الدعوى 42 لسنة 19 - دستورية - المحكمة الدستورية العليا - مرفوعة علنية رقم 42 لسنة 19 بتاريخ 07/02/1998

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باسم الشعب

 

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 7 فبراير سنة 1998 الموافق10 شوال سنة 1418ه.

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: محمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وحمدي محمد على وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين.

وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ حمدى أنور صابر أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

 

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 42 لسنة 19 قضائية دستورية .

المقامة من

السيد / .................................

ضد

1- السيد / رئيس الجمهورية

2- السيد / رئيس مجلس الوزراء

3- السيد / وزير العدل

4- السيد / وزير الثقافة

الإجراءات

بتاريخ 10 مارس سنة 1997، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبا الحكم بعدم دستورية المادة 15 من القانون رقم 430 لسنة 1955 بتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحرى والأغانى والمسرحيات والمنولوجات والأسطونات وأشرطة التسجيل الصوتى المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 وذلك فيما تضمنته من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة .

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .

وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .

حيث إن الوقائع- على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد أقامت ضد المدعى الدعوى الجنائية رقم 1547 لسنة 1996- أمام محكمة فوة الجزئية ، بتهمة أنه بتاريخ 9/3/1996 قام بأداء أحد المصنفات البصرية من خلال عرضها فى مكان عام مقهى بغير ترخيص بذلك من الجهة المختصة ، وطلبت عقابه بالمواد 1 و 2 ثانيا و 15 و 17 من القانون رقم 430 لسنة 1955 بتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحرى والأغانى والمسرحيات والمنولوجات والأسطونات وأشرطة التسجيل الصوتى المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992. وإذ قضت المحكمة غيابيا بتغريم المدعى مبلغ خمسة آلاف جنيه والمصادرة والمصاريف، فقد طعن المدعى فى هذا الحكم بطريق المعارضة ، ودفع- أثناء نظر المعارضة - بعدم دستورية نص المادة 15 من القانون رقم 430 لسنة 1955- المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992- المشار إليه، وذلك فيما تضمنته من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة ، وإذ كانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية الدفع، فقد خولته رفع دعواه الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة .

وحيث إن المدعى ينعى على نص المادة 15- المطعون عليها- مخالفتها للمواد 86 و 119 فقرة أولى و 165 و 166 من الدستور، وذلك فيما تضمنته من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة ، وذلك تأسيسا على ما يأتى :

أولا : أن وقف تنفيذ العقوبة ، جزء من تفريدها. فإذا حال المشرع دون مباشرة السلطة القضائية لولايتها هذه ، كان ذلك افتئاتا عليها.

ثانيا : أن السلطة التشريعية لا تتقيد فى ممارستها لولايتها فى مجال إقرار القوانين بغير الضوابط التى ألزمها الدستور بمراعاتها. فإذا كان تنظيمها لموضوع معين على خلافها، كان ذلك إهدارا منها للدستور.

ثالثا : أن النص المطعون فيه يتمحض عن ضريبة بلا قانون، ذلك أن السياسة التى انتهجها لمواجهة عرض المصنفات دون ترخيص، لم تكن غايتها الردع أو الإيلام، وإنما استهدفت أغراضا تمويلية بحتة ، وضمان توفير الموارد التى يقتضيها دعم الأغراض التى يقوم عليها صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة .

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المتهمين لا يجوز معاملتهم بوصفهم نمطا ثابتا، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم فى قالبها ، تقديرا بأن الأصل فى العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وتقرير استثناء من هذا الأصل- أيا كانت الأغراض التى يتوخاها- مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم ؛ وأن عقوبتهم ينبغى أن تكون واحدة فى كل تطبيقاتها، بما يجردها من تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها؛ ويحيلها جزاء بغير ضرورة ؛ متضمنا تقييدا للحرية الشخصية دون مقتض، ومنتهيا إلى حرمان كل قاض من سلطته فى مجال التدرج بالعقوبة الجنائية وتجزئتها ، تقديرا لها فى الحدود المقررة قانونا ، فلايكون تطبيقها كافلا معقوليتها وإنسانيتها، ولا جابرا لآثار الجريمة من منظور موضوعى يتعلق بها وبمرتكبها.

وحيث إن الجزاء الجنائى على ضوء ما تقدم، لا يجوز أن يكون تطبيقه عشوائيا أو آليا، ذلك أن تفريده لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية التى تأبى إنزال عقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة - شأنها فى ذلك شأن القواعد القانونية جميعها- على الجريمة محل التداعى ؛ وكان تفريد العقوبة - ويندرج تحتها الأمر بإيقافها- هى التى تخرجها من قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها ، ويتصل بها اتصال قرار؛ وكان تفريد عقوبة الغرامة - وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية - يجنبها عيوبها، ومن بينها أنها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء؛ وكان من المقرر أن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها، إنصافا لواقعها وحال مرتكبها، يرتبطان بمن يعد قانونا مسئولا عن مقارفتها، على ضوء دوره فيها، ونواياه التى قارنتها، وما نجم عنها من ضرر؛ فلا يكون جزاء الجناة عن جريمتهم إلا موافقا لخياراتهم بشأنها؛ وكان لا يجوز على الإطلاق أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بمحيطها ضمانا لموضوعية تطبيقها ؛ فلا يكون إنفاذها دالا على قسوتها ، جامدا فجا منافيا لقيم الحق والعدل، مؤكدا شذوذها أو مجاوزا حدود الاعتدال التى ينبغى معها أن يكون للقاضى الكلمة الأخيرة فى شأن إيقافها، فلا يكون تجريده من هذا الاختصاص إلا عدوانا على الوظيفة القضائية بما يخل بمقوماتها.

وحيث إن ما ينعاه المدعى من أن الغرامة المحكوم بها وفقا لنص المادة 15 من القانون رقم 430 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 المشار إليهما؛ هى فى حقيقتها ضريبة فرضها المشرع، متوخيا بها توفير الموارد التى يقتضيها دعم صندوق التنمية الثقافية وكذلك الإنفاق منها على جهة الرقابة على المصنفات بوزارة الثقافة ، مردود أولا: بأن تجريم أفعال بذاتها لا يتم إلا من خلال عقوبة جنائية تمثل جزاء قدره المشرع عند مقارفتها. ولا يعتبر هذا الجزاء- وتلك طبيعته- عوضا ماليا عن الجريمة التى عينها المشرع ، بل جزءا منها لا ينفصل عنها، فلا جريمة بغير عقوبة ، ولا عقوبة إلا عن فعل أو امتناع أخل بقيم الجماعة أو نقضها؛ وصار مؤثما ضمانا لصونها، فلا تُقَابَل الجرائم- أيا كان نوعها- بتعويض يكون مكافئا للضرر الناجم عنها، وإنما يتحدد جزاؤها بقدر خطورتها ووطأتها؛ فلا يكون مجاوزا قدر الضرورة الاجتماعية التى يقتضيها، ولا واقعا دون متطلباتها.

ومردود ثانيا: بأن الضريبة لا تقابل جرما؛ ولا يفترض فى ما نشأ عنها من إيراد، أن يكون متأتيا من مصدر غير مشروع. ولا يقصد بها كذلك أن تكون إيلاما للمكلفين بها، وإنما يقع عبؤها على أموالهم بوصفهم مواطنين يسهمون عدلا فى تحمل نصيبهم من التنمية وتطوير مجتمعهم، بما يؤكد تضامنهم. ولا كذلك الغرامة المطعون عليها التى فرضها المشرع متوخيا بها أن تكون عقابا زاجرا، حائلا بمداه دون الجريمة التى نهى عن ارتكابها، ومحيطا بها بعد وقوعها من خلال جزاء جنائى يناسبها.

وحيث إنه متى كان ذلك؛ وكان المشرع قد حدد بنص المادة الثانية من القانون رقم 430 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 المشار إليهما، أركان جريمة أداء المصنفات السمعية والبصرية بمكان عام، وكذلك عرضها وإذاعتها، بدون ترخيص؛ ناهيا بنص المادة 15 من هذا القانون، عن وقف تنفيذ عقوبة الغرامة المقررة بها؛ فإن النص المطعون عليه، يكون متضمنا تدخلا مباشرا فى شئون الوظيفة القضائية بما ينال من جوهرها، ويقيد كذلك الحرية الشخصية فى غير ضرورة ، ولا يقيم المحاكمة المنصفة وفق متطلباتها، ومخالفا بالتالى أحكام المواد 41 و 67 و 165 و 166 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (15) من القانون رقم 430 لسنة 1955 بتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحرى والأغانى والمسرحيات والمنولوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتى وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة ، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .