مدخل
يعتمد السلم الاجتماعي لأي مجتمع على أمن وأمان أفراده ومؤسساته الذي يعني توفر الحماية من وقوع أي تعد على سلامتهم أو حقوقهم من قبل الغير. وتتحقق هذه الحماية من خلال القانون عن طريق الردع المتمثل في ترتيب عقوبات مناسبة لكافة الأفعال التي تعد تعديا على سلامة وحقوق الآخرين. نجاح هذا الرادع القانوني في تحقيق أهدافه يحول دون أن يلجأ الأفراد أو المؤسسات إلى أي سبل أخرى لحماية سلامتهم أو حقوقهم بما في ذلك العنف، ومن ثم فهو أحد المقومات الرئيسية لانفراد الدولة باستخدام العنف داخل حدود الإقليم الذي تشمله سيادتها، وحيث أن هذا الانفراد باستخدام العنف هو بالتعريف أحد الأسس التي تقوم عليها الدولة الحديثة، يظل الرادع القانوني ركنا رئيسيا لقيام هذه الدولة وبقائها، ويمثل أي خلل كبير به خطرا داهما عليها. الإفلات من العقاب، في أبسط تعريف له، هو ببساطة أن يخفق الرادع القانوني في التحقق على أرض الواقع. فالنص القانوني على الورق هو مجرد وعد، بأنه إذا وقع فعل ما، وجب محاسبة مرتكبه ومعاقبته بالصورة التي يحددها النص. على أرض الواقع يحيا النص بتطبيقه. فإذا لم يُطبق النص القانوني لم تعد له حتى قيمة الحبر الذي كتب به. و ينبغي أن نوضح هنا التأكيد عل أنه على عكس ما توحي به عبارة “الإفلات من العقاب” من أنها تتعلق بمرتكب جرم نجح في الإفلات من تعقب القانون له لمعاقبته، فإن المفهوم الذي يعنينا هنا يتعلق بإخفاق المنظومة التنفيذية للقانون. فنجاح مرتكب جريمة في الهرب من وجه القانون أو التحايل على إجراءات تنفيذه، وهو أمر وارد، لا يهدد الرادع القانوني، بل يمثل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. ولكن أن تخفق المنظومة التنفيذية والقضائية في محاسبة وعقاب مرتكبي الجرائم دون حاجة هؤلاء للهرب أو التحايل، هو ما يمثل خللا يهدد الرادع القانوني من حيث المبدأ. وبعبارة أخري، يتحقق الرادع القانوني بتوافر ثقة أفراد المجتمع في المنظومة القائمة على تنفيذه، وتحديدا في أن الأصل ألا يفلت الجناة من المحاسبة والعقاب، ولا تهتز هذه الثقة بسبب حالات عابرة متفرقة ولكنها تنهار تماما عندما يكون إخفاق هذه المنظومة متكررًا ومنهجيًا وذو أنماط واضحة ومتوقعة. تتناول هذه الورقة إذن الإفلات من العقاب كظاهرة وليس كحالات منفردة متفرقة، وتسعى لفهم العوامل المؤدية لتفشي الإفلات من العقاب في أحد المجتمعات، وإلى إيضاح أثر ذلك على المجتمع والدولة. ونظرا لأن الإفلات من العقاب هو بالأساس مفهوم سلبي، بمعنى أنه يشير إلى غياب شيء وليس إلى وجود مستقل له، فنحن هنا نناقشه في إطار مفهومين إيجابيين رئيسيين يرتبط بهما بشكل وثيق وهما سيادة القانون، والعدالة الانتقالية. وفي حين أن المفهوم الأول هو ركن أساسي لوجود واستمرارية الدولة الحديثة، فالثاني قد رسخ وجوده كأداة رئيسية لاستعادة وجود هذه الدولة وضمان استمراريتها عندما تتعرض لخطر الانهيار أو تنهار بالفعل تحت وطأة الانتهاكات الفادحة المنهجية لحقوق مواطنيها وغياب السلم الأهلي، واستبداله بالنزاع المسلح والحرب الأهلية. وتهدف الورقة بالأساس إلى تخطي الفهم التقليدي المبسط للإفلات من العقاب وإلى إظهار تعقيد هذه الظاهرة وتشابكها مع أوجه عديدة للفساد المؤسسي والانقسام المجتمعي والقمع، ومن ثم تدعو القارئ إلى فهم الظاهرة بشكل أعمق واستشعار مدى خطورتها على المجتمع والدولة والأفراد.
يعتمد السلم الاجتماعي لأي مجتمع على أمن وأمان أفراده ومؤسساته الذي يعني توفر الحماية من وقوع أي تعد على سلامتهم أو حقوقهم من قبل الغير. وتتحقق هذه الحماية من خلال القانون عن طريق الردع المتمثل في ترتيب عقوبات مناسبة لكافة الأفعال التي تعد تعديا على سلامة وحقوق الآخرين. نجاح هذا الرادع القانوني في تحقيق أهدافه يحول دون أن يلجأ الأفراد أو المؤسسات إلى أي سبل أخرى لحماية سلامتهم أو حقوقهم بما في ذلك العنف، ومن ثم فهو أحد المقومات الرئيسية لانفراد الدولة باستخدام العنف داخل حدود الإقليم الذي تشمله سيادتها، وحيث أن هذا الانفراد باستخدام العنف هو بالتعريف أحد الأسس التي تقوم عليها الدولة الحديثة، يظل الرادع القانوني ركنا رئيسيا لقيام هذه الدولة وبقائها، ويمثل أي خلل كبير به خطرا داهما عليها. الإفلات من العقاب، في أبسط تعريف له، هو ببساطة أن يخفق الرادع القانوني في التحقق على أرض الواقع. فالنص القانوني على الورق هو مجرد وعد، بأنه إذا وقع فعل ما، وجب محاسبة مرتكبه ومعاقبته بالصورة التي يحددها النص. على أرض الواقع يحيا النص بتطبيقه. فإذا لم يُطبق النص القانوني لم تعد له حتى قيمة الحبر الذي كتب به. و ينبغي أن نوضح هنا التأكيد عل أنه على عكس ما توحي به عبارة “الإفلات من العقاب” من أنها تتعلق بمرتكب جرم نجح في الإفلات من تعقب القانون له لمعاقبته، فإن المفهوم الذي يعنينا هنا يتعلق بإخفاق المنظومة التنفيذية للقانون. فنجاح مرتكب جريمة في الهرب من وجه القانون أو التحايل على إجراءات تنفيذه، وهو أمر وارد، لا يهدد الرادع القانوني، بل يمثل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. ولكن أن تخفق المنظومة التنفيذية والقضائية في محاسبة وعقاب مرتكبي الجرائم دون حاجة هؤلاء للهرب أو التحايل، هو ما يمثل خللا يهدد الرادع القانوني من حيث المبدأ. وبعبارة أخري، يتحقق الرادع القانوني بتوافر ثقة أفراد المجتمع في المنظومة القائمة على تنفيذه، وتحديدا في أن الأصل ألا يفلت الجناة من المحاسبة والعقاب، ولا تهتز هذه الثقة بسبب حالات عابرة متفرقة ولكنها تنهار تماما عندما يكون إخفاق هذه المنظومة متكررًا ومنهجيًا وذو أنماط واضحة ومتوقعة. تتناول هذه الورقة إذن الإفلات من العقاب كظاهرة وليس كحالات منفردة متفرقة، وتسعى لفهم العوامل المؤدية لتفشي الإفلات من العقاب في أحد المجتمعات، وإلى إيضاح أثر ذلك على المجتمع والدولة. ونظرا لأن الإفلات من العقاب هو بالأساس مفهوم سلبي، بمعنى أنه يشير إلى غياب شيء وليس إلى وجود مستقل له، فنحن هنا نناقشه في إطار مفهومين إيجابيين رئيسيين يرتبط بهما بشكل وثيق وهما سيادة القانون، والعدالة الانتقالية. وفي حين أن المفهوم الأول هو ركن أساسي لوجود واستمرارية الدولة الحديثة، فالثاني قد رسخ وجوده كأداة رئيسية لاستعادة وجود هذه الدولة وضمان استمراريتها عندما تتعرض لخطر الانهيار أو تنهار بالفعل تحت وطأة الانتهاكات الفادحة المنهجية لحقوق مواطنيها وغياب السلم الأهلي، واستبداله بالنزاع المسلح والحرب الأهلية. وتهدف الورقة بالأساس إلى تخطي الفهم التقليدي المبسط للإفلات من العقاب وإلى إظهار تعقيد هذه الظاهرة وتشابكها مع أوجه عديدة للفساد المؤسسي والانقسام المجتمعي والقمع، ومن ثم تدعو القارئ إلى فهم الظاهرة بشكل أعمق واستشعار مدى خطورتها على المجتمع والدولة والأفراد.
وتهدف الورقة بالأساس
إلى تخطي الفهم التقليدي المبسط للإفلات من العقاب وإلى إظهار تعقيد هذه الظاهرة وتشابكها مع أوجه عديدة للفساد المؤسسي والانقسام المجتمعي والقمع، ومن ثم تدعو القارئ إلى فهم الظاهرة بشكل أعمق واستشعار مدى خطورتها على المجتمع والدولة والأفراد.