في الرابع و العشرين من يونيو 1992، أصدر مجلس الشعب المصري قانون 96\1992 بتعديل بعض أحكام قانون 178\1952. الأخير هو قانون الإصلاح الزراعي الأول أما تعديلاته فعرفت رسميًا بقانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في الأراضي الزراعية، وعرفت لدى الفلاحين بقانون طرد المستأجرين. أعطى القانون الجديد مهلة خمس سنوات انقضت في الأول من أكتوبر 1997 وهو اليوم الذي فقدت فيه نحو مليون عائلة أراض كانوا حتى صدور القانون يتمتعون فيها بحيازة آمنة. الغالبية الساحقة منهم كانوا من صغار المزارعين الفقراء، وبفقدان الأرض فقدوا مصدرًا رئيسيًا لرزقهم ولأمانهم الغذائي أيضًا.
مرَّ أكثر من ثلاثين عامًا على صدور القانون الذي يعد من أخطر القوانين التي صدرت في عهد مبارك وأكثرها تأثيرًا على قطاع واسع من الشعب المصري. كان لهذا القانون آثارًا وخيمة بعيدة المدى نشعر بوطأتها الآن وإن كان العديد منا لا يدرك علاقتها بهذا القانون الكارثي المسؤول بشكل كبير عن تفاقم مشكلة الفقر الريفي والبطالة وأزمة الغذاء؛ حيث كانت الغالبية العظمى من المستأجرين تعتمد على الأرض لضمان أمنها الغذائي ومع تغيير الوضع أصبحت سوق الإيجارات مفتوحة وارتفع الإيجار بشكل باهظ علاوة على أن التعاقد ليس قانونيًا أو مسجلا، بل أصبح النمط السائد هو التأجير لفترة قصيرة تصل إلى موسم زراعي واحد. نتج عن ذلك ابتعاد المستأجرين عن زراعة المحاصيل الغذائية الرئيسية واتجاههم إلى المحاصيل النقدية التجارية بهدف بيعها لتسديد قيمة الإيجار الباهظة، هذا إضافة إلى النتائج البيئية الوخيمة، والإضرار بحالة الأراضي الزراعية جراء الاستخدام المفرط للأسمدة الكيماوية بهدف الحصول على محصول أكبر، والإحجام عن استخدام الأسمدة البلدية المفيدة للتربة والتي لا يظهر أثرها إلا على المدى الطويل.
كان تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر جزءاً من قانون الإصلاح الزراعي الأول الذى صدر في 9 سبتمبر 1952، والذي لم تقتصر أهميته على إعادة توزيع الأراضي المنزوع ملكيتها خارج الحد الأقصى المنصوص عليه فقط، ولكن الجانب الأهم والأكبر أثرًا من القانون كان ما يتعلق بتنظيم العلاقات الإيجارية.
ومع الوقت، تزايد تذمر الملاك من هذا الوضع حيث لم يكن باستطاعتهم مثلا بيع أرضهم المحملة بمستأجرين دائمين بسعر السوق، أو تأجيرها للغير بشكل غير رسمي وبسعر أعلى كما كان يفعل ملاك آخرون ممن كانت أراضيهم غير مأهولة “بالمستأجرين الدائمين”. لم تناقش المشكلة بأية جدية وكانت القوى السياسية في مجملها غير رافضة للقانون فيما عدا حزب التجمع واتحاد الفلاحين (تحت التأسيس آنذاك)، لكن اعتراضاتهم ذهبت أدراج الرياح رغم أن موقف حزب التجمع لم ينكر وجود إشكالية خاصة بالوضع القائم وقدم اقتراحات جدية للتعامل معها كان أهمها اقتراح انشاء صندوق لإقراض المستأجرين بغرض شراء الأراضي من الملاك بسعر السوق ثم تقسيط السعر على فترة طويلة.
تزامن صدور القانون مع فترة ما يعرف بسياسيات التحرير الاقتصادي و التكيف الهيكلي تحت توجيه و ضغوط صندوق النقد الدولي، ورغم أن إلغاء قانون الإيجارات و”تحرير” سوق الأراضي الزراعية تماشى تمامًا مع هذه السياسات إلا أن القانون لم يصدر بدافع ضغوط خارجية بل بمصالح داخلية لملاك أراض أرادوا استعادتها. يذكر أن القانون صدر عن مجلس شعب امتلأ بالملاك ولم يكن به مستأجر واحد. ويذكر أيضًا أن القانون صدر دون أي دراسات ودون حتى وجود قاعدة بيانات عن حجم المتضررين، ناهيك عن الأخذ في الاعتبار أية وسائل لتلافي الأضرار الوخيمة التي طالتهم. عوضًا عن ذلك، تم توظيف الصحف الحكومية لممارسة الضغط الجماعي، كما تم توظيف الشريعة الإسلامية حيث دُعِيَ مفتي الجمهورية وشيخ الأزهر لجلسة مجلس الشعب التي تمت فيها مناقشة القانون وأعلن فتحي سرور أن المفتي وشيخ الأزهر قررا أن قانون الإصلاح الزراعي كان باطلاً شرعًا لأن عقود الإيجار كانت غير محددة المدة.
ومن الجدير بالذكر أن نفس المبدأ القانوني القاضي باحترام حق الملكية، ونفس الاهتمام الاقتصادي ب”تحرير السوق” ونفس المبدأ الشرعي القاضي ببطلان العقد غير محدد المدة، جميعها تنطبق بحذافيرها على الوضع الخاص بالعلاقة الإيجارية للمساكن في المدن الكبرى، حيث يشغل هذه المساكن مستأجرون دائمون يدفعون أجورًا ضئيلة وثابتة. إلا أن الدولة لم تستبح سكان المدن كما فعلت مع مزارعي الريف لسببين رئيسيين، الأول هو أن مستأجري ومالكي المساكن لا يقفان على طرفي النقيض من حيث الوضع الطبقي، كما هو الحال في الأراضي الزراعية، حيث أن عددًا كبيرًا من أبناء الطبقة الوسطى والأثرياء يستفيدون من ثبات إيجار المساكن في المدن على عكس الوضع في حالة الأراضي الزراعية. أما السبب الثاني فيتضمن اختلاف طبيعة النشاط الاحتجاجي بين الريف والحضر، حيث أنه من السهل على الحكومة السيطرة على احتجاجات بعض القرى هنا أو هناك لكنها تعمل ألف حساب لاحتمالات خروج سكان المدن إلى الشوارع.
هكذا، وبضربة واحدة تم إفقار وتهميش ما يقرب من 10% من سكان مصر عن طريق آليات احترفها نظام مبارك واستخدمها بنفس الطريقة في جبهات أخرى عديدة.