينات إعادة ترتيب لخريطة العالم الجيوسياسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وصعود الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة، وما رافق ذلك من صعود لقوة المنظمات الدولية التي فرضت سياسات اقتصادية نيوليبرالية على دول الجنوب العالمي، مما أدى إلى تغيرات هيكلية على مستوى الاقتصاد الوطني وكان لذلك أثره على الدعم وشركات القطاع العام وأوضاع العمال والموظفين والتضخم.. إلخ. وانطلاقا من هذا الفهم للسياق، نرى أيضًا أن هذا المشروع سيساعدنا على فهم نوع القضايا التي كان يلجأ فيها المصريون للقضاء مما يعكس قناعاتهم بالدور الذي يجب أن تلعبه السلطة القضائية كجزء من السلطة في مصر من أجل إنصافهم.
اليوم نعلن عن التقرير الأول بعنوان “محاكمة مسار الخصخصة: قراءة نقدية من وجهتي النظر الاقتصادية والقانونية“. يضم التقرير، الذي يصدر ضمن سلسلة تقارير “ثلاثون عام من أرشيف منظومة العدالة”، ورقتين بحثيتين. الأولى من تأليف عماد مبارك، وتتناول الجوانب القانونية والقضائية لمسار الخصخصة في مصر منذ انطلاقه في مطلع تسعينات القرن الماضي، فيما تتناول الورقة الثانية، وهي من تأليف محمد جاد، الجوانب الاقتصادية للخصخصة من حيث آثارها على فرص التنمية في مصر، لاسيما مسيرة التصنيع التي شهدت توسعًا مع إنشاء القطاع العام في العهد الناصري، وذلك في محاولة لتقييم أثر الخصخصة على الأداء الكلي للاقتصاد التقرير تقديم وتحرير عمرو عادلي.
يسعى هذا العمل البحثي إلى تكوين صورة بانورامية تجمع التفاصيل القانونية والقضائية والاقتصادية وتفحص ما جرى في مصر منذ انطلاق مسار الخصخصة عام 1991، عقب تبني برنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي، بهدف فهم تلك العملية المركبة متعددة الأبعاد، وما ترتب عليها من آثار عميقة على الاقتصاد السياسي المصري وجودة حياة المصريين. وعليه، يشتبك الباحثان مع أدبيات أكاديمية وشبه أكاديمية تراكمت في دراسة الجوانب المختلفة للخصخصة، ويبنيان على الكثير من التفاصيل الواردة فيها سواء في شق كيفية إدارة عملية الخصخصة وما شابها من فساد ومحسوبية وغياب للشفافية أو فيما يتعلق باتخاذ القضاءين الدستوري ثم الإداري الأعلى ساحتين لحسم الصراع السياسي المواكب لإعادة تعريف حقوق الملكية وآثار التوزيع غير العادل للثروة على العمال والجمهور العام. وبالنظر إلى ما يطرحه السياق الاقتصادي الحالي، يمكننا الجزم بالحاجة الملحة لتكوين صورة أوسع وأكثر شمولية لمسار الخصخصة من حيث أصوله وتداعياته بما يسمح بإعادة تأطير النقاش العام في المرحلة الحالية.