جلسة 15 من ديسمبر سنة 1993

برئاسة السيد المستشار / أحمد عبد الرحمن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ على الصادق عثمان وإبراهيم عبد المطلب وأحمد عبد البارى سليمان ومحمود دياب نواب رئيس المحكمة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 181 )

الطعن رقم 6506 لسنة 62 القضائية

 

( 1 ) إثبات " بوجه عام " . تسجيل . تفتيش . دفوع " الدفع ببطلان التسجيل والتفتيش " . بطلان . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

النعى على الحكم قصوره فى الرد على الدفع ببطلان التسجيل والتفتيش . غير مجد . مادام لم يستند فى الإدانة إلى دليل مستمد منهما .

 

( 2 ) إثبات " شهود " . تسجيل . تفتيش . حكم " ما لا يعيبه فى نطاق الدليل " " تسبيبه . تسبيب . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

التناقض الذى يعيب الحكم . ما هيته ؟

مثال للتدليل على انتفاء دعوى التناقض فى التسبيب .

 

( 3 ) استدلالات . مأمورو الضبط القضائى .

تولى رجل الضبط التحريات والأبحاث بنفسه . غير لازم . له الاستعانه فى ذلك بمعاونيه .

 

( 4 ) تفتيش " اذن التفتيش . إصداره " . استدلالات . إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها فى تقدير جدية التحريات " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش . موضوعى . المجادلة فى ذلك أمام النقض غير جائزة .

 

( 5 ) رشوة . جريمة " أركانها " . موظفون عموميون .

جريمة الرشوة . لا يؤثر فى قيامها وقوعها نتيجة تدبير لضبطها ولا كون المرتشى غير جاد فى قبولها . متى كان عرضها جديا فى ظاهره وكان الغرض منها العبث بمقتضيات الوظيفة .

 

( 6 ) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

التفات الحكم عن دفاع ظاهر البطلان . لا يعيبه .

مثال .

 

( 7 ) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها فى تقدير الدليل " .

لمحكمة الموضوع استعداد إقتناعها من أى دليل تطمئن إليه . شرط ذلك ؟

 

( 8 ) إثبات " شهادة " " شهود " " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها فى تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

الشهادة . ماهيتها ؟

وزن أقوال الشاهد وتقديرها . موضوعى .

مفاد أخذ المحكمة بشهادة الشاهد ؟

الجدل الموضوعى فى تقدير الأدلة . غير جائز أمام النقض .

 

( 9 ) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " .

الجدل الموضوعى فى سلطة محكمة الموضوع فى إستخلاص صورة الواقعة . غير جائز أمام النقض .

مثال .

( 10 ) رشوة . جريمة " أركانها " . إختصاص . موظفون عموميون .

مدلول الإخلال بواجبات الوظيفة فى جريمة الرشوة ؟

دخول الأعمال التى يطلب من الموظف اداؤها فى نطاق وظيفته مباشرة . غير لازم . كفاية أن يكون لها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض من الرشوة وأن يكون الراشى قد اتجر معه على هذا الأساس .

جريمة للرشوة لا يشترط فيها أن يكون الموظف وحده المختص بجميع العمل المتصل بالرشوة . كفاية أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض منها .

 

( 11 ) رشوة . جريمة " اركانها " . اختصاص . إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها فى تقدير توافر الاختصاص " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

تقدير توافر اختصاص الموظف بالعمل الذى طب الرشوة من أجله . موضوعى مادام سائغاً .

مثال .

( 12 ) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

لمحكمة الموضوع الأعراض عن سماع ما يبديه المتهم من أوجه دفاع إذا كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى .

 

( 13 ) رشوة . جريمة " أركانها " . موظفون عموميون " إختصاصهم " . قانون " تفسيره " . نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

جريمة الرشوة فى مفهوم المادتين 103 ، 103 مكررا عقوبات مناط تحققها ؟

 

( 14 ) رشوة . إثبات " اعتراف " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

عدم اسناد الحكم إلى الطاعن اعترافا بارتكاب جريمة الرشوة . نميه عليه فى هذا الخصوص لا محل له .

 

( 15 ) رشوة . تزوير " أوراق رسمية " . اشتراك . عقوبة " العقوبة المبررة " . ارتباط . طعن " المصلحة فى الطعن " . نقض " اسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

عدم جدوى ما ينعاه الطاعن فى صدد جريمة التزوير . مادام الحكم قد دانه بجنايتى طلب الرشوة والتزوير فى محررات رسمية والاشتراك فيها . وعاقبه بالعقوبة المقررة لجناية الرشوة . عملاً بالمادة 32 عقوبات .

 

( 16 ) إثبات " بوجه عام " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

لا محل للنعى على الحكم بالخطأ فى الاسناد . متى كان ما حصله من اعتراف وأقوال له أصله الثابت بالأوراق .

 

( 17 ) إثبات " بوجه عام " . حكم " ما لا يعيبه فى نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

الخطأ فى الأسناد . لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر فى عقيدة المحكمة .

 

( 18 ) إثبات " بوجه عام " " أوراق رسمية " . محكمة الموضوع " سلطتها فى تقدير الدليل " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

الأدلة فى المواد الجنائية اقناعية . للمحكمة الالتفات عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية .

 

( 19 ) تزوير . إجراءات " إجراءات المحاكمة " . بطلان . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

فض المحكمة للمظروف المحتوى على المحررات المزورة . مفاده . عرض تلك المحررات على بساط البحث والمناقشة فى حضور الخصوم . نعى الطاعن ببطلان الإجراءات فى هذا الخصوص لا محل له .

 

( 20 ) رشوة . عقوبة " الإعفاء من العقوبة " . قانون " تفسيره " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

الاعفاء المقرر بالمادة 107 مكررا عقوبات . قصره على الراشى والوسيط . دون المرتشى .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

1-    لا جدوى من النعى على الحكم بالقصور فى الرد على الدفع ببطلان التسجيل والتفتيش مادام البين من الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم ومن استدلاله أن الحكم لم يستند فى الإدانة إلى دليل مستمد من التسجيل والتفتيش المدعى ببطلانهما وإنما أقام قضاءه على الدليل المستمد من أقوال شاهد الإثبات واعتراف المتهمين وهو دليل مستقل عن التسجيل والتفتيش فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد يكون غير سديد .

 

2-    من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة فإن ما إنتهى إليه الحكم من أطراح التسجيل والتفتيش وعدم أخذه بالدليل المستند منهما لا يتعارض مع أورده من أقوال الشاهد المقدم ............. التى تفيد أنه لم يدخل مسكن الطاعن الثالث ............... بناء على إذن التفتيش بصفته ضابطا وإنما كشخص عادى بصفته عميلا له وأن كافة الوقائع الخاصة بتزوير شهادات التسنين وتقاضى مبلغ الرشوة التى شهد بها مستمدة مما سمعه وشاهد بنفسه أثناء وجوده مع المتهمين فى المسكن المذكور الذى دخله بهذه الصفة المنتحله وليست مستمدة من الإذن بالتسجيل أو التفتيش ومن ثم فقد انحسر عن الحكم قاله التناقض فى التسبيب .

 

3-    إن القانون لا يوجب أن يتولى رجل الضبط القضائى بنفسه التحريات والأبحاث التى يؤسس عليها الطلب بالإذن له بتفتيش الشخص أو أن يكون على معرفة شخصية سابقة به بل له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو أبحاث أو ما يتخذه من وسائل التنقيب بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم ما دام أنه قد اقتنع شخصياً بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه عنهم من معلومات .

 

4-    من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التى يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع فإذا كانت هذه الأخيرة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التى بنى عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره فلا معقب عليها فى ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ، وإذ كانت المحكمة قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلان لعدم جدية التحريات التى سبقته بأدلة منتجة لها أصلها الثابت فى الأوراق فإنه لا يجوز المجادلة فى ذلك أمام محكمة النقض .

 

5-    من المقرر أنه لا يؤثر فى قيام جريمة الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة تدبير لضبطها وألا يكون المرتشى جادا فى قبوله الرشوة متى كان عرضها جديا فى ظاهرة وكان الغرض منها العبث بمقتضيات الوظيفة لمصلحة الراشى ومن ثم يكون ما يدعيه الطاعن على خلاف ذلك غير قائم على أساس يحمله قانونا .

 

6-    إن مفاد ما أورده الحكم أن دخول الضابط كشخص عادى ، ومعه المرشد السرى فى مسكن الطاعن الثالث .............. يوم الضبط تنفيذاً لاتفاق سابق بينهما قد حصل بناء على إذن منه بالدخول غير مشوب بما يبطله إذ لم يعقبه قبض ولا تفتيش ، وإنما وقع القبض على الطاعنين وضبط الشهادات المزورة ومبلغ الرشوة – بعد ما كانت جنايتى تزوير هذه الشهادات وتقاضى مبلغ الرشوة متلبسا بهما بتمام الاتفاق الذى تظاهر فيه الضابط بحاجته إلى شهادات تسنين سبع فتيات قاصرات بقيام الطاعن بمحض إرادته بتحرير بيانات تلك الشهادات وتوقيعها وقيام الطاعن الثانى يصمهما بخاتم مكتب الصحة وسلمها الطاعن للضابط وطلب منه مبلغ الرشوة المتفق عليه فقدمه للطاعن الثالث الذى قام بالتأكد من قدرة وسلمه للطاعن الأول ، فإن ما تم من قبض وتفتيش يكون إجراء صحيحاً غير مشوب بما يبطله إذ أن جنايتى الرشوة والتزوير فى محرر رسمى تكونا فى حالة تلبس تبرر القبض على الطاعن وتفتيشه دون إذن من النيابة العامة ، ومن ثم فلا جدوى مما يثيره حول بطلان القبض وما تلاه من إجراءات لبطلان إذن النيابة العامة بالتسجيل والتفتيش ، ومن ثم فإن دفع الطاعن ببطلان التحقيقات لأنها وليدة قبض وضبط باطلين لا يعدو أن يكون دفاعا ظاهر البطلان وبعيد عن محجة الصواب ولا يعيب الحكم المطعون فيه التفاته عنه الأمر الذى يكون النعى عليه فى هذا الخصوص غير سديد .

 

7-    من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أى دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق .

 

8-    لما كانت الشهادة فى الأصل هى تقرير الشخص لما يكون قد رأه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه ، وكان مدلول شهادة الضابط ........... كما أوردها الحكم المطعون فيه لا يستفاد منها أنها جاءت حصيلة إستنتاج بأن الطاعن يعلم بواقعة الاتفاق على تزوير شهادات التسنين مقابل مبلغ الرشوة بل حصلها هو بنفسه لما سمعه ورآه من حديث دار بين المتهمين فى حضوره بمسكن الطاعن الثالث – الذى دخله بطريق مشروع على النحو المار ذكره – حول تقسيم مبلغ الرشوة بينهم وقيام الطاعن بتحرير شهادات التسنين المضبوطة بخط يده بناء على البيانات التى قدمها له الطاعن الثالث ثم قام الطاعن الثانى ببصمها بخاتم شعار الجمهورية الخاص بمكتب صحة الزاوية الحمراء أول ثم طلب الطاعن لمبلغ الرشوة منه فسلمه للطاعن الثالث الذى قام بعده وسلمه للطاعن الذى سلم الضابط المذكور الشهادات المزورة – وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التى يؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه وهى متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها كما هو الحال فى الدعوى المطروحة ومن ثم فإن منازعة الطاعن فى القوة التدليلية لشهادة الشاهد على النحو الذى أثاره فى أسباب طعنه لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً فى تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ، ويضحى النعى على الحكم فى هذا الصدد فى غير محله .

 

9-    لما كان النعى بأن الواقعة تشكل الجناية المنصوص عليها فى المادة 105 من قانون العقوبات لأن الطاعن لم يطلب العطية قبل أداء العمل أو أنها مجرد اشتراك فى عمل لا يشكل جريمة لأن الضابط قام بعرض الوساطة فى رشوة – وهى الجريمة المنصوص عليها فى المادة 109 مكررا من القانون المذكور – إلا أنها لا تنطوى على تلك الجريمة لعدم وجود راشى حقيقى ، وليست الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من القانون سالف الذكر ، لا يعدو أن يكون منازعة فى الصورة التى اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً فى سلطة محكمة الموضوع فى إستخلاص صورة الواقعة كما أرتسمت فى وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب .

 

10 – أن نص الشارع فى المادة 104 من قانون العقوبات التى عددت صور الرشوة على الإخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة إلى الموظف ومن فى حكمه بإمتناعه عن عمل من أعمال الوظيفة وقد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقا من التقييد . بحيث يتسع مدلوله لاستيعاب كل عيب يمس الأعمال التى يقوم بها الموظف وكل تصرف وسلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعد من واجبات أدائها على الوجه السرى الذى يكفل لها دائما أن تجرى على سند قويم وقد استهدف المشرع من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولا عاما أوسع من أعمال الوظيفة التى تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث يشمل أمانة الوظيفة ذاتها فكل انحراف عن واجب من تلك الواجبات أو امتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذى عناه الشارع فى النص فإذا تقاضى الموظف جعلا عن هذا الإخلال كان فعله إرتشاء وليس من الضرورى فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التى يطلب من الموظف أداؤها داخله فى نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفى أن يكون لها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة وان يكون الراشى قد اتجر معه على هذا الأساس ، كما لا يشترط فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو والذى عرضت عليه الرشوة هو وحدة المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفى أن يكون له – نصيب من الأختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة .

 

11 – أن توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذى طلب الرشوة من أجله هو من الأمور الموضوعية التى يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغا مستنداً إلى أصل ثابت فى الأوراق وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر إختصاص الطاعن بصفته طبيبا بمكتب صحة .............. باستخراج شهادات تسنين الفتيات ساقطات القيد ورد على دفاعه بنفى اختصاصه وطلب استخراج شهادة من وزارة الصحة تؤيد هذا الدفاع فى قوله : " وحيث أنه بخصوص ما أثاره الدفاع من مكتب الصحة ليس من اختصاصه إصدار شهادات تسنين فمردود عليه بما قرره المتهمون بالتحقيقات بأن تسنين الفتيات الراغبات فى الزواج اللاتى ليس لهن شهادات ميلاد هو من صميم اختصاصهم بما ترى معه المحكمة أن الطلب الاحتياطى الذى ابداه الحاضر مع المتهم الأول وهو التصريح له بإستخراج شهاداة من وزارة الصحة بأن مكاتب الصحة ليست مختصة بإصدار شهادات تسنين هو طلب فى غير محله ولا يقصد به غير تعطيل الفصل فى الدعوى وعرقة سيرها " . وكان ما أورده الحكم فى هذا الخصوص يتحقق به قدر من الاختصاص يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة كما استظهر الحكم المطعون فيه إخلال الطاعن بواجبات الوظيفة أخذا باعترافه وما شهد به شاهد الواقعة ودان الطاعن على هذا الاعتبار فإن يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقا صحيحا ويستقيم به الرد على دفاع الطاعن .

 

12 – ومن المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة ، وإذ كان ما أورده الحكم كافيا وسائغاً ويستقيم به اطراح طلب الطاعن التصريح باستخراج شهادة من وزارة الصحة تفيد عدم اختصاص مكاتب الصحة باستخرج شهادات التسنين التى جاء بأسباب الطعن أن المحكمة لم تستجب له دون أن يوصم حكمها بالقصور أو الإخلال بحق الدفاع .

 

13- أن المقرر بحسب المستفاد من نص المادتين 103 ، 103 مكرر من قانون العقوبات أن جريمة الرشوة تتحقق من جانب الموظف ومن فى حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ وعدا أو عطيه لأداء عمل من أعمال الوظيفة ولو كان حقا . كما تتحقق أيضا فى شأنه ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذبا بصرف النظر عن اعتقاد الراشى فيما زعم الموظف أو اعتقد إذ هو حينئذ يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء . ولما كان قيام الموظف فعلا بالعمل الذى اقتضى الرشوة من أجله يتضمن بالضرورة حصول الاعتقاد لديه باختصاصه بما قام به أو زعمه ذلك بالأقل فلا وجه لما أثاره الطاعن فى هذا الصدد .

 

14- لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه لم ينسب للطاعن اعترافا بارتكاب جريمة الرشوة – على خلاف ما يذهب إليه بوجه النعى – وإنما أسند إليه أنه اعترف بقيامه بتزوير شهادات التسنين بأن قدم بتحرير بياناتها التى قدمها له الطاعن الثالث ووقع عليها بإمضائه بينما قام الطاعن الثانى يبصمها بخاتم شعار الجمهورية وهو ما يسلم به الطاعن فى أسباب طعنه ومن ثم فإن نعيه فى هذا المقام يكون ولا محل له.

15- لما كان الحكم قد دان الطاعنين بجنايتى طلب الرشوة والتزوير فى محررات رسمية والاشتراك فيها وأوقع على كل منهم العقوبة المقررة للجناية الأولى التى ارتكبها عملا بالمادة 32 من قانون العقوبات ، فإنه لا يجدى الطاعن منعاه فى صدد جريمة التزوير ، من عدم ثبوت التزوير لعدم ثبوت أن سن الفتيات الحقيقى يغاير الثابت بشهادات التسنين وأن تلك الشهادات لا يعتد بها فى توثيق الزواج من أجنبى وفقاً لقانون الشهر العقارى مما تعد لغوا لا قيمة له .

 

16- لما كان يبين من الإطلاع على المفردات – التى أمرت المحكمة بضمها تحقيقا لوجه الطعن – أن ما حصله الحكم من اعتراف الطاعنين الثانى والثالث ومن أقوال شاهد الإثبات فى التحقيقات له صداه وأصله الثابت فى الأوراق فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ فى الاسناد فى هذا الصدد لا يكون له محل .

 

17- من المقرر أنه لا يعيب الحكم خطؤه فى الإسناد ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر فى عقيدة المحكمة وكان الاختلاف فى بيان قدر المبلغ الذى أعده الضابط وتم إثبات أرقامه بالمحضر – على النحو المشار إليه فى أسباب الطعن – لا أثر له فى عقيدة المحكمة ولا فى منطق الحكم أو فى النتيجة التى إنتهت إليها وهى أن مبلغ الرشوة الذى تقاضاه الطاعنون قدره سبعمائة جنيه كان قد تم إثبات أرقامهم بالمحضر ، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا النعى لا يكون مقبولاً .

 

18- من المقرر أن الأدلة فى المواد الجنائية إقناعية فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية مادام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى أطمأنت إليها من باقى الأدلة القائمة فى الدعوى .

 

19- لما كان يين من الإطلاع على محضر جلسة .............. التى مثل فيها المحكوم عليه والدفاع أن المحكمة فضمت المظروف – المحتوى على المحررات المزورة – ومن ثم كان معروضا على بساط البحث والمناقشة فى حضور الخصوم وكان فى مكنة الطاعن الاطلاع عليه إذا ما طلب من المحكمة ذلك ، فإن ما يثيره من بطلان الإجراءات لا يكون له محل .

 

20- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن بالإعفاء من العقاب طبقاً للمادة 107 مكرر من قانون العقوبات ورد عليه بقوله : " وحيث أنه بخصوص ما أثاره دفاع المتهم الثالث من استفادته من الأعفاء المنصوص بالمادة 107 مكرر عقوبات فمردود عليه بأن هذا الأعفاء قاصر على الراشى والوسيط الذى يعترف أمام المحكمة فيما أن ما ارتكبه المتهم الثالث يوفر فى حقه جريمة الرشوة باعتباره مرتشيا ذلك بأن اتفق والمتهم الثانى مع شاهد الإثبات على استخراج شهادات تسنين مقابل مائة جنيه للشهادة الواحدة وقد جرت بينه وبين المتهمين الأول والثانى مساومات حول تقسيم مبلغ الرشوة ووافق على أن يحصل على مائة جنيه مائة جنيه من هذا المبلغ فى مقابل تحرير طلبات استخراج هذه الشهادات وتسلم فعلا مبلغ الرشوة من الشاهد المذكور وسلمه للمتهم الأول ليجرى تقسيمه حسبما اتفقوا عليه . " لما كان ذلك ، وكان المشرع فى المادة 107 مكررا من قانون العقوبات قد منح الأعفاء الوارد به الراشى باعتباره طرفاً فى الجريمة ، ولكل من يصح وصفه بأنه وسيط فيها – سواء كان يعمل من جانب الراشى وهو الغالب  - أو يعمل من جانب المرتشى وهو ما يتصور وقوعه أحيانا – دون أن يمتد الإعفاء للمرتشى ، وإذ كان الحكم قد دلل بما أورده من أدلة سائغة على أن ما ارتكبه الطاعن يوفر فى حقه جريمة الرشوة باعتباره مرتشيا – وليس وسيطا – فإن ما يثيره الطاعن من تعييب الحكم لعدم إعفائه من العقاب طبقاً للمادة 107 مكررا من قانون العقوبات لا يكون له وجه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم : - أولاً : المتهمون جميعاً : بصفتهم موظفين عموميين " الأول والثانى طبيبان بمكتب صحة أول – والثالث ... " طلبوا واخذوا لأنفسهم رشوة للإخلال بواجبات وظائفهم بأن طلبوا وأخذوا من .................. مبلغ سبعمائة جنيه على سبيل الرشوة مقابل تسليمه شهادات تسنين لسبعة فتيات تم إصدارها بالمخالفة للإجراءات القانونية المتبعة فى ذلك . ثانياً : المتهمان الأول والثانى : بصفتهما السابقة ارتكبا أثناء تأديتهما لوظيفتهما تزويراً فى محررات رسمية حال تحريرها المختص بوظيفته هى شهادات تسنين لسبعة فتيات وذلك بطريق الاصطناع ووضع بيانات مزورة بجعلهما واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة مع علمهما بتزويرها بأن اصطنعا شهادات تسنين الفتيات السبع فأثبت الأول فى الشهادات المذكورة على خلاف الحقيقة حضورهن وأنه قام بتوقيع الكشف الطبى الظاهرى عليهن وانهن بلغن السن القانونى للزواج بينما قام الثانى بختمها بخاتم شعار الجمهورية – الخاص بمكتب صحة الزاوية الحمراء – أول . ثالثاً : المتهم الثالث : اشترك بطريقى التحريض والاتفاق مع المتهم الأول والثانى فى ارتكاب تزوير فى المحررات الرسمية موضوع التهمة السابقة بأن اتفق معهما على احضار صور هؤلاء الفتيات وأوراق بياناتهن لمسكنه لتحرير الشهادات من واقعها على أن يتولى هو عقب ذلك تحرير طلبات استخراجها وحرضهما على ذلك وتحرير بيانات الشهادات واعتمادها بالتوقيع عليها وختمها بخاتم شعار الجمهورية فتمت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق . واحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بمعاقبة المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات عن تهمة التزوير وبراءة كل منهم من تهمة الرشوة . فطعن كل من المحكوم عليهما الأول والثانى والنيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض قيد بجدول محكمة النقض برقم ................... لسنة 58 ق ) ومحكمة النقض قضت بقبول طعن كل من النيابة العامة والمحكوم عليهما شكلاً ، وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى . ومحكمة الإعادة حضورياً عملاً بالمواد 40 / أولاً ، وثانياً ، 41 ، 103 ، 104 ، 211 ، 213 من قانون العقوبات مع أعمال المادة 32 من القانون نفسه بمعاقبة المتهمين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريم كل منهم ألف جنيه عما أسند إليه .

فطعن كل من المحكوم عليهما الأول والثانى والاستاذ / ................. المحامى عن الأستاذ / .................. المحامى نيابة عن المحكوم عليه الثالث فى هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية ................ وإلخ .

 

المحكمة

أولاً : الطعن المقدم من المحكوم عليه ..................

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتى طلب رشوة للإخلال بواجبات وظيفته والتزوير فى محررات رسمية ، قد شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال وإخلال بحق الدفاع وتناقض وأخطأ فى الإسناد وتطبيق القانون . ذلك بأنه أطرح دفعه ببطلان أذن النيابة العامة بالتسجيل وتفتيش المسكن تأسيسا على أنه لم يعول على ثمة دليل مستمد من هذين الإجراءين فى حين أنه عول على أقوال الضابط .............. الذى قرر بوقائع شاهدها على هذا المسكن الذى تتوقف مشروعية دخوله فيه على الإذن ، كما أطرح دفعه ببطلان هذا الإذن لا بتنائه على تحريات غير جدية ولوقوع الجريمة بتدبير من الضابط سالف الذكر وتحريضه للمتهمين وخداعهم لحملهم على ارتكاب الجريمة وهو ما يخرج الفعل على نطاق التأثيم بما لا يسوغ اطراحه ، ولم يعرض لدفعه ببطلان التحقيقات وما تضمنته من اعتراف الطاعن بجريمة التزوير لأنها وليدة قبض باطل ، أو لدفاعه القائم على أن الواقعة لا تنطوى على جريمة الرشوة لعدم وجود راشى حقيقى لأن الضابط لم يكن سوى وسيط فى هذه الجريمة ، وعول الحكم على شهادة الضابط سالف الذكر التى بناها على تحصيله واستنتاجه لما سمعه وفهمه من حديث الطاعن ولم يشهد على وقائع رآها أو سمعها هو حتى تصلح كشهادة ، وبفرض صحة ما قرره فإن الواقعة تشكل الجناية المنصوص عليها فى المادة 105 من قانون العقوبات ، وقد آثار الطاعن فى دفاعه أنه ليس له اختصاص بالعمل الذى وقعت الرشوة من أجله وهو تحرير شهادات تسنين الفتيات إلا أن الحكم أثبت له هذا الاختصاص من مجرد أقواله بالتحقيقات رغم أنها ليست هى المرجع الصحيح فى تحديد الاختصاص ولم تجبه لطلبه استخراج شهادة من وزارة الصحة تؤيد دفاعه . هذا إلى أن الحكم أسند للطاعن أنه اعترف بجريمتى الرشوة والتزوير فى محررات رسمية فى حين أنه لم يعترف سوى بجريمة التزوير دون واقعة الرشوة التى نفاها . واخيراً لم يعرض الحكم لدفاعه القائم على عدم توافر أركان جريمة التزوير فى محررات رسمية لانتفاء الدليل على أن سن الفتيات اللتى تم تسنينهن يخالف ما أثبت بشهادات التسنين ، ولم تقم المحكمة باستدعائهن للتأكد من حقيقة عمر كل منهن ، وذلك كله مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة استفاها من أقوال شاهد الإثبات واعتراف المتهمين من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع المبدى من الحاضر مع الطاعن ببطلان الإذن الصادر من النيابة العامة بالتسجيل والتفتيش وأطراحه بقوله أن المحكمة لا تجد حاجة إلى الرد عليه لأنها لم تعول فى تكوين عقيدتها أو قضائها على ما ورد بالتسجيل أو على ما أسفر عنه تفتيش هذا المسكن . لما كان ذلك ، وكان لا جدوى من النعى على الحكم بالقصور فى الرد على الدفع ببطلان التسجيل والتفتيش مادام البين من الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم ومن استدلاله أن الحكم لم يستند فى الإدانة إلى دليل مستمد من التسجيل والتفتيش المدعى ببطلانهما وإنما أقام قضاءه على الدليل المستمد من أقوال شاهد الإثبات واعتراف المتهمين وهو دليل مستقل عن التسجيل والتفتيش فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد يكون غير سديد ، لما كان ذلك . وكان من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة فإن ما إنتهى إليه الحكم من أطراح التسجيل والتفتيش وعدم أخذه بالدليل المستمد منهما لا يتعارض ما أورده من أقوال الشاهد المقدم ............... التى تفيد أنه لم يدخل مسكن الطاعن الثالث .............. بناء على إذن التفتيش بصفته ضابطا وإنما كشخص عادى بصفته عميلا له وأن كافة الوقائع الخاصة بتزوير شهادات التسنين وتقاضى مبلغ الرشوة التى شهد بها مستمدة مما سمعه وشاهده بنفسه أثناء وجوده مع المتهمين فى المسكن المذكور الذى دخله بهذه الصفة المنتحلة وليست مستمدة من الإذن بالتسجيل أو التفتيش ومن ثم فقد انحسر عن الحكم قاله التناقض فى التسبيب .

لما كان ذلك ، وكان الحكم قد عرض للدفع الذى آثاره الدفاع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات واطرح هذا الدفع فى قوله " وحيث أنه عن القول بعدم جدية التحريات فمردود عليه بأن الضابط شاهد الإثبات بعد أن تلقى معلومات مفادها أن المتهمين الثانى والثالث يقومان بتحرير شهادات تسنين لفتيات قاصرات بإثبات انهن بلغن السن القانونية للزواج فقد أجرى تحرياته فى هذا الشأن وتبين له أن المتهم الثانى يعمل طبيب بمكتب صحة الزاوية الحمراء أول والثانى ملاحظ صحى بهذاالمكتب وإنهما يبحثان عن عملاء أو مواطنين يرغبون فى الحصول على شهادات تسنين مقابل مبالغ مالية يتقاضونها فأراد التأكد بنفسه من صحة ما إنتهت إليه تحرياته فانتحل صفة رجل أعمال واصطحب معه مرشده السرى وتقابل مع المتهمين المذكورين وعرض عليهما رغبته فى استخراج شهادة تسنين مزورة فوجد لديهما الإستعداد الكامل للقيام بذلك مقابل مائة جنيه عن كل شهادة بما يقطع أن الضابط قد جد فى تحريه ولا ينال من ذلك عدم إمكانية إستعمال هذه الشهادات المزورة فى تزويج المصريات بأجانب لاستقلال جريمة التزوير عن جريمة استعمال المحرر المزور " .

لما كان ذلك ، وكان القانون لا يوجب حتما أن يتولى رجل الضبط القضائى بنفسه التحريات والأبحاث التى يؤسس عليها الطلب بالإذن له بتفتيش الشخص أو أن يكون على معرفة شخصية سابقة به بل له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو أبحاث أو ما يتخذه من وسائل التنقيب بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم مادام أنه قد اقتنع شخصيا بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه عنهم من معلومات ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش وهو من المسائل الموضوعية التى يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت اشراف محكمة الموضوع فإذا كانت هذه الأخيرة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التى بنى عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره فلا معقب عليها فى ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ، وإذ كانت المحكمة قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التى سبقته بأدلة منتجة لها أصلها الثابت فى الأوراق فإنه لا يجوز المجادلة فى ذلك أمام محكمة النقض . هذا فضلاً عن أنه لا يجدى الطاعن ما يثيره بشأن قصور الحكم فى الرد على الدفع ببطلان إذن التسجيل والتفتيش لعدم جدية التحريات أو لضبط جريمة مستقبله مادام الحكم لم يعول على دليل مستمد منهما – على النحو المار ذكره – لما كان ذلك ، وكان الحكم قد اطرح دفاع الطاعن بأن جريمتى الرشوة والتزوير فى محررات رسمية كانتا وليدة إجراءات غير مشروعة وبتدبير من الضابط وتحريضه فى قوله : " وحيث أن بخصوص ما اثاره الدفاع من أن الجريمة تحريضية من اختلاف الضابط فهو فى غير محله لأن المتهمين الثانى والثالث هما اللذان طلبا مبلغ مائة جنيه عن كل شهادة تسنين كما أن المتهم الأول عندما قام بتحرير الشهادات طلب من الضابط وبمحض ارادته واختياره ابراز مبلغ الرشوة بعد أن اتفق مع زميليه على تقسيمه فيما بينهم بأن يأخذ المتهم الثالث مبلغ مائة جنيه ويقتسم مع زميله المبلغ الباقى مناصفة فيما بينهم ولا يؤثر فى قيام جريمة الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة لتدبير لضبطها أو أن الضابط لم يكن جادا فى الواقع فيما عرضه على المتهمين طالما أن عرض مبلغ الرشوة حسبما ثبت من الأوراق كان جديا فى ظاهرة وقد قبله المتهمون مقابل تحرير شهادات تسنين مزورة بدون توقيع الكشف الطبى عن الفتيات للتأكد من حقيقة اعمارهن وبدون تقديم طلبات للحصول على هذه الشهادات من أولياء أمورهن بما يشكل إخلالا بواجبات وظيفتهم " . وهو رد سائغ من الحكم يصادف القانون ذلك أنه من المقرر أنه لا يؤثر فى قيام جريمة الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة تدبير لضبطها وألا يكون المرتشى جادا فى قبوله الرشوة متى كان عرضها جدياً فى ظاهرة وكان الغرض منها العبث بمقتضيات الوظيفة لمصلحة الراشى ومن ثم يكون ما يدعيه الطاعن على خلاف ذلك غير قائم على أساس يحمله قانونا . لما كان ذلك ، وكان مفاد ما أورده الحكم أن دخول الضابط .................... كشخص عادى ، ومعه المرشد السرى فى مسكن الطاعن الثالث .................... يوم الضبط تنفيذاً لاتفاق سابق بينهما قد حصل بناء على إذن منه بالدخول غير مشوب بما يبطله إذ لم يعقبه قبض ولا تفتيش ، وإنما وقع القبض على الطاعنين وضبط الشهادات المزورة ومبلغ الرشوة – بعد ما كانت جنايتى تزوير هذه الشهادات وتقاضى مبلغ الرشوة متلبسا بهما بتمام الاتفاق الذى تظاهر فيه الضابط بحاجته إلى شهادات تسنين سبع فتيات قاصرات بقيام الطاعن بمحض إرادته بتحرير بيانات تلك الشهادات وتوقيعها وقيام الطاعن الثانى بيضمها بخاتم مكتب الصحة وسلمها الطاعن للضابط وطلب منه مبلغ الرشوة المتفق عليه فقدمه للطاعن الثالث الذى قام بالتأكد من قدره وسلمه للطاعن الأول ، فإن ما تم من قبض وتفتيش يكون إجراء صحيحاً غير مشوب بما يبطله إذ أن جنايتى الرشوة والتزوير فى محرر رسمى تكونا فى حالة تلبس تبرر القبض على الطاعن وتفتيشه دون إذن من النيابة العامة ، ومن ثم فلا جدوى مما يثيره حول بطلان القبض وما تلاه من إجراءات لبطلان إذن النيابة العامة بالتسجيل والتفتيش ، ومن ثم فإن دفع الطاعن ببطلان التحقيقات لأنها وليدة قبض وضبط باطلين لا يعدو أن يكون دفاعا ظاهر البطلان وبعيد عن محجة الصواب ولا يعيب الحكم المطعون فيه التفاته عنه الأمر الذى يكون النعى عليه فى هذا الخصوص غير سديد . لما كان ذلك وكان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أى دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق ، كانت الشهادة فى الاصل هى تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه ، وكان مدلول شهادة الضابط ............ كما أوردها الحكم المطعون فيه لا يستفاد منها أنها جاءت حصيلة إستنتاج بأن الطاعن يعلم بواقعة الاتفاق على تزوير شهادات التسنين مقابل مبلغ الرشوة بل حصلها هو بنفسه لما سمعه ورآه من حديث دار بين المتهمين فى حضوره بمسكن الطاعن الثالث – الذى دخله بطريق مشروع على النحو المار ذكره – حول تقسيم مبلغ الرشوة بينهم وقيام الطاعن بتحرير شهادات التسنين المضبوطة بخط يده بناء على البيانات التى قدمها له الطاعن الثالث ثم قام الطاعن الثانى ببصمها بخاتم شعار الجمهورية الخاص بمكتب صحة الزاوية الحمراء أول ثم طلب الطاعن لمبلغ الرشوة منه فسلمه للطاعن الثالث الذى قام بعده وسلمه للطاعن الذى سلم الضابط المذكور الشهادات المزورة – وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التى يؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه وهى متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها كما هو الحال فى الدعوى المطروحة ومن ثم فإن منازعة الطاعن فى القوة التدليلية لشهادة الشاهد على النحو الذى أثاره فى أسباب طعنه لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً فى تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ، ويضحى النعى على الحكم فى هذا الصدد فى غير محله ، لما كان ذلك ، وكان النعى بأن الواقعة تشكل الجناية المنصوص عليها فى المادة 105 من قانون العقوبات لأن الطاعن لم يطلب العطية قبل أداء العمل أو أنها مجرد اشتراك فى عمل لا يشكل جريمة لأن الضابط قام بعرض الوساطة فى رشوة – وهى الجريمة المنصوص عليها فى المادة 109 مكررا من القانون المذكور – إلا أنها لا تنطوى على تلك الجريمة لعدم وجود راشى حقيقى ، وليست الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من القانون سالف الذكر ، لا يعدو أن يكون منازعة فى الصور التى اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً فى سلطة محكمة الموضوع فى إستخلاص صورة الواقعة كما أرتسمت فى وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب . لما كان ذلك ، وكان نص الشارع فى المادة 104 من قانون العقوبات التى عددت صورة الرشوة على الإخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة إلى الموظف ومن فى حكمه بامتناعه عن عمل من أعمال الوظيفة وقد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقا من الذى ابداه الحاضر مع المتهم الأول وهو التصريح له باستخراج شهادة من وزارة الصحة بأن مكاتب الصحة ليست مختصة بإصدار شهادات تسنين هو طلب فى غير محله ولا يقصد به غير تعطيل الفصل فى الدعوى وعرقلة سيرها " . وكان ما أورده الحكم فى هذا الخصوص يتحقق به قدر من الاختصاص يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة كما استظهر الحكم المطعون فيه إخلال الطاعن بواجبات الوظيفة أخذا باعترافه وما شهد به شاهد الواقعة ودان الطاعن على هذا الاعتبار فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقا صحيحا ويستقيم به الرد على دفاع الطاعن . لما كان ذلك ، وكان من المقرر انه وإن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة ، وإذ كان ما أورده الحكم – فيما تقدم – كافيا وسائغاً ويستقيم به اطراح طلب الطاعن التصريح باستخراج شهادة من وزارة الصحة تفيد عدم اختصاص مكاتب الصحة باستخراج شهادات التسنين التى جاء بأسباب الطعن أن المحكمة لم تستجب له دون أن يوصم حكمها بالقصور أو الإخلال بحق الدفاع . هذا فضلاً عن أنه لا يجدى الطاعن ما يثيره بشأن عدم إختصاص مكاتب الصحة باستخراج شهادات تسنين للفتيات ساقطات القيد – بفرض صحة ذلك – لما هو مقرر بحسب المستفاد من نص المادتين 103 ، 103 مكرر من قانون العقوبات أن جريمة الرشوة تتحقق من جانب الموظف ومن فى حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ وعدا أو عطيه لأداء عمل من أعمال الوظيفة ولو كان حقا . كما تتحقق أيضا فى شأنه ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذبا بصرف النظر عن اعتقاد الراشى فيما زعم الموظف أو اعتقد إذ هو حينئذ يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء . ولما كان قيام الموظف فعلا بالعمل الذى اقتضى الرشوة من أجله يتضمن بالضرورة حصول الاعتقاد لديه .