الدعوى 53 لسنة 18 - دستورية - المحكمة الدستورية العليا - مرفوعة علنية رقم 53 لسنة 18 بتاريخ 01/02/1997
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت أول فبراير سنة 1997 الموافق 23 رمضان سنة 1417هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: عبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 53 لسنة 18 قضائية دستورية
المقامة من
السيد/ .........................
ضد
1. السيد/ رئيس الجمهورية
2. السيد/ رئيس الوزراء
3. السيد/ نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة
4. السيد المستشار/ النائب العام
الإجراءات
بتاريخ 2 يونيه 1996، أودع المدعى هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية المادتين (152، 156) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 والمعدل بالقانون رقم 11 لسنة 1983.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث أن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى إلى المحاكمة الجنائية فى القضية رقم 1664لسنة 1991 جنح مستعجل زفتى ، بتهمه أنه فى يوم 5/9/1991 بزمام قرية شبرا ملس مركز زفتى بمحافظة الغربية ، أقام بناء على أرض زراعية بدون ترخيص، وطلبت النيابة العامة عقابه بمقتضى المادتين (152، 156) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 والمعدل بالقانون رقم 116 لسنة 1983. وقد قضت محكمة جنح زفتى غيابياً بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل مع تغريمه ألفا من الجنيهات وإزالة المبنى ، فعارض فى حكمها، ثم قضى فى المعارضة باعتبارها كأن لم يكن، فطعن استئنافياً فيه تحت رقم 12736 لسنة 92 قضائية ، إلا أن محكمة الجنح المستأنفة بطنطا قضت حضورياً اعتبارياً برفض هذا الطعن - وقد عارض المدعى فى هذا الحكم، ودفع أثناء نظر معارضته بعدم دستورية أحكام القانون رقم 116 لسنة 1983 المعدل لقانون الزراعة . وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وأذنت للمدعى برفع دعواه الدستورية فقد أقامها.
وحيث إن المدعى وإن دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية قانون الزراعة فى مجمل الأحكام التى تضمنها، إلا أن صحيفة دعواه الدستورية تقصر الطعن على المادتين (152، 156) من هذا القانون، وبهما تتحدد نطاق الدعوى الدستورية التى تدعى المحكمة الدستورية العليا للفصل فيها.
وحيث إنه عملاً بنص المادة (152) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 116 لسنة 1983، لايجوز لأحد أن يقيم مبان أو منشآت فى الأرض الزراعية أو إتخاذ أية إجراءات فى شأن تقسيمها هذه الأرض لإقامة مبان عليها.
ويعتبر فى حكم الأرض الزراعية ، الأراضى البور القابلة للزراعة داخل الرقعة الزراعية ويستثنى من هذا الحظر:
(أ) الأرض الواقعة داخل كردون المدن المعتمدة حتى 1/12/1981 مع عدم الاعتداد بأية تعديلات على الكردون اعتباراً من هذا التاريخ إلا بقرار من مجلس الوزراء.
(ب) الأراضى الداخلة فى نطاق الحيز العمرانى للقرى ، والذى يصدر بتحديده قرار من وزير الزراعة بالاتفاق مع وزير التعمير.
(ج) الأراضى التى تقيم عليها الحكومة مشروعات ذات نفع عام بشرط موافقة وزير الزراعة .
(د) الأراضى التى تقام عليها مشروعات تخدم الإنتاج الزراعى أو الحيوانى والتى يصدر بتحديدها قرار من وزير الزراعة .
(ه) الأراضى الواقعة بزمام القرى التى يقيم عليها المالك سكناً خاصاً به أو مبنى يخدم أرضه، وذلك فى الحدود التى يصدر بها قرار من وزير الزراعة .
وفيما عدا الحالة المنصوص عليها فى الفقرة (ج) يشترط فى الحالات المشار إليها آنفاً صدور ترخيص من المحافظ المختص قبل البدء فى إقامة أية مبان أو منشآت أو مشروعات ويصدر بتحديد شروط وإجراءات منح هذا الترخيص قرار من وزير الزراعة بالاتفاق مع وزير التعمير.
وحيث إن المدعى ينعى على المادة (152) المشار إليها، إخلالها بالحماية التى كفلها الدستور وأقرتها الشرائع السماوية للملكية الخاصة ، وذلك من خلال القيود التى فرضتها على البناء فى الأرض الزراعية ، وقصورها عن ملاحقة التطور العمرانى ، وما يقتضيه من زيادة الأماكن المعدة للسكنى بالنظر إلى قلتها، وإهدارها لقيم الأسرة التى يلزم لصونها أن يكون إنشاء المسكن الخاص ممكناً باعتباره مستقراً لإيواء القاطنين فيه. فضلاً عن أن نطاق الحيز العمرانى الذى يجوز البناء فيه لا زال محدداً بقانون فى مدن مصر، وبقرار من وزير الزراعة بالنسبة إلى قراها، وكان ينبغى أن يكون هذا النطاق مرناً لا جامداً.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة -وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يتوافر ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكان البين من الأوراق أن المدعى قد أقام بناء بقرية شبراملس، وأن الاتهام الجنائى ضده يدور حول مخالفته الشروط التى تطلبها قانون الزراعة للبناء فى الأرض الزراعية وما فى حكمها، فإن مصلحته الشخصية المباشرة تتحقق بإبطال هذه الشروط جميعها، محددة فى أصل قاعدة الحظر التى تحول دون أن يقيم المدعى مبانى فى هذه الأرض، وأحوال الاستثناء من هذا الحظر فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى القرى ، وتعليق بدء البناء على شرط الحصول على ترخيص بذلك من المحافظ المختص. ومن ثم ينحصر نطاق المسائل الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها بصدر المادة (152) المشار إليها مع بنديها (ب) و(ه) فضلاً عن فقرتها الأخيرة .
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق أن واجهت بحكمها الصادر فى القضية رقم 23 لسنة 9 قضائية بجلستها المعقودة فى 4 من مايو 1991 والمنشور فى الجريدة الرسمية بتاريخ 16 من يونيو 1991، هذه المسائل الدستورية عينها وخلص قضاؤها بشأنها إلى رفض الدعوى الدستورية التى أثارتها، على سند من أن الأرض الزراعية تمثل مصدراً رئيسياً للتنمية ، وأن استقطاع بعض أجزائها من خلال البناء زحفاً عليها، يقلص حيزها، ويحول دون اكتمال استغلالها فى الأغراض التى ترصد أصلاً عليها، فلا يكون تنظيم البناء فيها عدواناً ينال من ملكيتها، بل توكيداً لوظيفتها الاجتماعية ؛ وكان قضاء المحكمة عن هذا النحو، يعتبر فصلاً نهائياً فى المسائل التى حسمتها، فلا يقبل تعقيباً منها ولا من غيرها، فإن إثارتها من جديد، يكون لغواً.
وحيث إن المادة (156) المطعون عليها -وعلى ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 37 لسنة 15 قضائية الصادر بجلستها المعقودة فى 31/8/1996 بعدم دستورية ما نصت عليه فقرتها الثانية من عدم جواز وقف تنفيذ الغرامة - أصبحت تقرأ على النحو الآتى :-
يعاقب على مخالفة أى حكم من أحكام المادة (152) من هذا القانون أو الشروع فيها بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنية ولا تزيد على خمسين ألف جنيه، وتتعدد العقوبة بتعدد المخالفات.
ويجب أن يتضمن الحكم الصادر بالعقوبة الأمر بإزالة أسباب المخالفة على نفقة المخالف.
ولوزير الزراعة ، حتى صدور الحكم فى الدعوى ، وقف أسباب المخالفة بالطريق الإدارى على نفقة المخالف.
وتوقف الإجراءات والدعاوى المرفوعة على من أقاموا بناء على الأراضى الزراعية فى القرى قبل تحديد الحيز العمرانى لها بالمخالفة لحكم المادة الثانية من القانون رقم 3 لسنة 1982 بإصدار قانون التخطيط العمرانى ، إذا كانت المبانى داخلة فى نطاق الحيز العمرانى للقرية .
وحيث إن الفقرتين الثالثة والرابعة من المادة (156) المطعون عليها، لا تتعلقان بالاتهام الجنائى ، ولا تشملهما الخصومة الدستورية بالتالى .
وحيث إن المدعى ينعى على المادة (156) المطعون عليها - محدد نطاقها على النحو المتقدم - مخالفتها للدستور تأسيساً عن أن الأفعال التى نسبتها النيابة العامة إليه، لايجوز تجريمها ذلك أن ما يقيمه المالك على أرضه من مبان، لا ينبئ عن خطورة إجرامية تقتضى أن يتدخل المشرع لمواجهتها بالنصوص العقابية .
وحيث إن هذا النعى مردود أولاً: بأن القانون الجنائى وإن اتفق مع غيره من القوانين فى تنظيم بعض العلائق التى يرتبط بها الأفراد فيما بين بعضهم البعض ومن خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون الجنائى يفارقها فى اتخاذ العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن إرتكابها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد -من منظور اجتماعى - ما لايجوز التسامح فيه فى مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعياً ممكناً، بما مؤداه: أن الجزاء عن أفعالهم لايكون مبرراً إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية ، فإذا كان مجاوزاً تلك الحدود التى لايكون معها ضرورياً، غدا مخالفاً للدستور.
ومردود ثانياً: بأن قانون الزراعة نظم البناء على الأرض الزراعية موازناً فى ذلك بين أمرين، أولهما ألا يقع عدوان عليها يخرجها عن الأغراض التى تهيأت أصلاً لها، فلا يكون اقتطاع بعض أجزائها دون ضابط - ولو بقصد البناء عليها - إلا منافياً لصون رقعتها مما يبددها عمداً أو إهمالاً. ثانيهما ألا يكون حظر البناء على الأرض الزراعية مطلقاً، بل مقيداً بالضرورة ، وبقدرها، ووفق ترخيص يصدر على ضوء شروط يبينها وزير الزراعة بالاتفاق مع وزير التعمير، ضماناً لأن تظل الأرض الزراعية بين أجيال يتعاقبون عليها، ويضيفون إليها، فلا تندثر عناصرها، أو تتضاءل قواها.
ومردود ثالثاً: بأن تأثيم الأفعال التى حظرها المشرع - وقد تغيا هذه الأغراض - يكون ملتزماً حدود الضرورة الاجتماعية التى لا ينفصل الجزاء الجنائى عنها باعتباره أسلوباً ملائماً لردع عدوان محتمل عليها، لا يحول بين السلطة القضائية ومباشرة مهمتها فى مجال تفريده، فلا يكون قدره إلا مناسباً لوزن الجريمة وملابساتها.
ومردود رابعاً: بأن العقوبة الأصلية التى فرضها النص المطعون فيه -وهى الحبس والغرامة فى الحدود التى بينها المشرع- وإن كان توقيعها مكملاً الأمر بإزالة أسباب المخالفة على نفقة من ارتكبها، إلا أن هاتين العقوبتين متضاممتان، بل أن ثانيتهما هى الضمان النهائى لاقتلاع جذور العدوان على الأراضى الزراعية ، فلا تصبح كالصريم.
ولما كان النص المطعون فيه لا يتعارض مع أى حكم آخر فى الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .