مجلة نوافذ
مجلة نوافذ - العدد صفر
لماذا "نوافذ"
عمرو عبد الرحمن
في مصر جماعة حقوقية واسعة، ولكنها ضعيفة الارتباط بالمنظومة القانونية الدولية لحقوق الإنسان وما يدور في فلكها من مجتمع حقوقي عالمي غني ومتنوع، وذلك بالرغم مما قد يتيحه هذا الارتباط من فرص لإغناء رؤى واستراتيجيات جماعتنا الحقوقية وما قد تسهم به هذه الجماعة كذلك من رؤى وأفكار تغني هذا المجتمع العالمي. لم يكن الحال كذلك تاريخيًا في مصر، ولا ينبغي أن يكون. ولسد هذه الفجوة ولدت فكرة "نوافذ".
لا يقتصر تعريفنا للجماعة الحقوقية على المنظمات المحترفة العاملة في مجال حقوق الإنسان، ولا على شبكات المحامين المتطوعين التي تبذل جهودًا مضنية لتقديم المساعدة القانونية لضحايا انتهاكات الحقوق الدستورية الأساسية للمواطنين. ولكن يتسع مفهومنا ليشمل قضاة، ومشرعين، ومسئولين تنفيذيين، وأكاديميين وباحثين، ونقابيين، ونشطاء سياسيين مختلفي المشارب الأيديولوجية والتنظيمية، بل وصحفيين ومؤثرين وفنانين كذلك. ببساطة يتسع مفهومنا ليشمل كل فرد أو جماعة تسعى لتأسيس علاقة الدولة بمحكوميها، وبغيرها من دول العالم والمؤسسات الدولية، على حد أدنى من المعايير يستهدف تعزيز كرامة الإنسان وتوسيع أفق خياراته. وهذه المعايير بحد ذاتها مستقاة من مشترك حضاري إنساني قائم بالفعل وتبلور عبر مسار طويل ومستمر من الصراع والتفاعل بين قوى اجتماعية مختلفة.
وما نعنيه بالمجتمع الحقوقي العالمي كذلك لا يقتصر على مؤسسات الأمم المتحدة المعروفة في هذا الحقل وأجهزتها البيروقراطية. ولكنه يشمل عددًا من المنظمات الدولية المدنية أو الرسمية الأقدم حتى في تأسيسها من الأمم المتحدة، كمنظمة العمل الدولية والصليب الأحمر الدولي، وطيف واسع للغاية من المنظمات والجماعات النقابية والحركات الاجتماعية التي تشكل جميعها ما يعرف بالمجتمع المدني العالمي. كل هذه التكوينات يجمعها كذلك البحث عن هذا الحد الأدنى المشترك، والدفع به كأساس لعلاقات الدول والمؤسسات الدولية بسكان المعمورة. وفي سعيها هذا تسهم في تطوير قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان وتفسيراتها. وهذا القانون وإن كان يفتقر لقوة الإنفاذ التي تتسم بها القوانين الوطنية، إلا أنه يبقى قانونًا، أي جملة من القواعد التي تتسم بالعمومية والتجريد وتحاول تنظيم العلاقات الاجتماعية وفقًا لمعيار بعينه.
الجماعة الحقوقية المصرية، بهذا المعنى، هي تكوين اجتماعي ذو جذور عميقة في التاريخ المصري الحديث، تطور واكتسب خصائصه بالارتباط بالمجتمع الحقوقي العالمي. وعُرى هذا الارتباط قد توطدت منذ البواكير الأولى لتشكل النخبة القانونية المصرية، من محامين وقضاة وأساتذة قانون ومسؤولين حكوميين، إلى الحد الذي يدفعنا للقول بأن النخب القانونية المصرية كانت من ضمن الأنشط عالميًا في تطوير قواعد القانون الدولي كما نعرفها اليوم. فهذه النخبة قد تشربت تراث القضاء المختلط الذي حكم عليها بالتفاعل المباشر مع ثقافات قانونية أوروبية بشكل يومي. ثم انتقلت لمرحلة الإسهام المستقل كما تشي بذلك مداولات مؤتمرات لاهاي للقانون المقارن في ١٩٣٢ و ١٩٣٧ التي استهدفت توحيد معايير للقانون الدولي بعيدًا عن القواعد المتعارف عليها في البيئة الأوروبية الاستعمارية. فقد شهدت هذه المؤتمرات حضورًا قويًا لعمالقة كعبد الحميد بدوي وعبد الرزاق السنهوري. وفي مراحل لاحقة كانت الأسماء المصرية اللامعة حاضرة أيضًا في تطوير الأطر القانونية المبكرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان سواء عبر المشاركة المباشرة في كتابة ميثاق الأمم المتحدة على يد عبد الحميد بدوي كذلك، أو من خلال تمثيلها للدول الأفريقية في لجنة حقوق الإنسان لعقد كامل في الفترة من ١٩٤٧ إلى ١٩٥٥ بحكم أسبقية مصر في نيل استقلالها. كانت هذه المساهمات جميعها تطرح شواغل دولة حديثة الاستقلال تسعى لانتزاع مكان مستقل في عالم جديد قيد التشكل وتنحاز بوضوح لخيار تأسيس منظومة تحفظ السلم العالمي إذ أثبتت تجربتها الطويلة أن صدام القوى الكبرى عادة ما يقع عبئه المدمر على الغالبية العظمى من شعوب العالم المجردة من أسباب القوة العسكرية والاقتصادية.
ولم ينقطع هذا التفاعل حتى بعد نهاية حقبة التحرر الوطني بانجازاتها وخيباتها، بل استمر حتى أزمان متأخرة حاولت فيها بعض وجوه النخبة القانونية المصرية توظيف نصوص القانون الدولي لحقوق الإنسان في إبداع تفسيرات منفتحة لنصوص الدساتير المصرية توسع من مضمون الحقوق والحريات الواردة فيها وتضبط التزامات الدولة في هذا الشأن. على سبيل المثال، تعد إسهامات القاضي والفقيه الدستوري عوض المر، الذي ترأس المحكمة الدستورية العليا المصرية طوال عقد التسعينيات من القرن الماضي تقريبًا، علامة مميزة في هذا الطريق.
وبعيدًا عن إسهامات النخبة القانونية المصرية، لم ينقطع المجتمع المدني المصري، سواء في شقه النقابي، أو لاحقًا في شقه الحقوقي، عن مسار التفاعل هذا. فالحركة النقابية العمالية والمهنية المصرية ولدت بالأساس في بدايات القرن العشرين من خلال التفاعل مع جماعات نقابية مهنية وعمالية أوروبية كانت تنشط على الأراضي المصرية إبان الاستعمار. ومن خلال مزيج من التنافس - في حالة النقابات المهنية - والتضامن العمالي عمقت الحركة النقابية من رؤاها واستراتيجياتها وتقدمت في مراحل لاحقة للإسهام المباشر في تطوير منظومة معايير العمل الدولية.
أما الحركة الحقوقية المصرية فكانت بدورها سبّاقة في العالم العربي في استخدام استراتيجيات التقاضي الاستراتيجي، إذ التقطت ووظفت مبكرًا الإمكانيات الكامنة في نصوص القانون الدولي لحقوق الإنسان لتقدم تفسيرات دستورية، ومقترحات تشريعية، تناولت تقريبًا كافة الحقوق والحريات الأساسية المتعارف عليها.
هذا التفاعل النشط يمرّ الآن بمرحلة ركود مع الأسف. خلال العقد الماضي، أو قبل ذلك بقليل، انكفأت الجماعة الحقوقية المصرية على نفسها نتيجة مزيج من الحصار، والإنهاك، وشيوع رؤى ونظريات في بعض أجنحتها تشكل ردّة واضحة عن تراثها العريق. وخلال مدّة الانكفاء تلك، لم يتوقف المجتمع الحقوقي العالمي عن التطور إذ توسع جدول أعماله، وتنوعت أشكاله المؤسسية، وأسسه القانونية، واستراتيجياته، استجابة لتحديات جديدة.
استعادة معرفتنا بما يهمين على جدول أعمال المجتمع الحقوقي العالمي من قضايا ورؤى واستراتيجيات، هو الهدف الأول من مشروع "نوافذ".
ولا يخفى أننا نتصدى لهذه المهمة في وقت تمر به الفكرة المؤسسة للمنظومة الحقوقية العالمية نفسها بأقسى اختبار تتعرض له منذ نشأتها على وجه التقريب. فنحن الآن نشهد صعودًا قوميًا متطرفًا في الشمال والجنوب على حد سواء، بل إن هذا الصعود في الشمال على وجه التحديد يكتسي بطابع عرقي - عنصري مخيف يعيد للأذهان أشباح الفاشية والنازية التي قادت العالم إلى مأساة مدمرة لم يولد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نفسه إلا للتعاطي مع بعض آثارها. وهذا الصعود يستهدف منظومة حقوق الإنسان على وجه الخصوص في سياق هجومه العابث على ما أسميناه "المشترك الحضاري الإنساني" إذ يرى في هذه المنظومة تقييدًا لما يراه حقوقًا عرقية تاريخية أو تفويضًا شعبيًا. فنشهد حاليًا هجومًا أميريكيًا مباشرًا، خصوصًا بعد انتخاب ترامب، على مؤسسات هذا النظام تمثّل في الانسحاب من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومنظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، وأخيرًا توقيع عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية لا لشئ إلا لمحاولتهم التصدي لجريمة إبادة جماعية تجري على مرأي ومسمع من الجميع بدعم مباشر من الولايات المتحدة. ويشجع الهجوم الأميركي المعلن كل سلطويي الأرض تقريبًا على سلوك نفس الطريق احتذاءًا "بالديمقراطية الأعرق"!
ولأن الهجوم القومي السلطوي الجديد يكتسب طابعًا عالميًا شيئًا فشيئًا، إذ ينسق جهوده ويطور من خطابه ويقدم نفسه كرد فعل هوياتي على مشروع عالمي يستهدف - وفقًا لدعايته - تخريب الروابط السياسية والدينية والأخلاقية العضوية داخل المجتمعات، فالمواجهة كُتب عليها أن تكون عالمية الطابع كذلك. لا يمكن مواجهة هذا الهجوم إلا بالعودة لهذا المشترك الحضاري الإنساني، ونفض الغبار عنه، والوقوف على أسباب تعثره وفقدانه للجاذبية والإلهام. وهذا يقتضي من الجماعة الحقوقية، في بلد محوري في محيطه الثقافي كمصر، الاستنفار للمشاركة في هذا الجهد العالمي.
نشهد بالفعل مساهمات متفرقة لعدد من المنظمات والشبكات الحقوقية المصرية والعربية في محاولات التصدي للهجوم الواسع على المنظومة العالمية لحقوق الإنسان. ولكننا ندّعي أن الجماعة الحقوقية المصرية لديها ما هو أكثر بكثير لتقدمه أخذًا في الاعتبار خبرتها الخاصة الغنية. وبالتالي تبرز الحاجة لمدّ هذا الجهد برصيد معرفي يدعم من مساهمتها. وهنا هدف إضافي لهذا المشروع، أي دعم الجماعة الحقوقية المصرية معرفيًا في مشاركتها مع الطيف العالمي المدافع عن منظومة حقوق الإنسان العالمية.
وأخيرًا، فهذه الأزمة الحالية للمشروع الحقوقي العالمي تدفعنا للتفكير في أشكال القصور التاريخية في مشروع حقوق الإنسان نفسه والتي جعلته هدفًا سهلًا للهجوم القومي المتطرف. فكما ذكرنا في البداية، ولد هذا المشروع نتيجة تفاعلات معقدة على مرّ قرنين من الزمان تقريبًا يشكلا عمر التوسع الرأسمالي العالمي. وهو وإن عكس في الكثير من نصوصه ومؤسساته جانبًا من تراث النضال ضد هذا التوسع، إلا أن الأفق العام لهذا المشروع لم يستطع تجاوز ثنائية "السوق والدولة"، أي اعتبار السوق الرأسمالية أنسب التكوينات الاجتماعية المتاحة لتخصيص الموارد وإطلاق إمكانيات البشر الحيوية، واعتبار الدولة الوطنية الحديثة أنسب التكوينات الكفيلة بحفظ حياة وكرامة الإنسان. كذلك فقد صبغت الفئات البورجوازية التي تدين بوجودها لكلا التكوينين - أي السوق والدولة الوطنية - هذا المشروع بأولوياتها ورؤاها ومنطقها في النظر للأمور. هذا الأفق المحدود فرض أسقفًا منخفضة على مؤسسات هذا النظام، وجعل أدواته القانونية، على الرغم من تطورها، محدودة الفعالية في مواجهة هجوم السوق والدولة الضاري.
بالطبع، وكما قلنا في البداية، لم يكن هذا المشروع يستهدف إلا الحد الأدنى، ولم يطرح على نفسه، ولا ينبغي له أن يطرح، مهام أكثر جذرية من ذلك، إذ أنه ليس بديلًا عن الأيديولوجيات والمنظومات الأخلاقية الكبرى في العالم. إلا أن هذا الحد الأدنى نفسه في عالم اليوم في حاجة لإعادة تعريف. والمدافعون عن هذا الحد الأدنى في مواجهة هجوم رأسمالي وسلطوي كاسح الذي نشهده، يجدون أنفسهم اليوم مضطرين للاشتباك مع أسئلة لم تعتبر لزمن طويل جزءًا من جدول أعمال المجتمع الحقوقي العالمي، كآليات تراكم الثروات وتوزيعها، وأشكال اللامساواة المختلفة، وكيفية التوفيق بين اعتبارات التنمية والحفاظ على بيئة الحياة الطبيعية. بعبارة أخرى، يفرض الهجوم اليميني الحالي على المشروع الحقوقي العالمي أن يعيد النظر في مقولاته المؤسسة نفسها وأسقفه المنخفضة إن كان له أن يبقى على قيد الحياة. فهل سيتمكن من ذلك، أم أن محدداته البنيوية ستخون هذا الطموح؟ هذا السؤال الكبير، وما يتفرع عنه من أسئلة عديدة، يستدعي بدوره وجود مساحة للتفكير الحر والجدل بين المنتمين لهذا المشروع في مصر. وهذا بدوره من ضمن الدوافع وراء التفكير في مشروع "نوافذ". "نوافذ"، بالتالي، تسعى لأن تكون مساحة لنقد تاريخ وواقع المجتمع الحقوقي العالمي، وكذا والجدل بشأن مستقبله.
هذه الأهداف جميعًا حكمت تصورنا عن تصميم هذا الإصدار. القسم الأكبر من مواد "نوافذ" سيكون ذا طابع خبري وتحليلي عام إن جاز التعبير. ففي قسم "المتابعات"، وهو القسم الأكبر بطبيعة الحال، سنسعي لتقديم مواد مختارة صادرة عن مكونات المنظومة العالمية لحقوق الإنسان. نركز بالأساس على منظومة الأمم المتحدة، منظمة العمل الدولية، المحكمة الجنائية الدولية، عدد من المحاكم الوطنية والإقليمية والدولية، والمجتمع المدني العالمي. لا يمكن بالطبع تقديم استعراض شامل لكل ما يصدر عن هذه الجهات خلال مدّة الإصدار، وبالتالي فنحن محكومين بالانتقائية. ومعايير الاختيار هنا مرنة، وتدور جميعها حول تقديم "جديد ما" قد يكون مفهومًا جديدًا، أو منهج مختلف في تفسير نص قانوني، أو تقرير أو إحصائية أو دراسة تكشف واقعًا كان خافيًا عنّا، أو تكتيك يستحق التأمل. لا نقتصر هنا على إتاحة الخبر، ولكن نقدم شرحًا مختصرًا لطبيعته ودلالته وكيفية الإفادة منه، مع إتاحة المصدر الأصلي لمن يرغب في الاستزادة.
على سبيل المثال، في هذا العدد سنجد عددًا من المواد بشأن أزمة التغير المناخي المتسارع وتأثيرها على الحقوق الأساسية، بعضها صادر عن جهات أممية رسمية، كالمقررين الخواص بالأمم المتحدة، وبعضها صادر عن شبكات حقوقية عالمية، بل وبعضها صادر عن محاكم إقليمية، كالمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان. وتشتمل هذه المواد جميعها على عدد من المبادئ التوجيهية، ومناهج لتفسير نصوص الاتفاقيات، تستدعي التأمل والتفكير في كيفية توظيفها في سياقنا المحلي في مصر. كذلك يشمل هذا القسم على عدد من المواد بشأن أزمة الديون وتأثيرها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خصوصًا الحق في التنمية. تشمل هذه المواد كذلك وثائق ذات صفة رسمية وأخرى صادرة عن منظمات مدنية عالمية. وبالطبع، تكتسب ما تطرحه هذه الوثائق من مبادئ توجيهية وتوصيات أهمية بالغة في سياقنا الذي يعاني من عبء أزمة مديونية خانقة. وكذلك، سنجد مواد تتعلق بإصلاح منظومة العدالة الجنائية، خصوصًا شقها العقابي المتعلق بأحوال السجون وأماكن الاحتجاز. مرة أخرى، تكتسب هذه المبادئ التوجيهية والتوصيات أهمية مضاعفة في ظل النقاش الجاري حول تعديل قانون الإجراءات الجنائية في مصر حاليًا. وأخيرًا، فبعض المواد المختارة من إصدارات منظمة العمل الدولية قد تفيد المشرعين، والنشطاء، الذين يتصدون للمساهمة في الجدل الدائر بشأن مسودات لقانون عمل جديد في مصر.
الأقسام الأخرى تهدف للتصدي لمهمات النقد والجدل بشأن المستقبل. فتشمل قسمًا مخصصًا للدراسات والمقالات الطويلة نرحب فيه بالمقالات التي تدرس واقع وتاريخ منظومة حقوق الإنسان العالمية. وتشمل الموضوعات محل اهتمامنا التعليق النقدي على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وتفسيراتها، وكذا أعمال مختلف الآليات الدولية لحقوق الإنسان بما يشمل قرارات المحاكم الإقليمية والدولية. ويتسع مجال النشر كذلك للموضوعات ذات الصبغة النظرية التي تبحث في بناء وتواريخ مفاهيم محورية مؤسسة لمنظومة حقوق الإنسان. ونرحب بالإسهامات التي توظف مقاربات قانونية محضة أو مقاربات بينية تنتمي لحقول العلوم الاجتماعية المختلفة.
في ذات السياق، تشمل "نوافذ" قسمًا مخصصًا لعروض الكتب والدراسات الحديثة التي تتضمن تفكيرًا نقديًا في المعضلات التي تواجه منظومة حقوق الإنسان أو تطرح أفكارًا مبدعة لكيفية تجاوز تلك الموضوعات. يحاول هذا القسم قدر الإمكان الإحاطة بالإسهامات الأكاديمية الغزيرة والغنية التي تصدت للكثير من الأسئلة التي طرحناها في السطور السابقة.
وأخيرًا، هناك قسم "الأرشيف"، ويسعى لتقديم وثائق من تاريخ الجماعة الحقوقية المصرية تعكس مدى تفاعلها مع المنظومة العالمية لحقوق الإنسان، سواء كانت حكمًا رائدًا، أو خطاب، أو بيان، أو مشروع قانون، وغير ذلك الكثير من هذا التراث الغني. والهدف هو إنعاش الذاكرة وإلهام التفكير الحالي.
بالطبع، لا يمكن لإصدار واحد أيًا كان طابعه أن يحيط بكل جوانب هذه المهمة الشاقة، أي استعادة الارتباط المعرفي بين الجماعة الحقوقية المصرية والمجتمع الحقوقي العالمي. ونحن نعتبر "نوافذ" مجرد مساهمة ستغتني وتتطور بالتفاعل مع غيرها من المساهمات التي تقدمها مكونات الجماعة الحقوقية المصرية. كما أننا نستلهم خبرة إصدارات مشابهة سابقة نأمل أن نقترب من مستوى جودتها وجديتها، وعلى رأسها بالطبع دورية "رواق عربي" الصادرة عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بمبادرة من الراحل العظيم محمد السيد سعيد، وهي الدورية التي مازالت تصدر حتى الآن وتثري الجماعة الحقوقية المصرية والعربية بمادة لا غنى عنها. ولن نتوسع في ذكر الأمثلة حتى لا نبخس أي جهد حقه. ونأمل أن تكون "نوافذ" إضافة لهذه الجهود وأن يجد فيها القراء ما يفيد ويستفز الذهن.