جلسة 15 من يوليه سنة 1990
برئاسة السيد الأستاذ المستشار نبيل أحمد سعيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة : محمد محمود الدكرورى ومحمد عزت السيد إبراهيم والسيد محمد السيد الطحان ويحيى أحمد عبد المجيد المستشارين .
الطعن رقم 673 لسنة 34 القضائية :
( أ ) مسئولية إدارية – ركن الخطأ ( تعويض ) .
الخطأ هو واقعة مجردة قائمة بذاتها متى تحققت أوجبت مسئولية مرتكبها عن تعويض الضرر الناشئ عنها وذلك بغض النظر عن الباعث على الوقوع فى هذا الخطأ – لا يتبدل الخطأ بحسب فهم مرتكبه للقاعدة القانونية وإدراكه فحواها – الخطأ فى فهم الواقع أوالقانون ليس عذراً مانعاً من المسئولية الإدارية إذا ما استقامت عناصرها قانوناً – تطبيق .
( ب ) مسئولية إدارية – عنصر الضرر – الضرر الأدبى ( تعويض ) .
التقاضى وإن كان حقاً للكافة إلا أنه يمثل عبئاً مادياً على المتقاضى لا ينحصر فقط فيما يؤديه من رسوم قضائية وإنما يمتد إلى كل ما يتكبده المتقاضى من جهد ونفقات فى سبيل حرصه على متابعة دعواه حتى يظفر ببغيته وينال حقه عن طريق القضاء – موقف الجهة الإدارية وما دأبت عليه من تكرار تخطيها للطاعن وحجب الترقية عنه ثلاث مرات متتاليات عند إجرائها لدرجة مدير عام ثم عند الترقية لدرجة وكيل وزارة ثم عند الترقى لدرجة وكيل أول والدفع به فى كل مرة للقضاء كى ينال حقه فى الترقية عن طريقه برغم رسوخ أقدميته لديها عمن قامت بترقيتهم وانتفاء ما يهون من كفاءته وكفايته وإبقائه فى الوظيفة الأدنى فى مجال عمله بما يجعله مبعثاً لتساؤلات من قبل مرؤسيه مع اختلاق أسباب لا وجود لها يرجع إليها أمر تخطيه فى مثل تلك الدرجات العليا الرئاسية الأمر الذى ينجم عنه ولا شك إيلاما ومعاناة نفسية بالقدر الذى يصعب تحديد مداه ويتعذر معه القول بمحو كافة آثاره أو انتزاعها منه بصدور إجراء لاحق يتمثل فى الترقية على نحو متأخر بحكم واجب النفاذ من القضاء بعد طول أمد – تطبيق .
إجراءات الطعن
فى يوم الثلاثاء الموافق 2 من فبراير سنة 1988 أودع الأستاذ .......... المحامى بصفته وكيلاً عن .......... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 673 لسنة 34 القضائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بجلسة 6/12/1987 فى الدعوى رقم 2015 لسنة 40 القضائية المرفوعة من الطاعن ضد رئيس مجلس الوزراء ووزير القوى العاملة بصفتيهما والقاضى برفض الدعوى وإلزام المدعى بالمصروفات .
وطلب الطاعن للاسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلزام المطعون ضدهما بأن يدفعا له تعويضاً قدره خمسة عشر ألفاً من الجنيهات والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة .
وأعدت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسببأ بالرأى القانونى ارتآت فى ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام جهة الإدارة بأن تؤدى للطاعن مبلغ ثلاثة آلاف جنيه تعويضاً له عن الاضرار الناجمة عن قرارات تخطيه فى الترقيات المشار إليها فى صحيفة دعواه مع إلزامها المصروفات .
وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة فقررت بجلسة 25/12/1989 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا – الدائرة الثانية – التى نظرته بجلسة 21/1/1990 وبالجلسات التالية على النحو الثابت بالمحاضر وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوى الشأن قررت حجز الطعن لإصدار الحكم فيه بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به .
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة .
ومن حيث إن الطعن الماثل قد استوفى أوضاعه الشكلية .
ومن حيث إن عناصر المنازعة الراهنة تتحصل حسبما يبين من الأوراق فى أنه بتاريخ 6/2/1986 اقام الطاعن ( ........... ) أمام محكمة القضاء الإدارى دعواه المطعون فى حكمها رقم 2015 لسنة 40 ق ضد رئيس مجلس الوزراء ووزير القوى العاملة بصفتيهما ابتغاء الحكم بإلزامهما بأن يدفعا له تعويضاً قدره خمسة عشر ألفاً من الجنيهات والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة على سند من القول إنه بتاريخ 4/3/1976 أصدر رئيس مجلس الوزراء قراره رقم 268 لسنة 1976 يتعيين بعض العاملين بوزارة القوى العاملة والتدريب – دونه – فى وظيفة مدير عام ذات الربط المالى 1200 / 1800 جنيه وتم تخطيه بمن يلونه فى الأقدمية فأقام الدعوى رقم 1876 لسنة 30 ق أمام محكمة القضاء الإدارى مطالباً بإلغاء ذلك القرار فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية لتلك الوظيفة وصدر حكم المحكمة بجلسة 22/6/1978 قاضيا بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية لوظيفة مدير عام ذات الربط المالى 1200 / 1800 جنيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات وطعنت الوزارة على ذلك الحكم بالطعن رقم 762 لسنة 24 ق إلا أن المحكمة الإدارية العليا قضت بجلسة 26/5/1980 بإجماع الآراء برفض ذلك الطعن وبإلزام الجهة الإدارية المصروفات .
وبتاريخ 19/5/1979 أصدر رئيس مجلس الوزراء قراره رقم 450 لسنة 1979 بتعيين بعض العاملين بالوزارة فى وظائف وكلاء وزارة دونه وتم تخطيه فى الترقية إلى درجة وكيل وزارة رغم سبق أقدميته على غيره ممن تمت ترقيتهم الأمر الذى أقام معه الدعوى رقم 1921 لسنة 33 ق أمام محكمة القضاء الإدارى مطالباً بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطيه فى تلك الترقية وحكمت المحكمة بجلستها المنعقدة بتاريخ 30/4/1981 بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية إلى درجة وكيل وزارة القوى العاملة مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزمت الجهة الإدارية المصروفات ، وطعنت الوزارة على ذلك الحكم بالطعن رقم 1899 لسنة 27 ق وقضت المحكمة الإدارية العليا بجلسة 29/12/1985 بإجماع الآراء برفض الطعن وبإلزام الجهة الإدارية المصروفات .
وبتاريخ 7/4/1982 أصدر رئيس مجلس الوزراء قراره رقم 315 لسنة 1982 بتعيين وكيل أول لوزارة القوى العاملة دونه رغم سبق أقدميته على من تمت ترقيته لهذه الوظيفة فاضطر لإقامة دعواه رقم 3876 لسنة 36 ق أمام محكمة القضاء الإدارى مطالباً بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية لوظيفة وكيل أول وزارة القوى العاملة ، وأصدرت المحكمة حكمها فى الدعوى بجلسة 16/2/1984 قاضياً بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطى المدعى فى الترقية للوظيفة المعادلة لوكيل أول وزارة اعتباراً من 7/4/1982 مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية وبإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ، وطعنت الوزارة على ذلك الحكم بالطعن رقم 1526 لسنة 30 ق وفيه حكمت المحكمة الإدارية العليا مؤخراً فى 11/5/1987 بإجماع الآراء برفض الطعن وبإلزام الجهة الإدارية المصروفات .
وأضاف المدعى – الطاعن – أنه قاسى طيلة المدة التى استغرقتها مراحل التقاضى من عام 1976 حتى عام 1983 من المعاناة النفسية والصحية إزاء شعوره بالمهانة وسط اقرانه فضلاً عما اعتراه من أمراض عدة اضطرته لإنفاقه الأموال الطائلة فى سبيل علاجها بالإضافة إلى ما تكبده من رسوم ونفقات فى سبيل الحصول على حقوقه مما قلب حياته رأساً على عقب وجعله ليل نهار يعانى من الظلم والعسف دون مبرر وهو أمر لا يمكن تعويضه بالمال لكنه اكتفى بتقدير مبلغ خمسة عشر ألفاً من الجنيهات كتعويض له عن تخطيه فى المرات الثلاث وبجلسة 6/12/1987 أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها المطعون فيه قاضياً برفض الدعوى وبإلزام المدعى المصروفات وشيدت المحكمة قضاءها على أن مقتضى إلغاء القرارات الإدارية الصادرة بتخطى المدعى من شأنها ترقيته فى التاريخ الذى كان يستحق فيه الترقية مع أقرانه وصرف الفروق المالية المترتبة على ذلك بما من شأنه جبر كافة الأضرار وليس جبرها فقط ، أما بالنسبة للأضرار الأدبية فإن إلغاء قرارات تخطى المدعى فى الترقية والحكم بترقيته لهو خير تعويض له عما لحقه من أضرار أدبية من جراء هذا التخطى ومن ثم تكون كافة الاضرار التى لحقت بالمدعى من جراء تخطيه فى الترقية قد أزيلت أو جبرت على الوجه السالف بيانه بحيث تصبح الدعوى بطلب التعويض بعد كل ذلك على غير سند من الواقع أو القانون خليقة بالرفض .
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله لأن عناصر المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما وفقا لنص المادة 163 من القانون المدنى تكاملت فى شأن النزاع القائم بما يوجب تعويض الطاعن عما لحقه من أضرار مادية وأدبية فقد أخطأت الإدارة وأصرت على الخطأ بتعديها للطاعن وتخطيها له ثلاث مرات فى الترقية لدرجة مدير عام ولدرجة وكيل وزارة ولدرجة وكيل أول وزارة وألغيت قراراتها بأحكام القضاء التى تأيدت بأحكام المحكمة الإدارية العليا وقد لحقت بالمدعى أضرار مادية تمثلت فيما أنفقه من مصروفات قضائية ونثرية وانتقالات طيلة سنوات عشر بالإضافة إلى مقابل أتعاب المحاماة فى كل دعوى حتى ظفر بحكمها ، وأضرار أدبية تمثلت فى حرمانه من التمتع بالوظيفة الأعلى وما كابده من قلق مستمر امتد من تاريخ تخطيه فى كل ترقية حتى تاريخ صدور الحكم بشأنها وما لحقه من أمراض متنوعة قدم دليلاً عليها من أوراق وتذاكر طبية عديدة فضلاً عن أن المحكمة اعتبرت الفروق المالية التى قضى له بها من قبيل التعويض له بينما هى حق مكتسب كان لابد من تقاضيه إياها أو تمت ترقيته فى ميعادها دون اللجوء للقضاء وبذلك لا تعد تعويضاً له عن الضرر .
ومن حيث إن مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية الصادرة منها هو وجود خطأ من جانبها بأن يكون القرار الأدارى غير مشروع ، ويلحق صاحب الشأن ضرر ، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر .
ومن حيث إن الخطأ هو واقعة مجردة قائمة بذاتها ، متى تحققت أوجبت مسئولية مرتكبها عن تعويض الضرر الناشئ عنها وذلك بغض النظر عن الباعث على الوقوع فى هذا الخطأ ، إذ لا يتبدل الخطأ بحسب فهم مرتكبه للقاعدة القانونية وإداركه فحواها لأن الخطأ فى فهم الواقع أو القانون ليس عذراً مانعاً من المسئولية الإدارية إذا ما استقامت عناصرها قانوناً .
ومن حيث إنه وقد ثبت الخطأ فى جانب جهة الإدارة بإصدارها القرارات الثلاثة التى تضمنت تخطى الطاعن فى الترقية لدرجة مدير عام سنة 1976 ولدرجة وكيل وزارة سنة 1979 ولدرجة وكيل أول وزارة سنة 1982 وإذ قضى بإلغاء تلك القرارات فيما تضمنته من تخطى المدعى فيها وتأيد ذلك القضاء بأحكام المحكمة الإدارية العليا فى الطعون أرقام 762 لسنة 24 ق بجلسة 26/5/1980 و 1899 لسنة 27 ق بجلسة 29/12/1985 و 1526 لسنة 30 ق وبجلسة 11/5/1987 فمن ثم يحق للطاعن أن يطالب بالتعويض عن الأضرار التى تكون قد حاقت به من جراء هذه القرارات الثلاثة ، إذا ما استوى هذا الطلب على صحيح أركانه قانوناً .
ومن حيث إن التقاضى وإن كان حقاً للكافة إلا أنه يمثل عبئاً مادياً على المتقاضى لا ينحصر فقط فيما يؤديه من رسوم قضائية وإنما يمتد إلى كل ما يتكبده التقاضى من جهد ونفقات فى سبيل حرصه على متابعة دعواه حتى يظفر ببغيته وينال حقه عن طريق القضاء ولا مريه فى أن موقف الجهة الإدارية وما دابت عليه من تكرار تخطيها للطاعن وحجب الترقية عنه ثلاث مرأت متتاليات عند إجرائها لدرجة مدير عام ثم عند الترقية لدرجة وكيل وزارة ثم عند الترقى لدرجة وكيل أول وزارة والدفع به فى كل مرة للقضاء كى ينال حقه فى الترقية عن طريقه برغم رسوخ أقدميته لديها عمن قامت بترقيتهم وانتفاء ما يهون من كفاءته وكفايته وإبقائه فى الوظيفة الأدنى فى مجال عمله بما يجعله مبعثاً لتساؤلات من قبل مرؤوسيه مع اختلاق لأسباب لا وجود لها يرجع إليها أمر تخطيه فى مثل تلك الدرجات العليا الرئاسية الأمر الذى ينجم عنه ولا شك إيلامه ومعاناته نفسياً بالقدر الذى يصعب تحديد مداه ويتعذر معه القول بمحو كافة آثاره أو انتزاعها منه حين صدور إجراء لاحق بتمثل فى الترقية على نحو متأخر بحكم واجب النفاذ من القضاء بعد طول أمد.
ومن حيث إنه من عنصر السببية بين خطأ الجهة الإدارية والضرر الذى لحق الطاعن فقد نهض قائما فى المنازعة المطروحة وذلك باعتبار أن ما حاق بالطاعن من أضرار كان من جراء قرارات التخطى المقضى بإلغائها وما كان الطاعن فى حاجة لإقامة الدعاوى الثلاث التى قضى فيها لصالحه بأحقيته فى الترقية لو كانت جهة الإدارة قد التزمت صحيح حكم القانون ورأعت سبق الطاعن فى الأقدمية على أقرانه وكفايته وإياهم وقامت بترقيته عند حلول الأجل ولم تلجئه لمقاضاتها كل مرة ، الأمر الذى يحدو المحكمة لأن تقدر مبلغ التعويض الجابر للضرر بخمسة آلاف جنيه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه لم يلتزم هذا النظر حين قضى برفض الدعوى ومن ثم حق القضاء بإلغائه والحكم بأحقية الطاعن لمبلغ التعويض سالف الذكر .
ومن حيث إن جهة الإدارة قد أصابها الخسر وبالتالى وجب إلزامها المصروفات عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلاً وإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها أن تؤدى للمدعى مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض وإلزامها المصروفات .