جلسة 30 من مارس سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار / محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة / محمد أمين المهدى ومحمود عبد المنعم موافى وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم و د . محمود صفوت عثمان المستشارين

 

الطعن رقم 323 لسنة 33 القضائية

إختصاص – ما يدخل فى إختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى – قرار اعتقال أحد ضباط القوات المسلحة .

يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى بطلب التعويض عن قرار إعتقال أحد ضباط القوات المسلحة – أساس ذلك : أن إعتقال الضابط يكون مثل إعتقال أى فرد من الأفراد – تطبيق ( [1] ) .

 

إجراءات الطعن

فى يوم السبت الموافق 27/12/1986 أودع الأستاذ / .......... المحامى بصفته وكيلا عن الطاعنة سكرتارية المحكمة الإدارية العليا تقرير بالطعن قيد برقم 323 لسنة 33 ق عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى ( دائرة العقود الإدارية والتعويضات ) فى الدعوى رقم 5736 لسنة 37 ق بجلسة 30/11/1986 والقاضى بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها بحالتها إلى اللجنة القضائية لضباط القوات البرية لنظرها بإحدى جلساتها وابقت الفصل فى المصروفات وطلب أسباب المبينة فى تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون وإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى لنظرها مجددا بطلبات الطاعن مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات والأتعاب .

وقد أعلن الطعن على الوجه المبين بالأسباب وقدم المستشار / ................... مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضى الدولة بالرأى القانونى فى الطعن وقد رأت للأسباب المبينة به الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم إختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى فى شقها الخاص بطلب التعويض عن قرار الإعتقال وبإعادة الدعوى فى هذا الشق إلى محكمة القضاء الإدارى للفصل فيه وبرفض الطعن فيما عدا ذلك من طلبات مع إلزام طرفى الخصومة بالمصروفات مناصفة فيما بينهما .

وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 4/12/1989 وتدوول بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر وبجلسة 2/4/1990 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة وحددت لنظره جلسة 26/5/1990 حيث نظرته بهذه الجلسة وفيما تلاها من جلسات وبجلسة 22/12/1990 قضت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع برفض الطعن فى الشق الخاص بالطعن فيما قضى به الحكم من عدم إختصاص المحكمة ولائيا بنظر التعويض عن قرار إحالته إلى المعاش وإحالة الدعوى فى هذا الشق إلى اللجنة القضائية لضباط القوات المسلحة المختصة مع إلزام الطاعن بمصاريف هذا الشق وأمرت بإعادة الطعن للمرافعة لجلسة 26/1/1991 فى الشق الخاص بطلب التعويض عن قرار اعتقال الطاعن لمناقشة الطرفين ونظرته المحكمة فى هذه الجلسة والجلسات التالية وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوما لسماعه من مرافعات وإيضاحات قررت حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم 30/3/1991 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على اسبابه عند النطق به .

 

المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق ، وسماع المرافعة ، وبعد المداولة .

ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة سبق بيانها تفصيلا فى الحكم الصادر من المحكمة بجلسة 22/12/1990 وتخلص فى أنه بتاريخ 14/9/1982 قد أقام الطاعن الدعوى رقم 5736 لسنة 37 القضائية طالبا الحكم على المطعون ضدهما بأن يدفعا له مبلغ خمسين ألف جنيه كتعويض عن إعتقاله ثم احالته إلى التقاعد من وظيفته العسكرية دون سبب مشروع وأوضح فى عريضة دعواه أنه تخرج من الكلية الحربية سنة 1948 وألتحق ضابطا بسلاح المشاة وظل يقوم بعمله بكفاءة وأشترك فى الحروب التى دخلتها مصر وظل يترقى حتى بلغ رتبة العقيد فى سنة 1965 وعقب النكسة بمصر سنة 1967 والخلاف الذى نشب بين رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة أطيح بعدد من ضباط القوات المسلحة فصدر قرار أعتقاله ليلة 23/7/1967 وأودع الكلية الحربية وظل معتقلا حتى 29/5/1968 دون أن ينسب إليه جرم أو يوجه إليه إتهام كما أتخذ قرار اعتقاله ذريعة لإنهاء خدمته بغير الطريق القانونى حيث صدر القرار الجمهورى رقم 1469 – 1965 بتاريخ 15/8/1967 بإحالته إلى المعاش دون أى سند قانونى لذلك واضاف أنه لحقه من جراء اعتقاله ثم إحالته إلى المعاش أضرارا بالغة بعضها مادى وأهمها وأكثرها أدبى وقد تعددت آثار هذه الأضرار شخصه إلى أفراد أسرته وأولاده خاصة وأن الجو الذى كان يسود البلاد من أرهاب وظلم كان يستحيل معه عليه أن يلجأ إلى القضاء لينصفه ويعوضه عما لحقه من ظلم وما أصابه من أضرار مادية ومعنوية من جراء اعتقاله ثم إحالته إلى المعاش والذى يقدره كحد أدنى بمبلغ خمسين ألف جنيه كتعويض عن الأضرار التى لحقت به وبجلسة 30/11/1986 قضت محكمة القضاء الإدارى بعدم إختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى اللجنة القضائية لضباط القوات المسلحة البرية واقامت قضاءها على أن الملابسات التى صدر فيها القرار المطعون فيه بالإستغناء عن خدماته بالقوات المسلحة فى 15/8/1967 وما صاحب القرار المشار إليه من إجراءات وتحقيقات تكون قد أجريت سابقة على صدوره تجرد واقعة الاعتقال – إن صحت – من استقلالها وتربطها بالقرار الصادر بالإستغناء عن خدماته مما يجعل الواقعة برمتها من اختصاص اللجان القضائية للقوات المسلحة . وإذ طعن الطاعن فى هذا الحكم فقد أصدرت هذه المحكمة بجلستها المنعقدة فى 22/12/1990 حكمها السابق الإشارة إليه برفض الطعن فى الشق الخاص بالطعن فيما قضى به الحكم من عدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر طلب التعويض عن قرار احالته إلى المعاش وإحالة الدعوى فى هذا الشق إلى اللجنة القضائية لضباط القوات المسلحة المختصة مع إلزام الطاعن بمصاريف هذا الشق وإعادت الدعوى للمرافعة فى الشق الخاص بالتعويض عن قرار اعتقاله لمناقشة الخصوم يؤيد ذلك على أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بالنسبة لربط واقعة الاعتقال بقرار احالته إلى التقاعد على افتراضات لا يظهر من الأوراق مدى ما يقوم عليها من دليل ولا يوجد لها سند من الأوراق فضلا أن واقعة اعتقال الطاعن لا يمكن أن تدرج فى عداد المنازعات المتعلقة بضباط القوات المسلحة التى ينعقد الاختصاص بنظرها للجنة القضائية المختصة بالقوات المسلحة طبقا لأحكام القانونين رقمى 96 / 1971 و 71 لسنة 1975 بتنظيم وتحديد اختصاصات اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة ذلك أن مناط اعتبار المنازعة من عداد المنازعات الإدارية المنوة عنها أن تتعلق بامر من أمور الضباط الوظيفية التى تنظمها قوانين شروط هيئة الضباط الأمر الذى لا تتوافر فى حالة اعتقال الضباط لاسباب سياسية حيث لا يعدو الضابط ازاء القرار الصادر باعتقاله فى هذه الحالة أن يكون مثله فى ذلك مثل أى فرد عادى من الأفراد مما يعقد الاختصاص بشأن المنازعة فى قرار اعتقاله إلى القضاء الإدارى .

ومن حيث إن من المبادئ الأساسية المقررة فى ظل النظام القانونى المصرى والدساتير المصرية المتعاقبة منها دستور سنة 1964 الذى صدر فى ظله قرار اعتقال الطاعن أن الحرية الشخصية مصونة ، وأن العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا توقع العقوبات إلا وفقا للقانون وبأحكام من السلطة القضائية ، وأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته ، وأن الإدارة العاملة تخضع لمبدأ الشرعية وسيادة القانون ( المواد 25 ، 26 ، 27 ، 28 من دستور سنة 1964 ) .

ومن حيث إن من المستقر فى قضاء هذه المحكمة أنه وإن كان الأصل أن عبء الإثبات يقع على عاتق المدعى إلا الأخذ بهذا الأصل على إطلاقه فى مجال المنازعات الإدارية لا يستقيم مع واقع الحال بالنظر إلى أنه طبقا للتنظيم الإدارى ووفقا للقواعد واللوائح المنظمة لأداء الوظيفة الإدارية وبصفة خاصة تلك المنظمة لشئون الأفراد فإنه تحتفظ الإدارة فى غالب الأمر بالوثائق والمستندات الخاصة بكل شئون العاملين لديها وبصفة خاصة بالوثائق والمستندات ذات الأثر الحاسم فى المنازعات الإدارية لديها فإن من المبادئ المستقرة فى القضاء الإدارى المصرى أن الإدارة تلتزم بتقديم سائر الأوراق والمستندات المتعلقة بموضوع النزاع والمنتجة فى إثباته إيجابا أو نفيا متى طلب منها ذلك وقد رددت قوانين مجلس الدولة المتعاقبة ذلك فإذا نكلت عن تقديم الأوراق المتعلقة بموضوع النزاع فإن ذلك يقيم قرينة لصالح المدعى تلقى عبء الإثبات على عاتق الحكومة .

ومن حيث إن جهة الإدارة لم تقدم ما لديها من أوراق خاصة بواقعة الاعتقال وإنما اتخذت موقفا سلبيا طوال مراحل نظر النزاع مكتفية بما أبدته من دفاع فى شقها الخاص بالتعويض عن قرار احالته إلى التقاعد من وظيفته العسكرية متمسكة بدفعها بعدم إختصاص القضاء الإدارى بنظر الدعوى بشقيها ولا يسوغ قانونا لجهة الإدارة أن تستفيد من هذا الموقف السلبى بعدم تقديم الأوراق الخاصة بقرار اعتقال الطاعن والملابسات والأسباب التى قام عليها لإقامة قرينة على عدم صحة واقعة اعتقال الطاعن خاصة بعد أن قدم فى حافظة مستنداته الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا ( فى الطعن رقم 34 لسنة 24 قضائية عليا بجلسة 28/5/1983 ) والذى تتماثل وقائعه من وقائع الدعوى الماثلة وصادر فى الدعوى التى أقامها العميد متقاعد ......... والذى أحيل إلى التقاعد بموجب القرار الجمهورى رقم 147 لسنة 1967 الذى أحيل بمقتضاه الطاعن إلى التقاعد بهدف تعويضه عن قرار إحالته إلى التقاعد وعن قرار اعتقاله خلال الفترة من 24/7/1967 حتى 26/5/1968 وهى تطابق تقريبا الفترة التى يطالب الطاعن بالتعويض عن إعتقاله خلالها وقد قضت لصالحه المحكمة الإدارية العليا فى حكمها المشار إليه بالتعويض المؤقت عن قرار اعتقاله الأمر الذى يقيم قرينة لصالح الطاعن على صحة ما أورده بشأن واقعة اعتقاله ولا يجوز لجهة الإدارة اتخاذ هذا الموقف السلبى بالنسبة للطاعن للتوصل إلى نفى أو إنكار واقعة إعتقاله خلال الفترة التى يطالب بالتعويض عنها .

ومن حيث إن أوراق الدعوى تكشف عن أن المدعى أعتقل خلال الفترة من 23/7/1967 وظل معتقلا حتى 29/5/1968 ولم تقدم جهة الإدارة ما لديها من أوراق تنفى صحة هذه الواقعة أو لبيان سلامة الأسباب والمبررات التى قام عليها حتى تبسط عليها المحكمة رقابتها الأمر الذى يخلص منه أن قرار اعتقال الطاعن خلال الفترة المشار إليها لم يقم على سند صحيح من الوقائع ويعتبر بالتالى قد صدر مخالفا للقانون الأمر الذى يتحقق معه ركن الخطأ فى المسئولية الإدارية .

ومن حيث إن تفريعا على مبدأ سيادة القانون وخضوع الدولة لأحكامه أن الدولة مسئولة عن التعويض عن الأضراار الناجمة عن قرارات الإدارة العاملة التى تصدر غير مشروعة ومشوبة بالمخالفة للقانون مسئولية الإدارة بالتعويض عن القرارات الإدارية منوطة بأن يكون القرار غير مشروع وأن يترتب عليه ضرر وأن تقوم علاقة السببية بين عدم مشروعية القرار – أى بين خطأ الإدارة – وبين الضرر الذى أصاب المضرور.

ومن حيث إن خطأ جهة الإدارة ثابت بإصدارها قرار اعتقال الطاعن دون سند صحيح من القانون ومما لا شك فيه أن هذا القرار قد ألحق بالطاعن أضرار أدبية ومادية تتمثل بصفة عامة فى فقده دون سبب مشروع لحريته الشخصية وهى من الحقوق الطبيعية التى حرصت الدساتير المتعاقبة على صيانتها وعدم المساس بها باعتبارها أثمن ما يعتز به الأنسان فضلا عن ألام النفس التى تحمل بها وتحملت بها أسرته وأطفاله الذين لهم حقوق طبيعية فى أن يعيشوا فى كنف أسرة متكاملة الأفراد على قمتها رب الأسرة الذين يكونون فى أشد الحاجة إلى رعايتها هذا فضلا عما ألحقه هذا الاعتقال بشخصه من اضرار كما أنه مما لا شك فيه أن أسرته تحملت خلال فترة اعتقاله نفقات ما كانت تتحمل بها إذا لم يكن قد تم اعتقال الطاعن ومن ثم يكون الطاعن محقا فى طلب التعويض عن اعتقاله والذى تقدره المحكمة بمبلغ ثلاثة ألاف وخمسمائة جنيه شاملا التعويض عن جميع الأضرار الأدبية والمادية التى لحق بالطاعن .

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه خالف هذا المذهب فى شقه الخاص بالتعويض عن قرار اعتقال الطاعن فيكون قد صدر مخالفا للقانون ويتعين لذلك إلغاؤه فى هذا الشق منه مع الحكم بإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدى للمدعى ( الطاعن ) مبلغ ثلاثة ألاف وخمسمائة جنيه كتعويض شاملا عن قرار اعتقاله مع إلزام جهة الإدارة بمصروفات هذا الشق فى الدعوى إعمالا لنص المادة ( 184 ) من قانون المرافعات المدنية والتجارية .

 

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم اختصاص القضاء الإدارى بنظر التعويض عن قرار اعتقاله وإلزام المطعون ضدهما بأداء ثلاثة ألاف وخمسمائة جنيه للطاعن كتعويض شامل عن الأضرار التى أصابته بسبب اعتقاله الفترة من 23/7/1967 حتى 29/5/1968 وألزمت المطعون ضدهما مناصفة بمصروفات هذا الشق من الدعوى .

 

 



[1] راجع الحكم الصادر بجلسة  22/12/1990 فى الطعن رقم 323 لسنة 33 ق القاضى بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر طلب التعويض عن قرار إحالة ضابط بالقوات المسلحة إلى المعاش ، ورفض فكرة الإرتباط بين قرار الإعتقال وقرار الإحالة للمعاش كأساس لعدم الاختصاص بقرار الاعتقال .