الطعن رقم 4878 لسنة 55 ق تاريخ الجلسة 27 / 3 / 2010

                                                           

 

1- السيد الأستاذ المستشار/ محمد أحمد الحسيني رئيس مجلس الدولة

والسادة الأساتذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:

2- مجدي حسين محمد العجاتي

3- د. سامي حامد إبراهيم عبده

4- أحمد محمد صالح الشاذلي      

5- عادل سيد عبد الرحيم بريك

6- صلاح الدين عبد اللطيف الجرواني 

7- مجدي محمود بدوي العجرودي

 

 مبدأ رقم  (1)

 

حقوق وحريات - حرية التنقل.

 

 

حقوق وحريات - حرية التنقل - تنخرط هذه الحرية في مصاف الحريات العامة المصونة بالدستور، وتتصل بمفهوم الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها دون سند من الدستور أو القانون - الأصل هو حرية التنقل والاستثناء هو المنع منه أو تقييده، وهذا المنع لا يملكه بحسب الأصل إلا قاض بموجب حكم، أو عضو بالنيابة العامة يعهد إليه القانون بذلك، شريطة توافر حالة من الحالات التي تقتضيها صيانة أمن المجتمع وحماية أفراده - مرور مواد الإغاثة والمساعدات من دولة إلى أخرى سواء من خلال أراضيها أو عبر حدودها، يتعين ألا يكون مخالفا لأحكام القانون الدولي بهتك سيادة الدولة على إقليمها وحدودها، أو خرقا للإجراءات والنظم التي استنتها لذلك - لا يسوغ للمواطنين المصريين المطالبة بإيصال قوافل إغاثة إلى شعب آخر بأنفسهم مباشرة دون إتباع الإجراءات المرسومة والقواعد الموضوعة لعبور الأفراد والمساعدات والمعونات.

 

 

الإجراءات

 

في يوم السبت الموافق 3/1/2009 أودعت هيئة قضايا الدولة النائبة قانوناً عن الطاعنين بصفاتهم قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد بجدولها العام تحت رقم 4878 لسنة 55 ق. عليا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 11/11/2008 في الدعوى رقم 61218 لسنة 62 ق، القاضي بـ: (أولا) رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وباختصاصها، و(ثانياً) قبول طلبات تدخل الخصوم المنضمين إلى جانب المدعين، و(ثالثاً) قبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من منع المدعين من التنقل داخل الوطن حتى رفح المصرية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها تسليم ما يحملونه من معونات إنسانية غير محظورة لأهل غزة المحاصرين، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته وبدون إعلان، وألزمت جهة الإدارة مصروفات هذا الطلب، وبإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء.

والتمس الطاعنون بصفاتهم - لما ورد بتقرير الطعن من أسباب - بعد اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون لتأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبإحالة الطعن إلى دائرة الموضوع بالمحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بـ:

(أصليا): بعدم اختصاص المحكمة والقضاء عموماً ولائياً بنظر الدعوى.

و(احتياطياً): بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري.

و(من باب الاحتياط): عدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة.

و(من باب الاحتياط الكلي): رفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المطعون ضدهم المصروفات عن درجتي التقاضي في أي من الحالات السابقة.

وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم على النحو المبين بالأوراق.

وتحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 5/1/2009 حيث قررت الدائرة إصدار الحكم في الشق العاجل من الطعن بجلسة 2/2/2009، وصدر برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه فيما انطوى عليه من قيام المطعون ضدهم بنقل المساعدات الإنسانية داخل الوطن حتى رفح المصرية، ووقف تنفيذ الحكم الطعين فيما تضمنه من قيامهم بتسليم هذه المساعدات داخل قطاع غزة بمعرفتهم دون سلوك القنوات الشرعية على النحو المبين بالأسباب، وأمرت بإحالة الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني فيه، وحددت لذلك جلسة 2/3/2009.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني، طلبت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبتعديل الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من منع المطعون ضدهم من تسليم المعونات الإنسانية لأهل غزة المحاصرين على الحدود المصرية الفلسطينية، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، مع إلزام الجهة الإدارية والمطعون ضدهم المصروفات. وبجلسة 5/7/2009 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى موضوع) لنظره بجلسة 10/10/2009 حيث نظر بهذه الجلسة وتدوول أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، حيث قدم الحاضر عن المطعون ضدهم بجلسة 16/1/2010 مذكرة بدفاعهم، التمس في ختامها الحكم بعدم قبول الطعن، والقضاء مجدداً بالاستمرار في تنفيذ الحكم المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. كما قدم الحاضر عن هيئة قضايا الدولة بجلسة 6/2/2010 مذكرة بدفاع الطاعنين بصفاتهم التمس في ختامها الحكم بالطلبات الواردة بتقرير الطعن، وبالجلسة المشار إليها قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 13/3/2010 وبها قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم في الطعن لجلسة اليوم لإتمام المداولة، حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.

 

الحيثيات

 

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، والمداولة قانوناً.

ومن حيث إنه عن شكل الطعن فإن المحكمة سبق أن فصلت في الشق العاجل منه بما مفاده قبوله شكلاً، فمن ثم لا يجوز معاودة بحثه.

ومن حيث إن واقعات الطعن تخلص - حسبما وسعته الأوراق - في أن المطعون ضدهم أقاموا دعواهم محل الطعن الماثل بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقاهرة التمسوا في ختامها الحكم بقبولها شكلاً، وبصفة مستعجلة وقف تنفيذ القرار المطعون فيه بعدم السماح للمطعون ضدهم (المدعين) بتسليم قافلة الإغاثة المصرية (قافلة كسر الحصار على غزة) بما تحويه من مواد الإغاثة الإنسانية لشعب غزة المحاصر، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها السماح لقوافل الإغاثة الإنسانية ومرافقيهم بتسليم مواد الإغاثة لشعب غزة على الحدود المصرية الفلسطينية (معبر رفح)، وإلزام الإدارة مصروفات هذا الطلب، وتنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان، وفي الموضوع: إلغاء القرار الطعين مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الإدارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن شقي الدعوى.

وبسط المطعون ضدهم شرح دعواهم بأنه انطلاقاً من دور مصر القومي تجاه الأمة العربية عامة وفلسطين السليبة خاصة، وفي ظروف الحصار المضروب على غزة من المحتل الإسرائيلي حتم الأمر ضرورة الوقوف إلى جانبها في محنتها الطاحنة حيث حاجة شعبها إلى الغذاء والدواء من أجل إنقاذ الأطفال من الجوع والمرضى من الموت؛ لذلك فقد سارعت فئات من الشعب المصري إلى التبرع بما وسعته الاستطاعة من أدوية وأغذية وملابس تمد بها أهلها في غزة المحاصرة إسرائيليا وعربياً، وكونت قافلتي إغاثة تحركتا في اتجاه عبور الحدود المصرية الفلسطينية يوم الأربعاء الموافق 10/9/2008 في ذكرى العاشر من رمضان في إشارة معنوية إلى نصر أكتوبر المجيد للشد من أزر الشعب الفلسطيني، بيد أن السلطات المصرية منعت المطعون ضدهم المصاحبين لقوافل الإغاثة لدى وصولهم إلى مشارف مدينة الإسماعيلية من متابعة طريقهم دون سبب مقبول أو مبرر معقول، الأمر الذي حدا بالمطعون ضدهم إلى إقامة دعواهم محل الطعن، ناعين على القرار الطعين مخالفته للدستور الذي يسمح للمواطن بحرية الانتقال، كذلك مخالفته للقانون لكونه مشوباً بالانحراف في استعمال السلطة، ومخالفته للشريعة الإسلامية بحسبانه يمثل مخالفة للأمر الإلهي الذي خاطب المؤمنين بأنهم أخوة، فضلاً عن انتهاك القرار الطعين للمواثيق والقوانين الدولية؛ إذ أن الحصار المطبق على غزة لم يميز بين طفل ومريض وعجوز ومعوز، مما جعل منها وبحسب المنظمات الحقوقية في حال هي الأسوأ منذ نكبة 1967، ويمثل جريمة إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وفقاً لما ورد النص عليه من أحكام بنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

ولما كان طلب وقف تنفيذ القرار الطعين قد توافر له ركن الجدية ويترتب على تنفيذه نتائج يتعذر تداركها الأمر الذي يسوغ للمطعون ضدهم طلب وقف تنفيذه بصفة عاجلة وفي الموضوع بإلغائه.

وقد تدوولت الدعوى لدى المحكمة المذكورة على النحو الثابت بالأوراق ومحاضر الجلسات، حيث أودع المطعون ضدهم مذكرات بدفاعهم.

وبجلسة 11/11/2008 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها الطعين، وأقامت قضاءها على أنه عن دفع جهة الإدارة بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى باعتبار أن موضوعها يتعلق بعمل من أعمال السيادة فإن مؤدى حكم المادة (11) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 - في ضوء ما استقر عليه الفقه والقضاء - أن أعمال السيادة هي تلك التي تصدر عن الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة، فهي تارة تكون أعمالاً منظمة لعلاقة الحكومة بمجلسي الشعب والشورى، أو منظمة للعلاقات السياسية بالدول الأجنبية، وهي طوراً تكون تدابير تتخذ للدفاع عن الأمن العام من اضطراب داخلي أو لتأمين سلامة الدولة من عدو خارجي. وأعمال السيادة بهذا المفهوم والتي تتصل اتصالاً وثيقاً بنظام الدولة وسيادتها في الداخل والخارج لا تمتد إليها رقابة القضاء، أما غير ذلك من القرارات الإدارية أو الأعمال التي تمارسها الحكومة بوصفها سلطة إدارية فإنها تخضع لرقابة القضاء الإداري طبقاً لأحكام الدستور والقانون، باعتباره صاحب الولاية العامة والقاضي الطبيعي المختص بنظر الطعون في القرارات الإدارية النهائية سلبية كانت أو إيجابية، وللقضاء حال ذلك سلطة تقرير الوصف القانوني للعمل المطروح عليه، وما إذا كان يعد عملاً إدارياً يختص بنظره ويبسط عليه رقابته، أم عملاً من أعمال السيادة يمتنع عليه النظر فيه وتنحسر رقابته عنه.

ولما كان ذلك وكان القرار المطعون فيه يتعلق بالإجراءات التي اتخذتها جهة الإدارة ومنعت بموجبها المطعون ضدهم (المدعين) من التنقل من مكان إلى آخر داخل البلاد وصولاً حتى الحدود المصرية الفلسطينية لتسليم ما حملوه من معونات غذائية وإنسانية لأهل غزة المحاصرين إنما يتعلق بحق من الحقوق التي اعتبرها الدستور حقوقاً أساسية للمواطنين، وبالتالي تختص المحكمة ببسط رقابتها عليه، ويضحى الدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى لا سند له من القانون متعيناً رفضه.

أما عن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري فهو مردود بدوره ولا يقوم على صحيح سنده من القانون؛ لما سلف بيانه من استجماع المنازعة محل الدعوى صفة المنازعة الإدارية وتعلقها بقرار إداري أفصحت عنه جهة الإدارة بما لها من سلطة في هذا الشأن بمنعها مسيرة المدعين من الوصول إلى هدفها المنشود ومرادها المبتغى.

وأضافت المحكمة أنه فيما يتعلق بالدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة ومصلحة فإن قضاء مجلس الدولة قد أستقر على أنه يكفي لقبول دعوى الإلغاء أن يكون رافعها في حالة قانونية خاصة من شأنها أن تجعل القرار المطعون فيه مؤثراً تأثيراً مباشراً في مصلحة شخصية له، فضلاً عن تحقق صفته في اختصام القرار الإداري. ولما كان الثابت أن المطعون ضدهم كانوا مشاركين في المسيرتين اللتين منعتهما جهة الإدارة بقرارها المطعون فيه وحرمتهم بذلك كمواطنين من حقهم في التنقل داخل إقليم الدولة، وهو الحق الذي كفله لهم الدستور والقانون، ومن ثم تكون لهم مصلحة جدية تبرر لجوءهم إلى القضاء ومنازعة مسلك جهة الإدارة بغية القضاء لهم بالطلبات التي أبدوها انتصاراً لمبدأ المشروعية وسيادة القانون، ومن ثم يتعين رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة والمصلحة.

وفيما يتعلق بطلبات التدخل فقد أجاز المشرع بموجب نص المادة (126) من قانون المرافعات لكل ذي مصلحة أن يتدخل منضماً لأحد الخصوم على أن يكون التدخل بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة أو بطلب يقدم شفاهة بالجلسة في حضورهم ويثبت في محضرها، وإذ كان الثابت بالأوراق أن طالبي التدخل هم من مواطني مصر وشاركوا في المسيرتين اللتين منعتهما جهة الإدارة بقرارها المطعون فيه، ومنعتهم من حقهم في التنقل داخل البلاد، ومن ثم يكون تدخلهم إلى جانب المطعون ضدهم (المدعين) في طلباتهم قائماً على سنده المبرر له وتقضي المحكمة بقبوله.

ثم أوضحت المحكمة في أسبابها أن مناط الحكم بوقف تنفيذ القرار الإداري توافر ركني الجدية والاستعجال، وذلك بأن يستند طلب الحكم بوقف التنفيذ إلى أسباب جدية تبرره، وأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، ولما كان المستفاد من نصي المادتين (41) و(50) من الدستور أنه قد أعلى من شأن الحرية الشخصية واعتبرها حقاً مقرراً للفرد في سكونه وحركاته، فللفرد أن يستقر في مكان أو يتحرك متنقلاً من مكان إلى آخر قريباً أو بعيداً داخل الدولة أو حتى عبر حدودها، وهو ما يقوم به حقه في حرمة مسكنه أو حقه في التنقل، بما لا يجوز مصادرته بغير علة أو مناهضته دون مسوغ أو تقييده بلا مقتض، وإذ تستوي مصر على قمة العالمين الإسلامي والعربي فقد أستقر في ضمير شعبها بما قدمه من تضحيات للقضية الفلسطينية التزام بمساعدة الشعب العربي الفلسطيني حتى يتجاوز محنته ويعود حراً مستقلاُ.

وإذ كان البين من ظاهر الأوراق أن المطعون ضدهم (المدعين والمنضمين إليهم) وهم من فئات مختلفة من هذا الشعب قد ساءهم الصمت الدولي إزاء الحصار الإسرائيلي الظالم لقطاع غزة، فكان أن جمعوا القليل من التبرعات الغذائية والدولية وأرادوا التوجه بها حتى رفح المصرية لتسليمها إلى الأهل المحاصرين في غزة إلا أن الجهات الأمنية قد منعتهم من مواصلة مسيرتهم داخل الوطن حتى الحدود دون سند قانوني، في مخالفة صريحة لأحكام الدستور، وإساءة لاستعمال السلطة، وتعارض مع مواقف مصر السياسية المعلنة التي تأبى أن يجوع الشعب الفلسطيني، ومن ثم يكون طلب المطعون ضدهم (المدعين) وقف تنفيذ القرار المطعون قائماً على سند جدي يبرره، كما يتوافر له ركن الاستعجال لما يترتب على تصرف جهة الإدارة مع المذكورين من أضرار تنال من حرياتهم العامة وحقهم في التعبير عن آرائهم ومواقفهم من رفضهم الظلم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وعليه خلصت المحكمة إلى قضائها الطعين.

ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وذلك لعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر النزاع لتعلقه بعمل من أعمال السيادة، كما أن دعوى المطعون ضدهم غير مقبولة لانتفاء القرار الإداري ولانتفاء شرط المصلحة، فضلاً عن الخطأ في تطبيق القانون، وذلك لاستناد الحكم الطعين إلى نص المادة (41) من الدستور حال أن مناط النزاع يتعلق بتنظيم مسيرة جماعية احتجاجية يتعين معه تطبيق القواعد التي تحكم المسيرات وتستلزم موافقة جهة الإدارة وإتباع الإجراءات المحددة في المادة (4) من القانون رقم 14 لسنة 1923.

ومن حيث إنه عن الدفوع السالفة التي ساقتها الجهة الطاعنة بتقرير طعنها من عدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى محل الطعن لتعلق موضوعها بعمل من أعمال السيادة، وبعدم قبولها لانتفاء القرار الإداري وانتفاء شرط المصلحة، فإن الحكم المطعون فيه قد تعرض لها جميعها في أسبابه، فأحاط بها وردها وكفاها رداً بأسباب سائغة وصحيحة قانوناً تتخذها هذه المحكمة أسباباً لها وتحيل إليها، الأمر الذي يتعين معه رفض تلك الدفوع جملة والالتفات عنها لعدم حمل أي منها على جديد يستأهل رداً.

ومن حيث إنه عن موضوع الطعن فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن ولاية محاكم مجلس الدولة في وقف تنفيذ القرارات الإدارية مشتقة من ولايتها في الإلغاء وفرع منها، ومردها إلى الرقابة القانونية التي يسلطها القضاء الإداري على القرار الإداري على أساس وزنه بميزان القانون وزناً مناطه مبدأ المشروعية، إذ يتعين على القضاء الإداري ألا يوقف قراراً إدارياً، طبقاً للمادة (49) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، إلا إذا تبين له بحسب الظاهر من الأوراق ودون مساس بأصل الحق أن طلب وقف التنفيذ توافر له ركنان: (أولهما) ركن الجدية ويتمثل في قيام الطعن في القرار - بحسب الظاهر من الأوراق - على أسباب جدية من حيث الواقع أو القانون تحمل على ترجيح الحكم بإلغائه عند نظر الموضوع، و(ثانيهما) ركن الاستعجال بأن يكون من شأن استمرار القرار وتنفيذه نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضي بإلغائه.

ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإن المادة (41) من الدستور تنص على أن: "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقاً لأحكام القانون ...". وتنص المادة (50) على أنه: "لا يجوز أن تحظر على أي مواطن الإقامة في جهة معينة، ولا أن يلزم بالإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة في القانون".

كما تنص المادة (51) على أنه: "لا يجوز إبعاد أي مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها".

ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن حرية التنقل تنخرط في مصاف الحريات العامة المصونة بالدستور والمحمية بمبادئه، وأن المساس بها أو تقييدها دون مسوغ مشروع إنما يجرد الحرية الشخصية من راسخ دعائمها ويقوض صحيح بنيانها، ومن ثم كان الحق في التنقل هو أصل للفروع المنصوص عليها في المادتين (50) و(51) من الدستور اللتين تحظران حرمان المواطن من الإقامة في جهة بذاتها، أو حمله على التوطن فيها إلا في الأحوال التي يبينها القانون، والتي لا تجيز إبعاده عن بلده أو منعه من العودة إليها ولو كان ذلك تدبيراً احترازياً لدرء خطورة إجرامية، كذلك أحالت المادة (52) من الدستور إلى القانون لتنظيم حق الهجرة إلى الخارج سواء بصفة دائمة أو مؤقتة، فهذه الحقوق جميعها مردها إلى الحق في التنقل وفرع منه الذي هو متصل بمفهوم الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها دون سند من الدستور أو نص من القانون، ومن ثم فلا يسوغ سوى للسلطة التشريعية وحدها دون غيرها تقدير وضع ضوابط ممارستها أو تقييدها، ولازم ذلك ومقتضاه أن يكون الأصل هو حرية التنقل والاستثناء هو المنع منه أو تقييده، وأن المنع من التنقل لا يملكه بحسب الأصل إلا قاض بموجب حكم، أو عضو بالنيابة العامة يعهد إليه القانون بذلك، شريطة توفر حالة من الحالات التي تقتضيها صيانة أمن المجتمع وحماية أفراده. 

ومن حيث إن البين من ظاهر الأوراق أن المطعون ضدهم وقد هالهم ما يعانيه الفلسطينيون في قطاع غزة المحاصر من أهوال جراء الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي عليهم، كما أنه ضرب على القطاع حصاراً خانقاً أغلق به كافة المعابر التي تربطه بباقي الأراضي الفلسطينية في الضفة وإسرائيل ودول الجوار، وتوقفت عجلة الاقتصاد الفلسطيني في ظل الرصاص المصبوب، فعانى أهل القطاع في ضوء تلاحم تلك المحن من النقص الشديد في الغذاء والكساء والدواء، فبادر المطعون ضدهم إلى جمع ما تصله أيديهم من مؤن وميرة أودعوها عدة قوافل لغوث هؤلاء الملهوفين ونجدة المحاصرين من أهل غزة الصامدين، وعقدوا العزم على مصاحبة هذه القوافل والتنقل بها إلى الحدود المصرية للفت أنظار العالم إلى معاناتهم الخانقة، بيد أن الجهات الأمنية - حسب الظاهر من الأوراق - قد منعتهم من مواصلة السير داخل الوطن منعاً أخفقت في تبريره بسند من نص في قانون أو مسوغ من دواعي الأمن وكفالته، الأمر الذي يكون معه مسلك الإدارة على نحو ما جنته يداها قد جاء مخالفاً للدستور ودون سند من القانون مشوباً بالانحراف في استعمال السلطة، وبذلك يكون ركن الجدية قد توافر في شأن طلب المطعون ضدهم في شقه الأول، مما يتعين معه وقف تنفيذ القرار المطعون فيه في هذا الشق من الدعوى، وإذ تعلق حرمان المطعون ضدهم بمباشرة حق كفله لهم الدستور يكون قد توافر أيضا في الطلب المشار إليه ركن الاستعجال، ويستوي من ثم طلب وقف التنفيذ قائماً على ركنيه صحيحاً قانوناً، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى هذا المذهب في هذا الشق من الدعوى فإنه يكون قد أصاب وجه الحق فيما قضى به بما يتفق مع أحكام الدستور والقانون.

بيد أنه عن طلب المطعون ضدهم تسليم محتويات قوافل الإغاثة الإنسانية لشعب غزة المحاصر عبر معبر رفح، فإنه عن ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه في هذا الشق من الدعوى، فإنه من المقرر في نطاق القانون الدولي أن قواعد الأخلاق والعرف الدوليين تحث الدول على المسارعة لغوث وعون سكان الدولة التي تتعرض لكارثة طبيعية كالزلازل والفيضانات، أو إنسانية كالأوبئة والمجاعات، أو حروب بما ينجم عنها من خراب وويلات، بل إن المجتمع الدولي قد نظم ذلك الغوث والعون إقراراً بما تمليه الأخلاق وما يجري به العرف، فعهد به إلى منظمات دولية كالصليب الأحمر أو الهلال الأحمر ومنظمة غوث وتشغيل اللاجئين، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني التي تعمل في المجال الإنساني والاجتماعي. 

ولا ريب في أن المسارعة من قبل مصر شعباً وحكومة تكون أوجب، والنجدة تكون أدعى، حين يكون الشعب المنكوب عربياً حيث وشائج القربى تكون حافزاً للعون وصرخة الدم النازف دافعاً للغوث، وتترى الدوافع وتتأجج المشاعر حين يكون الشعب العربي المنكوب هو الشعب الفلسطيني الذي قضى عقوداً طويلة يعاني الاحتلال والتهويد، وأجيالاً يعاني الأبعاد والتشريد، غير أنه لما كان مرور مواد الإغاثة وصنوف المساعدات من دولة إلى أخرى سواء من خلال أراضيها أو عبر حدودها، وإن جمعتها رابطة جغرافية واحدة أو رابطة دينية واحدة أو رابطة فكرية واحدة، يتعين ألا يكون مخالفاً لأحكام القانون الدولي بهتك سيادة الدولة على إقليمها وحدودها، أو خرقاً للإجراءات والنظم التي استنتها لذلك، وإنما يتعين ألا تكون الدوافع وأن نبلت، والنوازع وإن سمت في إيصال مواد الإغاثة ومد يد العون مسوغاً للمساس بسيادة الدولة على حدودها وخرقاً لنظامها الموضوع لإيصال هذه المواد إلى البلد المنكوب، سيما وإن كانت تتماس مع بلد لا زال يرزح تحت الاحتلال، ويجثم على أرضه عدو لا يرعوي بأحكام القانون، ولا يأبه بقيم أو أخلاق، ولا أمان له في حفظ العهود وصون العقود، الأمر الذي يقتضي ممن أراد إيصال مواد الإغاثة وتقديم صور العون التخلي عن زخرف الإعلام والتحلي بالانصياع لما وضعته الدولة من نظام في هذا الشأن، وذلك بتسليم تلك الإعانات إلى الجهات المحلية المعنية أو الوكالات الدولية المتخصصة لتتولى إيصالها إلى الشعب الفلسطيني المنكوب، ما دامت قد حسنت النية وسلمت الطوية ابتغاء مرضاة الله سبحانه الذي هو في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

ومن حيث إن اتفاقية المعابر المبرمة عام 2005 قد نظمت المعابر التي تربط الأراضي الفلسطينية بإسرائيل ودول الجوار، وهي رفح وبيت حانون والشجاعية والمنطار والقرارة والعودة وكرم أبو سالم، وهذه المعابر السبعة منها ما هو مخصص لمرور الأفراد والمرضى، ومنها ما هو مخصص لقوافل الإغاثة والمساعدات أو للدبلوماسيين ورجال الصحافة والإعلام، أو لمرور مواد الوقود أو لمرور البضائع أو مواد البناء، الأمر الذي يتعين معه تسليم محتويات قوافل الإغاثة والمساعدات المشار إليها إلى الجهات المحلية المختصة أو الوكالات الدولية المعنية لتتولى إيصالها للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وذلك بعد تأمين هذا الوصول للجهات المسئولة في القطاع لتتولى توزيعها على سكانه وفقاً لبرامج المساعدات المقررة، بما لا يسوغ للمطعون ضدهم المطالبة بإيصال تلك القوافل للشعب الفلسطيني بأنفسهم مباشرة، وتجاوز الحدود الدولية للبلاد دون إتباع الإجراءات المرسومة والقواعد الموضوعة لعبور الأفراد والمساعدات والمعونات، وإلا كانوا هم ومساعداتهم وقوداً لتلك الحرب دون أي حماية، ومن ثم يكون طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه في هذا الشق من الدعوى قد أفتقد ركن الجدية مما لا يجوز معه الحكم بوقف تنفيذه، دون حاجة لبحث مدى توافر ركن الاستعجال، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه خلاف ذلك فإنه يكون فيما قضى به في هذا النطاق قد خالف القانون ويتعين تعديله على نحو ما سيرد بالمنطوق.

ومن حيث إن من أصابه الخسر في طلباته يلزم مصروفاتها.

فلهذه الأسبـاب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجدداً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من منع المطعون ضدهم من التنقل داخل البلاد بصحبة قوافل الإغاثة إلى الحدود المصرية وتسليمها إلى السلطات المحلية المعنية، أو الوكالات الدولية المتخصصة، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وألزمت الطاعنين بصفاتهم والمطعون ضدهم المصروفات مناصفة.